من واقع الحياة

مخاطر التاتو كثيرة

هل يستحق الأمر المجازفة؟

 

شهدت ظاهرة الوشم أو ”التاتو“ انتشارًا واسعًا في لبنان خلال السنوات الأخيرة، إذ بات ينظر إليه البعض كأسلوبٍ للتعبير عن مكنونات الفرد وشخصيته وآرائه، وكرمزٍ للجمال والفن. رافق هذا الانتشار ازدهار عشوائي لصالونات ”التاتو“ أو بالأحرى ”مغاراته“، التي تغلغلت في المدن والأحياء، غالبًا من دون أي رقابة. وفي ظل غياب القوانين التي تنظم هذه المهنة أو تفرض شروطًا لممارستها، أصبح بإمكان أي شخص يرى في نفسه موهبة الرّسم، اقتحام هذا المجال بسهولة، بمجرّد إنشائه صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي لعرض ”أعماله الفنية“، من دون الحاجة إلى ترخيص رسمي أو شهادة معتمدة.

 

تُثير قضية الفوضى الحاصلة في عمليات الوشم عدّة تساؤلات حول جودة العمل ومدى التزامه معايير الصحة والسلامة، لا سيّما أنّ غياب الرقابة يعرّض لمخاطر صحية وأخطاء قد تكون كارثية. يُلحظ في هذا الإطار، أنّ أرقام الإصابات بمرض «الإيدز» سجّلت في السنوات الأخيرة، وبشكلٍ غير مسبوق، ارتفاعًا مقلقًا في لبنان، بعد أن كان يسجّل أدنى المعدلات عالميًا. ووفق مصادر رسمية، بلغ عدد الإصابات حوالي 3000 إصابة خلال العام 2023 ما فتح النقاش وبشكلٍ واسع حول أسباب هذا التفشي، حيث يُعزى جزءٌ كبير منه إلى التفلّت الحاصل في مهنة رسم التاتو واستخدام أدوات ملوّثة.

كابوس بعد حلم

أحد الضحايا الذين سقطوا في فخ «مغارات» الوشم، يروي قصته التي بدأت بحلمٍ بسيط وانتهت بكابوسٍ ثقيل.

يقول رامي إنّه أراد رسم وشمٍ على ذراعه، فاستجاب لنصيحة صديقٍ مقرّبٍ، وذهب إلى منزل شاب يدّعي امتلاك خبرة واسعة في هذا المجال. أُعجب رامي بالوشوم المرسومة على جسد الشاب، فظنّه محترفًا، وخضع بارتياحٍ لوخز إبرته الذي استغرق أكثر من ساعة، ليكتشف بعد سبعة أشهر أنّ فيروس الإيدز قد انتشر في دمه، كما فوجئ بأنّ صديقه قد أصيب أيضًا. وقد تبيّن لاحقًا أنّ الفيروس مصدره إبرة الوشم الملوثة، التي تم استخدامها لأكثر من زبون. وما عزّز هذه الفرضية هو اختفاء الشاب الذي وشمهما بعد علمه بالأمر.

تعكس قضيّة رامي، وهي واحدة من مئات مشابهة، حجم المخاطر الناجمة عن غياب الرقابة والتوعية، ما يسلّط الضوء على المسؤولية الكبيرة الملقاة على الأفراد في اختيار الأماكن الموثوقة والتأكد من سلامة الأدوات المستخدمة.

كيف تُصنع الوشوم؟

الوشم علامة دائمة أو رسم يُطبع على الجلد باستخدام حبر خاص. ويعتمد رسّامو الوشم عادةً أداة يدوية تعمل بطريقة مشابهة لماكينة الحياكة، من خلال إبرٍ تُغرَز في الجلد بشكلٍ متكرر، فتُدخِل مع كل وخزة، قطرات قليلة من الحبر في الطبقة العلوية من الجلد. تؤدّي هذه العملية إلى نزفٍ بسيط وألمٍ متفاوت الحدّة، إذ لا تُستخدم عادةً أي مواد مخدّرة.

 

ماذا عن المخاطر؟

تنطوي عملية رسم الوشم على اختراق الجلد، ما يزيد من خطر الإصابة بالعدوى الجلدية إضافةً إلى مشكلات صحية أخرى قد تظهر لاحقًا.

في هذا السياق، يؤكّد رئيس قسم الصحة والسلامة العامة في الطبابة العسكرية، النقيب الطبيب كلود الحايك، المتخصص في أمراض الجلد والجراحة الجلدية، أنّ الوشم قد يتسبب بمجموعة من الأمراض والمضاعفات الصحية، لا سيما عند إجرائه في بيئة غير صحية أو باستخدام أدوات غير معقّمة. ويوجز أبرز مخاطر الوشم على الشكل الآتي:

- الأمراض المعدية مثل التهاب الكبد B وC وفيروس نقص المناعة البشرية (HIV) التي تنتقل عبر استخدام إبر ملوثة بدم شخصٍ مصاب.

- التهابات بكتيرية، تؤدي إلى خرّاجات أو تورّمات جلدية بسبب الحبر الملوّث أو الأدوات غير المعقّمة.

- العدوى الفطرية التي تنتج عن سوء تعقيم البقعة المحيطة بالوشم.

- الأمراض الجلدية أو الالتهابات الجلدية الموضعية مثل الاحمرار، الحكّة، التورّم، أو تكوّن القيح.

- الحساسية من الحبر، فبعض أنواع الحبر تحتوي على مواد كيميائية تسبب حساسية مفرطة، قد تمتد لأمدٍ طويل.

- التسمّم بالمعادن الثقيلة من جرّاء بعض أنواع الحبر، لا سيما الملوّن منه، التي تحتوي على معادن ثقيلة أو مواد كيميائية ضارة (مثل الزئبق أو النيكل).

- الندبات نتيجة تفاعل الجلد مع الحبر أو الحفر الزائد خلال عملية الوشم.

- الأمراض المزمنة كالسرطان الجلدي والأمراض المناعية، حين يحفّز الوشم ردود فعل مناعية مثل التهاب النسيج الخلوي أو التهاب الأوعية الدموية.

- أمراض الجهاز الليمفاوي، التي تصيب المرء في حال امتداد الحبر إلى العقد الليمفاوية، مما يؤدّي إلى تضخمّها والتأثير في وظائفها.

- التأثير في فحوصات الرنين المغناطيسي (MRI)، إذ يمكن، في حالات نادرة، أن يسبّب الوشم ألمًا حارقًا خلال الفحص، كما يمكن أن يقلّل من جودة الصورة الطبية.

 

ما هي طرق الحماية؟

تفاديًا لأخطار عملية رسم الوشم، ولضمان سلامتها وصحّتها، ينصح النقيب الطبيب الحايك باتباع عدّة خطوات، من بينها التأكّد من تمتّع الفرد بصحة جيدة قبل المباشرة بالعملية، وإجراء اختبار حساسية بسيط على جزء صغير من الجلد للتحقّق من عدم وجود رد فعل تحسّسي تجاه الحبر. كما يوصي بالاستفسار عن نوع الحبر ومصدره، ويفضّل أن يكون معتمدًا من الهيئات الصحية.

إلى ذلك، يجب اختيار مكان متخصص بالوشم معروف بالتزامه معايير النظافة والسلامة، ويضم فريق عمل مدربًا بشكلٍ جيّد، مع التأكد من استخدام أدوات معقمة ومخصّصة للاستعمال لمرة واحدة.

 

العناية بالوشم

للوقاية من العدوى وتعزيز سرعة التئام الجلد، يُنصح بالحفاظ على نظافة البقعة الموشومة، وتجنّب تعريضها لأشعة الشمس، مع ضرورة استخدام مستحضر مرطّب للجلد. وفي حال الاشتباه بحدوث عدوى أو ملاحظة تأخر في التعافي، يجب استشارة طبيب.

 

إزالة الوشم... هل هي الحل؟

يلجأ البعض إلى إزالة الوشم بعد سنوات، لكن هذه العملية تحمل بدورها مخاطر لا يستهان بها، وفق ما يؤكد النقيب الطبيب الحايك. ويوضح أنّ العملية المذكورة تستغرق عدّة جلسات، علمًا أنّ بعض الوشوم لا يمكن إزالتها تمامًا، وبعضها قد يخلّف ندوبًا دائمة.

ويضيف أنّ العالم اليوم يشهد تطورًا في تقنيات إزالة الوشم باستخدام الليزر، وعلى الرغم من فعالية العملية، فإنّها عبارة عن تفتيت الأصباغ إلى جزيئات صغيرة، ممّا قد يسبّب إطلاق مواد ضارة في الجسم يمكن أن تكون لها خصائص مسرطنة.

يشار في هذا السياق، إلى دراسة نُشرت في العام 2021 في مجلة (Dermatologic Surgery) وأكدت أنّ عملية إزالة الوشم بالليزر قد تنتج عنها مواد ثانوية سامة مثل الهيدروكربونات العطرية المتعددة الحلقات بكمياتٍ قليلة، ولكن من المحتمل أن تكون لها تأثيرات مسرطنة.

من هنا، ينصح النقيب الطبيب الحايك كل من يرغب في إزالة وشم بالتحدث إلى طبيب الجلد حول الخيارات المتاحة لذلك.

 

قرار لا عودة عنه!

يمكنك أن تفخر برسم وشم جديد في غضون ساعات قليلة، ولكن تأثيره على جسدك قد يكون دائمًا. لذا، لا تجعل سهولة رسم الوشم تلهيك عن التفكير مليًا في أثره الدائم على جسدك، وعن عواقبه الصحية والعملية. قبل أن تتخذ قرارك، اسأل نفسك: هل يستحق الأمر المجازفة؟