محاضرات

محاضرة لقائد فوج المغاوير في مؤتمر SOFEX
إعداد: ريما سليم ضوميط

التحديات المستقبليّة في محاربة الإرهاب ودور القوات الخاصة

 

«التحديات المستقبلية في محاربة الإرهاب ودور القوات الخاصة» عنوان المحاضرة التي ألقاها قائد فوج المغاوير العميد الركن شامل روكز في فندق «الرويال» في عمّان خلال المؤتمر الإفتتاحي لمعرض SOFEX.


ماهية الإرهاب
بدأ العميد الركن روكز محاضرته مستشهدًا بقول لوزير الخارجية الأميركي السابق كولين باول «يجب أن تشنّ الحرب على الإرهاب على جميع المستويات، باستخدام كل الوسائل الحكومية المتاحة وحتى النهاية». ودعم فكرته بكلام للرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك يؤكّد فيه أنّه «إذا أطلقنا يد الإرهاب في إفساد المجتمعات الديمقراطية وتدمير القواعد الأساسيّة للحياة الدولية فإنّه سيعيدنا إلى عصور اعتقدنا أنّها ولّت منذ زمن طويل».
بعدها عرّف المحاضر بالإرهاب، موضحًا أنه على الرغم من اختلاف مفهومه بين الدول والفقهاء في القانون، فإنّ الكل يجمع على كونه يسعى إلى التأثير في حالة المجتمع وبثّ الذعر بين الناس، وإلى خلق القوة عبر استخدام الإعلام، مشيرًا إلى أنّ أهدافه هي في معظمها سياسيّة وموجّهة نحو الإستئثار بالسلطة، في حين أنّ ضحاياه هم في الغالب من المدنيّين والأشخاص العُزَّل. وأضاف أنّ الإرهاب بالنسبة إلى العسكريين هو تهديد استراتيجي للأمن الوطني الداخلي، يخلّ بالتوازن القائم ويشيع حالة من عدم الإطمئنان في المجتمع. وقدّم أمثلة عن العمليات الإرهابيّة في العالم، من بينها هجمات الحادي عشر من أيلول في نيويورك وواشنطن، تفجيرات مدريد ولندن، وعمليّات قتل في تولوز (فرنسا)، وبمباي (الهند)، وغيرها، موضحًا أنّ الإرهاب لا دين له، ولا يقتصر على مجتمع دون سواه.

 

دائرة الإرهاب
تناول المحاضر في حديثه «دائرة الإرهاب» مشيرًا إلى أنّ المجتمع وعامّة الشعب، بشكل عام، هما الخزّان الأساسي الذي يستمدّ منه الإرهابيّون قوّتهم ومناصريهم، فيبنون أسسهم على حوافز دينيّة ونفسيّة، ويدعمونها بحوافز ثانويّة كالتفاوت الإقتصادي والفقر والحرمان والإضطهاد الديني والنقص في التمثيل السياسي. بعدها تقوم الخلايا الإرهابيّة بالبحث عن الدعم، فتجده أحيانًا في دول تدعمها وتموّلها، وتجد ملاذات آمنة في دول أخرى تصبح بالتالي مهدّدة، على الرغم من امتلاكها بعض القدرات لمكافحة الإرهاب.
وأضاف، أنّ الإرهاب يتطوّر فينتقل من المحلّي إلى الإقليمي، خصوصًا بعد الاتصال بشبكات إرهابية عالميّة، فيطوّر الإرهابيون أجهزة القيادة والسيطرة لديهم، ويقيمون مراكز التدريب والعمليّات، ويدعمون عمليّاتهم لوجستيًا وماديًا بواسطة منظّمات داعمة. كما يسعى البعض منهم إلى امتلاك أسلحة دمار شامل، فيتحوّل الإرهاب من إقليمي إلى دولي، ويؤدّي نجاح العمليات التي ينفّذها إلى التأثير في المحيط وزيادة عمليّة التجنيد بعد ايجاد تبريرات لأفكاره الإيديولوجيّة.

 

الحرب العالمية على الإرهاب
في موضوع الحرب العالميّة على الإرهاب، أكّد العميد الركن روكز أن العالم الحديث المتطوّر هو في خضمّ هذه الحرب. وأوضح أن الإرهاب هو صراع عالمي حيث تُستدعى القوات الخاصة لتأدية دور هام بسبب تجهيزاتها المتطوّرة وقدراتها الجسديّة العاليّة ومناعتها النفسيّة ومعنويّاتها المرتفعة. كما أكّد أنّه لا يمكن مقاربة عمليّة مكافحة الإرهاب إلاّ من خلال تعدّديات مختلفة تشمل تعدّدية المحاور والأوطان والأبعاد.
وأضاف أنّ عمليّة مكافحة الإرهاب تحتاج إلى عدّة أدوات عسكريّة وسياسيّة وأمنيّة وحدوديّة واستخباراتيّة، إضافة إلى الأدوات المعنويّة والنفسيّة والإجتماعيّة والإقتصاديّة والقانونيّة، مع إعطاء الجهد الأكبر للأدوات الديبلوماسيّة.

 

المفهوم اللبناني للإرهاب والتهديدات المحتملة
على صعيد آخر، حدّد العميد الركن روكز المفهوم اللبناني للإرهاب، ألا وهو الإستخدام المتعمّد للعنف أو التهديد ضد المدنيين العزّل لخلق حالة رعب وخوف في المجتمع بغية تحقيق أهداف وغايات سياسية. وتطرّق إلى أكثر الأساليب الإرهابية إستخدامًا وهي الحرق المتعمّد، التخريب، الخطف، الإغتيال، استخدام العبوات غير النظامية والمتفجرات، إضافة إلى الإغارة والكمين، والإستيلاء على الأبنية والمؤسسات.
وعن التهديدات الإرهابية المحتملة للبنان، أشار المحاضر إلى نوعين منها: خارجية وداخلية. وتتمثّل الأولى بعنصرين، أولهما الإرهاب الدولي، حيث تسعى منظمات إرهابية إلى تقويض السلم الأهلي وإلحاق الأذى بالمجتمع، والثاني هو العدو الإسرائيلي الذي يسعى إلى اختراق المجتمع اللبناني وافتعال المشاكل فيه بغية تهديد وجوده.
أما عن التهديد الداخلي، فأوضح المحاضر أنه يتمثّل بالجماعات المتطرّفة التي تسعى إلى الإنتشار في المناطق حيث يتدنّى تأثير السلطة ووجودها، أو حيث تتكاثر المجموعات الدينية المتطرّفة. وأضاف أن بعض هذه الجماعات على درجة عالية من التنظيم ولها علاقات مع قوى خارجية، وبعضها الآخر يتميز بتنظيم ظرفي قادر على النمو والتطوّر ما لم يعالج بصورة فورية. وشدّد العميد الركن روكز على أن المقاومة ليست إرهابًا.

 

مواجهة الإرهاب
أشار المحاضر إلى أن الإرهاب الذي تعانيه الدولة اللبنانية، بدءًا من إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل مرورًا بالإرهاب الداخلي، وصولاً إلى المنظمات الأصولية، يستدعي تضافر الجهود على جميع المستويات للتخطيط الإستراتيجي كما التكتي في مواجهة جميع التحدّيات.
وأضاف أن الدولة اللبنانية حدّدت استراتيجية معيّنة لمكافحة الإرهاب، معتمدة على تقنيات مختلفة كجمع المعلومات واتخاذ التدابير الوقائية والاستباقية، إضافة إلى تفعيل عمل الاستخبارات وتعزيز القوة العسكرية مع المحافظة على قنوات ديبلوماسية متينة، للوصول إلى الهدف النهائي المرجو، ألا وهو الحماية والأمن والسيادة.

 

دور القوات الخاصة
في محور آخر، تناولت المحاضرة لمحة تاريخية عن فوج المغاوير، أقدم وحدة خاصة في الجيش اللبناني، حيث تم إنشاؤه العام 1966.
وأشار المحاضر إلى أن الفوج المؤلف من 12 سرية، متخصّص في حرب العصابات ومكافحتها، وفي القتال الجبلي، والقتال في الأماكن المبنية، إضافة إلى القتال خلف خطوط العدو. وعرض المهمات الرئيسة التي نفّذها الفوج .
وتطرّق إلى دور القوات الخاصة في لبنان في محاربة الإرهاب، مؤكدًا أهميته الكبيرة، كونه يرتكز إلى الإرادة السياسية وقناعاتها، ما يمنحه الشرعية والغطاء الضروريين. وأشار إلى مشاركة القوات الخاصة اللبنانية في عمليتين كبيرتين ضد الإرهاب في كل من الضنيّة العام 2000 ونهر البارد العام 2007، موضحًا أن استخدام القوّة اقتصر حتى الآن على الدفاع عن النفس (أهداف عسكرية أو مصالح حكومية تعرّضت للهجوم أولاً).
وأكد أن العمليات الخاصة ضد الإرهاب في لبنان اتخذت وجهًا دوليًا، كون غالبية الإرهابيين الذين شاركوا في العمليات هم من جنسيات دولية مختلفة. وأضاف أن للقوات الخاصة اللبنانية أربعة أدوار أساسية في محاربة الإرهاب، وهي تشمل الرد الداخلي من خلال مجموعات التدخّل التكتية، والإنتشار العملاني، وبناء القدرات وبرامج التدريب المستمرة، إضافة إلى التواصل مع المجتمع المدني وتحضير الرأي العام للمساهمة في مكافحة الإرهاب.
وتحدث المحاضر عن الخصائص التي تساعد القوات الخاصة اللبنانية في حربها ضد الإرهاب، من القدرات الجسدية العالية إلى المعنويات المرتفعة، مشيرًا إلى أن عناصر هذه الوحدات يتقنون مهارات تفوق تلك المتوافرة عند الوحدات العادية، يتجاوزون أنفسهم باستمرار، لديهم ثقة عالية بالنفس، وثقة تامة بالقدرات، وخبرة عالية. ( وهم يسعون بشكل متواصل إلى تطوير قدراتهم عبر التدريب)، ويعملون كفريق، ولديهم القدرة على اجتياز جميع الصعوبات ، كما أن شغفًا فريدًا يميّز حياتهم العسكرية.

 

إجراءات أساسية ضد الإرهاب
في الإطار نفسه، قدّم المحاضر نماذج عن تدخّل القوات الخاصة لمكافحة الإرهاب وذلك ضمن الإجراءات اللبنانية الاساسية في هذا المجال، فأشار إلى معركة الضنية، حيث قامت الوحدات الخاصة اللبنانية بالرد على اعتداء من منظمة إرهابية في جرود الضنية قامت بقتل عسكريين وخطف ضابط.
وإلى معركة نهر البارد، حيث قام تنظيم فتح الإسلام (حوالى 1000 مقاتل) بالإعتداء على مراكز الجيش، مستخدمًا مخيم اللاجئين الفلسطينيين ملاذًا آمنًا لإطلاق عملياته الإرهابية، فانتقلت وحدات فوج المغاوير، ومن بعدها وحدات فوجي المجوقل ومغاوير البحر إلى بقعة العمليات وقضت على التنظيم الإرهابي، بعد معارك عنيفة دامت حوالى الـ107 أيام، سقط خلالها 176 شهيدًا للجيش اللبناني.
كما أنّ القوى الأمنية مدعومة بعناصر ومجموعات من القوات الخاصة، قامت بعمليات أمنية نوعيّة واستباقيّة، منها على سبيل المثال لا الحصر:
• القبض على شبكات تجسّس إسرائيليّة.
• توقيف مخطّطي تفجيرات طرابلس.
• توقيف المجموعات المسؤولة عن عمليّات خطف.
• اعتراض سفينة محمّلة أسلحة.

 

الأمن الوطني وترسيم «المناطق الساخنة»
في ختام محاضرته، تطرّق العميد الركن روكز إلى الأخطار والتهديدات التي يعانيها الكيان اللبناني، وقد شرحها على الشكل الآتي:
• الخطر الإسرائيلي: ويجب التمييز بين الخطر العسكري الذي يتمثّل بالوجود العسكري الإسرائيلي على الحدود الجنوبيّة اللبنانيّة، واحتلال جزء من الأراضي اللبنانية وانتهاك السيادة يوميّا بأشكال مختلفة، وبين الخطر الإرهابي الذي تشكّله إسرائيل: إرهاب الدولة. ويقوم هذا الأخير على عمليات التجسّس والإغتيالات، وتدمير المدن غير المبرّر، واستهداف المواطنين المدنيّين واستعمال القنابل العنقوديّة.
• القضية الفلسطينيّة: يجب التمييز والفصل بين مسألة اللاجئين الفلسطينيين العزّل والمجموعات المسلّحة التي وجدَت في المخيمات الفلسطينيّة ملاذًا آمنًا لانتهاك سيادة الدولة اللبنانيّة، واحتواء المجموعات الإرهابيّة والتخطيط لعملياتها والانطلاق في تنفيذها داخل الأراضي اللبنانية وخارجها.
• المسألة السورية: نفصل بين المدنيين العزّل القادمين إلى لبنان بهدف ايجاد الأمن والاستقرار، وبين المقاتلين المنطلقين من الأراضي السوريّة وإليها، بهدف القيام بعمليات عسكريّة، إضافة إلى عمليات التهريب المختلفة من مخدرات وأشخاص وأسلحة.

 

الأدوار المستقبليّة وآفاقها
في خلاصة المحاضرة، رأى العميد الركن روكز أنّ التهديدات الشرق أوسطية الخطيرة تستدعي تعاونًا عسكريًا إقليميًا متينًا لمحاربة الإرهاب بطريقة منسّقة وموحّدة، بغية خلق منطقة آمنة. وأكّد أنه من الضروري معالجة الأسباب التي تولّد الإرهاب من بينها الفقر، والقضية الفلسطينيّة، وظلم الأنظمة الحاكمة، والإيديولوجيّات المتطرّفة.
وفي ملاحظة حول «الربيع العربي»، أوضح المحاضر أنّ «القاعدة» تحاول الظهور أمام مناصريها بمظهر القوة المحرّكة والقياديّة للربيع العربي وهي تسعى إلى تركيز جهودها في البلدان غير المستقرّة لتجد لنفسها فيها ملاذات آمنة للتّحرك.
وختم بمقولة لكوفي أنان: «هجوم إرهابي ضد دولة معيّنة هو هجوم على البشريّة جمعاء».