تدريب ومهارات

مسيرة السنوات الثلاث في تمرين!
إعداد: الرقيب أول كرستينا عباس

ثلاث سنوات من الكدّ والتعب والجِد والنشاط والدراسة والتدريب، كلّلوها بمناورة ختامية هي ثمرة كل قطرة عرَق سقطت منهم. فجاءت النتيجة على قدر التعب والآمال. في مزرعة حنوش - حامات حيث جرت المناورة في حضور قائد الجيش العماد جوزاف عون أثبت خلالها تلامذة الضباط السنة الثالثة في الكلية الحربية، أنّهم جاهزون للانطلاق إلى ميادين الخدمة مزوَّدين الكفاءات والقدرات اللازمة، متسلحين بقوة الإرادة والعزم، مدركين لما ينتظرهم من مشقات. 

 

تسلّلت خلية إرهابية عبر البحر بمراكب صيادين وتمركزت في منطقة مزرعة حنوش والمباني المجاورة، وبدأت تنفيذ عمليات أمنية ضد مراكز الجيش اللبناني وعناصره. كلّفت قيادة الجيش الكلية الحربية بالقضاء على هذه الخلية بمؤازرة وحدات مختلفة من الجيش والقوى الأمنية الأخرى. بهذه الفرضية نفّذ تلامذة الضباط السنة الثالثة تمرينًا تكتيًا مشتركًا بين مختلف القوى وبمختلف الأسلحة الخفيفة، المتوسطة والثقيلة، بالإضافة إلى سلاح الجو والبحر. فبعد تدريب دام ثلاث سنوات، نفّذ تلامذة الضباط في الميدان ما تعلّموه في الكلية الحربية كلٌ بحسب اختصاصه. وهكذا تمت المناورة بتنسيق تام بين قوى البر (مشاة، مدرعات، مدفعية، مضاد للدروع، هندسة قتال، إشارة ولوجستية)، وقوى الجو والبحر.

 

الخطأ غير وارد

تقدّموا من قائد الجيش العماد جوزاف عون رياضيًا بخطوات واثقة تنمّ عن قوة وصلابة، عرّفوا عن أنفسهم ثم شرحوا المهمات الموكَلة إليهم خلال المناورة. أخذ قائد الكلية الحربية العميد الركن جورج صقر الإذن بالبدء من قائد الجيش، ثم علت أصوات الأسلحة المختلفة لتضعنا في أجواء معركة حقيقية، وتُوجِّه نظرات الترقّب من الحضور نحو البقعة التي تجري فيها العمليات. حتمت طبيعة الأرض الوعرة والمساحة الضيقة المخصصة للمناورة التزامًا دقيقًا فيما يتعلق بمبادئ القيادة والسيطرة لتجنّب الإصابات وتنفيذ المهمة بنجاح. وهذا ما طبّقه بحِرفية عالية تلامذة الضباط ووحدات الجيش المشاركة في التمرين، فالخطأ هنا مدمّر وهو غير وارد لدى من تعبوا سنوات من أجل أن يطوّروا قدراتهم ومهاراتهم.

تميّز الأداء بالتنسيق والتكامل بين الأسلحة المشاركة كافة، على الرغم من أنّها المرة الأولى التي يشارك فيها سلاح البحر في هذه المناورة التي كانت تقام في السنوات السابقة في منطقة جرود العاقورة غير المطلة على بقعة بحرية.

أثنى الحضور الذي تألف من قادة الوحدات الكبرى والأفواج والألوية وملحقين عسكريين من دول صديقة، على المستوى العالي الذي ميّز أداء تلامذة الضباط خلال تنفيذ التمرين التكتي. وعكست نظراتهم  علامات التعجب والتقدير لما لمسوه من احترافية. فعلى الرغم من الصعوبات التي واجهتهم نفّذ المشاركون مهماتهم على أكمل وجه. تأقلموا مع تحديات طبيعة الأرض وصعوبة تضاريسها، عملوا بمسؤولية ودقة وتغلّبوا على الضغط النفسي الذي يسود في مثل هذه الظروف، متسلّحين بالإرادة الصلبة والإصرار والتصميم والحافز الوطني القوي الذي يتخطى أي عائق.

بعد انتهاء التمرين التكتي، توجّه العماد عون إلى التلاميذ منوّهًا بأدائهم وقال: "أثبتّم خلال سنوات التدريب الثلاث أنّكم على قدر المسؤولية، وأنّكم جديرون بالثقة نتيجة ما أظهرتموه من انضباط واحتراف والتزام". وأضاف: "تتخرّجون قريبًا ضباطًا وتتولون مهماتكم في الوحدات. أمامكم مرحلة طويلة ومليئة بالتحديات". وختم مبديًا ثقته بأنّهم سيكونون على قدر المسؤولية التي ستُلقى على عاتقهم خلال مسيرتهم العسكرية.

 

تنسيق وتعاون

تعدّدت مهماتهم بحسب اختلاف اختصاصاتهم. لكنّهم جميعًا تعاونوا، نسّقوا في ما بينهم، ومعًا، استطاعوا التغلب على الخلية الإرهابية والنجاح في تنفيذ المهمة الموكَلة إليهم. "كنت آمر فصيلة الإشارة وكانت مهمة الفصيلة تأمين الاتصال والتواصل بين العناصر والآمرين" تقول التلميذ الضابط سميرة شعبان، وتضيف بأنّ المشكلة التي واجهتهم بالإرسال استطاعوا حلّها بالتنسيق مع فوج الإشارة. وإذ تؤكد أنّ الصعوبات التي واجهتهم في الكلية الحربية زادتهم قوة جسدية ونفسية، تفصح عن شعورها بالقول: "أشعر بالفخر لأنّني اجتزت هذه المرحلة بنجاح وأصبحت جاهزة لتحمل مسؤولياتي".

كانت مهمة التلميذ الضابط علي شعيب رماية هاون عيار 81 ملم، وقد واجه بعض الصعوبات بسبب خلل حدث في إطلاق عدد من القذائف، لكن المعرفة التي اكتسبها والتزام تدابير الحيطة والأمان أتاحا معالجة الأمر. يقول:"اكتسبت خبرة كبيرة في مجال التأقلم مع التحديات والظروف الصعبة التي قد تعترضني الآن وفي أي وقت لاحق من مسيرتي. بت جاهزًا للاتكال أكثر على نفسي في اتخاذ القرارات، وفي داخلي حافز كبير للعمل بجدٍّ حتى أحقق أهدافي، فلا أتوقف عند أول صعوبة ولا حتى عند أول نجاح".

 

مرحلة لا تتكرر!

داخل كل تلميذ من تلامذة الضباط مزيج من الأحاسيس يصعب وصفه، وهذا ما تعبّر عنه التلميذ الضابط جويل إيليا إذ تقول: "بعد ثلاث سنوات أصبح رفاقي بالسلاح عائلة لي وإخوة، سوف أشتاق إلى الكلية الحربية، ولكنّني أمام مرحلة جديدة، سأكلّل تعبي بالنجاح. هذا التعب الذي أهّلني لأقود مجموعة هندسة مهمتها فتح ثغرة لتأمين تقدم قوات المشاة". وهي تلفت إلى أنّ طبيعة الأرض جعلت التنفيذ صعبًا بالإضافة إلى الطقس الحار، ولكنها تعلّمت كيف تتخطى هذه الصعوبات بنجاح.

أما بالنسبة إلى التلميذ الضابط آدم العبداللـه آمر رهط الهندسة على المحور الجنوبي من تقدم الصديق في المناورة، فقد كانت مهمته فتح ثغرة بسدادة الألغام الموجودة على الطريق. ويصف مرحلة الكلية الحربية بأنّها "ثلاث سنوات تدريب وتجهيز لهذه المرحلة التي سننتقل إليها وهي بمثابة حجر الأساس لها. نمّت فينا شخصية القائد وأصبحنا واثقين من القرارات التي نتّخذها والتحكم بتصرفاتنا. كما أنّها سمحت لنا بالتفاعل مع رفاق من خلفيات متعددة". كل هذه الأمور جعلته يرى في مرحلة التدريب هذه مرحلة لن تتكرر مرة أخرى في حياته.

وضعَ تلامذة الضباط السنة الثالثة كل ما تعلّموه وتدرّبوا عليه في هذا التمرين التكتي بالذخيرة الحية الذي نفّذوه في مزرعة حنوش، وأثبتوا من خلاله أنّ المؤسسة العسكرية جاهزة لمواجهة التحديات والدفاع عن الحدود والمحافظة على الاستقرار الأمني وأنّها بجهوزية تامة لتنفيذ مهماتها، وفق ما أكّد كلّ من قائد لفيف التدريب ومدرب السنة الثالثة. كما أنّ هذه المناورة تشكّل خطوة أساسية من شأنها الحد من الخسائر عند مواجهة أي مشكلة لاحقًا، على حد تعبير العماد قائد الجيش "كل ما تدرّبنا وعرقنا، كل ما خفّفنا دم!".

 

للمرة الأولى في مناورة الكلية الحربية...

شهدت المناورة للعام 2023 أمورًا مميزة من بينها:

- اشتراك قوى البحر فيها للمرة الأولى.

- اعتماد بقعة صغيرة للمناورة.

- استخدام أسلحة جديدة وخصوصًا الأسلحة البحرية التي تشارك للمرة الأولى في المناورة.

 

لن يسلّموا الشعلة!

لفت قائد لفيف التدريب إلى أنّ اللفيف في الكلية عادةً يتألف من سنوات التدريب الثلاث: أولى، ثانية وثالثة. غير أنّه بسبب عدم التطويع لم يكن في الكلية سوى السنة الثالثة وبعد أن يرحل تلاميذها لن يستطيعوا تسليم الشعلة لأي خلَف.