ملف العدد

مسألة قديمة وسلاح استعمل في الحروب
إعداد: ريما سليم ضوميط

تزوير العملات بات أسهل ومصرف لبنان يعمم تعليمات تسهل كشفه


مع التردّي المتزايد للأوضاع الإقتصادية في مختلف دول العالم، باتت جرائم تزوير العملة تتزايد بدورها لا سيما أن الكثيرين يعتبرونها حلًاً سهلاً للربح السريع، وقد أصبحت بفضل وسائل التكنولوجيا المتطورة أمرًا متاحًا حتى للهواة.
يعتبر تزوير العملة من أكبر المشاكل التي تواجه إقتصاديات الدول لما له من آثار ضارة على المجتمع والأفراد. وبغية مكافحته، وتفادي الوقوع في شركه،
يفترض بنا كأفراد التعرُف الى أبرز وسائله وطرق كشفه.

 

لمحة تاريخية
النقود المزيفة هي العملة التي تنتج من دون ترخيص من الدولة، وتتّصف بالتشابه الكبير مع العملة الأصلية، مما يجعل خداع متلقّيها أمرًا ممكنًا.
تزوير العملة مسألة قديمة قدم العملة نفسها. قبل ظهور العملة الورقية، بدأت عمليات تزوير النقود المعدنية في مدينة ليديا اليونانية حوالى العام 600 ق.م. وكان أكثر وسائل التزوير شيوعًا خلط معادن أساسية مع الذهب الخالص أو الفضة. ومن الممارسات الشائعة آنذاك قطع أطراف النقود المعدنية، واستخدامها في صناعة العملة المزيّفة.
مع انتشـار تزويـر العملـة فـي مرحلـة لاحقـة، بدأت الحكومات في مختلف دول العالـم التعاطي مع المسألة على أنها جريمـة خيانـة ضد الدولة أو الملك وليسـت مجرد عملية احتيال ونصـب. وقد أعدمـت انكلترا العام 1690 الإنكليزيين طومـاس وآن روجــرز لتزويرهمـا أربعيــن قطعــة من الفضـة. والعام 1770، أعدم شنقًا آخر مزوّري القطع المعدنية الإنكليزية في تلك الحقبة دايفيد هارتلي الملقّب بالملك.
فــي الولايــات المتحــدة الأميركيــة، حملــت النقــود الورقيــة المطبوعــة فــي عهــد بنجاميــن فرانكلين عبارة «المـوت للمزوّرين».

 

سلاح فعّال في الحروب بين الدول
إنطلاقًا من أهمية النقد على صعيد الإستقرار العام في أي دولة، استخدمت عملية تزوير العملة كسلاح فعّال لشل إقتصاد العدو في أثناء الحروب بين الدول. والهدف هو اغراق أسواقه بالعملة المزيفة، بحيث تضمحل قيمة العملة الفعلية مما يؤدي الى انهيارها. وهذا ما قامت به بريطانيا العظمى خلال حرب الاستقلال الأميركية (1775–1783) لتخفيض قيمة الدولار القاري، فتمكنت من وضع مئات الآلاف من الدولارات المزيفة قيد التداول.
وكان من أهم المروجين البريطانيين في تلك الفترة جون بلير ودايفيد فارنسوارث اللذان ضبطا وفي حوزتهما عشرة آلاف دولار مزوّرة. وقد أبدى الرئيس الأميركي حينذاك جورج واشنطن إهتمامًا شخصيًّا بالموضوع، وأمر بتعذيب السجينين للحصول منهما على معلومات حول قضية التزوير، قبل أن يصدر حكمًا بحقهما بالإعدام شنقًا.
المفارقة أن الولايات المتحدة اعتمدت التكتيك نفسه، أي تزوير العملة، في أثناء حربها الأهلية، وكانت الأموال المزوّرة التي وضعت في الأسواق مشابهة للعملة الأصلية الى الحد الذي يجعل التمييز بينهما أمرًا صعبًا للغاية.
في الإطار نفسه، أعد النازيون خلال الحرب العالمية الثانية أكبر عملية تزوير في التاريخ، والمعروفة بـ«عملية بيرنهارد» التي كانت ترمي إلى زعزعة الاقتصاد الإنكليزي عن طريق ضخ ملايين الجنيهات الاسترلينية من فئة 5، 10، 20، و 50 المزورة في الأسواق العالمية.
تعود الفكرة إلى الضابط النازي بيرنهارد كروغر الذي سميت العملية باسمه، وبدأت بعدما شكّل العام 1942 فريق عمل يضم 142 مزوّرًا من المعتقلين اليهود في أحد المعسكرات النازية، كانت مهمتهم تصنيع الألواح المعدنية لطباعة الأوراق النقدية، وكسر الشيفرة التي ستعطي هذه الأوراق النقدية رقمها المتسلسل المميز، فضلا عن تصنيع الورق المستخدم في صناعة الأوراق النقدية. وقد انتج الألمان 134,610,810 جنيهًا استرلينيًا حتى وقت اغلاق معسكر الاعتقال العام 1945.
تعد الأوراق النقدية التي أصدرتها «عملية بيرنهارد» من أكثر الأوراق النقدية المزورة إتقانًا، حيث كان من الصعب جدًا اكتشاف زيفها. وقد لاقت هذه العملية الضخمة اهتمامًا بالغًا من قبل الاعلام العالمي، فتم تجسيدها عن طريق المسلسلات والافلام، ولعل أشهر إنتاج هو ما قام به النمسويون العام 2007 عبر فيلم «المزورون».

 

تأثير التزوير على الإقتصاد
يعتبر تزوير العملة من أكثر الجرائم خطورة على اقتصاد الدول. فهو يطرح كتلة نقدية خارجة عن القوانين والأنظمة المصرفية، الأمر الذي يؤدي الى اضطرابات في الأسواق المالية والى انهيار العملة.
من أبرز الآثار السلبية للتزوير خفض قيمة الأموال الحقيقية، إذ أن طرح كميات من العملة المزورة في الأسواق المحلية يؤدي الى وجود أوراق نقدية من دون قيمة فعلية، كونها عملة من دون غطاء بالنسبة الى العملات الأخرى والذهب، الأمر الذي يقود الى التضخّم وهبوط قيمة العملة المحلية. هذه المسألة تؤدي أيضًا إلى فقدان الثقة بالعملة المحلية وبأنظمة الدفع، والإستعاضة بدلًا عنها بعملات أجنبية، وبنظام تحويل العملة إلكترونيًا.
إضافة الى الضرر الإقتصادي الواقع على الدولة بشكل عام، فإن أضرار التزوير تطال أيضًا الأفراد والمؤسسات، وذلك لعدم حصولهم على تعويض مقابل الأوراق النقدية المزوّرة، وتعرّضهم في الوقت نفسه للمساءلة نتيجة قبولهم بهذه العملة.

 

عقوبة التزوير في القانون اللبناني
يعتبر القانون اللبناني الفعل الذي يقوم علــى تقليــد أوراق النقــد المصرفية أو الأجنبيـة الصــادرة بــإذن الدولــة، بقصــد ترويجهــا أو إصدارها جرمًا جزائيًّا من نوع الجناية.
في هذا الأطــار، أكــدت المحاميــة بالإستئنــاف الأستــاذة ميــراي صابــر فــي حديــث لمجلــة «الجيـش» أن المادتــين 440 و443 مــن قـانـــون العقوبـــات تنصّـــان علـــى العقوبـــة بالسجــن والأشــغــال الشــاقــة مدة لا تنقـص عن الخمس سنوات، وبغرامــة ماليــة تبـلــغ خمسمايــة ألف ليرة على الأقــل، لكل من يقـدم على تقليــد عملــة ذهـبيــة أو فضيــة أو أوراق نقديــة مصرفيــة (عملة ورقية أو سندات خزينة) لبنانية أو أجنبية صادرة بناء على ترخيص من الدولة، وذلك بقصد ترويجــها، أو يشـترك في إصدارها أو ترويجــها أو إدخالها الى لبنان أو أي دولة أخرى.


طرق التزوير
إن ظهور أجيال حديثة من آلات النسخ والطبع ذات التقنية العالية أتاح الفرصة أمام المبتدئين في إتمام عمليات تزوير العملة بسهولة، وهي عملية انتشرت بكثرة منذ العام 1993 عند ظهور الطباعة الرقمية.
ويشير الخبراء الى أن أبسط عمليـات التزويـر، تقوم على تصوير العملة عبر الماسح الضوئي (scanner)، وادخالها الى جهاز الكمبيوتر، كما يمكن اعتماد الكاميرا الرقمية للغاية نفسها. وبعدها يستخدم المزوّرون برنامج معالجة الألوان لبلوغ التزييف المطلوب، ثـم تطبـع العملـة علـى أي نوع من آلات الطبع.

 

تقنيات كشف التزوير
يؤكد الإختصاصيون أن هناك عدة طرق لكشف التزوير، بدءًا من الفحص الأولي للعملة وصولًا الى الفحص الكيميائي لمكونات الورق والألوان والحبر. وإذا كانت الوسائل الأخيرة غير متاحة أمام الأفراد، فهناك وسيلة سهلة يمكن أن يعتمدها الباعة وسائر الأشخاص لفحص النقود، وهي التدقيق في العملة الورقية تحت ضوء الشمس أو أي إنارة كهربائية للتأكد من وجود العلامة المائية المتمثلة في صورة الشعار، إضافة الى خيط الأمان الموجود داخل مكونات الورقة ، وهما علامتان تدلان على صحّة العملة. وإذا شك فى وجود ما يشبه هاتين العلامتين فإنه يستطيع الكشف عن العلامة المائية إذا كانت مزورة بواسطة مذيب عضوي مثل الكلوروفورم أو بواسطة كوب من الماء يضع فيه ورقة العملة لمدة دقائق فإذا حدث تغيير في شكلها أو ألوانها، وقوة تماسكها، تكون مزورة لأن الورقة الصحيحة لا تتلفها المياه، حتى أنه يمكن غسلها من دون أن تتأثر.
وينصح الخبراء أصحاب المحلات التجارية ومن تستدعي طبيعة عملهم تبادل العملات الورقية باقتناء قلم الكشف عن العملات المزورة، وهو قلم يحتوي على مادة الإيودين التي تتفاعل مع النشويات الموجودة فــي الورق المزوّر، أي الورق المصنوع من الأخشاب، فيكشف التزويــر عبر إحداث بقعــة سوداء على العملة، عند تمريره عليها، الأمر الذي لا يمكن حدوثه في فحص العملـة الأصليــة المصنوعة من ورق خاص أساسه الألياف.

 

كشف التزوير في العملة اللبنانية
في إطار مكافحة تزوير العملة، أطلق مصرف لبنان حملة توعية حول كشف التزوير في العملات اللبنانية من فئة الألف، والخمسين ألف، والمئة ألف ليرة، (التي أصدرها حديثًا) عبر الاطلاع على مميزات كل منها وعلامات الأمان الخاصة بها. وقد ورد في خصائص كل منها الآتي:


• علامات يمكن تحسسها:
- في الوجه الأمامي علامات بارزة تضفي على الورقة خشونة يمكن تلمّسها، من بينها: خطوط أفقية متوازية على جانبي الورقة، رقم الفئة، مصرف لبنان، ألف أو خمسون ألف أو مئة ألف ليرة، إمضاء حاكم مصرف لبنان ونائب الحاكم الأول.
- على الجانب الأيسر من وجه الورقة خطوط أفقية متوازية بارزة وملوّنة يتخلّلها أحرف BDL بارزة بيضاء من دون لون بشكل عمودي. بالإضافة إلى نقش كتابة BANQUE DU LIBAN  بأحرف مصغّرة مجهرية داخل حرف D.
- علامة بارزة ونافرة للمكفوفين ترمز الى قيمة الفئة.


• علامات مرئية:
- تتضمّن الورقة في جزئها الأبيض علامة مائية عبارة عن أرزة الجمهورية اللبنانية تظهر عند النظر الى الورقة في مواجهة الضوء. بالإضافة الى علامة مائية صغيرة بيضاء كناية عن قيمة الفئة.
- عند النظر الى الورقة في مواجهة الضوء يظهر خيط أمان أسود على طول الورقة عليه أحرف BDL ورقم الفئة بلون أبيض.
- خيط أمان متطوّر ذو مؤثرات بصرية خاصة، يظهر بشكل متقطع على وجه الورقة.
ويلاحظ في داخل هذا الخيط، على ورقتي الخمسين ألف والمئة ألف ليرة، حرفي «ل.ل» يتحركان عندما تلوى الورقة باتجاهات مختلفة.
أما في فئة الألف ليرة، فيتغير لون الخيط الى البنفسجي إذا ما لويت.
- يظهر الرقم الكبير لفئتي الألف والمئة ألف في وسط الورقة بلون بني موحّد. عند النظر الى الورقة بشكل مباشر، يتحوّل الى ألوان مختلفة  كالأخضر والبرتقالي إذا ما لويت الورقة.
أما في ورقة الخمسين ألف فيظهر الرقم الكبير للفئة بلون أزرق موحّد، يتحوّل الى البنفسجي والأزرق اذا ما لويت.
- في أعلى يمين الأوراق النقدية هناك علامات مميزة، هي المربع في ورقة الخمسين ألف، والنجمة في ورقة المئة ألف.
وتظهر هاتان العلامتان بلون أخضر موحّد عند النظر بشكل مباشر، اذا ما لويت الورقة فهو يتغير الى الأخضر والأصفر على شكل قوس قزح، وتظهر الأرزة اللبنانية.
أما في ورقة الألف فتظهر في أعلى اليمين علامة وردة بلون أخضر يتغير الى الأزرق والأصفر على شكل قوس قزح، مع ظهور الأرزة اللبنانية إذا ما لويت الورقة.
- تظهر خطوط وكتابات مصغّرة عند وضع الورقة تحت المجهر أو عدسة مكبّرة (عشرة أضعاف).


من التزوير الى مكافحته

عند تناول موضوع التزوير، لا بد من ذكر أحد أكبر المزورين في التاريخ المعاصر، الأميركي فرانك أباغنيل، الذي انتقل بخطوة فريدة من نوعها من التزوير...الى مكافحته!
بعد سنوات من التنقل بين السجون في دول مختلفة لأعمال تتعلق بالإحتيال والتزوير، وانتحاله صفة الطبيب والمحامي والطيار، قرر فرانك أباغنيل توظيف قدراته وطاقاته في خدمة الخير ولمصلحة المجتمع، فأنشأ شركة لكشف التزوير ومكافحته، تستعين بخدماتها المؤسسات التجارية ورجال الأعمال. إلى جانب ذلك، يقوم فرانك بوظيفة مستشار لدى «إف.بي.أي» ويعلم طرق مكافحة تزوير العملة في معهدها.وقد أوحت قصته بإنتاج الفيلم الأميركي»catch me if you can»، الذي استوحى سيرته.