ملف العدد

مدير العمليات في الجيش عن معركة طرابلس

 

بعدما أفشل الجيش المخطط الإرهابي الذي كان مرسومًا لعاصمة الشمال، طرابلس، وبات يمسك بزمام الأمور، أكّد قائد الجيش العماد جان قهوجي أن الجيش لن يتراجع عما بدأه مهما كان حجم التضحيات، وهو ماض في تعقّب فلول الإرهابيين وصولًا إلى اجتثاث جذورهم... الوحدات العسكرية التي شاركت في معركة طرابلس وعكار، أبلت بلاءً حسنًا وحققت نجاحات عملانية في ظروف ميدانية بالغة الصعوبة.
مدير العمليات في الجيش العميد الركن زياد الحمصي يضعنا في صورة العملية العسكرية التي نفّذها الجيش والتي أسفرت عن طرد الإرهابيين من طرابلس وملاحقة بقايا خلاياهم.


ما قبلها ليس كما بعدها...
وما يحققه الجيش يرسم مستقبل لبنان

 

عين الجيش
في غرفة العمليات التي تعتبر عين الجيش الساهرة بحيث لا يغمض لها جفن على مدى ساعات النهار الأربع والعشرين، شرح لنا العميد الركن الحمصي كيف كانت تتم متابعة معركة طرابلس لحظة بلحظة.
هذه الغرفة هي في سباق دائم مع نفسها لمواكبة ما يجري أوّلًا بأوّل عبر شاشات ضخمة وذكية (SMART TV) بعد إنجاز نوع من الترابط (LINK) بين كل الأجهزة الأمنية المعنية، سواء كان الأمر يتعلق بأحداث أمنية أو بغيرها، من الأحداث والمواضيع الطارئة والساخنة. ترد المعطيات إلى الغرفة وقد يصل كمّ الورق الوارد إليها للمعالجة إلى 1200 وثيقة في اليوم الواحد، ويصار إلى إطلاع قائد الجيش عليها إذا لزم الأمر، ليعطي توجيهاته.
وإذ يشرح العميد الركن الحمصي آلية العمل التي تعتمدها الغرفة عند حدوث خلل أمني يهدد سلامة الوطن، يشير إلى أنها الوحيدة على مستوى لبنان المجهّزة بأحدث التقنيات والشاشات الذكية. وهذا ما يسمح لها بتأدية دور بالغ الأهمية في أي معركة ومنها معركة طرابلس.

معظم الإرهابيين الذين قاتلهم الجيش في الشمال غير لبنانيين
نسأل مدير العمليات:
- ماذا تمثّل معركة طرابلس وعكار في الحرب التي يخوضها الجيش ضدّ الإرهاب؟
فيجيبنا قائلًا:
• لا يمكننا أن نضع معركة طرابلس وعكار إلا في سياق المخطط الإرهابي الذي تحدّث عنه قائد الجيش العماد قهوجي، والذي يهدف إلى السيطرة على مدينة طرابلس بعد عرسال لفتح منفذ على البحر، مع العلم أن المنية حيث دارت أعنف المعارك، وسقط لنا شهداء، تقع على البحر مباشرة. ولكننا بفضل قرار العماد قهوجي، وقدرة العناصر وكفاءتهم العالية على الأرض، تمكنّا من إحباط مخططهم وإن كلفنا ذلك خيرة من الضباط والعناصر.
وأضاف: نحن هنا لسنا بمواجهة مع مسلّحين من أبناء المنطقة كما في الجولات السابقة، بل إننا نحارب إرهابيين خارجين عن القانون معظمهم غير لبنانيين (حوإلى 70 إلى 80%) حسب ما تبين من خلال التحقيق مع الموقوفين. مع الإشارة إلى أن نسبة 50 إلى 60% من العسكريين الذين شاركوا في معركة طرابلس هم من منطقة الشمال خصوصًا عناصر اللواء الثاني، واللواء 12، وفوج التدخل الأول. أما الغدر الذي تعرّض له الجيش في عكار فأجزم بأن أبناء عكار منه براء، وهو من صنع بعض النازحين إلى عكار الذين يتسلّحون بخلفيات دينية متشددة إرهابية.
لقد برهن الجيش في هذه المعركة أنّ وحدة صفوفه وحكمة قيادته هما رأس الحربة في المعركة ضدّ الإرهاب.

 

عمليات الدهم وتعقّب الخلايا الصغيرة
- هل يمكن مقارنة معركة طرابلس الحالية بالجولات التي شهدتها المدينة في السابق؟
• لا يمكن مقارنة معركة طرابلس الأخيرة بالجولات السابقة التي شهدتها منطقة باب التبانه وجبل محسن، إذ كانت محصورة في ثلاثة شوارع شكّلت مسرحًا لعمليات الإرهابيين، وتحديدًا حيث يقيم اللاجئون السوريون بكثرة، وقد استعملوهم دروعًا بشرية.
- ما الذي أسفرت عنه المعركة وما أعقبها من عمليات دهم وتعقّب للمسلّحين؟
• إنّ عمليات الدهم لم تنته حتى هذه اللحظة، ومتابعتها تعتبر أهم من المعركة بحدّ ذاتها. فنحن بصدد تعقّب الخلايا الصغيرة لإجبارها على الاستسلام بعد القضاء على الرؤوس الكبيرة وتشرذمها.
أما بالنسبة إلى الصيد الثمين الذي حصل عليه الجيش خلال عمليات الدهم، فمن الأفضل انتظار انتهاء التحقيقات لتحديد حجمه مع العلم أن الموضوع تداولته وسائل الإعلام، ولكننا نكتفي بالبيانات الصادرة عن مديرية التوجيه في هذا الموضوع.

 

القوى المشاركة
- من هي القوى التي شاركت في هذه المعركة وما كان دور كل منها؟
• لقد شارك في المعركة أكثر من مجموعة. ففي طرابلس مثلًا قاتل عناصر فوج التدخل الأول الذين واجهوا المسلّحين الذين خرجوا من باب التبانه وتوزعوا في شوارع الأسواق القديمة والأثرية لطرابلس (خان الصابون، سوق النحاسين، سوق السمك، سوق الدهب). أما اختيارهم لهذه الأسواق فربما كان سببه رغبتهم في السيطرة على إيراداتها لتمويل حملتهم.
هنا نفّذ الجيش عملية متقنة وأجبر مسلّحي الأسواق في طرابلس على الانكفاء والخروج منها لمتابعة المعركة على المحاور المعتادة في التبانة مع اللواء 12 يؤازره فوج مغاوير البحر. وقد شهدت المنطقة أعنف المعارك وأقساها، خصوصًا في محيط المربع الأمني لباب التبانه أو ما يسمى منطقة جامع عبدالله بن مسعود، حيث كانت تتمركز جماعة شادي المولوي وأسامه منصور.
أما في عكار فكان اللواء الثاني الذي تعرّضت آلية عسكرية تابعة له لكمين مسلّح، ما أدّى إلى معارك طاحنة في منطقة المنية - المحمرة - بحنين، آزره فيها فوج المغاوير، فوج مغاوير البحر، اللواء 12 وفوج التدخل الأول. وقد سقط للجيش في هذه المعركة 11 شهيدًا وعدد من الجرحى غالبيتهم تمّت معالجتهم ميدانيًا.
وأضاف: لقد وجدنا في محيط جامع بن مسعود مثلًا وسائل رهيبة من التفخيخ يعتمد عليها الإرهابيون أكثر من أي وسيلة أخرى في حربهم. لقد وجدنا على سطح هذا الجامع زنة 300 كلغ من الـ«تي ان تي» كانت معدّة للتفخيخ.

 

عسكرنا كان رائعًا رائعًا رائعًا - كيف تقيّمون أداء العسكريين في المعركة؟
• أنا شهادتي مجروحة ولا يمكننا إلا القول بأن عسكرنا كان رائعًا رائعًا رائعًا (قالها مرارًا وتكرارًا وبثقة تامة). والدليل على ذلك سرعة حسم المعركة على الرغم من الظروف الصعبة.
في أي حال معلوم أن جيشنا يحارب بالإرادة الصلبة وليس بالأسلحة الفتّاكة، لذلك يكون عدد الشهداء كبيرًا.


- وكيف تصفون تعامل الجيش مع المدنيين في ظل اضطراره إلى خوض معركة قاسية في منطقة كثيفة السكّان؟
• يجب أن تسألي المدنيين... من ناحيتنا نسجّل باعتزاز مستوى الانضباط الذي أظهره العسكريون، وتعاطفهم مع المواطنين الساكنين في الأحياء التي شهدت اشتباكات ومساعدتهم على الخروج منها لحين انتهاء المعركة. ولم تقتصر هذه المعاملة على المواطنين فقط إنما انسحبت على المسلّحين الذين يقعون جرحى في قبضة الجيش، عملًا بحقوق الإنسان والإتفاقات الدولية التي ترعى الحروب.
لقد كان بإمكان الجيش حسم أي معركة بسرعة أكبر وخسائر أقل لولا أخذه بعين الإعتبار المواطنين المدنيين وحرصه الدائم على عدم تعريض سلامتهم وممتلكاتهم للضرر قدر الإمكان.
في المقابل نسجّل تعاون الأهالي الذين ضاقوا ذرعًا بالمسلّحين وأرشدوا الجيش إلى أمكنة تواجدهم وناشدوه الخلاص. باختصار، الجيش له ملء الثقة بالأهالي فأكثر من 50 % منهم عسكريون متقاعدون، أو أبناء أو أخوة لعسكريين.

 

الجيش مستعد دائمًا
في ختام اللقاء، أشار مدير العمليات إلى أن الجيش مستعد دائمًا لمواجهة كل الاحتمالات ولإحباط كل الخطط التي يحوكها الإرهابيون للبلد، ولكنّه أكّد أن ما قبل المعركة ليس كما بعدها من حيث أن المسلّحين فقدوا حرية المناورة، والناس يناشدون الجيش الخلاص.
ووجّه إلى الوحدات المنتشرة على الأرض رسالة شكر ودعاهم إلى المزيد من الوحدة ورصّ الصفوف اللتين بهما ينتصر لبنان.
كما ناشدهم التسلّح دائمًا بالأمل والتفاؤل والثقة بقرارات القيادة. وجزم أن هذه الأحداث وما يحققه الجيش في حربه ضد الإرهاب هي التي ترسم مستقبل لبنان الجديد.