سلامة البيئة

مسؤولية المؤسسات التربوية والتعليمية في قضايا البيئة
إعداد: د. الياس الشويري
رئيس الجمعية اللبنانية للسلامة العامة وممثل منظمة السلامة العالمية لدى الامم المتحدة

إن أية إجراءات تتخذ لحماية البيئة والمحافظة عليها ومواجهة مشكلاتها، ينبغي أن تبدأ بالإنسان باعتباره المسؤول عن ظهور هذه المشكلات. والأساس في هذا الشأن يرجع الى تربية الإنسان نفسه تربية بيئية يفهم من خلالها أسس التفاعل الصحيح مع بيئته، ويقتنع بأهمية المحافظة عليها ويسلك السلوك البيئي المناسب تجاهها، ولن يتم ذلك إلا من خلال المؤسسات التربوية المختلفة التي تهتم بتنمية ميوله ومعارفه واتجاهاته نحو بيئته.
الحديث عن المستقبل في قضايا البيئة، ليس رجماً بالغيب، بل المستقبل نتيجة اتجاهات وقوى وتقنيات أساسية موجودة الآن، ومعرفتنا فيها لا شك تعطينا فهماً أكثر وضوحاً للحقائق والمحدودات الراهنة.
ومن الخطأ والخطر الاعتماد على مجرد استقراء الماضي والوضع القائم في رسم صورة المستقبل، بل إن توقع الوضع المستقبلي يتطلب وعياً وفهماً لتطور المتغيرات؛ وما قد يفاجئ العلم والتكنولوجيا العالم بها.
ويقع على المؤسسات التربوية والتعليمية عبء التفكير العلمي في تقييمها لمشكلات البيئة الحالية، وفي تخطيطها المستقبلي لحماية البيئة.
وإذا كان من أهداف التربية، تهيئة أفراد قادرين على تحمل المسؤولية تجاه أنفسهم وتجاه وطنهم، فإن المواطنية الحقة تفرض على كل إنسان يعيش عصره، مسؤوليات تجاه البيئة التي يعيش فيها، وتزداد هذه المسؤولية كلما ازدادت أهمية مركزه الاجتماعي، وهنا يبرز دور المربي، باني الأجيال.

 

دور المدرسة في مجال التربية البيئية والوعي البيئي

تحتل المدرسة مكانة هامة في مجال تنمية الوعي البيئي بحيث تعكس الحاجات الاجتماعية للبيئة، وتحاول إكساب الطلاب العادات السليمة والاتجاهات والقيم التي تحقق حماية البيئة والمحافظة عليها وصيانتها. ودور الطلاب في حماية البيئة يبدأ من حمايتهم لمدرستهم، ما يتطلب مجموعة من الممارسات اليومية مثل، المحافظة على نظافة المدرسة وصيانة مرافقها، والنهوض بها والحفاظ على البيئة المجاورة لها.
وفي هذه الحالات جميعها ينبغي أن يكون تعليم المعرفة والمهارات والاتجاهات عملية متكاملة. ومن نماذج التربية البيئية التي يمكن أن يدور حولها بعض النشاطات في مراحل التعليم الابتدائي والإعدادي مثلاً، وحدات تتخذ عناوين ومواضيع تدور حول «دور المدرسة»، «التخلص من النفايات»، و «ما هو أحسن نوع من الوقود». وعندما يرتبط التعليم بالعمل والنشاط في هذه الوحدات، يكتسب الطلاب مهارات نظرية وعملية تبقى معهم ويستخدمونها في حياتهم تجاه البيئة.
وينبغي أن تسهم المدرسة في تزويد التلاميذ الأساليب التي يحتاجون إليها في دراستهم البيئية، وتعلّمهم كيفية اتخاذ قرارات مناسبة بشأنها، وذلك عن طريق اشتراك المعلمين والطلاب في عملية تحليل البيئة التي يعيشون فيها، وتحليل الاتجاهات الاجتماعية والثقافية والأنشطة الاقتصادية التي تؤثر فيها وفيهم، ومن خلال ذلك يمكن للطلاب أن يتحكموا في أساليب الاستخدام العلمية التي سوف يمارسونها أو يحتاجون إليها من أجل تحسين طبيعة البيئة التي يعيشون فيها.
تسعى المدرسة إلى تنمية الوعي البيئي لدى التلاميذ، ما يسهم في تحقيق صالح أفراد المجتمع ورفع مستويات معيشتهم من ناحية، وفي حماية وصيانة البيئة من ناحية أخرى.

 

واجب المعلم تجاه تلوث البيئة

للتربية البيئية مجالات واسعة ومتعددة، لذلك على المعلم أن يكون مستعداً للتعامل مع المواقف المختلفة والمتغيرة، وعليه أن يخطط لعمله ويجعل تخطيطه مرناً يتسع للمواقف المتغيرة.
وإذا أخذنا قضية تلوّث البيئة كنموذج، فإن واجب المعلم حيال هذه القضية يمكن اختصاره بما يلي:
- إثارة اهتمامات التلاميذ نحو بيئتهم باختيار مواضيع وظواهر وقضايا تحفزهم على دراستها والمشاركة في حلها.
- تنظيم التلاميذ في مجموعات عمل وفقاً لظروف كل منهم، على أن تتكامل الأدوار في النهاية.
- تنظيم زيارات لمواقع معينة والوقوف على كل ما يتعلق بها.
- إعداد المطبوعات اللازمة لتوجيه التلاميذ، من خرائط مناسبة وجداول وإحصائيات... إلخ.
- اتخاذ الترتيبات اللازمة لدعوة متحدثين متخصصين من البيئة المحيطة، مثل المهندس الزراعي ومهندس المباني أو مسؤول الكهرباء أو رجل الأمن... إلخ.
- الاهتمام بصفة خاصة بتدريب التلاميذ على التفكير العلمي السليم في حل ما يواجههم من مشكلات بيئية وإكسابهم المهارات وتنمية قدراتهم الابتكارية.
- التركيز على ترشيد السلوك البيئي للتلاميذ فرادى وجماعات.
فالمعلم يعد العامل الأساس في نجاح التربية البيئية وتحقيقها لأهدافها، ونموذجاً بسلوكه لطلابه يقتدون به ويقلدونه في أثناء تفاعلهم مع بيئتهم. كما أن إلمام المعلم بقضايا البيئة بجوانبها كافة، يمكنه من توصيلها لتلاميذه بصورة مبسطة وشيقة. لذلك يعتمد إدخال التربية البيئية في برامج التعليم بمراحله المختلفة، على المعلمين الأكفياء المؤهلين الذين يمكنهم تنفيذ هذه البرامج. ولن يتحقق ذلك إلا بتضمين برامج إعداد المعلم بكليات التربية مواضيع في التربية البيئية يدرسها الطلاب على اختلاف اختصاصاتهم، بحيث يعمل فريق المعلمين بتوافق وتكامل على زيادة وعي المتعلمين لقضايا البيئة وضرورة الحفاظ على مقوماتها.

 

دور الأطفال في حماية البيئة

من خلال التعليم البيئي المنظم، يمكن للأطفال أن يؤدوا دوراً فعّالاً في حماية البيئة التي يعيشون فيها (منزل، مدرسة، حي، حديقة، بستان، غابة...) وتحسينها. فعندما يدركون هذا الدور ويشعرون بمسؤوليتهم تجاهه، تكون مشاركتهم في النشاطات المتنوعة داخل الصف وخارجه بدافع ذاتي وطوعي، يحثهم في ذلك حبهم لبيئتهم ومعرفتهم بأهمية عناصرها.
إن إدراك حقيقة المشكلات البيئية، والتأثيرات المترتبة عليها، تفتح الوعي على ضرورة المساهمة في حلها، وتحرض الطفل على الاضطلاع بدوره في المحافظة على بيئته وسلامتها. ويتمثل هذا الدور في المشاركة الفعالة في تنفيذ المهام الفردية والجماعية (بما يتلاءم مع عمره وقدراته) كما يتمثل في السلوك اليومي للطفل. ومن المجالات والنشاطات التي يمكن من خلالها أن يؤدي الطفل دوراً في حماية البيئة، ما يلي:
 

 النظافة:
- اهتمام الطفل بنظافة جسمه وملابسه وحاجاته والمحافظة عليها.
- الاهتمام بنظافة البيت والمدرسة والأماكن العامة.
- وضع القمامة والأوساخ في الأماكن المخصصة لها مهما كانت صغيرة.
- المحافظة على نظافة مصادر المياه كالينابيع والأنهر والبحيرات، وعدم رمي الفضلات فيها.
- المشاركة في لجان النظافة التي تقام على مستوى الصف والمدرسة - إذا وجدت - علماً اننا نشجع كل المؤسسات التربوية والتعليمية على تشكيل هكذا لجان.
- المشاركة في الحملات الإعلامية المدرسية، من خلال منابر الإبداع والمجلات والإذاعة والمعارض.
 

  التشجير:
- قيام الأطفال بزراعة الأشجار والنباتات والورود في حديقة البيت والمدرسة وريّها والاهتمام بها.
- المساهمة في عيد الشجرة بمشاركة الأهل.
- التعرف على أنواع الأشجار والنباتات والورود الموجودة وطرق العناية بها.
- المشاركة في إنشاء غابات خاصة بالأطفال ورعايتها من قبلهم.
- المشاركة في معارض النباتات والورود.
- المشاركة في المسابقات بين الفصول والمدارس ومنابر الإبداع المتعلقة بالبيئة.

 

  حماية ثروات البيئة من التلوّث:
- المحافظة على أشجار الغابات، وعدم إشعال الحرائق فيها.
- إلقاء القمامة والفضلات في الأماكن المخصصة لها، وعدم إلقائها في مياه الينابيع والأنهر والبحيرات والبحار.
- الابتعاد عن التسلية بإطلاق المفرقعات في المناسبات العامة وغيرها.
- استعمال المياه النظيفة.
- استعمال الصابون بدل الكيماويات الأخرى عند غسل اليدين.
- المشاركة في توزيع النشرات والملصقات التي توضح أخطار التلوث على الثروات الطبيعية.

 

كي لا نندم

أخيراً إن الإنسان اللبناني مدعو الآن، أكثر من أي وقت مضى إلى إعادة النظر في كيفية تعامله مع البيئة، وإلى التخطيط السليم لاستغلال مواردها، والتفكير في العواقب المحتملة لاستغلال الموارد الطبيعية استغلالاً غير علمي. كذلك لا بد من دراسة الأخطار الناتجة عن المخلفات الصناعية وعن احتراق الوقود، والاستعمال المتزايد للمبيدات الكيميائية والملوثات الأخرى، كما ان الانسان مدعو إلى التفكير في مصير الغلاف الحيوي (أي طبقة الهواء والماء والطبقة السطحية من القشرة الأرضية) الذي تتركز فيه الحياة.
مما لا شك فيه أن التخطيط العلمي السليم مطلوب في لبنان أكثر منه في البلدان الأخرى، نظراً الى أن الموارد الطبيعية في بلادنا تعرضت لفترة طويلة من الاستغلال غير المنظم الذي نتج عنه تدمير الجزء الأعظم من الغابات والمراعي الطبيعية، وانقراض الكثير من الأنواع الحيوانية، أو انخفاض أعدادها انخفاضاً بالغاً.