نحن والقانون

مخالفات الشاحنات قانــــون السيـر وقواعد السلامة العامة
إعداد: الدكتور نادر عبد العزيز شافي
دكتوراه دولة في الحقوق - محام بالإستئناف

تُظهر الدراسات والإحصائيات أن العالم العربي يفقد سنوياً حوالى 21 ألف شخص من جرّاء حوادث السير. كما أظهرت دراسة الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب (مقرها تونس)، أن عدد المصابين والجرحى من حوادث السير يبلغ سنوياً حوالى 210 آلاف شخص، عدا الأضرار الجسيمة التي تتسبّب فيها ويفوق عددها نصف مليون حادث في السنة. كما تفيد هذه الدراسة بأن حوادث السير مسؤولة سنوياً عن وفاة حوالى مليون وأربعمئة ألف شخص في العالم، ويصل عدد الجرحى والمصابين الى حوالى 50 مليوناً بينهم خمسة ملايين يصابون بعجز دائم، وتتجاوز الخسائر المادية الـ800 مليار دولار سنوياً؛ أي ما يكفي لمعالجة مشاكل المجاعة والتخلف والفقر في عدة دول. وتُظهر إحصاءات وزارة الداخلية اللبنانية أن حوادث السير في لبنان الواقعة العام 2007 أدت الى وفاة 870 شخصاً وجرح 11400 شخصاً أصيبوا بجروح بالغة وطفيفة، وأن حجم الخسائر المادية من تلك الحوادث يقدّر بحوالى 970 مليون دولار، وإن نسبة زيادة الخسائر من العام 2007 وحتى آب من العام 2008 تصل الى 20٪.
أمام هذه الأرقام والخسائر على الصعيدين البشري والمادي، تقوم وزارة الداخلية في لبنان بحملة أمنية للتشدّد في تطبيق قانون السير، لا سيما لجهة: عدم التقيّد بالسرعة القانونية المسموح بها، وعدم وضع حزام الأمان، واستعمال الهاتف الخلوي في أثناء القيادة، وعدم التقيّد بالإشارات الضوئية، والقيادة عكس إتجاه السير، وغيرها... ولعلّ المدهش أن معظم سائقي السيارات الذين يلتزمون قواعد السلامة العامة، لا يلتزمونها خوفاً على أرواحهم بل خوفاً من الضبط والغرامة المالية، فيترددون في التقيّد بها إلا في أماكن وجود شرطة المرور حيث يلاحقهم طيف الغرامات المالية. وتبرز هنا مسألة مخالفات الشاحنات قانون السير وقواعد السلامة العامة؛ لا سيما لجهة السرعة، وتجاوز السيارات بصورة جنونية قاتلة، وتصاعد الدخان الملوّث للبيئة والمسبب لأمراض سرطانية خطيرة، وتعطّل المكابح، وعدم وضع أو شد الغطاء المانع من تطاير الأتربة أو البحص أو المواد المحمّلة على المارة والسيارات، والسير خارج الأوقات المسموح بها. وقد أدّت هذه المخالفات الى قتل العديد من الأبرياء المارين على الطرقات سيراً على الأقدام أو في سياراتهم أو في باصات المدارس، فتجتاحهم الشاحنات الكاسرة، بسبب فقدان المكابح - الفرامات أو حماوتها أو تعطّلها، وتحوّلهم الى جثث هامدة أو مشوّهين أو عاجزين مدى الحياة. في ما يلي نظرة على حكم القانون في هذه المخالفات وعقوبتها.

 

قواعد السلامة العامة المحدّدة في قانون السير
حدّد قانون السير اللبناني الرقم 76 الصادر بتاريخ 26/12/1967، الأحكام العامة المتعلقة بالسير على الطرقات، وكيفية قيادة المركبات والحيوانات والسرعة المسموح بها، وواجبات السائق في أثناء التلاقي مع سيارات أخرى أو تجاوزها، وأفضلية المرور، وكيفية استعمال المنبهات، والوقوف والتوقف، والإنارة والإشارة، والمسالك المخصصة بسير معين، وإشارات الطرقات والعلامات، والمرور على الجسور والتقاطعات وفي الأنفاق، والأوزان والإطارات وقياسات الحمولة والمحرك والمكابح، والمعاينة الميكانيكية والتسجيل ورخص السوق. كما حدّد قانون السير كيفية المحافظة على الطرقات، فحظّرت المادة 50 منه على أي كان:
• أن يرمي أو يترك على الطريق العام ما من شأنه أن يعيق حركة السير أو يسبب أخطاراً؛ كالنفايات والتراب والحجارة ومواد البناء وغيرها. وفي حال اضطراره الى ذلك يجب عليه إزالتها فوراً، وإذا تعذر عليه ذلك، يتوجب عليه أن يضع العلامات التي تشير الى الخطر الناتج عنها حتى إزالتها في أسرع وقت ممكن.
• أن يلحق عطلاً بالطريق العام بأية وسيلة كانت، أو أن يحفر طريقاً لأي داعٍ من دون ترخيص مسبق من السلطة المختصة.
• أن يضع على الطريق العام أو أن يطرح فوقه أوراقاً أو أشياء على سبيل الدعاية والنشر.
• أن يرمي النفايات وبقايا المأكولات وخلافه من المركبات على الطرقات العامة وجوانبها.
وتطبّق على مخالفات السير العقوبات المناسبة لها وفقاً للجداول المرفقة بقانون السير، وتراوح تلك العقوبات بين الغرامة والحبس وحجز المركبة وسحب رخصتي السوق والسير، وتضاعف العقوبة في حالة التكرار (م276 وما يليها).
وتثبت المخالفات بمحاضر ضبط ينظمها رجال قوى الأمن الداخلي أو رجال شرطة البلدية أو موظفو مصلحة تسجيل السيارات والآليات (م284). ويحكم القضاة المنفردون في مراكز المحافظات في هذه المخالفات، وترسل الأحكام المبرمة لتنفيذها الى مكاتب خاصة تتولى أعمال السجل العدلي لمخالفات السير تابعة لقوى الأمن الداخلي (م289 - 290). وتعود كامل حصيلة  الغرامات لصندوق الخزينة، ويخصص 20٪ منها لصالح صندوق الاحتياط في قوى الأمن الداخلي، و20٪ لصالح البلديات (م294).
الى جانب هذه الغرامات،يفرض قانون العقوبات اللبناني عقوبات إضافية إذا أدى الحادث الى وقوع حالات وفاة أو إيذاء على الأشخاص، فتراوح العقوبة بين الغرامة والحبس والأشغال الشاقة المؤقتة أو المؤبدة أو الإعدام إذا تسبب الحادث بموت إنسان نتيجة إهمال أو قلة إحتراز أو عدم مراعاة القوانين والأنظمة نتيجة حادث عن قصد أو عن غير قصد. وتراوح العقوبة بين الغرامة والتوقيف التكديري والحبس إذا أدى الحادث الى إيذاء شخص أو مرضه أو تعطله عن العمل (م547 - 564 عقوبات).

 

شروط استعمال سيارات الشحن والأوتوبيس
نتيجة كثرة الحوادث والمشاكل الناجمة عن الشاحنات الصغيرة والكبيرة، أصدرت الحكومة اللبنانية المرسوم رقم 6602 بتاريخ 4/4/1995 الخاص بتحديد شروط استعمال سيارات الشحن وسيارات الأوتوبيس والمركبات الآلية العاملة على المازوت وكيفية مراقبتها ومستوى المعدل المقبول لكثافة الدخان المتصاعد منها ونوعيته. وأهم هذه الشروط ما يلي:  
• يجب أن تزود الشاحنة والأوتوبيس والمركبات الآلية والمقطورة مكابح آلية تعمل سلبياً؛ أي تعمل عند انعدام الضغط.
• يجب أن لا تتجاوز حمولة الشاحنة أو الأوتوبيس الإجمالية (أي وزن الهيكل ووزن الحمولة) الحمولة المحددة لها والمدونة في رخصة السير المعطاة لها.
• يجب تركيب مصافٍ خاصة للدخان والغبار السامين.
• تتولى الإدارة المختصة في مصلحة تسجيل السيارات والآليات مراقبة ضبط البخاخات والمضخة وتغييرها وختمها بالرصاص، لمنع تمازج المازوت بالأوكسجين بحجة زيادة قوة المحرك. ويمكن اعتماد شركات متخصصة لهذه الغاية تملك المعدات الفنية والتقنية اللازمة لذلك، على أن تبصم مجدداً من المصلحة المذكورة. وكذلك تخضع للمراقبة عملية تنظيف البخاخات وفق الشروط القانونية المحدّدة، وتنزع المحركات غير الصالحة للاستعمال، ويمنع تركيبها على سيارة أخرى.
• يجب أن يكون المحرك من النوع الذي يعمل على زيت الديزل وأن يزود جهازاً يقفل مدخل الهواء الى المحرك، منعاً لاحتراق أبخرة المحروقات، وبالتالي تزيد سرعة المحرك بصورة غير قابلة لسيطرة العادم. ويجب تزويد العادم نظام توقف الشعلة (Flame arrestor). كما يجب أن لا تزيد كثافة الدخان المتصاعد من السيارات العاملة على المازوت عن المعدل المقبول المحدّد في القانون والأنظمة ذات الصلة.
• يجب استعمال المازوت الذي تتوافر فيه المواصفات القانونية من ناحية كمية الكبريت (0.5٪) وأن يكون خالياً من الرصاص، وأن لا يحتوي أية نسبة من المياه، وأن لا يكون فيه أي أثر لأي ترسبات.

 

تحديد أوقات سير الشاحنات على الطرقات
لقد أدى سير الشاحنات على الطرقات الى تزايد الحوادث الناجمة عنها، لا سيما في المناطق المكتظة سكانياً؛ كالعاصمة والمدن. وتفادياً لذلك، صدر عن وزير الداخلية القرار رقم 584 بتاريخ 29/11/1995 الخاص بتحديد أوقات سير الشاحنات، ومنع سيرها بالاتجاهين على الطرقات الممتدة من كازينو لبنان - المعاملتين - بيروت وضواحيها - حتى خلدة، ومن بيروت وضواحيها - طريق الشام - حتى ضهر البيدر، وذلك من الساعة السادسة والنصف صباحاً حتى الثامنة والنصف مساءً. ويستثنى من أحكام هذا القرار الشاحنات التابعة للقوى المسلحة والبلديات والمؤسسات العامة والرافعات والشاحنات التي تنقل الماشية من المرفأ.
لا بد أخيراً من الإشارة الى وجوب تحديث قانون  السير الصادر بتاريخ 26/12/1967؛ أي منذ أكثر من أربعين سنة، وجعله مواكباً للتطور الحاصل في العالم المعاصر. كما تقتضي الإشارة الى عدم الاكتفاء بتوافر النصوص القانونية لحل المشاكل المزمنة، بل لا بد من تطبيق هذه النصوص وعدم جعلها مجرد حبر على ورق، فالعبرة هي في تطبيق القانون وليس فقط بوجوده.
وكذلك، يجب التشدّد في مراقبة تقيّد الشاحنات بقواعد السلامة العامة وبقوانين وأنظمة السير المرعية الإجراء، والتشدّد في تطبيقها، وإنزال أشد العقوبات في مرتكبي المخالفات والجرائم الماسة بحقوق المواطنين وحرياتهم، حتى لا يصبحوا مطية سهلة الاصطياد من سائقين متهورين أو معدومي الضمير.