مستقبل النزاع العربي ­ الاسرائيلي في ضوء المستجدات الاخيرة على الساحة الفلسطينية

مستقبل النزاع العربي ­ الاسرائيلي في ضوء المستجدات الاخيرة على الساحة الفلسطينية
إعداد: د. إدوار صيّاح
أستاذ محاضر في جامعة سيدة اللويزة ­ لبنان

كان لدخول الجيش الاسرائيلي أراضي الضفة الغربية الفلسطينية صدى كبير وعميق وبعيد المدى, ليس في منطقة الشرق الأوسط فحسب, بل على الصعيد العالمي أيضاً. فاجتياح اسرائيل عسكريا للأراضي العربية ليس بجديد, وليست هذه هي المرة الأولى التي تدخل القوات الإسرائيلية فيها الى المدن والبلدات الفلسطينية, إنما حجم القوة العسكرية المستخدمة هذه المرة في الهجوم, والعمليات العسكرية التي قامت بها, والتي طاولت البنية التحتية للسلطة الفلسطينية في العمق, بهدف تحطيمها, كما يبدو, من أجل القضاء على فكرة إنشاء دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة, كان بحد ذاته الحدث الجديد الذي لم يسبق له مثيل.
واذا كان يمكن ردّ النزاع العربي ­ الاسرائيلي الى العام 1948 الذي شهد تأسيس دولة اسرائيل ونزوح الشعب الفلسطيني الى الدول العربية المجاورة, فإن النزاع الفلسطيني ­ الإسرائيلي بالتحديد يمكن إرجاعه الى ما قبل الميلاد. ولقد بدأت ملامح مرحلة جديدة من الصراع تتبلور إبتداء من الثاني من تشرين الثاني لعام 1917, عندما أعطى اللورد آرثر بلفور, وزير خارجية بريطانيا آنذاك, وعداً للحركة الصهيونية العالمية بإنشاء دولة لليهود على أرض فلسطين([1]).
وجاءت نكبة 1948 والتي نتج عنها إنشاء دولة اسرائيل, ونزوح الفلسطينيين الى أراضي الدول العربية المجاورة ومنها لبنان. وبدأ الشعب الفلسطيني منذ ذلك الوقت رحلة المشوار الطويل, لإستعادة هويته الوطنية التي سُلبت منه عنوة. وكلما راهن على حدث معين للعودة الى فلسطين, كانت الرياح تجري عكس الأماني, فتزداد خيبة هذا الشعب المشرّد من أرضه, وتتحطم أحلامه في العودة الى دياره التي طُرد منها من غير وجه حق. فسلسلة الحروب الإسرائيلية ­ العربية المتلاحقة في الأعوام 1948, 1956, 1967, 1973, لم تحقق كلها للفلسطينيين ما يصبون اليه من تطلعات وطنية مشروعة([2]).
وما فشلت الحروب العربية ­ الإسرائيلية المتتالية في تحقيقه من إيجاد حل للقضية الفلسطينية, عجزت بدورها الأمم المتحدة مع كل القرارات التي صدرت عنها عن التوصل اليه. فجميع القرارات المتعلقة بالقضية الفلسطينية وبحق الشعب الفلسطيني في العودة الى دياره التي هُجّر منها بالقوة, مثل قرارات مجلس الأمن الدولي رقم 194, و242, و388([3]), ذهبت كلها أدراج الرياح لأن اسرائيل لم تحترم أياً منها. ففي الوقت الذي نصّت فيه هذه القرارات على مبدأ الأرض مقابل السلام (وهذا ما أنتهى العرب أخيراً الى المناداة به تمشياً مع الرأي العام الدولي), نرى من جهة أخرى إسرائيل تجنح بوضوح الى فرض مبدأ السلام مقابل الأمن, وهذا ما يرفضه العرب جميعاً من دون استثناء, لأنه يعني حلّ القضية الفلسطينية على حساب الدول العربية التي يقيمون فيها منذ نزوحهم القسري عن فلسطين.
وظن الكثيرون بأن النزاع الإسرائيلي ­ الفلسطيني قد بدأ يتحلحل سياسياً وسلمياً في عام 1994 عندما وُقعت إتفاقيات أوسلو ومدريد بين الفريقين, والتي أنتقلت بموجبها منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة السيد ياسر عرفات من تونس الى الأراضي المحتلة عام 1967, والتي تضم الضفة الغربية وقطاع غزة, مشكّلة السلطة الوطنية الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات, والتي يأمل الجميع بأن تتحول يوماً ما الى دولة فلسطينية مستقلة بجانب دولة اسرائيل. إلاّ أن الأمور أخذت بالتدهور رويداً رويداً , منذرة بأن الوصول الى الحل السياسي المنشود لهذا النزاع المتجذر في التاريخ لن تكون سهلة ولا قريبة المنال.
إن اغتيال رئيس وزراء إسرائيل الأسبق السيد إسحاق رابين شريك الرئيس الفلسطيني عرفات في توقيع أتفاقيات أوسلو ومدريد, على يد اسرائيلي يميني متطرف, أظهر بوضوح أن الإسرائيليين لا يزالون غير مستعدين لعملية السلام. وهذا ما أظهرته نتائج الإنتخابات العامة التي جرت في ما بعد, والتي أدت الى سقوط خليفة اسحاق رابين السيد شمعون بيريز ومعه حزب العمل, وعودة الليكود المتطرف الى الحكم في اسرائيل بزعامة السيد بنيامين نتانياهو([4]).
ولعل الحدث الأبرز في تاريخ النزاع الاسرائيلي ­ الفلسطيني ­ العربي, كان هزيمة رئيس وزراء اسرائيل السابق السيد إيهودا باراك أمام خصمه رئيس وزراء إسرائيل الحالي آرييل شارون, أولاً لأن شارون هو اكثر زعماء اليمين الإسرائيلي تطرفاً وتشدداً على الإطلاق, وثانياً لأن إنتخاب الشعب الإسرائيلي له, مع علمه سلفاً بأنه لا يؤيد اتفاقيات السلام مع الفلسطينيين ولا إقامة دولة فلسطينية مستقلة على الإطلاق, أعطى دلالة ساطعة لا تقبل الشكوك ولا التأويل عن توجهات الشارع الإسرائيلي وعما سيكون عليه مسار النزاع الفلسطيني ­ الإسرائيلي خلال فترة حكم آرييل شارون.
وليست الإنتفاضة الفلسطينية الحالية هي الأولى بالطبع([5]), بل لقد حدثت من قبل انتفاضات أخرى غيرها, إلا أنها لم تكن في حجم ودموية ما يجري هذه الأيام. إن إدراك الشعب الفلسطيني لمغزى وصول شارون الى السلطة في اسرائيل, وتأثير ذلك على آمانيه وطموحاته الوطنية, جعله هذه المرة ينتفض بشكل يختلف تماماً عن السابق. فالشعب الفلسطيني يعرف جيداً بأنه من الصعب التوصل الى شيء تقريباً في ظل حكم شارون, ويفهم تماماً نوايا شارون تجاه الحقوق المشروعة للفلسطينيين وحقهم في إقامة دولتهم المستقلة على ما تبقّى من فلسطين الطبيعية, أي الضفة الغربية وقطاع غزة. فمن الواضح أن شارون يرفض أي شكل من أشكال الدولة للشعب الفلسطيني, وهو يعمل جاهداً وبشتى الأساليب للحيلولة دون قيام دولة فلسطينية غربي نهر الأردن بجانب دولة إسرائيل.
يتضح مما تقدم أن هدف آرييل شارون الإستراتيجي بعيد المدى, ربما كان ترحيل الفلسطينيين الى الأردن كوطن بديل. لذا فهو يلجأ الى مبدأ المناورة تارة والتسويف طوراً إلى أن يتمكن من تحقيق أهدافه المرسومة, والتي تكمن في تحطيم أية إمكانية أو قدرة للشعب الفلسطيني على إعلان دولته الفلسطينية المستقلة على أرض فلسطين التاريخية.

أضواء على الإنتفاضة وأهدافها
يبدو جلياً أن الإنتفاضة الحالية التي اندلعت في 29 أيلول من عام 2000 وما زالت مستمرة, هي كغيرها مما سبقها من انتفاضات فلسطينية في فترة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي, تنضوي تحت هدف رئيسي واحد: “المحاولات المستمرة للشعب الفلسطيني لانتزاع حقوقه الوطنية المشروعة, والتي لا تريد إسرائيل الإعتراف بها بالطرق السلمية ووفق قرارات الشرعية الدولية”. إزاء ذلك, فإنه ومن وجهة النظر الفلسطينية لم يعد هناك من وسيلة لاسترداد الحقوق المسلوبة, سوى اللجوء الى العنف([6]).
ويظهر للوهلة الأولى أن انتفاضة عام 2000 لم يكن مخططاً لها سلفاً, إنما هي اندلعت بصورة عفوية كنتيجة لزيارة التحدي التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون في 28 ايلول عام 2000 الى الحرم القدسي الشريف([7]), قبيل وصوله الى السلطة في إسرائيل. صحيح أن هذه الزيارة كانت الشرارة التي اشعلت فتيل الإنتفاضة هذه المرة, إلا أنه من الصحيح أيضاً أن النار كانت تحت الرماد فاشتعلت بشكل لا مثيل له من قبل في النزاع الإسرائيلي ­ الفلسطيني. ولقد وضع الإنفجار الفلسطيني في 29 أيلول عام 2002 نهاية “للتمثيلية” التي كانت بدأت في أوسلو عام 1995, والتي كان من نتائجها إطلاق عملية السلام في الشرق الأوسط, الرامية الى إنهاء النزاع العربي ­ الإسرائيلي والفلسطيني ­ الإسرائيلي. ففي عام 1993 راود الأمل الفلسطينيين ومعهم الملايين من شعوب العالم, بأن إسرائيل سوف تنسحب من الضفة الغربية وقطاع غزة بحلول عام 1998, وسوف يكون باستطاعتهم إعلان دولتهم المستقلة, وأنه في خلال فترة قصيرة من الزمن سوف يقوم الفريقان بمناقشة كل ما يتعلق بموضوع الإنسحاب الإسرائيلي, ويتوصلا الى إتفاق حول كل الأمور, ومنها الوضع القانوني لمدينة القدس, مستقبل المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة, وعودة اللاجئين الفلسطينيين الذين أُجبروا على مغادرة أراضيهم بالقوة.
إن ميزان القوى غير المتوازن, والمائل لمصلحة إسرائيل بشكل كامل, أدى الى مفاوضات عقيمة وعديمة الجدوى لم ينتج عنها شيء على الإطلاق, مما قضى على الآمال الكبيرة التي راهن الفلسطينيون من خلالها على عملية السلام برمتها. ومن المتعارف عليه أن اعتدال ميزان القوى يقوم على خلق مبدأ التوازن بين الفريقين, بحيث أن المواجهة بين قوتين متوازيتين يؤدي الى منع إحداهما من فرض شروطها وإرادتها على الأخرى بطريقة مجحفة وغير عادلة, ولما فيه مراعاة مصالحها القومية دون الأخذ بعين الإعتبار المصالح القومية والحيوية للفريق الآخر([8]
إن ميل ميزان القوى لصالح إسرائيل على حساب الفلسطينيين بل العرب مجتمعين, جعلها تتصرف بصلف وبطريقة ممعنة في الغطرسة الى أبعد الحدود, غير آبهة البتة بالمصالح العربية. إن وعي الشعب الفلسطيني لاستحالة تغيير موازين القوى وحتى تحقيق التوازن, نظراً الى استمرار الإنحياز الأميركي لإسرائيل والدعم المادي والمعنوي المستمر لها, دفعه الى اليأس, وجعله ينتفض بشكل لم يسبق له مثيل, بهدف أن يحقق من خلال الانتفاضة ما فشل في تحقيقه بالوسائل التفاوضية.
إن الإسرائيليين, وبصرف النظر عن الحكومة التي كانت في السلطة, أكانت بزعامة حزب العمل أو تكتل الليكود, مارسوا فن المراوغة واللعب على الكلمات. فمن جهة طالبوا وبشدة بإدخال تعديلات على الاتفاقيات التي كانوا وافقوا عليها منذ البداية في أوسلو ومدريد, وبعد أن تم إدخال التعديلات التي طالبوا بها هم أنفسهم, رفضوا التقيّد بها, الأمر الذي أدى الى إصابة الشعب الفلسطيني بصدمة وخيبة أمل كبيرين عبّر عنهما بالإنتفاضة التي اعتقد بأنها قد تكون السلاح الوحيد المتبقي في يديه, لإرغام اسرائيل على التقيّد بالإتفاقيات الموقّعة, ودفع المجتمعَين الدولي والعربي إلى التدخل والضغط على القادة الإسرائيليين إنتصاراً للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
ومما لا شك فيه ان الإنتفاضة التي اندلعت عام 2000 ولا تزال, كانت النتيجة الحتمية ليأس الفلسطينيين الذي يمكن إرجاعه الى سنوات من الظلم والقهر والإذلال اليومي المستمر تحت الإحتلال الإسرائيلي. فقد مضى أكثر من سبع سنوات على توقيع إتفاقيات أوسلو ومدريد, وإسرائيل ما زالت تحتفظ لنفسها بالسيطرة الإدارية والأمنية على ما نسبته 61.2% من أراضي الضفة الغربية وعلى 20% من قطاع غزة([9]). وقد أتاحت هذه السيطرة لإسرائيل الفرصة من أجل مضاعفة عدد المستوطنات اليهودية, مهددة بذلك الوجود الفلسطيني حتى ضمن أراضي 1967, ومحوّلة الفلسطينيين الى سجناء داخل مدنهم وبلداتهم.
إن من أهم الأهداف التي تتوخاها الإنتفاضة الفلسطينية, إنهاء الإحتلال الإسرائيلي لأراضي الضفة الغربية وقطاع غزة, وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والمعترف بها دولياً, وتحقيق مبدأ الأرض مقابل السلام, في مقابل مبدأ الأمن مقابل السلام الذي تنادي به إسرائيل وترفضه الدول العربية والفلسطينيون. هذه هي الطريقة الوحيدة للوصول الى سلام شامل وعادل في منطقة الشرق الأوسط. فالرغبة في التحرير أقوى من أن توقفها آلة الحرب مهما كانت قوية, وطالما أن هدف التحرير لم يتحقق, فالإنتفاضة سوف تستمر ومعها ثورة الحجارة. ولقد أصبح واضحاً إن الشعب الفلسطيني أخذ خياره أخيراً, وهو الموت دفاعاً عن الحرية وليس الإستمرار في العيش تحت نير الإحتلال.
 

الموقف العربي من الإنتفاضة
لم يكن الموقف العربي تجاه إنتفاضة الأقصى على المستوى المطلوب, وكان ظاهراً للعيان منذ اليوم الأول, التباين الواضح بين مواقف الحكومات في الدول العربية وموقف شعوبها. ففي الوقت الذي إنفجر فيه الشارع العربي من المحيط الى الخليج غضباً وسخطاً لما كان يحصل في فلسطين, كان هناك تردد كبير وحذر رسمي مطبق من جانب معظم الحكومات العربية في اتخاذ موقف حازم حيال ما كان يجري على الساحة الفلسطينية. فالشارع العربي هو الذي أملى على الحكومات العربية المواقف التي أتخذتها, بدل أن تكون الحكومات هي السبّاقة الى تبني المواقف التي تعزز التضامن العربي تجاه الإنتفاضة الفلسطينية وتعمل على دعمها بكل الوسائل المتاحة لديها. فعندما تحركت الأنظمة العربية في نهاية الأمر, إنما فعلت ذلك بوحي من تحرك شعوبها, وربما تحت وطأة الاضرابات والمظاهرات الشعبية في غير دولة عربية.
ولقد تباينت ردّات الفعل العربية تجاه إنتفاضة الأقصى, بين دولة وأخرى. ففي لبنان عمّت المظاهرات الشعبية مختلف المناطق, وتواصلت التحركات دعماً للفلسطينيين وتنديداً بالإعتداءات الإسرائيلية عليهم. وبالإضافة الى الموقف الشعبي, كان هناك أيضاً موقف رسمي لبناني. ففي لقاء وطني عقد في “مسرح المدينة” في بيروت, أعلن وزير الثقافة اللبناني غسان سلامة أن المعركة مع المشروع الصهيوني هي معركة ثقافية. وأضاف: “نحن في لبنان أحتضنّا الثورة الفلسطينية منذ انطلاقها, وها نحن نحتضن الإنتفاضة الثانية ونعيش اللحظات الصعبة معها, وإننا في ذلك أوفياء لأنفسنا, ذلك أن تاريخ الثقافة في هذا البلد لم ينفصل عن التزام تاريخ الأمة, وفي صدر جوهر هذا التاريخ قضية فلسطين”([10]).
وكان موقف العراق من إنتفاضة الأقصى واجتياح اسرائيل للأراضي الفلسطينية, هو الأشد والأقوى دعماً وتأييداً للشعب الفلسطيني في مواجهة العدوان الإسرائيلي المدمّر. ولقد ذكّر الموقف الذي اتخذه الرئيس العراقي صدام حسين بوقف تصدير النفط لمدة شهر, بموقف الملك السعودي الراحل فيصل بن عبد العزيز آل سعود عام 1973, وقرار العراق بإيقاف ضخ النفط من أراضيه أدى الى ارتفاع أسعار النفط الخام في الأسواق العالمية, وأثار قلق إدراة الرئيس الأميركي جورج بوش, وخصوصاً في ضوء ارتفاع أسعار الطاقة خلال هذا العام([11]).
وعُقد في 28 تشرين الثاني عام 2000 إجتماع طارئ في استراحة البحر الأحمر في ميناء العقبة الأردني, ضم وزير الخارجية المصري عمرو موسى ووزير الخارجية الإردني عبد الإله الخطيب ووفداً فلسطينيا يضم محمود عباس وصائب عريقات, وناقش المجتمعون السبل الآيلة الى استئناف الحوار بين الفلسطينيين والإسرائيليين لوقف القتال الدموي الدائر بين الفريقين منذ 28 ايلول 2000. وكان قد سبق لقاء وزيري خارجية البلدين, إجتماع بين الرئيس المصري حسني مبارك والملك الإردني عبد الله الثاني, عُقد قبل يومين في القاهرة, حيث طالب الزعيمان بإرسال مراقبين دوليين فوراً إلى الأراضي الفلسطينية, وإنشاء لجنة دولية لتقصي الحقائق لاستجلاء أسباب العنف الدائر هناك. وصرّح وزير الخارجية المصري عمرو موسى بعد الإجتماع أن الانتفاضة الفلسطينية هي عمل شرعي ضد الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية, ودعا اسرائيل الى الإنسحاب فوراً. وموقف مصر والأردن من الإنتفاضة في فلسطين كان ينبع من تخوفهما من أن يؤدي استمرار الإنتفاضة في فلسطين الى زعزعة الأمن والإستقرار في منطقة الشرق الأوسط بأكملها([12]).
وفي خطابه أمام مؤتمر القمة العربية الذي عُقد في القاهرة عام 2000, طالب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الدول العربية بإعادة النظر بالقرار الذي إتخذ في مؤتمر القمة العربية الذي عُقد في القاهرة عام 1996, والذي نصّ على اعتماد خيار الحل السلمي لإنهاء النزاع بين العرب وإسرائيل. وهذا الموقف المتشدد للجمهورية التونسية, كان ردة فعل على الانتفاضة وعلى اجتياح إسرائيل لأراضي السلطة الوطنية الفلسطينية, خلافاً لكل بنود اتفاقات أوسلو ومدريد([13]).
ورفضت سوريا من جهتها السلام مع إسرائيل بأي ثمن, حيث أعلن الرئيس بشّار الأسد بأن “قبولنا للحل السلمي للنزاع مع إسرائيل لا ينبغي أن يؤدي الى التخلي عن حقوقنا المشروعة, بل إلى الدفاع عنها, فالسلام يحتاج الى القوة التي تدعمه, والى امتلاكنا لسلاح الردع, وأسوأ شيء هو سلام الضعفاء وحرب الضعفاء. لذا هناك خيارات أخرى ممكن أن نلجأ اليها بطريقة اجماع عربية”. وبعد أن ندد الرئيس السوري بشدة بما يحدث في فلسطين, أعلن وقوف سوريا بحزم الى جانب الإنتفاضة الفلسطينية وأبطالها الذين يقاومون المحتل ويدافعون عن الحق العربي([14]).
وظهر جلياً بأن موقف الشعب العربي في كل البلدان العربية كان أقوى وأصلب من مواقف الحكومات العربية. ففي البحرين إنفجر الشعب بشكل ملفت للنظر في شوارع العاصمة المنامة, حيث هوجم مبنى السفارة الاميركية وأُضرمت فيه النيران بشكل لم تعهده البحرين من قبل. وما حدث في البحرين, تكرر تقريبا في الإمارات العربية المتحدة, كما في السعودية والعراق وسوريا ومصر ومختلف الأقطار العربية, تأييداً ودعماً للإنتفاضة الفلسطينية ولنضال الشعب الفلسطيني في نزاعه الدموي مع الجيش الإسرائيلي المحتل لأرضه وثرواته الوطنية.
وكان للمملكة العربية السعودية, التي حافظت منذ تأسيسها في الثلاثينات من القرن الماضي, على أطيب وأمتن العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية, موقف صارم وشديد اللهجة ضد السياسة التي تنتهجها الولايات المتحدة من الصراع الدائر في فلسطين, مطالبة الإدارة الاميركية بموقف اكثر حزماً ضد ما تقوم به القوات الإسرائيلية في حق الشعب الفلسطيني الذي لا يريد إلا السلام العادل([15]).
وبالرغم من كل هذه المواقف والتصريحات التي صدرت من مختلف الأقطار العربية تأييداً للإنتفاضة ولنضال الشعب الفلسطيني ومقاومته للإحتلال الإسرائيلي, فإن شيئاً لم يتغير, واستمرت اسرائيل باعتماد ذات السياسة التي درجت عليها, وهي تهويد ما أمكن من الأرض الفلسطينية, ولا سيما مدينة القدس, ووضع المجتمع الدولي أمام واقع جديد. وما كان هذا ليحدث لولا وقوف الولايات المتحدة بحزم الى جانب إسرائيل, بصرف النظر عمّا إذا كان ما تقوم به القوات الإسرائيلية له ما يبرره أم لا.

الموقف الأوروبي
تمايز الموقف الأوروبي من الإنتفاضة الفلسطينية عن الموقف الأميركي, بحيث كان يتعاطف, والى حدّ ما مع الطرف الفلسطيني وحقوقه الوطنية المشروعة, مع تجنّب أقفال الباب كلياً في وجه اسرائيل, فكانت سياسة أوروبا منذ انفجر الصراع تقوم على أساس توقف العنف بين الفريقين المتحاربين, والعودة الى طاولة المفاوضات من أجل تجنّب سفك المزيد من الدماء والتوصل الى حلول سلمية للنزاع القائم.
فالموقف الفرنسي كان واضحاً منذ البداية, ويتمثل في إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية, وأعلنت فرنسا بوضوح أن اسرائيل قد ذهبت بعيداً في تعاطيها مع الشعب الفلسطيني, بشكل يتناقض مع إتفاقات أوسلو ومدريد ومع مبادئ العدالة الإنسانية والقانون الدولي. وقد أغضب موقف الرئيس الفرنسي جاك شيراك المؤيد للحل السلمي العادل, إسرائيل والجالية اليهودية في فرنسا. ومع أن الحكومة الفرنسية لم تتبنّ أي موقف عدائي لإسرائيل, إلا أن الصحافة الصهيونية العالمية اعتبرت أن فرنسا تمارس ضمن الإتحاد الأوروبي, سياسة تتماشى مع المصالح العربية. ولقد أتهمت إسرائيل علانية فرنسا بأن موقفها المؤيد للحل السلمي العادل في الشرق الأوسط, انما ينبع من تلهف الرئيس جاك شيراك الى تعزيز دور فرنسا في عملية السلام بحيث لا تنفرد الولايات المتحدة الأميركية برسم مستقبل منطقة الشرق الأوسط من دون أي مشاركة أوروبية([16]).
والواقع أن الإتحاد الأوروبي كان عبّر بصراحة عن غضبه وسخطه من الموقف الأميركي من النزاع الفلسطيني ­ الإسرائيلي, ومن الإنحياز الأميركي الواضح لإسرائيل. وفي بيان صدر نهار الأثنين في 6 شباط 2002, أنتقد وزراء خارجية الإتحاد الأوروبي بشدة الإعتداء الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني, ومحاولة آرييل شارون القضاء على السلطة الوطنية الفلسطينية, ووصفت وزيرة خارجية السويد السيدة آن ليند السياسة الأميركية في الشرق بأنها “رعناء وشريرة” واضافت “انه لمن الخطورة الى حد كبير على مصالح الولايات المتحدة أن تبقى الإدارة الأميركية مؤيدة لأعمال الحكومة الإسرائيلية بصورة عمياء, وداعمة لسياسة آرييل شارون الذي اختار المواجهة الدموية بدل العودة الى طاولة المفاوضات السلمية”([17]).
وتواجه سياسة الدعم المطلق من قبل رئيس وزراء بريطانيا العمالي طوني بلير, لكل ما يقوم به الرئيس الاميركي جورج بوش, انتقاداً عنيفاً من قبل حزب العمّال الحاكم ومن الشارع البريطاني أيضاً. وثمة استياء واسع النطاق في المملكة المتحدة من ممارسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية, ومن التأييد الأميركي لهذه الممارسات, وعمّت شوارع لندن تظاهرات صاخبة تأييداً للإنتفاضة الفلسطينية وتنديداً بكل ما تقوم به إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني. وثمة شعور عام يتبلور في المملكة المتحدة, يتحول الى إقتناع راسخ بوجوب اتباع بريطانيا سياسة متوازنة تجاه النزاع الفلسطيني ­ الإسرائيلي.
اما في العاصمة البلجيكية بروكسل فقد عمّت المظاهرات الصاخبة الشوارع تأييداً للشعب الفلسطيني, وكان العديد من بين المتظاهرين قد زحفوا الى السفارة الإسرائىلية معبّرين عن احتجاجهم على الأعمال التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني, مطالبين الحكومة الإسرائيلية بأن تعود الى طاولة المفاوضات لحل النزاع بالطرق السلمية. ووصل غضب المتظاهرين الى حد اللجوء الى أعمال العنف ضد الجالية اليهودية في بلجيكا, حيث هوجم العديد من الأحياء والمراكز التجارية اليهودية مما أدى الى تدخل القوى الأمنية لوقف أعمال العنف([18]).
وفي الواقع فإن النزاع الإسرائيلي ­ الفلسطيني, ومستوى العنف الذي وصل اليه, قد أحرجا الأوروبيين ووضعاهم أمام أمرين أحلاهما مرّ, فإما تأييد إسرائيل وتعريض مصالحهم في العالم العربي للخطر, وإما تأييد المطالب الشرعية للشعب الفلسطيني وتعريض علاقاتهم مع إسرائيل والولايات المتحدة للخطر, مما سيؤدي الى انفراط التضامن الأميركي ­ الأوروبي في حملة محاربة الإرهاب العالمي التي تخوض غمارها الولايات المتحدة بعد أحداث 11 أيلول 2001.
ومع ذلك كان لأوروبا موقف مختلف الى حد كبير عن موقف الولايات المتحدة تجاه النزاع الإسرائيلي ­ الفلسطيني وما تقوم به إسرائيل في فلسطين, واتخذ البرلمان الأوروبي قراره المميز بتجميد إتفاق الشراكة مع اسرائيل. وأعلن الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمن المشترك للإتحاد الأوروبي في مدينة ستراسبور نهار الثلاثاء في 9 نيسان 2002, بأن أوروبا بدأت باستخدام سياسة “العصا والجزرة” ضد الحكومة الإسرائيلية برئاسة آرييل شارون بعدما “تجاوز الكثير من الخطوط الحمر”. ودعا الإتحاد الاوروبي في اجتماعه في العاصمة الإسبانية مدريد الى انسحاب إسرائيل الفوري من جميع المناطق الفلسطينية المحتلة, مبدياً قلق الدول الأوروبية البالغ من الوضع الإنساني والآلام الكبيرة التي يعانيها المدنيون في النزاع الإسرائيلي ­ الفلسطيني([19]).
 

الموقف الاميركي

لم يكن موقف الولايات المتحدة الاميركية منذ البداية تجاه النزاع العربي – الإسرائيلي، على مستوى المسؤولية التي من المفروض ان تتحملها الدولة التي تقود العالم بصورة أحادية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1989. فالانحياز الاميركي إلى جانب اسرائيل كان واضحاً بشكل سافر، ووصل إلى الحد الذي جعل مجلس النواب الاميركي يتخذ بأغلبية (365 صوتا مقابل 30) القرار رقم 426، والذي يدين القيادة الفلسطينية لتشجيعها المزعوم على استخدام العنف ضد دولة اسرائيل. ولقد تضمن هذا القرار عدة بنود كلها تدين الفلسطينيين ومن بينها: (1) التعبير عن التضامن الكامل والقوي مع دولة وشعب اسرائيل في النزاع القائم، (2) إدانة القيادة الفلسطينية لتشجيعها الشعب الفلسطيني على القيام باعمال العنف التي تؤدي إلى خسارة لا معنى لها للأرواح البريئة (3) الطلب من القيادة الفلسطينية التوقف عن اثارة المشاعر الشعبية الفلسطينية ضد اسرائيل واللجوء إلى الاساليب السلمية في التعامل مع الازمة وحل المشاكل العالقة مع حكومة اسرائيل من خلال المفاوضات السلمية([20]).

ولقد ادى هذا الموقف الاميركي المنحاز لاسرائيل والمدين بشدة لانتفاضة الشعب الفلسطيني من دون الاخذ بعين الاعتبار للاسباب الكامنة وراء هذه الانتفاضة إلى وضع زعماء الدول العربية في موقف صعب وحرج.. فالمقاومة الفلسطينية للإحتلال العسكري الإسرائيلي منذ ايلول عام 2000 وموقف الولايات المتحدة العدائي لتلك المقاومة تركا آثارهما الكبيرة على علاقات اميركا مع كل الدول العربية، ومع 24 دولة اسلامية في العالم ولدى الكثيرين من الديبلوماسيين والقادة العسكريين الاميركيين في الشرق الاوسط. إحساس بتصاعد حدة العداء للولايات المتحدة بصورة لم يسبق لها مثيل، بسبب موقف اميركا المنحاز لاسرائيل بصورة تامة. ومصالح الولايات المتحدة الاميركية في منطقة الشرق الاوسط من اقتصادية وسياسية وتجارية وعسكرية وانمائية، سوف تتعرض كلها من دون شك لخطر كبير، في حال فقدان الانظمة العربية سيطرتها على الشارع العربي الذي ينمو فيه مستوى العداء للولايات المتحدة بصورة يومية متصاعدة. وهكذا فان محافظة الولايات المتحدة على اهداف سياستها الخارجية في الشرق الاوسط وتعزيز بل تقوية هذه الاهداف يعتمد ولا شك على ما إذا كان بمقدور حكومات دول المنطقة الاستمرار في تعاونها مع الادارة الاميركية بالرغم من موقف هذه الادارة الكلي بجانب حكومة ارييل شارون في اسرائيل([21]).

فمنذ اندلاع الانتفاضة الشعبية الفلسطينية في ايلول عام 2000 مروراً بعامي 2001 و 2002 كان التنسيق بين الولايات المتحدة واسرائيل على اكمل وجه، بحيث كان لكلا الدولتين موقف واحد وموحد وهو مطالبة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بان يضرب بيد من حديد ما اسمياه بمنظمات الإرهاب الفلسطينية المسؤولة عن استمرار اعمال العنف والعمليات الانتحارية، ولقد ظهر الانحياز الاميركي لاسرائيل بأوضح صورة عندما صوت مجلس الامن الدولي في تشرين الأول من عم 2000 بأغلبية 14 عضواً من اصل 15 بالموافقة على قرار يدين اسرائيل على استخدامها المفرط للقوة العسكرية ضد المدنيين الفسطينيين في حين امتنعت الولايات المتحدة وحدها عن التصويت متحدية بذلك الرأي العام الدولي برمته ومؤيدة لما تقوم به اسرائيل من عمليات عسكرية مبررة ذلك بأنها عملية دفاع عن النفس في وجه عدوان اراهابي فلسطيني ضد امنها القومي([22]).

وبالرغم من الموقف الاميركي المنحاز لاسرائيل لم توفر الادارة الاميركية جهداً من اجل وضع حد للنزاع الإسرائيلي – العربي الدامي منذ 29 ايلول عام 2000. فقامت ادارة الرئيس جورج بوش اولا بارسال لجة لتقصي الحقائق في الاراضي الفلسطينية برئاسة زعيم الاغلبية الديموقراطية السابق في مجلس الشيوخ الاميركي السناتور جورج ميتشل. لقد لحظ تقرير ميتشل الذي نشر في 21 ايار 2001 خطة عمل مبرمجة لانهاء الصراع الدائر وتضمنت الخطة النقاط التالية:

(1) وقف اطلاق نار فوري.

(2) توقف الاسرائيليين عن الاستمرار في بناء مستوطنات جديدة

(3) بذل القادة الفلسطينيين جهوداً اكبر في محاربتهم لشناط المنظمات الارهابية في فلسطين.

ولقد املت الادارة الاميركية بان تقود توصيات لجنة ميتشل إلى ايقاف العنف وبناء جسر جديد من الثقة والتفاهم بين الفريقين المتنازعين مما يؤدي إلى عودتهم مجدداً إلى طاولة المفاوضات من اجل التوصل إلى حلول سياسية للنزاع القائم([23]).

لقد تبنت الولايات المتحدة بقوة وعلى الصعيدين الرسمي والشعبي توصيات تقرير لجنة ميتشل كأساس صالح لتسوية النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني طوال الفترة الواقعة بين مطلع عام 2001 وحتى نهاية ايار من العام 2002 ومع تجدد اعمال العنف في المناطق الفلسطينين بين الفريقين المتنازعين ابتداء من اول حزيران عام 2002 وبدات الآمال التي عقدت على مهمة ميتشل تتلاشى وازداد الشعور من قبل الولايات المتحدة بالحاجة إلى التدخل مجدداً لوقف التدهور المستمر. وعندها قامت الادارة الاميركية بارسال مدير المخابرات المركزية جورج تينيت لاجراء محادثات امنية جديدة بين الفريقين المتنازعين وبعد مفاوضات صعبة مع ممثلي الطرفين تم التوصل إلى ما سمي باتفاق تينيت.

 

ونص الاتفاق المذكور على النقاط التالية:

 (1)- حث القيادة الفلسطينية على بذل الجهود المكثفة لوضع حد نهائي لنشاطات منظمات الرفض الفلسطيية.

 (2)- الطلب من اسرائيل اعادة كل القوات العسكرية والاسلحة الثقيلة إلى المواقع التي كانت تتمركز فيها قبل بدء الانتفاضة الفلسطينية في 29 ايلول عام 2000.

وفي الواقع فإن كلاً من تقرير ميتشل وخطة تينت قد نطرا إلى النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني على انه قضية امنية وليس سياسية تتعلق بموضوع الاحتلال الإسرائيلي للاراضي الفلسطينية الامر الذي يتطلب التفتيش عن حلول سياسية للنزاع، وليس وضع ترتيبات امنية بين الفريقين المتنازعين([24]).

ثم عادت الولايات المتحدة وارسلت مجددا في شهر آذار من عام 2002 الجنرال المتقاعد انطوني زيني إلى المنطقة على امل ان تؤدي مساعيه هذه المرة إلى وضع حد لاعمال العنف المتصاعد والتي تهدد امن منطقة الشرق الاوسط برمته وادرك زيني بانه لا يمكن الاستمرار في التركيز على الناحية الامنية فقط كما فعل كل من ميتشل وتينيت بل لا بد من اخذ الناحية السياسية بعين الاعتبار ولقد اراد الرئيس جورج بوش من وراء اعادة ارسال زيني إلى المنطقة ان يعيد الحياة إلى مقترحات لجنة ميتشل وخطة تينيت الا ان استمرار اسرائيل في عملياتها العسكرية في الاراضي الفلسطينية والذي ادى إلى رفع مستوى حدة العنف الدموي المتبادل جعل مهمة زينين تنتهي إلى نفس المصير المحتوم كسابقاتها([25]).

وفي خطاب القاه في جامعة لوزي فيل في ولاية كنتاكي الاميركية في 19 تشرين الثاني عام 2001 هاجم وزير الخارجية الاميركية كولن باول الانتفاضة الفلسطينية مدعياً بان لا شي يبرر الاعمال التي تقوم بها لانها حسب رايه تؤدي إلى اراقة الدماء من دون التوصل إلى حل لاي من المشكلات العالقة بين الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي وقال ان على الفلطسنيين ان يفهموا ان  باستطاعتهم تحقيق اهدافهم ولكن فقط بالطرق السلمية ومن خلال المفاوضات مع الاسرائيلين وان على اسرائيل اظهار الرغبة الاكيدة في انهاء احتلالها للاراضي الفلسطينية تطبيقاً لقرار مجلس الامن الدولي رقم 242 و 338 وان مستقبل مدينة القدس يشكل بحد ذاته تحدياً كبيراً لكلا الطرفين المتنازعين ولا يمكن حل مشكلة المدينة المقدسة الا من خلال المفاوضات السلمية وتابع ان أي حل لمدينة القدس يجب ان ياخذ بعين الاعتيار الاهمية الدينية لهذه المدينة التاريخية، وان يحافظ على المصالح الدينية لليهود والمسيحيين والمسلمين على السواء ([26]).

 

وفي احدث المواقف الاميركية تجاه ما يجري في فلسطين ما ادلى به نائب مساعد وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الاوسط دايفيد ساترفيلد اثناء زيارته الاخيرة للمنطقة خلال شهر آب عام 2002 لقد كان لجولة ساترفيلد عدة اهداف ومنها:

1- تبريد الأجواء الامنية في المنطقة والحؤول دون حصول أي تطورات دراماتيكية على ان الادارة الاميركية لا تزال مستمرة في دعمها وتأييدها للمقررات العربية الصادرة عن اعلان قمة بيروت والتي ستبقى اساسية لاعادة انطلاق العملية السلمية في المنطقة تمهيداً للوصول إلى تسوية سلمية للنزاع العربي – الإسرائيلي ([27]).

واجرى دافيد ساترفيلد محادثات في دمشق مع وزير الخارجية السورية فاروق الشرع تناولت تفصيلاً الوضع الاقليمي والحالة الفلسطينية والعلاقات السورية – الاميرية وادلى ساترفيلد خلال زيارته لدمشق بتصريحات ايجابية حول عملية السلام وضرورة احلال سلام شامل مؤسس على القرارين 242 و 338 ومبدأ الارض مقابل السلام والمبادرة السلمية الصادرة عن القمة العربية في بيروت. والتي وصفها بانها ايجابية جداً ومحل تأييد من قبل الادراة الاميركية ([28]).

يتضح مما تقدم بان الموقف الاميركي منذ بداية الانتفاضة الفلسطينية في 29 ايلول 2000 يتصف بالغموض وتضارب الاراء وتشابكها والتناقض في وجهات النظر بين الاطراف والمواقع المختلفة في الادارة فبالرغم من استمرار الهجمة الاسرائيلية الشرسة على الفلسطينيين والتطورات المأسوية التي تنتج عنها يومياً في الاراضي الفلسطينية نرى مواقف المسؤولين الاميركيين التي تتسم بعدم الانصاف والتلاعب بالمشاعر على اشدها وهذا الانحياز الاميركي الوضاح إلى جانب اسرائيل جعل الكثيرين من المسؤولين العرب ينتقدون وبمرارة الولايات المتحدة ويتهمونها علانية بتعقيد الامور في المنطقة وليس العمل على ايجاد حل عادل يوازي ويساوي بين الفريقين المتنازعين([29]).

 

انعكاس الاحداث الاخيرة في فلسطين على سياسة مصر الخارجية
تأثرت السياسة الخارجية لجميع الدول العربية المحيطة بفلسطين بالانتفاضة الشعبية في الاراضي الفلسطينية المحتلة وكانت مواقف تلك الدول على الصعيد الدولي تحت تأثير مسار النزاع الإسرائيلي -  الفلسطيني منذ شهر ايلول من عام 2000 وكانت مصر من بين الدول التي وجدت نفسها في وضع حرج للغاية وهي التي تربطها مع اسرائيل اتفاقيات كمب ديفيد التي رعاها الرئيس الاميركي الاسبق جيمي كارتر وقد تبنت مصر خطأ سياسياً متعارضا مع الموقف الاميركي ورفضت بشدة الحملة التي اطلقتها الولايات المتحدة من اجل الاطاحة بياسر عرفات واستبداله بقياة فلسطينية جديدة. وتعليقاً على دعوة الرئيس الاميركي جورج بوش إلى تغيير القيادة الفلسطينية قال الرئيس المصري حسني مبارك وبوضوح بانه ضد هذه الدعوة وان مصر تعتبر بان الرئيس عرفات هو الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني لان الشعب هو الذي اختاره في انتخابات شعبية عامة ودفعت مصر ثمن هذا الموقف المعارض للولايات المتحدة بحيث ان الاادرة الاميركية اوقفت دفع المساعدات المالية التي درجت على تقديمها لها منذ اتفاقيات كمب ديفيد في اوخر السبعينات من القرن الماضي.

ولقد عبر وزير الخارجية المصرية عمرو موسى عن موقف السياسية الخارجية المصرية تجاه الانتفاضة الفلسطينية رافضاً وبشكل قاطع موقف الولايات المتحدة واسرائيل المتهم للفلسطيني بانهم يقفون وراء عملية تعطيل السلام وقال الوزير موسى بان الانتفاضة هي ضد الاحتلال الإسرائيلي وضد سياسة الحصار والتجويع للشعب الفلسطيني الا انها مع السلام العادل الذي يرضي الطرفين المتنازعين ولقد ارسلت  الانتفاضة رسالة واضحة إلى كل الدول الفاعلة على المسرح الدولي بان على اسرائيل وبصورة نهائية ان تختار اما السلام واما الارض فالسلام العادل لا يجمع بين الامرين اطلاقاً ويجب ان يؤسس هذا السلام العادل والدائم على قاعدة الارض مقابل السلام ([30]).

وتجلى بوضوح تأثير الانتفاضة على السياسة الخارجية المصرية اثناء زيارة وزير الخارجية الاميركي كولن باول للمنطقة في نيسان 2002 بحيث لقي استقبالاً فاتراً وغير ودي في القاهرة خلافاً لزياراته السابقة فقبيل وصوله إلى مصر قام المتظاهرون في جامعة الازهر الاسلامية بحرق اعلام اميركا واسرائيل وبعد اجتماع مطول عقده مع الرئيس المصري حسني مبارك اعلن كولن باول بانه سيجتمع مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وهذا يظهر اصرار مصر على اعتبار ياسر عرفات الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني وضرورة التعامل معه على هذا الاساس ان ما حدث في الشارع المصري من تحرك غاضب وهيجان ضد الولايات المتحدة واسرائيل لم يسبق له مثيل وشكل ضغطاً هائلاً على السياسة الخارجية المصرية فمفتي مصر العام الشيخ احمد الطيب انتقد موقف الرئيس الاميركي جورج بوش الذي اعلن بان منفذي العمليات الفدائية هم قتلة ومجرمون بقوله صراحة بان هؤلاء الابطال المجاهدين هم شهداء من الدرجة الأولى ([31]).

 

إنعكاس الأحداث الأخيرة في فلسطين على لبنان وسوريا
كان معروفاً منذ اللحظة الأولى لاندلاع الإنتفاضة في فلسطين, بأن لبنان ومعه سوريا سوف يتأثران بما سيجري هناك والى أبعد الحدود. فلبنان هو البلد العربي الثاني بعد الأردن من حيث عدد اللاجئين الفلسطينيين المتواجدين على أرضه, أما سوريا فهي راعية السلم الأهلي في لبنان منذ اتفاق الطائف, والمخيمات الفلسطينية المنتشرة في انحاء مختلفة من لبنان تعج بالمقاتلين الفلسطينيين المدججين بكل أنواع الأسلحة, ولا بد من أن ينعكس ما يجري في فلسطين عليهم باعتبار أن الفلسطينيين في الشتات هم أمتداد طبيعي لأولئك الذين في الداخل. وهذا ما يجعل الأمن في لبنان عرضة للمخاطر في ما لو أراد الفلسطينيون فيه التحرك لنجدة إخوانهم داخل الأراضي المحتلة. وبالفعل فلقد صدرت صيحات من بعض الجهات الفلسطينية, طالبت بالسماح لها بالإشتراك بالقتال ضد إسرائىل عبر الحدود اللبنانية بغية تخفيف الضغط على الداخل الفلسطيني.
وهناك بعد آخر لما يجري في فلسطين, قد يكون من الخطورة بمكان على الكيان اللبناني. ذلك أن القضاء على الإنتفاضة الفلسطينية ونجاح إسرائيل في التخلص من إتفاقات أوسلو ومدريد وكمب ديفيد كما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون, يحمل في طياته خطر التوطين للفلسطينيين في الدول المقيمين فيها, وعلى رأسها لبنان. ولا تخفى المخاطر الجسيمة المترتبة على توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان لا سيما بالنظر الى طبيعته الخاصة وكون نظامه السياسي توافقياً مبنياً على توازن طائفي داخلي دقيق.
إن ارتباط المسارين اللبناني والسوري يجعل أي انعكاس للأحداث داخل فلسطين على أيٍّ من البلدين انعكاساً على الآخر. فسوريا هي الراعية للسلام الأهلي في لبنان, وأي ردة فعل عسكرية إسرائيلية ضد لبنان نتيجة قيام أي تنظيم فلسطيني أو لبناني بعمل عسكري عبر الحدود اللبنانية ­ الإسرائيلية لن تكون محصورة في لبنان فقط, بل قد تطال الجيش السوري في لبنان أو ربما داخل سوريا نفسها.
الى ذلك فإن لبنان وسوريا هما الدولتان الوحيدتان من الدول المجاورة لإسرائيل اللتان لم توقعا سلاماً مع الدولة العبرية. وهناك مخاوف حقيقية من أن تشنّ الحكومة الاسرائيلية حرباً إقليمية بغية تخفيف الضغط الذي تتعرض له في الداخل, بحيث يكون لبنان وسوريا الهدف المفضل والمرجح لها.
وإذا ما حاول حزب الله اللبناني (والذي تقوم استراتيجيته على مبدأ إن ما يصيب الأخوة الفلسطينيين في قتالهم للعدو الإسرائيلي يصيب لبنان وشعبه) القيام بأي عمل عسكري ضد اسرائيل, فإن تبعات هكذا عمل وعواقبه لن يتحملها لبنان وحده بل ستتحملها معه سوريا أيضاً. وبالفعل فأنه في كل مرة يقوم الحزب بعملية عسكرية عبر الحدود اللبنانية, نرى بأن إسرائيل لا تقوم بتهديد لبنان فقط, بل تهدد معه أيضاً سوريا. فعندما حدثت عملية مستوطنة شلومي على الحدود اللبنانية ­ الإسرائيلية, قامت اسرائيل بتوجيه تهديد الى لبنان وسوريا معا باعتبارهما مسؤولتان عن نشاطات حزب الله الذي نفذ العملية, والذي يقوم أيضاً بإرسال أسلحة من لبنان الى الانتفاضة الفلسطينية([32]).
إن انفجار الوضع في فلسطين, لا يمكن إلا أن ينعكس سلباً على الوضع الأمني في لبنان. فالقضيتان اللبنانية والفلسطينية قد تداخلتا بحيث أصبح من الصعب تعافي لبنان بالكامل, قبل إيجاد حل نهائي للنزاع العربي ­ الإسرائيلي. وهذا ما أكده رئيس الجمهورية اللبنانية العماد إميل لحود غير مرة, ولا سيما عندما اتصل به هاتفياً كل من الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان والسفير الأميركي في لبنان فنسنت باتل, إذ قال “إن لبنان حريص على استقرار الوضع على حدوده الجنوبية, هو يطالب بالاسراع في وقف العدوان الإسرائيلي الوحشي على الأراضي الفلسطينية والذي أدى الى عودة التوتر الى المنطقة, وأحدث ردود فعل شعبية غاضبة ورافضة في كل الدول العربية, الأمر الذي يحتم معالجة سريعة لما يجري في فلسطين لمنع تفاقم الأمور” ([33]).

إنعكاس الأحداث الأخيرة في فلسطين على الأردن
يعيش الأردن حكومة وشعبا ومنذ فترة طويلة, في ظل هاجس فكرة “الوطن البديل” والتي ازدادت المخاوف بشأنها بعد وصول آرييل شارون الى السلطة في إسرائيل. ولقد ترددت مقولة أن “الأردن وطن بديل للفلسطينيين” لعدة أسباب, من أهمها هذا التداخل الفريد والقوي بين الشعبين الأردني والفلسطيني, والذي لا ترى له مثيلاً في اي دولة عربية اخرى. لقد وصل الفلسطينيون في الأردن الى أعلى المراكز في الدولة, ومنهم من أصبح رئيساً للوزراء أو تبوّأ العديد من المقاعد في الحكومة والمجلس النيابي. ووصل الأمر الى حد لم يعد باستطاعة المراقبين فيه ان يفرّقوا بين ما هو أردني (ذو جذور أردنية) أو أردني من أصول فلسطينية.
وتخوّف المسؤولون الأردنيون منذ بدء الإنتفاضة مما يجري في الأراضي الفلسطينية, معتبرين أن أول البلدان العربية المجاورة والتي يمكن أن تتأثر بالنزاع العربي ­ الإسرائيلي هي الأردن, لذلك نراهم وقد نشطوا في تحركاتهم العربية والدولية بهدف تهدئة الأمور وإيجاد حل يحفظ للفلسطينيين حقوقهم الوطنية, حتى لا تحل القضية الفلسطينية على حساب الأردن. ولقد عبّر عن ذلك أحسن تعبير رئيس الوزراء الأردني علي أبو الراغب في مقابلة له مع جريدة “السياسة” الكويتية عندما سُئل عن احتمال إلغاء الأردن لمعاهدة السلام مع اسرائيل بسبب ما يجري في الأراضي المحتلة بقوله: “لن يقدم الأردن وتحت أي ظرف على فعل ذلك لأن معاهدة السلام مع إسرائيل مكّنته من دفن فكرة جعل المملكة وطناً بديلاً للشعب الفلسطيني”. وأضاف رئيس الوزراء الأردني قائلاً: “إن المملكة الأردنية الهاشمية تدعم وبشدة الشعب الفلسطيني, وستستمر في ذلك حتى يتمكن أخواننا الفلسطينيون من تأسيس دولتهم على ترابهم الوطني”([34]).
والواقع أن الأردن يتأثر بصورة أساسية وبشكل عاطفي بالنزاع ­ الإسرائيلي بسبب أمتداده الجغرافي مع اسرائىل وأراضي السلطة الفلسطينية, وأيضا بسبب أن اكثر من نصف سكانه هم من أصل فلسطيني, ولهذا فإن تعرّض العملية السلمية في أيلول من عام 2000 ولغاية الآن الى خطر الأنهيار, واندلاع الإنتفاضة الفلسطينية, كان لهما تأثير كبير وانعكاس مباشر على الأردن, وأديا الى تحريك مشاعر الشارع الأردني ضد إسرائىل والولايات المتحدة

 الأميركية([35]).

مبادرة الأمير عبد الله
فوجئت الدوائر العربية والدولية بالمبادرة السلمية التي أعلنها الأمير عبد الله بن عبد العزيز آل سعود وليّ عهد المملكة العربية السعودية لأول مرة في أوائل آذار من عام 2002. وفور الإعلان عن هذه المبادرة التي تهدف الى إنهاء النزاع العربي ­ الإسرائيلي, بدأ الترحيب بها من مختلف المصادر العالمية, وكان في المقدمة وزير الخارجية الأميركية كولن باول والأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان. ومع أن مبدأ “الأرض مقابل السلام” الذي نصّت عليه المبادرة لم يكن بالأمر الجديد, بل كان دائماً في صميم مفكرة الديبلوماسية العربية لحل مشكلة الشرق الأوسط, إلا أن الأهمية الكبرى التي تكتسبها المبادرة السعودية هي كونها تأتي من أحدى الدول العربية الرئيسية, بعد مضي 17 شهراً على بدء الإنتفاضة الفلسطينية.
إن المبادئ الأساسية التي تضمنتها المبادرة كلها تدور حول إحلال سلام عادل ودائم بين العرب واسرائيل, في مقابل إقامة دولة فلسطينية مستقلة في أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة التي احتلتها اسرائيل في الحرب العربية ­ الإسرائيلية عام 1967. ومن بين هذه المبادئ:
1- ­ انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي التي احتلتها في حرب 1967, والتي تضم الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية ومرتفعات الجولان السورية.
2- ­ في المقابل تقيم كل الدول العربية مجتمعة علاقات ديبلوماسية طبيعية مع اسرائيل, ومن ضمنها معاهدة سلام تعترف بحق إسرائيل في الوجود وبحدود آمنة ومعترف بها([36]).
وقد نوقشت مبادرة الأمير عبد الله بن عبد العزيز السلمية في مؤتمر القمة العربية الذي عُقد في بيروت في نهاية شهر آذار من عام 2002, حيث تمت الموافقة عليها بعد إدخال بعض التعديلات المعينة والمهمة. والواقع أن هذه المبادرة تتشابه الى حد كبير مع المبادرة السلمية التي سبق وناقشتها الدول العربية في مفاوضات الهدنة عام 1949 مع اسرائيل, ومن أهم التعديلات التي أدخلت عليها في قمة بيروت كان بند يتعلق بعودة اللاجئىن الفلسطينيين الى ديارهم, ورفض الدول العربية توطين أي منهم في أراضيها.
والسؤال الذي يُطرح هنا هو: لماذا المبادرة الآن؟ ولماذا أنتظرت المملكة العربية السعودية كل هذه المدة لتبادر الى طرح خطتها السلمية؟
الواقع أن توقيت الإعلان عن المبادرة السعودية يُمكن أن يُردّ إلى أسباب عدة ومن بينها أحداث 11 أيلول 2001 التي أدت الى تغيير نظرة الحكومة الأميركية والرأي العام الأميركي إلى الأنظمة العربية القائمة, وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية وشعبها. ففي دراسة احصائية لجريدة “واشنطن بوست” الأميركية بتاريخ 26 شباط 2002, تبيّن أن خبراء أميركيين خارج الادارة يصنفون السعودية وشعبها كمصدر حقيقي للإرهاب العالمي. لذا فمن المناسب العمل على تلميع صورة المملكة لدى الولايات المتحدة حكومة وشعباً, وإبعاد تهمة تشجيع وتمويل المنظمات الأصولية عنها. وبدل أن يُنظر الى السعودية من خلال منظور الإرهاب, سوف تقوم المبادرة السعودية بتقديم المملكة كدولة محبة للسلام ومشجعة على تعايش الحضارات كصانع سلام في الشرق الأوسط([37]).
وقد يكون هناك الصراع المستتر أحياناً والعلني أحياناً أخرى على قيادة العالم العربي بين الدول العربية الرئيسية, وخصوصا بين السعودية ومصر, فأرادت المملكة العربية السعودية ألاّ تبقى مكتوفة الأيدي نظراً الى ثقلها العربي والإسلامي, وألاّ تترك الساحة خالية لمصر لتستفرد بهندسة حل للقضية الفلسطينية بالإتفاق مع الولايات المتحدة وكأنها هي صاحبة القرار الأول والمفتاح الوحيد لأميركا في النزاع العربي ­ الإسرائيلي, فتغدو وكأنها الزعيمة الأحادية للعالم العربي.
ولعل توقيت مبادرة الأمير عبد الله بن عبد العزيز, له علاقة مباشرة بتطورات النزاع العربي ­ الإسرائيلي. قد يقول البعض أن المقاومة في فلسطين تسجل انتصارات, وذلك حقيقة, ولكنها حقيقة جزئية, فهذه الأنتصارات لا يمكن أن تبقى أو تدوم الى الأبد. فهل الإستعداد قائم لأن يقتل معظم الفلسطينيين من أجل هدف قد لا يتحقق؟ ولمصلحة مَن تتابع قوافل الشهداء, لتزداد أعداد الثكالى والأيتام؟ هل يصب ذلك في مصلحة فلسطين المستقبل, أم هو في مصلحة العدو؟ من المحتمل أن يكون الأمير عبد الله بن عبد العزيز قد وضع كل هذا في الحسبان عندما وضع مبادرته السلمية, آخذاً بعين الإعتبار بأن الولايات المتحدة تعتبر أن اسرائيل هي جزء لا يتجزأ منها, ولن تقبل هزيمتها تحت أي اعتبار, مما دفعه إلى اطلاق فكرة السلام الشامل مع اسرائيل على أساس مبدأ “الارض مقابل السلام”([38]).
وسواء كانت هذه الاستنتاجات صائبة ام لم تكن, فإن المبادرة السعودية طرحت حقلاً واسعاً من التساؤلات والاجتهادات, حتى بعد ان تلاشى بريقها في ضباب المستجدات المتلاحقة.
 

ماذا تعني دعوة آرييل شارون لعقد مؤتمر دولي؟
أعتبر الكثيرون من المراقبين والمحللين اقتراح آرييل شارون بعقد مؤتمر دولي لبحث قضية النزاع العربي ­ الإسرائيلي, بمثابة دعوة مشبوهة وغير صادقة, يُقصد منها الإلتفاف على جميع الإتفاقيات التي تم التوصل إليها بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في مؤتمرات أوسلو ومدريد وكمب ديفيد, والعودة بالوضع برمته الى نقطة الصفر من جديد. فلو كان هذا المؤتمر الدولي الذي إقترحه رئيس الوزراء الإسرائيلي على ضيفه وزير الخارجية الأميركية مساء الأحد في 14 نيسان 2002 دعوة صادقة تهدف الى التوصل لتسوية سلمية في الشرق الأوسط, لما كانت اسرائيل قد وضعت شرطاً مسبقاً وحازماً برفض حضور الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات, وهو المفترض أن يكون في مقدمة الحاضرين في مؤتمر كهذا, الهدف الرئيسي والأساسي منه هو إيجاد حل للقضية الفلسطينية.
فالإقتراح في شكله ومضمونه لا يحمل أية مقومات تجعله مؤتمراً للسلام. فما يريده آرييل شارون هو مؤتمر ترعاه الولايات المتحدة وتشارك فيه, الى إسرائيل, كل من مصر والأردن والسعودية والمغرب ودول الخليج, بينما يرفض من جهة أخرى حضور الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وسوريا ولبنان. والى ذلك نراه أيضاً يستبعد لاعبين أساسيين على المستوى الدولي مثل الإتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة.
وأجمعت تحليلات الباحثين والمراقبين لهذا المؤتمر على أنه سيكون, ولا شك, مؤتمراً تشاورياً وليس تقريرياً, يحاول آرييل شارون من خلاله تمرير أهدافه التي هي أبعد ما تكون عن السلام. فهو يريد ان يغطي ما يرتكبه في الأراضي الفلسطينية, مع محاولة كسب مزيد من الوقت للإستمرار في حربه على الفلسطينيين, عن طريق الظهور أمام الرأي العام الدولي بمظهر رجل السلام الذي يفتش عن حلول سلمية لا عسكرية للنزاع القائم([39]).
إن إمعان شارون في تحطيم صورة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في المحافل الدولية عن طريق أظهاره بمهظر الإرهابي الذي هدفه التخريب والقتل من أجل القتل, إنما هدفه التملّص من الضغط الدولي عليه للإنسحاب من الأراضي المحتلة والإلتفاف على مبادرة الأمير عبد الله بن عبد العزيز السلمية التي أصبحت, بعد تبني قمة بيروت العربية لها, مبادرة عربية للسلام, وبأن يجرّ الدول العربية الى مؤتمر آخر يقوم بتبني مقترحات ورؤى مخالفة لبنود المبادرة العربية.
وفي ضوء ما تقدم نرى بأن دعوة آرييل شارون لعقد مؤتمر دولي, قد تعرضت لانتقادات شديدة من غير طرف أقليمي ودولي. ففي تعليق لها على الدعوة الى عقد هذا المؤتمر الدولي, وصفت الإذاعة السورية من دمشق اقتراح شارون بأنه تضليل يقصد من ورائه رئيس الوزراء الإسرائيلي “إحتواء الإدانات الدولية الواسعة لجرائم الحرب التي مارسها. وفي واقع الأمر, ليس في جعبة شارون ومخططاته غير استخدام القوة العدوانية لقتل أي توجه نحو السلام العادل والشامل, واستكمال تنفيذ المشروع الصهيوني الذي لا يعني غير التشبث بالإحتلال وتوسيع الإستيطان”([40]).
وحقيقة الأمر أن دعوة شارون لعقد مؤتمر دولي, هي كما يقولون “كلمة حق يراد بها باطل”. فهي ليست بحثاً عن السلام, بل مواصلة للحرب. لقد أراد آرييل شارون, عندما اقترح على كولن باول فكرة عقد مؤتمر دولي, أن ينفّس أي نتيجة محتملة لمهمة باول قد لا تكون في مصلحته. أما حماس وزير الخارجية الأميركية في البداية لفكرة شارون, فما هو إلا مجرد رغبة من كولن باول في إيجاد أي فكرة سياسية جديدة يمكن له أن يبحث فيها إذا ما انتهت مهمته الى الفشل.

هل هناك جديد في مبادرة السلام الأميركية الأخيرة؟
الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأميركي جورج بوش نهار الأثنين في 24 حزيران 2002, أعتبره البعض مبادرة سلام أميركية جديدة لحل النزاع العربي ­ الإسرائيلي. ويعتقد الرئيس الأميركي كما جاء في خطابه بأن الكثرة في الشرق الأوسط تريد السلام, إلا أن هناك قلة حاقدة ومليئة بالكراهية تقف حجر عثرة في طريق تحقيق السلام وتستمر في جرّ المنطقة بأسرها نحو المجهول. وشدّد الرئيس الأميركي بأن على المجتمع الدولي التصدي لأعداء السلام في الشرق الأوسط, وعدم السماح لهم بتهديد أمن المنطقة والعالم كلما أرادوا.
وفي الواقع فإن ما اعلنه الرئيس الأميركي في واشنطن ليس عملية سلام أميركية جديدة بأية صورة من الصور, كما أنه لا يتضمن جدولاً زمنياً لتنفيذ أي شيء, ما عدا حديثه عن أفق ثلاث سنوات لتنفيذ ما طلب من كل من الفلسطينيين والإسرائيليين وبقية الدول العربية القيام به. والولايات المتحدة الأميركية استناداً الى بيان الرئيس جورج بوش, لم تلتزم شيئاً, إلا بعض الوعود التي يمكن أن تتغير مع تغيّر الظروف السياسية الداخلية والدولية, أو مع تغير الإدارة في الإنتخابات المقبلة. لكن ما توخاه الرئيس بوش هو أن يقول للعالم: “هيا لغزو العراق لأن هذا الهدف يفوق كثيراً في أهميته ما يحدث في إسرائىل والأراضي الفلسطينية المحتلة, بالنسبة الى أمن الولايات المتحدة ومصلحتها”([41]).
وحملت مبادرة الرئيس بوش مفاجأة كبيرة لم تكن متوقعة, هي الدعوة الى إقصاء الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات كشرط لصداقة الولايات المتحدة ودعمها. كذلك فإن الرئيس الأميركي لم يقيّد نفسه بما اتفق عليه مع ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز, بأن يقدم الى الفلسطينيين عرضاً ما, لأن ما عرضه على الشعب الفلسطيني في بيانه أو مبادرته السلمية هو دعم أو مساعدة مشروطان بإقصاء الرئيس عرفات ونبذ الإرهاب.
ومن الأمور التي تضمنتها المبادرة الأميركية للمرة الأولى, قيام دولة فلسطينية مؤقتة, (الإقتراح الذي قوبل بانتقاد الكثير من الأوساط العربية في مقدمتها عاهل الاردن الملك عبد الله الثاني بن الحسين), ودعوة الرئيس بوش إسرائيل لإيقاف النشاطات الإستيطانية, والإنسحاب الى المواقع التي كانت فيها قبل بدء الإتفاضة في 29 أيلول 2000.
وتطرّق الرئيس الأميركي في خطابه الى الإرهاب, فدعا سوريا الى أن تختار الجهة الجيدة في الحرب على الإرهاب عبر إغلاق معسكرات الإرهابيين وطرد المنظمات الإرهابية. وقال في اشارة الى سوريا “إن على القادة الملتزمين فعلاً العمل من أجل السلام, وقف التحريض على العنف في وسائل الإعلام الرسمية, والتنديد علناً بالإعتداءات الإنتحارية. وأي دولة ملتزمة فعلاً السلام يجب أن توقف منابع تمويل وتجهيز ودعم المجموعات الإرهابية التي تريد تدمير اسرائيل, مثل حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله. وأضاف ان على هذه الدول أن توقف الشحنات الإيرانية لهذه المجموعات, وأن تواجه الأنظمة التي تدعم الإرهاب مثل العراق”([42]).
إن دعوة الرئيس الأميركي للشعب الفلسطيني الى تغيير قيادته المتمثلة بالرئيس عرفات, تبدو غير واقعية ولا منطقية وغير قابلة للتنفيذ. فمن غير المتوقع بتاتاً أن يبادر أي مرشح جدي للرئاسة الى تحدي ياسر عرفات, وسيتم انتخاب عرفات ثانية, وعندها ماذا سيكون موقف الرئيس الأميركي؟
الواقع أن خطاب الرئيس بوش لم يقدم أي حلول ناجعة للنزاع القائم, ومن دون مبادرة سلام جدية تتضمن حلولاً جذرية للصراع, فإن النزاع العربي ­ الإسرائيلي سوف يستمر الى ما لا نهاية, وقد يعرّض المنطقة بأكملها للخطر. فالرئيس بوش لم يدعُ إسرائيل الى إيقاف العمليات العسكرية في الأراضي الفلسطينية الخاضعة للسلطة الوطنية, ولا طالب بانسحاب الجيش الإسرائيلي الى حدود 1967.
إن قساوة جورج بوش اللافتة في نظرته إلى الفلسطينيين من جهة, ولطفه الظاهر للعيان تجاه الإسرائيليين لا يساعدان بتاتاً على الإسراع في إيجاد حل للمأساة القائمة, بل يشكلان حجر عثرة في طريق الحلول المنشودة. وهكذا فإن خطابه لا يعكس الواقع وحقائق الأمور على الأرض في الشرق الأوسط, وهو خال من أي خطة عمل وأي جدول زمني لحل النزاع الدموي القائم.

الأحداث الأخيرة في فلسطين: عودة إلى الوراء أم خطوة نحو حلّ سياسي؟
من الصعب الجزم بما ستؤول اليه الأحداث الجارية في فلسطين, وما إذا كانت ستؤدي إلى العودة إلى الوراء, أم ستكون نتيجتها الوصول الى الحل السياسي المنشود. فهناك مؤشرات وبوادر تشير الى إمكانية تصاعد حدة النزاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين مع مرور الزمن, ولكن هناك إشارات اخرى, ولو ضعيفة, تشير الى إمكانية التوصل الى حل سياسي ما, ولكن ليس قبل المرور في مخاض عسير أولاً. فالحكومة الإسرائيلية التي يرئسها آرييل شارون أعلنت صراحة بأنها لا تعترف بكل الأتفاقيات السابقة التي تم التوصل إليها بين فريقي النزاع. فاتفاقيات أوسلو ومدريد وكمب ديفيد أصبحت بنظر إسرائيل لاغية وقد تخطاها الزمن, بينما الإتحاد الأوروبي والصين وروسيا والولايات المتحدة الى حد ما, لا تشاطر إسرائيل هذا الرأي وتعتبر أن هذه الإتفاقيات لا زالت سارية المفعول, وأنها يجب أن تكون الأرضية الصالحة للتوصل الى حل سلمي للنزاع العربي ­ الإسرائيلي في نهاية المطاف.
إن ما يجري في فلسطين هذه الأيام هو تدمير منظّم ومتعمد للبنى التحتية للمجتمع الفلسطيني هدفه القضاء التام على هيكلية الأجهزة الأمنية الفلسطينية, وهو محاولة واضحة ومكشوفة لإعادة عقارب الساعة الى الوراء وتحطيم أي إمكانية مستقبلية لتأسيس دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة. وفي الوقت الذي تجهد فيه حكومة شارون في القضاء على كل ما قد يساعد الشعب الفلسطيني على تحقيق أمانيه وطموحاته الوطنية في الإستقلال والسيادة, ما زالت هناك أصوات ترتفع في أوروبا وحتى في الولايات المتحدة, ترفض ما يقوم به شارون في الأراضي المحتلة وتطالب بالعودة الى طاولة المفاوضات وتنفيذ الإتفاقيات السابقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وغالباً ما تخبو أصوات السلام هذه تحت وطأة استئناف القصف وهدير مدافع الدبابات وقنابل الطائرات, وكأنّ إرادة الحرب في كل مرة تكون أقوى من إرادة السلام. وها هم المحللون الفلسطينيون يتفقون على إن إعادة بناء الإنتفاضة هي السبيل الوحيد لإيجاد وسائل أقوى لمحاربة الإحتلال, ويعتقدون انه بإعادة تنظيمها سيتمكن الشعب الفلسطيني من إرغام المسؤولين الإسرائيليين على إعادة النظر في سياساتهم في الأراضي المحتلة.
إن تحقيق السلام في المنطقة هو من مصلحة اسرائيل تماماً كما هو من مصلحة العرب, وهو عامل أستقرار يؤدي الى ازدهار المنطقة وشعوبها. ولقد حدد الرئيس السوري بشار الأسد موقف بلاده من النزاع القائم في فلسطين بقوله: “إن من مصلحة سوريا أن يتحقق الإستقرار في المنطقة, وان السلام بالنسبة اليها هو مبدأ وليس تكتيكاً, وأنه لا يمكن أن تكون هناك حركة في هذا الاتجاه ما لم تكن كل العناصر المرتبطة به واضحة, فالأمن هو جزء من السلام لا ينفصل عنه, والتحرك في اتجاه السلام هو الذي يساهم في وقف العنف”. إلا أن الحل السياسي الذي ينشده العرب يصطدم دائما بالموقف الإسرائيلي المتصلب, بحيث, يضيف الرئيس بشار الأسد “إن ظروف السلام غير متوافرة مع سياسات شارون الذي شكلت سياساته الإستيطانية منذ العام 1998, الجسر نحو رئاسة الحكومة”([43]).
ويظهر جلياً لمن يراقب تطور الأحداث ومسار النزاع العربي ­ الإسرائيلي ولا سيما منذ اندلاع الإنتفاضة الفلسطينية الأخيرة, أن الحرب والسلام يسيران جنباً الى جنب في سباق ماراثوني متكافئ ومتواز, بحيث يصعب التكهن لمن ستكون الغلبة في نهاية المطاف. فهناك من الظواهر ما يجعل البعض يظن بأن آرييل شارون ينتظر الفرصة المناسبة من أجل تحقيق فكرته القديمة ­ الجديدة في جعل الأردن الوطن البديل للفلسطينيين, ولكن هناك من الظواهر الأخرى ما يشير الى أن ذلك اصبح صعباً, (إنما ليس مستحيلاً), بعد أن وقعّ الأردن معاهدة سلام مع إسرائىل. ومهما يكن من أمر فإن الانتفاضة الفلسطينية لن تستمر الى الأبد, لأن ما من شيء إلا وله نهاية, والمنطقة برمتها سوف تدخل في مرحلة هدوء واستقرار, ولكن بعد أن تتعرض لهزات قوية. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: أيّ حل سياسي ذلك الذي سيتم التوصل اليه بين الفريقين المتنازعين؟ أهو السلام العادل القائم على التوازن والمستند الى قرارات الشرعية الدولية, أم هو الإستسلام أي السلام المفروض بالقوة من قبل إسرائيل على العرب بدعم ظاهر أو مستتر من الولايات المتحدة؟

هل الأحداث الأخيرة هي مقدمة لحل بالقوة العسكرية أم هناك ممرات أخرى للطرق الديبلوماسية والسياسية؟
إن حظوظ حل النزاع العربي ­ الإسرائيلي بالقوة العسكرية, تكاد تكون متوازية مع احتمالات الحل بالطرق الديبلوماسية والسياسية. فالمشكلة تكمن بأن في كل من المعسكرين المتنازعين, فريق “حمائم” يسعى للتوصل الى حل سياسي للنزاع, وفريق “صقور” يريد الحسم العسكري. فلو ترك الأمر لرئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون, فإنه من دون شك سيسعى إلى إنهاء النزاع بالقوة العسكرية, لأن هذه هي اللغة الوحيدة التي يفهمها. إلا أن الحكومة الإسرائيلية ليست طليقة اليدين بصورة تامة, بل هناك حسابات ومصالح للولايات المتحدة في العالم العربي تحملها على الإستمرار بممارسة الضغوط على إسرائيل لمنعها من إنهاء النزاع عن طريق القوة العسكرية.
إن الأحادية المطلقة لزعامة العالم المعقودة اللواء للولايات المتحدة الأميركية “المنحازة بصورة تامة وفاضحة لإسرائيل”, تجعل الإنسان يتساءل عما إذا كان بالإمكان التوصل الى حل ديبلوماسي وسياسي للنزاع العربي ­ الإسرائيلي في ظل الإختلال الصارخ في ميزان القوى بين الفريقين المتنازعين. فسياسة آرييل شارون تقوم على مبدأ استخدام القوة وتهجير الشعب الفلسطيني الى الدول العربية. وليس من المستبعد في ظل الدعم الأميركي الصلب والمتواصل له, أن يمضي قدماً في تحقيق سياسته القديمة.
إن الصراع العربي ­ الإسرائيلي في الاراضي الفلسطينية المحتلة هو في كفتي الميزان, بحيث يُخشى انه في ظل العجز العربي الواضح وضعف أوروبا وصمت روسيا أمام الجبروت الأميركي, أن ترجح كفة الحل بالقوة العسكرية على تلك التي بالطرق الديبلوماسية والسياسية. والواقع أنه إذا لم يتبلور موقف عربي موحد وصلب, مع دعم قوي من روسيا والإتحاد الأوروبي لثني الولايات المتحدة عن المضي في سياسة الدعم الأعمى لآرييل شارون, فأنه لن يكون من حَكَم بين الفريقين سوى السلاح والحسم العسكري الذي يفرض فيه الأقوى إرادته والحل السياسي الذي يريده على الأضعف.

الخاتمة:
لم تكن الإنتفاضة الفلسطينية الراهنة, ردة فعل عفوية على رفض الولايات المتحدة الأميركية واسرائيل لحق العودة, والذي طالب به الفلسطينيون في قمة كمب ديفيد في تموز من العام 2000. لقد ولدت الإنتفاضة الفلسطينية من رحم سياسة التجاهل والحرمان الذي لحق بالفلسطينيين, ومن استمرار إسرائيل في سياستها الإستيطانية الهادفة الى تهويد الأراضي العربية, وعلى الأخص بيت المقدس, الأمر الذي أدى الى إصابة الشعب الفلسطيني بالإحباط الذي تحول مع الأيام الى الانتفاضة البطولية التي نشهدها اليوم والتي من المحتمل ألا تتوقف قبل التوصل الى حل ينهي النزاع القائم.
وكلما طال أمد الإنتفاضة وسقط المزيد من الشهداء, كلما ازدادت الأمور تعقيداً واصبح النزاع العربي ­ الإسرائيلي أصعب. وثمة عنصر آخر يجعل هذا الصراع اكثر حدة, هو كثرة الفرقاء المشاركين في النزاع حيث لكل فريق رؤيته واستراتيجيته ووسائل الضغط الخاصة به. فلو أخذنا الفلسطينيين مثلا لوجدنا أن رؤيتهم لأفق الصراع مع إسرائىل واضحة لا لبس فيها, وهو حقهم المشروع في إقامة دولتهم الوطنية على تراب فلسطين العربية. اما بالنسبة الى الاستراتيجية الفلسطينية فهي تستند الى الكفاح المسلح من جهة, ومن جهة أخرى إلى عدم إقفال الباب أمام أي مبادرة سلمية لحل النزاع. وتعتقد بعض المنظمات الفلسطينية المتشددة (مثل حماس والجهاد الإسلامي) بأن العمليات الإستشهادية التي تنفذها هي أكبر وأقوى سياسة ضغط على المجتمع الدولي لكي يتحرك من أجل إيجاد حل للنزاع القائم.
وبالنسبة للعالم العربي الذي يملك الكثير من الطاقات البشرية والمادية, نراه نوعاً ما في حالة ضياع وحيرة مدهشة بالنسبة لما يجري فعله لمساعدة الفلسطينيين. وبالطبع فإن الدول العربية كلها ممثلة في الجامعة العربية وتدعم الشعب الفلسطيني وتؤيد حقوقه الوطنية المشروعة في إقامة دولته المستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة. إلا أن العرب يبدون عاجزين عن ممارسة ما يكفي من الضغط على الولايات المتحدة لتحقيق هذا الهدف. أضف الى ذلك, فإن لكل دولة عربية مصالحها الذاتية مع الولايات المتحدة, وهي كما يبدو غير مستعدة أن تضحي بها من أجل الشعب الفلسطيني مهما كانت الظروف. فمصر والأردن غير مستعدتين لأن تتخليا عن معاهدات السلام المعقودة مع إسرائيل, خوفاً من إغضاب الولايات المتحدة وإسرائيل وتعريض أمنهما القومي للخطر من جراء ذلك.
ولو نظرنا الى الإتحاد الأوروبي, لوجدنا بأنه اكثر تعاطفاً مع الشعب الفلسطيني, إلا أنه لا يجرؤ على الوقوف في وجه الولايات المتحدة. فأوروبا لا تملك ما يكفي من وسائل الضغط في النزاع العربي ­ الإسرائيلي, لأن وحدتها غير متماسكة وليس هناك من توحيد للمواقف بين دولها. إن وجود دولة رئيسية في أوروبا هي المملكة المتحدة الإنكليزية, الحليف الأكثر تضامناً مع الولايات المتحدة منه مع شقيقاتها الأوروبيات, يشكل عقبة كبيرة أمام الاتحاد الأوروبي للعب دور اكثر فعالية في النزاع العربي ­ الإسرائيلي.
أما روسيا التي لا تزال تعتبر ربما “النّد” للولايات المتحدة الأميركية نظراً للترسانة النووية الهائلة التي ورثتها من الإتحاد السوفياتي السابق, فأنها لا تستطيع بعد أن تلعب الدور الذي كان يلعبه سلفها الإتحاد السوفياتي وذلك لأسباب عديدة. فقد خرجت روسيا بعد الإتحاد السوفياتي مثخنة بالجراح, ويعاني مجتمعها من فقر فظيع, وهذا بالطبع يضعف مكانتها على المسرح الدولي ويجعلها شبه مشلولة أمام الولايات المتحدة, خصوصاً وانها لا تزال في فترة النقاهة وفي أمسّ الحاجة الى المساعدات المالية والإقتصادية الأميركية, وليس من الممكن أو المعقول في هذه الفترة أن تقف وبحزم في وجه الولايات المتحدة, ليس في الشرق الأوسط فقط, بل في أي جزء آخر من العالم.
وفي ما يتعلق باسرائيل فإن رؤيتها لقضية النزاع مع العرب, وبالأخص مع الفلسطينيين, واضحة تماماً, ليس تصريحاً فقط, بل من خلال ما قامت وتقوم به جميع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في إسرائيل, سواء كانت من حزب العمل او من تجمع الليكود. إن هدف اسرائيل هو عدم تمكين الفلسطينيين من إقامة دولة ذات سيادة بجانب الدولة العبرية, بل إنشاء شبه دويلة مقطعة الأوصال محاطة بالمستوطنات اليهودية من جميع الجهات, وخاضعة لإسرائيل مباشرة. وقد يكون الأمر أخطر وأبعد من ذلك أيضاً, فوجود آرييل شارون في السلطة يزكّي المخاوف من إحياء سياسته القديمة التي تهدف الى ترحيل الفلسطينيين خارج فلسطين. واستراتيجية اسرائيل تقوم على بناء المزيد من المستوطنات واستقدام المزيد من اليهود الشرقيين ولا سيما بعد انهيار الإتحاد السوفياتي الذي كان يمنع هجرتهم, تمهيداً لتهويد كامل أرض فلسطين وخلق أمر واقع جديد. فوسائل الضغط المتوفرة لإسرائيل تكاد لا تكون متوفرة لأي دولة أخرى. ويكفي أن نتذكر بأن الدولة المهيمنة على مقدرات العالم اليوم, وهي الولايات المتحدة الأميركية, لا ترى في الشرق الأوسط إلا ما تراه إسرائيل.
وتبقى أخيراً الولايات المتحدة الأميركية التي تضطلع بدور القيادة والريادة لعالم اليوم. ولئن كانت سياستها معقدة, فذلك لأن مصالحها في الشرق الأوسط اكثر تعقيداً. إلا أن لها في نهاية المطاف ذات الأهداف التي هي لإسرائيل. وهي مصممة على سحق أي دولة أو طرف باستطاعته تهديد سلامة وأمن إسرائيل, أو حتى تهديد وضع الدولة العبرية كأقوى وأعظم قوة عسكرية في الشرق. وقد تقيم الولايات المتحدة مع بعض الدول العربية والإسلامية بعض العلاقات الجيدة, إلا أن هذا ليس إلا مناورة سياسية وحاجة تكتيكية آنية تقتضيها المصالح الأميركية. اما حقيقة الأمر فهي أن التزام الولايات المتحدة بإسرائيل لا جدال فيه, ومجرد أن تقف أي دولة أو طرف من المعتبرين من “أصدقاء أميركا” في وجه اسرائيل, فسيجدون أنفسهم في مواجهة مع الولايات المتحدة. إن استراتيجية اميركا تقوم على سحق أي قوة أو طرف يهدّد بشكل أو بآخر هيمنتها السياسية والإقتصادية على الشرق الأوسط, وأيضا على تقوية ورعاية إسرائيل ودعمها الدائم والحازم في جميع الميادين, لتبقى القاعدة العسكرية الجاهزة أبداً للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
وبناء على هذا الواقع يبدو أن مستقبل النزاع العربي ­ الإسرائيلي هو في الغالب في يد جهة واحدة هي الولايات المتحدة الأميركية, خصوصاً بعد انهيار الإتحاد السوفياتي, بحيث أصبحت الولايات المتحدة هي الخصم والحكم في آن معاً, ونظراً للإنحياز الأميركي الأعمى لإسرائيل وخصوصا في عهد الرئيس جورج دبليو بوش يُخشى أن يُحل النزاع على حساب العرب. فنحن كما يبدو أمام مسارين اليوم, فإما ان تتخذ روسيا والإتحاد الأوروبي موقفاً اكثر حزماً في وجه الولايات المتحدة الأميركية للتوصل الى حل النزاع العربي ­ الإسرائيلي بشكل عادل, ولو بالحد الأدنى, وإما أن تتمكن إسرائيل وبمساندة الولايات المتحدة الأميركية من فرض السلام الذي تريده إسرائيل وبمباركة أميركية, والذي سيكون أقرب الى الإستسلام منه الى السلام الحقيقي.
 


[1] The Near East Since the first world war M.E.YAPP P.124 (New York and London: Longman, 1996).

[2] W.de st. Aubin, "Peace and Refugees in the Middle East" The Middle East Journal, III (JJuly, 1949) ,P.1251.

[3] UN Document Security Council Resolution 242 (22November1967)

[4] G. Usher, "Picture of War", Middle East International, no. 535 (4 October, 1996)       PP. 3 - 5

[5] Rashid Khalidi, "The PLO and the Uprising", Middle East Report No. 154 (Septemper  October 1988) , PP. 21 – 23..

[6] فيوليت داغر, “العنف كمخرج أوحد... للفلسطيني”, جريدة النهار اللبنانية, العدد 21227 (9 نيسان 2002), ص 105

[7] http://www.merip.org/new - Uprising - Primer/ Primer - all - text. html, p. 3,6-6-2002.

[8] Michael Sheehan, The Balance of Power: History & Theory (London & New York:    Routledge, 1996) P. 53.

[9]

[10] غسان سلامة, “المعركة مع المشروع الصهيوني ثقافية”. جريدة النهار اللبنانية, العدد 21227, 9 نيسان 2002, ص7.

[11] مراسل جريدة النهار, “صدام أدخل سلاح النفط في المواجهة”, جريدة النهار اللبنانية, العدد 21227, 9 نيسان 2002, ص10.

[12] Staff Reporter, "Aqaba meeting underlines support of legitimate uprising", Jordan   Times, November 29,2000 PP. 1 - 3.

[13] Sherine Bahaa, "Variations on a theme", Al - Ahram, 26 Oct - 1 Nov. 2000, PP.1 – 3  

[14] Ibid, PP. 1 - 3.

[15] Yacov Ben Efrat, "the Two - State formula has become an impossibility", Challenge, No. 65, Jan - Feb 2001, PP.1 - 6.

[16] Joshua Schuster, chirac annoys Israel, French Jews, Jewish Telegraphic Agency, Oct 11, 2000, PP. 1 - 2.

[17] Ghassan Joha, "Europeans express anger over US Position", The Star, Issue No. 12, January 2002, PP.1 - 3.

[18] David Farer, "European Jihad", Jewsweek, July 12, 2002, PP. 1 - 8.

[19] جورج ساسين, “البرلمان الاوروبي يقرر تجميد اتفاق الشراكة مع اسرائيل”, جريدة النهار اللبنانية, العدد 21229, الخميس 11 نيسان 2002, ص 1, 11.

[20] Thomas Gourgissian, "Blaming the Victim", AL - Ahram, Issue No. 506, 2 - 8 November 2000, PP.1 - 3.

[21] John Duke Anthony, "The Intifada, the U.S., and Gcc Countries", http://www.Palestine Center.org pp.1 - 3.

[23] Wendy S. Ross, "Bush Discusses Mitchel Report With Leaders of Egypt and Jordan", Washington File, 22 May 2001, PP.1 - 3.

[24] http://www.merip.org/new-uprising-primer/Primer-all-text. html,6/6/2002.

[25] Aaron Brown, "Assessing the zinni Mission", CNN newsnight, January 2, 2002.

[26] Secretary Colin L. Powell, "Remarks at the Mc Connell Center for Political leadership", University of Louisville, Kentucky, U.S. Department of State, November 19,2001.

[27] هيام عازوري, “ساترفيلد يتمسك بمقررات أعلان بيروت”, الديار, العدد 4991, الاربعاء 4 ايلول 2002, ص 30.

[28] مروان المهايني, “الادارة ترفض مشروع معاقبة سوريا”, المستقبل, العدد 1091, الاربعاء 4 ايلول 2002, ص10.

[29] سليمان نمر, “الولايات المتحدة تعقد الامور في المنطقة”, الحياة, العدد 14411, الثلاثاء 3 ايلول 2002, ص20.

[30] Tanya Gondsouzian, "Interview with Egypt's Foreign Minister", Middle East In sight, pp 1-3..

[31] Philip Smucker, "Powell faces changed Arab world", The Christian Science Monitor, April 10, 2002, pp 2 -3.

[32] اميل خوري, “قمة بيروت: اما سلام شامل واما مواجهة شاملة”, النهار, العدد 11212, الخميس 21 آذار, ص3.

[33] “لحود: وقف العدوان الوحشي لمنع تفاقم الأمور”, النهار, العدد 21226, الاثنين 8 نيسان 2002, ص2.

[34] “PM says Palestinians should prove ability to establish state", Jordan Times, Monday July 1, 2002, pp1-2.

[35] Roger Hardy, "Analysis: Jordan's Precarious Position", BBC New, Monday 5 November 2002.

[36] Roger Hardy, "Saudi Peace Initiative takes root", BBC News, Tuesday 26 February, 2002.

[37] Saudi Arabia+s Op - Ed Diplomacy: A public Relations Ploy or a Serious Initiative", Jerusalem Issue Brief, Vol 1, No 20, March 2002.

[38] محمد الرميحي, “لا تعدلوا المبادرة السعودية”, النهار, العدد 21215, الاربعاء 27 آذار 2002, ص24.

[39] سحر بعاصيري, “اللااقتراح”, النهار, العدد 21224, الثلاثاء نيسان 2002, ص1.

[40] “شارون لا يرى سلاماً ممكناً مع عرفات ويرفض حضوره المؤتمر الاقليمي”, النهار, العدد 21224, الثلاثاء 16 نيسان 2002, ص10.

[41] وفيق رمضان, “نمط جديد للسياسة الاميركية”, النهار, العدد 21301, الاربعاء 26 حزيران 2002, ص1.

[42] “طلب من سوريا طرد المنظمات الارهابية”, النهار, العدد 21300, الثلثاء 25 حزيران 2002, ص12.

[43] عبد الهادي محفوظ, “كيف يقرأ بشار الأسد رؤية بوش وتهديد شارون”, النهار, العدد 21307, الثلاثاء 2 تموز 2002, ص5.