طب وصحة

مشاكــــــل النظـــــر ما زالت شبه مجهولة لـدى الكثيـر من الأهل والمعلمين
إعداد: ريما سليم ضومط

التشخيص المبكر ضروري والعلاج متوافر

 

درجت العادة في المؤسسـات التعليميـة وفي المجتمع بشـكـل عام على إطـلاق تسمية "كسول" أو " مهمل" على التلميذ الذي يبدي تقصيراً في واجباتـه المدرسيـة, أو يظهر عدم مشاركـة وقلـة تركيز في قاعـة الصف.

في حالات عدة، قد يكون ذلك صحيحاً. إلا أن الإختصاصيين في طب العيون يحذرون الأهالي والمعلمين من إطـلاق مثل هذه الإتهامـات قبل التأكـد من صحتهـا، لأن الأمور، في أحيان كثيرة، هي غير ما تبدو عليه. ويدعمون رأيهـم مؤكديـن أن التراجـع في الواجبات المدرسية، والصعوبة في القراءة، وتفادي الإمتحانـات الخطيـة، وغيرها من الدلائل التي قد تقـرأ خطأ على أنها «كسل» هي في أحيان عدة إشـارات واضحـة على أن التلميذ يعاني من إحـدى مشاكـل النظـر المرتبطـة بالقـدرة على التعلّم، كغيـاب التنسيـق بين العينـين، أو بين العين واليد، أو وجـود خلل في نقـل المعلومات البصريـة الى الدماغ، وغيرهـا من مشاكـل النظر التي لا تزال غير مألوفة بالنسبـة الى عـدد كبيـر من الأهالي والمعلمين.

عن هـذه المشاكل، أعراضـها، وحلولها، تحـدثت الدكتورة جـوان نصار الإختصاصيـة في علم ودقـة النظر، في حـوار لمجلـة «الجيش».

 

الفحوصات الدورية ضرورية

● لوحظ في السنوات الأخيرة تشديد من قبل الأطباء على إجراء فحوصات دورية للنظر منذ الأعوام المدرسية الأولى، ما السبب في ذلك؟

- مع تقدم الأبحاث والدراسات الطبية، تبيّن للاختصاصيين الإرتباط الوثيق بين مشكلات النظر والقدرة على التعلّم. فالعين مسؤولة الى حد كبير عن تلقي المعلومات واستيعابها ومن ثم خزنها واستعادتها بالشكل الصحيح، خصوصاً وأن التلميذ يتلقى حوالى ثمانين الى تسعين في المئة من المعلومات عبر حاسة النظر. من هنا، فإن أي خلل في الجهاز البصري سيؤدي في حال عدم تشخيصه وعلاجه الى تراجع كبير في مستوى أداء الطالب، والى حرمانه من اكتساب التعليم الصحيح.

 

- ما هي أبرز الفحوصات الطبية التي يجب أن يخضع لها التلميذ للتأكد من سلامة نظره؟

- هناك أنواع عدة من الفحوصات التي تؤكد سلامة النظر أو عدمه، منها ما هو متداول بكثرة ومنها ما يزال مجهولاً تماماً من قبل عدد كبير من الأهالي والمؤسسات التعليمية.

نبدأ بالفحوصات التقليدية التي تشمل فحص قصر النظر (Myopia), وفحص بعد النظر (Hyperopia), وفحص انحراف النظر (Astigmatism).

 

وهناك أيضاً الفحوصات الخاصة بصحة العين مثل المياه الزرقاء والمياه السوداء والحَوَل، إضافة الى الأمراض الداخلية التي يمكن أن تصيب العين منذ الولادة. الى جانب هذه الفحوصات، هناك أنواع أخرى لا تزال غير معروفة، كما أشرنا سابقاً، بالرغم من تأثيرها الهام على التحصيل الدراسية، إذ ترتبط باكتساب المعلومات عبر النظر والقدرة على تحليلها وتخزينها.

 

وتشمل هذه الفحوصات ما يلي:

● أولاً: تقييم فعالية النظر من حيث مرونة عضل العين، ودقة التركيز البصري، وقدرة العينين على التنسيق في ما بينهما والعمل كفريق متجانس على صعيد التصويب نحو هدف معين، والحركة والانتقال من اتجاه الى آخر.

وتكمن أهمية هذا الفحص بارتباطه المباشر بقدرة التلميذ على تعلّم القراءة، ويتناول الطبيب خلاله النقاط التالية:

- قدرة الطالب على المحافظة على استمرارية التركيز أثناء قراءة نص ما، وفحص مدى الوضوح في الرؤية أثناء الإنتقال بين القريب والبعيد، بمعنى قياس قدرة الطالب على الرؤية بوضوح لدى الانتقال في النظر بين اللوح والدفتر.

 - قدرة النظر على متابعة الأسطر والإنتقال من سطر الى آخر، فبعض التلامذة يجدون صعوبة كبيرة في المتابعة عبر النظر ويستخدمون إصبعهم باستمرار ليتمكنوا من الانتقال بين الأسطر.

- فحص الحَوَل الخفي، وهو نوع من الحَوَل لا يمكن ملاحظته من دون إجراء الفحوصات الطبية اللازمة، إذ أن درجة الإنحراف تكون بسيطة جداً بحيث لا يمكن مشاهدتها بالعين المجردة.

- فحص قدرة التلميذ على رؤية البعد الثالث، بمعنى إمكان تقدير المسافات نسبياً عن طريق النظر.

 

● ثانياً: تقييم عملية تفاعل المعلومات البصرية ما بين العين والدماغ. فالمعروف علمياً أن الجهاز البصري يتألف من العين والدماغ والممرات البصرية. لذلك فإن الفحص التام لصحة النظر يقضي بالتأكد من عدم وجود عجز في نقل المعلومات من العين الى الدماغ، ومن قدرة الأخير على تحليل المعلومات التي يتلقاها عبر النظر. وهذا بالضبط ما نقوم به عبر الفحص المذكور أعلاه. ويتم ذلك عبر الخطوات التالية:

- فحص قدرة الطالب على تحديد الإتجاهات ضمن المكان الذي يوجد فيه.

- فحص قدرته على التمييز بين الأشكال والألوان والأحجام.

- فحص قدرته على تحليل المعلومات البصرية، ويتم هذا الفحص عبر اختبار قدرة الطالب على استخلاص معلومات مهمة من نص معين. إضافة الى فحص قدرة الذاكرة على حفظ المعلومات وتسلسلها.

- فحص قوة التنسيق ما بين حاسة النظر وحركة اليدين. إذ أن غياب هذا التنسيق مسؤول عن الصعوبة التي يواجهها بعض التلامذة في نقل المعلومات خطياً من اللوح الى الورقة الموجودة أمامهم على الطاولة.

 

● ثالثاً: الفحص الخاص بعسر القراءة والفهم (Dyslixia), الهدف من هذا الفحص التأكد من كون مشكلة عسر القراءة )في حال وجودها( ناتجة عن خلل في تحويل المعلومات أو عن عجز في الذاكرة البصرية.

 

● رابعاً: فحص الحَوَل والكسل في النظر؛ إذ أن هاتين المشكلتين تؤثران الى حد كبير في عمليتي القراءة والكتابة. فالحَوَل يمنع العينين من التنسيق معاً والعمل كفريق متجانس، في حين أن الكسل في النظر (Lazy Eye) يعني ضعفاً في الرؤية حتى بوجود النظارات والعدسات اللاصقة.

 

أعراض المشكلة

● ما هي الأعراض التي تنذر بوجود مشكلة في النظر تستدعي زيارة الطبيب؟

- في حالات قصر النظر وبعد النظر، تظهر الأعراض بوضوح إذ يعاني التلميذ من مشكلة في الرؤية عن المدى البعيد أو القريب.

 

أما بالنسبة الى الحالات الأخرى التي سبق ذكرها فالوضع مختلف، إذ تظهر الأعراض بصورة عسر في القراءة أو الكتابة، أو في استيعاب المعلومات وخزنها. من هنا، فإننا ننصح الأهالي بمراقبة الأداء المدرسي لأولادهم، واستشارة الطبيب لدى ملاحظة المشاكل التالية:

- إعادة قراءة السطر أو النص بكامله.

- حذف بعض الكلمات أثناء القراءة.

- عدم تمييز الكلمات التي تبدأ بالحرف نفسه.

- استعمال الإصبع لملاحقة الأسطر باستمرار أثناء القراءة.

- تحريك الرأس عند القراءة بدلاً من تحريك العينين.

 

وتشير هذه الأعراض الى وجود مشكلة ما على صعيد فعالية النظر. وهناك بعض الأعراض التي تنذر بخلل على صعيد تحويل المعلومات من العين الى الدماغ، نذكر منها:

- جهل الطالب لإحدى الكلمات التي سبق أن تعرف إليها في النص.

- عدم القدرة على التمييز بين الكلمات المتشابهة.

- عدم القدرة على ملاحقة الكلمات الشفهية التي تقولها المعلمة.

- ضعف في الذاكرة وفي التركيز.

- عدم القدرة على تحديد الإتجاهات.

- عدم القدرة على القراءة بالعينين، واللجوء الى تهجئة الكلمات والأحرف.

 

وفي ما خـص الأعراض الناتجـة عن ضـعف في مرونـة العضل، فإنها تشمل ما يلي:

- تعب سريع في القراءة، ووجود صعوبة في القراءة عن المدى القريب.

- الرمش في العينين باستمرار.

- قطب الحاجبين أثناء القراءة أو النظر الى اللوح.

- وجع في الرأس.

 

وللإنحراف البسيط أعراضه أيضاً، وهي تتناول النقاط التالية:

- تذمّر الطالب من رؤية الأشياء مزدوجة.

- إغلاق إحدى عينيه بيديه لرؤية أفضل.

- التذمر من أن الأسطر «تسبح» أمام عينيه.

- ملاحظة دموع في عينيه من حين الى آخر.

 

● هل من علاج خاص لمشاكل النظر هذه، ولمشكلة التعلّم الناتجة عنها؟

- بالنسبة الى مشكلة التعلّم، فإنها تزول بزوال الخلل الحاصل في النظر. ومعالجة الأخير تتم عبر طريقة حديثة تعرف بعلاج النظر (Vision Therapy) وهي تقوم على تمرين الجهاز البصري من خلال استعمال كمبيوتر متخصص وتمارين خطية مختلفة، مما يزيد من مرونة العضل ومن القدرة على التركيز، خاصة وأننا نمرّن الدماغ على استعمال العينين لتلقي المعلومات بطريقة فعّالة، واستيعابها بسرعة ومن ثم القيام بردة الفعل الصحيحة تجاه ما يتلقاه.

تستمـر فتـرة العـلاج عادة ما بين ثلاثة وأربعة أشهر بمعدل جلسة في الأسبوع مدتها ساعة واحدة. يرافقها علاج في المنزل هو عبارة عن جلسة يومية مدتها عشرين دقيقة يقـوم خلالها التلمـيذ بالتمارين البصـرية والخطـية التي نزوده بها، وذلك بمعدل خمـس دقائق لكل تمـرين. وفي ختام كل شـهر نقـوم باختـبار للتـأكد مـن التـقدم في العـلاج.