رحيل الكبار

محمَّد الماغوط إنكسر في محطة الإنتظار!
إعداد: غسان شديد

محمَّد الماغوط الذي رحل عنا عن 72 عاماً من الحزن والثورة... والأدب، لم يكن شاعراً بالمعنى التقليدي والعَمودي للكلمة، بل كان «شاعراً» على طريقة الخيميائيين الذين فشلوا في تحويل المعادن إلى ذهب، بينما نجح هو في تحويل النثر العادي إلى شعر يضجُّ بالأحاسيس، واضعاً إصبعه على الجراح العربية، وجراح موطنه بصورة خاصة، وراسماً بالدم ما يعجز عنه الكثيرون بالحبر.
أمضى عمره مناضلاً في سبيل ما اعتنقه من أفكار. وترك هذه الفانية، وفي عينيه وقلبه وكيانه حسرة ومرارة.
لم يستفد من مساعدة «الينابيع في جريانها، والحمائم المشرَّدة في بناء أبراجها»، فقد لازمه الحزن «لأنَّ قصائدي غدت متشابهة وذات لحن جريح لا يتبدَّل...».
ظلَّ طوال حياته وفيّاً لفورة دمه، ولقبضته المرفوعة في وجه الظلم والعالم الذي يفتقر إلى العدالة والفرص المتكافئة... وخصوصاً لتلك التراجيديا التي سكنته وتفاقمت مأساويَّتها يوماً بعد يوم.
من مكامن الدَّهشة التي انزرعت في كتاباته كأشجار الدِّفلى، كتب ذات يوم لوالده ما يُمكن اعتباره تأطيراً للوحة حياته: «مع تغريد البلابل وزقزقة العصافير، أُناشدك الله، يا أبي: دع جمع الحطب والمعلومات عني، وتعال لملم حطامي في الشوارع قبل أن تطمرني الرِّيح أو يُبعثرني الكنّاسون. هذا القلم سيقودني إلى حتفي. لم يترك سجناً إلا وقادني إليه، ولا رصيفاً إلا ومرَّغني فيه».
إنكسر محمَّد الماغوط كفسيفساء ملوَّنة في كنيسة مشرَّعة للنور. كتبوا الكثير الكثير في غيابه. إلا أن ما كتبه هو عن نفسه يظل الأبلغ: «لقد قضيت حياتي وأنا أنتظر حلول الليل، طلوع الفجر، الحب، تغريد الطيور، شروق الشمس، الإبداع، الإلهام، الهبوط، الإقلاع... إلا الذي أُحبُّه أن يعود فلا أرى له أيَّة بارقة أمل».
لكني على يقين أن الماغوط انطفأ هاهنا، لتضيء في السَّماء نجمة جديدة.

 

بطاقة هوية

وُلد محمَّد الماغوط في سلمية (حماة) سنة 1934، لأسرة فقيرة، وحصل على الشهادة الإعدادية من المدرسة الزراعية هناك.
عمل في الصحافة رئيساً لتحرير مجلة «الشرطة»، وهو عضو في جمعية الشعر.
تزوَّج من الشاعرة الراحلة سنيَّة صالح، وله منها إبنتان «شام»  و«سلافة».

مختارات من دفاتر أشعاره

 

* حبيبتي.
هم يُسافرون، ونحن ننتظر
هم يملكون المشانق، ونحن نملك الأعناق
هم يملكون اللآلئ، ونحن نملك النَّمش والتواليل
نزرع في الهجير، ويأكلون في الظل.
من «الفرح ليس مهنتي»

* وبعد أن أكتب كلَّ ما يُروى لي أقصُّ دفاتري على شكل زورق وأشرعة وصوارٍ وألقيها في عباب المجهول. ثم أنصرف إلى الصحراء لأعرف ماذا أفعل بها، أو ماذا أفعل معها.
رأسي ممتلئ حتى آخره بالأحلام والأمنيات ولم يعد فيه مكان لحلم جديد. وإذا ما وُجدت، فستدفع «خلو رجل» كما في الأماكن السياحية والتجارية.
من «البدوي الأحمر»

* إنني أكره الياقات العالية، والقبَّعات المحكمة، والأزرار المقفلة، والخناجر المغمدة، وحتى الأصابع المتشابكة في ضوء القمر تحت ظلال الزيزفون! دائماً أُقابل من أُحب ومن أكره، وأنا في أسوأ حالاتي. ساعدني، يا إلهي... خذ بيدي... بل خذها، وخذ المرفق والسَّاعد والكتف. فعندي أعضاء كثيرة لا لزوم لها.
من «البدوي الأحمر»

* كان أمامي شيئان لا ثالث لهما: العرب واسرائيل. هي دولة واحدة، ونحن 22 دولة.
هي عندها جيش واحد، ونحن 22 جيشاً.
هي عندها برلمان، ونحن 22 برلماناً.
هي عندها موقف واحد من المقاومة الفلسطينية، ونحن 22 موقفاً منها.
هي عندها تفسير واحد لكل قرارات مجلس الأمن، ونحن عندنا 22 تفسيراً لكل قرار من قرارات مجلس الأمن.
هي عندها سياسة واحدة تجاه كل دولة صديقة أو عدوَّة، ونحن عندنا 22 سياسة لكل دولة صديقة أو عدوَّة.
وهي عندها جهاز واحد للأمن، ونحن عندنا في كل شارع وكل مضرب بدو جهاز للأمن... مع ذلك، دائماً لا تراها إلا منتصرة علينا في كل مجال، ونحن لا ترانا إلا مهزومين نائمين على صدر تلك الدولة أو في أحضان ذلك المؤتمر.
من «سأخون وطني»

 

من أعماله

- حزن في ضوء القمر - شعر مجلة شعر بيروت 1959.
- غرفة بملايين الجدران - شعر مجلة شعر - بيروت 1960.
- العصفور الأحدب - مسرحية 6691 (لم تمثل على المسرح).
- المهرج - مسرحية (مثلت على المسرح) 1974، طُبعت العام 1998 من قبل دار المدى - دمشق.
- الفرح ليس مهنتي - شعر منشورات اتحاد الكتاب العرب - دمشق 1970.
- ضيعة تشرين - مسرحية لم تطبع مثلت على المسرح 1973 - 1974.
- شقائق النعمان - مسرحية.
- الأرجوحة - رواية نشرت العام 1974 - 1991 عن دار رياض الريس للنشر.
- غربة - مسرحية لم تطبع - مثلت على المسرح العام 1976.
- كاسك يا وطن - مسرحية لم تطبع - مثلت على المسرح العام 1979.
- خارج السرب - مسرحية دار المدى، دمشق 1999 مثلت على المسرح باخراج الفنان جهاد سعد.
- حكايا الليل - مسلسل تلفزيوني من انتاج التلفزيون العربي السوري.
- وين الغلط - مسلسل تلفزيوني من انتاج التلفزيون السوري.
- وادي المسك، مسلسل تلفزيوني.
- حكايا الليل - مسلسل تلفزيوني.
- الحدود - فيلم سينمائي انتاج المؤسسة العامة للسينما السورية، بطولة الفنان دريد لحام.
- التقرير - فيلم سينمائي من انتاج المؤسسة العامة للسينما، من بطولة الفنان دريد لحام.
- سأخون وطني - مجموعة مقالات 1987 - أعادت طباعتها دار المدى في دمشق العام 2001.
- مسافر عربي في محطات الفضاء - مقالات.
- سياق الزهور - نصوص - دار المدى، دمشق 2001.
- شرق عدن غرب الله - نصوص - دار المدي 2004.
- بدوي أحمر - نصوص - آخر أعماله.