أسماء لامعة

محمد الخطيب: حالة عشق تربطني بالجيش
إعداد: تريز منصور

بين الريشة والقلم والخشبة خطّ إبداعي متواصل

رسام، شاعر، كاتب مسرحي وناقد. خلال مسيرة حياته التي يتابعها اليوم بهدوء مستكينًا في محترفه، أبدع في العديد من المجالات.
جسّدت ريشته الطبيعة والحب والقضايا الإنسانية والفكرية، وخطّ قلمه أجمل الأبيات في الغزل والحب والوطن ...
إنه الفنان محمد الخطيب، المتعدد المواهب الذي لا يخفي حسرته على ما آلت إليه أحوال الفن والشعر بعد ايام عز ومجد.

 

شمس ودهشة
ولد الشاعر محمد الخطيب في بلدة برجا في إقليم الخروب - قضاء الشوف العام 1937.ولادته هناك كانت صدفة، فقد حصلت خلال زيارة والديه بلدتهما.
 والده علي الخطيب (كان عسكريًا في قوى الأمن الداخلي)، أما والدته فضيلة حمود فكانت ربّة منزل. وهو الولد الثالث لعائلة مؤلفة من تسعة أولاد.
ترعرع الخطيب في مدينة الشمس بعلبك وتأثر بطبيعتها الخلابة، وأدهشته أعمدة قلعتها الأثرية. جاب شوارعها مئات المرات صباحًا على دراجته الهوائية، فاختزنت ذاكرته صورها الجميلة، واستوحى منها عشرات اللوحات وهو في العاشرة من عمره.
قبل بعلبك كان والده يؤدي خدمته العسكرية في عين زحلتا وهناك تلقى علومه الإبتدائية في مدرسة للراهبات، وبعد الإنتقال إلى بعلبك تابع دراسته في معهد مار مارون، أما علومه التكميلية والثانوية فتلقاها في مدرسة بعلبك الرسمية.
كان التلميذ الموهوب يرسم في الصف وفي معظم الحصص، وكان الأساتذة يوجّهون إليه الملاحظات في معظم الأحيان، ولكنهم كانوا يغضّون الطرف أحيانًا لأنهم كانوا معجبين بلوحاته وبأسلوبه في الرسم.
تتلمذ على يد الرسام الكبير رشيد وهبي في بعلبك، وبدأ يرسم اللوحات وهو في سن العاشرة من عمره، وطلائع معارضه الـ 15 في تلك الفترة كانت وهو في سن الخامسة عشرة، وقد تضمّنت لوحات جميلة تنوعت مواضيعها بين الطبيعة والناس والحيوانات.
تنقّل بأعماله الفنية في تلك الفترة بين بعلبك، بيروت وصيدا، ثم غادر إلى مصر حيث درس في معهد الفنون الدولية في القاهرة، وحاز ديبلومًا في فن الرسم والكاريكاتور بدرجة ممتاز.
العام 1969 تزوّج الرسام محمد الخطيب طالبته في دار المعلمين والمعلمات في صيدا السيدة ذكاء الحر (استاذة في الأدب والمسرح وعلم الإجتماع في الجامعة اللبنانية)، وأنجبا ثلاثة أولاد، باسل (إجازة في الهندسة الزراعية، وأخرى في سلامة الغذاء، يعمل مع الأمم المتحدة ومقيم في فيينا)، أياد (دكتوراه في هندسة الكومبيوتر والإتصالات، مقيم في إيطاليا)، رنين (ماستر باللغة الإنكليزية وآدابها، وتحضّر لرسالة الدكتوراه).
ورث أفراد العائلة الموهبة عن الوالد، وشاركوا في الأعمال المسرحية التي أعدّها وأخرجها.

 

مسيرة التألق والعطاء
بعد عودته إلى لبنان أنشأ عدّة محترفات في صيدا وبيروت، وراحت ريشته تجسّد ما اكتنزته الذاكرة من جماليات طبيعة بعلبك وإنسانها وقضاياها الإجتماعية والفكرية، ولعلّ من أبرز لوحاته، لوحة مراحل بنيان قلعة بعلبك، ومجموعة لوحات ملحمية حول مواضيع وطنية، ولا سيما الإجتياح الإسرائيلي، وما واجهه الشعب اللبناني خلاله من إنتهاكات لحقوقه، ومن إذلال لكرامته لكن هذه اللوحات لم تعرض لغاية اليوم.
أما لوحة «المعجزة» والتي تجسّد مآسي الحرب اللبنانية وويلاتها، ومعجزة بزوغ فجر الأمل وسط الركام، فقد أدرجت في موسوعة « مئة عام من الفن التشكيلي في لبنان 1880 - 1990 - الجزء الثاني».
أقام الخطيب عدة معارض، ناهز عدد الخاص منها الخمسين معرضًا، إضافة إلى معارض مشتركة في لبنان وخارجه، إنطلاقًا من الدول العربية، وصولاً إلى أوروبا وأميركا. وقد لاقت لوحاته الكثير من الإعجاب من قبل المجتمع الغربي، نظرًا إلى طريقة مزج الألوان فيها وفرادة مواضيعها.
 لم يكن لطموحه في تحصيل العلم حدود، فانتسب إلى كلية الآداب في الجامعة اللبنانية، وحاز إجازة في اللغة العربية وآدابها العام 1963.
وتابع مسيرته الفنية، ولكن هذه المرة في المجال الأكاديمي، حيث بدأ بتعليم مادتي الرسم والمسرح (في الستينيات) في دار المعلمين والمعلمات في صيدا وبيروت. كما درّس في معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية منذ العام 1974، ولغاية بلوغه سن التقاعد العام 2001.

 

المسرح والشعر
شغف الرسام الخطيب بالرسم لم يصرفه عن الشعر والمسرح. ففي الشعر أصدر العام 1982  «ديوان محمد علي الخطيب» (ثلاثة أجزاء، والجزء الرابع في طور الطباعة)، إضافة إلى مجلد في «المسرح الشعري».
أما في المسرح، فقد كتب نحو ستين نصًا مسرحيًا، ومن أبرز مسرحياته:
«الطعام»، «الكلاب»، «الزعيم»، «السلطان»، «بيت الشيطان»، «الندم»، «الجلاد»، «الطريق» و«الأفق»...
بعض مسرحياته تمّ ثمثيله في عدة دول عربية: «الطريق» في سوريا، و«الأفق» في العراق...).
كما أنه أسّـس مع عائلته العام 1973 فرقة مسرحية سمّاها «مسرح الجنوب»، وقدّمت عدة مسرحيات من إعداده وإخراج زوجته ذكاء وتمثيل أولاده... ومن هذه المسرحيات «الطعام» التي استشرفت الحرب الأهلية اللبنانية، وكذلك «على قارعة الطريق»، و«إلى قانا» (1997) إثر مجزرة قانا...
 استقطبت هذه المسرحيات جمهورًا كبيرًا، فنصوصها تحاكي الضمائر والوجدان، وتلامس القضايا الإنسانية والسياسية والإجتماعية التي يعيشها الشعب اللبناني.
وللخطيب عدة كتب منها «الصراع الأدبي مع الشعوبية»، وأبحاث في النقد الأدبي والفني، نشرت في عدة مجلات وصحف لبنانية وعربية، وكذلك مقالات وأحاديث حول فنه وشعره.
إضافة إلى غزارة إنتاجه، فإن الخطيب عضو ناشط في كل من «جمعية الفنانين للرسم والنحت»، «الجمعية العالمية للفنانين التشكيليين المحترفين»، «إتحاد الكتاب اللبنانيين»، «الإتحاد العام للأدباء والكتاّب العرب» و«حركة الحوار التضامني - لبنان والدول العربية».
تأثر محمد الخطيب بالمدارس الكلاسيكية في الرسم، وتميّزت لوحاته باللامركزية، فهو ينطلق من الألوان الثابتة الرئيسة (الأحمر والأزرق والأصفر)، ليشتقّ منها باقي الألوان. كما اشتهر بعملية التشريح، بحيث نجد التناسق الكامل بين أجزاء لوحته وألوانها وكائناتها (الإنسان، الحيوان والنبات).
تربط الخطيب بالجيش اللبناني «حالة عشق»، وهو يراهن عليه لخلاص لبنان ولمستقبل زاهر ومشرق. شارك في العديد من المعارض التي كانت تقام تحية للجيش في المناسبات الوطنية.
 يتابع اليوم في محترفه الكائن في مدينة صيدا، مسيرة الرسم وكتابة الشعر والمسرح، ولا يستبعد أن تكون هذه المرحلة من إنجازاته خاصة بالجيش اللبناني «خشبة خلاص» الوطن.