في ثكناتنا

مشبّه ملاحة حديث في القوات البحرية
إعداد: ندين البلعة

كثير من التدريب قليل من الخطأ

 

NAVI- Sailor 3000 ECDIS-i : إنه مشبّه ملاحة حديث دخل حيّز الخدمة في الجيش اللبناني بهدف رفد القوات البحرية بمزيد من القدرات.
ماهية هذا المشبّه، أهميته، إلى أي مرحلة وصلت عمليات التدرّب عليه، وكيف يتمّ التدريب...؟ في ما يأتي إجابات عن كل هذه الأسئلة في حديث مع قائد القوات البحرية العميد البحري نزيه بارودي، والضباط المسؤولين عن دراسة مشروع مشبّه الملاحة وتنفيذه.

 

جزء من الخطة الخمسية
بداية يوضح العميد البحري نزيه بارودي، قائد القوات البحرية، أن قيادة القوات البحرية هي بصدد تفعيل مدرسة القوات البحرية لجهة تأمين أماكن لائقة للتدريب، ومساعدات متطوِّرة إضافة إلى مشاغل تدريبية تلبّي حاجاتها في تأهيل العناصر لمواكبة المراكب الحديثة التي يتمّ تزويد القوات البحرية إياها.
وينوّه بالدعم الذي تقدّمه جمهورية ألمانيا الاتحادية للقوات البحرية لمساعدتها في إعادة تكوين قدراتها (لوجستيًا، وتدريبيًا...)، وقد كان تأمين مشبه ملاحي ذي مواصفات عالمية في إطار هذا الدعم.
المشبّه الحديث دعامة أساسية لتأهيل الضباط والرتباء والأفراد البحريين الإختصاصيين في المستقبل، وهو سيشكّل جزءًا من مجموعة وسائل التدريب التي نأمل تحقيقها من ضمن خطة خمسيّة وضعَتها قيادة القوات البحرية لإعادة هيكلتها وتأهيل القواعد البحرية ومشاغلها، وفق ما يقول قائد القوات البحرية.

 

التنفيذ
العقيد الركن جوزف الغريّب، رئيس قسم التأليل والتوجيه في القوات البحرية والمسؤول عن دراسة مشروع مشبّه الملاحة وتنفيذه، يقدّم شرحًا مسهبًا عن هذا المشبّه وكيفية استقدامه، فيقول: لمشبّه الملاحة هذا شبيه صادفناه في مدرسة العمليات البحرية في ألمانيا. ونظرًا إلى أهميته، قامت القوات البحرية اللبنانية بدراسة إمكان تطبيق هذا المشروع لديها. وبعد موافقة القيادة والجهة الألمانية، تمّ تلزيم هذا المشروع لشركة مختصّة بالمعدات الملاحية البحرية وهي الشركة نفسها التي تتعامل مع القوات البحرية الالمانية.
وقد تمّ تنفيذ المشبّه وتحقيقه خلال ثلاثة أشهر وهو عبارة عن PC Based Simulator يحتوي على كمبيوترات تستطيع تدريب عشرة تلامذة في آن واحد.

 

وظائف المشبّه
تمّ استقدام هذا المشبّه نظرًا إلى أهميته الفائقة في مجال التدريب الملاحي البحري، ووظائفه تغطي المهمات الآتي ذكرها: تدريب ملاحة لعشرة تلامذة، مناورات بحرية، مناورات ضمن الأحواض والمرافئ، إستخدام عدّة أنواع من الرادارات، محاكاة الظروف المناخية الصعبة (عواصف...)، محاكاة أماكن تدريب واقعية (الإسكندرية، هونغ كونغ...)، تدريب على الخرائط البحرية والملاحة (Electronic Charts and display information system) من خلال المنظومة البحرية العالمية «ECDIS» التي حدّدتها المنظمة العالمية للبحار «IMO»، تشبيه (Simulation) التجهيزات الإلكترونية الموجودة على متن مقصورة الملاحة الخاصة بالسفن (Bridge) مثل سابر الأعماق Echo sound، وجهاز قياس السرعة... ويُضاف إلى ما ذكر، برنامج «Master Software» للمدرّب يدير من خلاله العملية التدريبية ويتحكّم بها للتوصّل إلى تقييم التلامذة.
وهذا المشبّه، بالإضافة إلى عناصر الإبحار، يستطيع تدريب منظومة الشبكة الرادارية المنتشرة على طول الشاطئ اللبناني.

 

التدريب عليه
نُفِذَت ثلاث مراحل تدريبية حتى الآن على هذا المشبّه. في المرحلتين الأولى والثانية تولّى فريق من الشركة المختصة تدريب عناصر وضباط من القوات البحرية على كيفية تعهّد المشبّه وصيانته وتشغيله. ويقول الملازم المهندس رامي شاهين، إن القوات البحرية تسعى من خلال التدريبات إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في أكثر المجالات، «لكي نستطيع تدبّر أمورنا والتعامل مع أي طارئ من دون أي تدخّل خارجي. لذلك واكبنا مراحل تركيب المشبّه وطريقة تشغيله وكيفية التدخّل في حال وقوع عطل ما».
وفي المرحلة الثالثة، تولّى فريق الماني تدريب مجموعة من العسكريين على تشغيل المشبّه وإعطاء الدروس عليه. وهؤلاء بدورهم، سيدرّبون الآخرين.
هذا المشبّه قابل للتطوير مستقبلاً من خلال برامج إضافية تخوّله أداء المزيد من الوظائف، مثل برامج التخاطب بين المراكز، والتخاطب بين المراكز الرادارية والمراكب في البحر، والقيام بعمليات بحث وإنقاذ، وهبوط طوافات على متن المراكب، إلى برامج مناورة تكتية بين المراكب الحربية العسكرية... والعديد من البرامج المتطوِّرة الأخرى.
يتضمّن هذا المشبّه في محاكاته، عدّة أنواع من المراكب (عسكرية وتجارية ولوجستية) مختلفة الأحجام والصفات، ما يساعد على تأقلم العسكري مع أنواع المراكب على اختلافها. كما تشمل المحاكاة مناطق مختلفة للتدريب، بحيث يستطيع المتدرّبون التأقلم مع المواقع بحسب طبيعتها ومساعدات الملاحة فيها... وبالطبع كل ذلك يزيد من خبرة العسكري البحري ويساعده على مواجهة أي صعوبة مهما كان نوعها، ويتيح له تلافي الأخطاء لدى التنفيذ.

 

إلى المدرسة
بعد اللمحة النظرية عن مشبّه الملاحة، انتقلنا إلى مدرسة القوات البحرية حيث كان في استقبالنا قائد المدرسة العقيد الركن البحري طوني حداد، الذي يشرف أيضًا على تنفيذ التدريب على المشبّه. وقد لفت إلى أن التدريب مستمرّ على هذا المشبّه لزيادة معارف الضباط والعسكريين الذين بدورهم سيدرّبون باقي عناصر القوات البحرية. وقد تمّ التنسيق مع الفريق الالماني لتنظيم دورات معمّقة ومتخصّصة يتابعها ضباط لديهم الخبرة اللازمة في نظام الملاحة.
أمّا عن كيفية دمج هذا البرنامج مع البرامج التدريبية الأخرى الموجودة في المدرسة، فيشير قائد المدرسة إلى أن مادة الملاحة موجودة أساسًا في منهاج وبرامج التلامذة الضباط والرتباء، والأجهزة التي يتدرّبون عليها موجودة على المراكب. وبمجرّد افتتاح البرنامج قريبًا، سيتمّ إدخاله ضمن الأعمال التطبيقية للملاحة، ما سيؤدّي إلى توفير عتاد ومحروقات ويساعد في تلافي الأخطاء، مع العلم أن التدريب المباشر على متن المراكب وفي المراكز قيمته العملية أكثر أهمّية.

 

غرفة المشبّه
إلى غرفة المشبّه، حيث يعطي المدرّب التعليمات اللازمة للمتدرّبين للبدء بعمل تطبيقي على غرف الإمرة والقيادة أو مقصورة الملاحة (Bridge) الموجودة على شاشات الكمبيوتر أمامهم (وعددها 10 مقصورات). الرائد البحري أحمد بشارة (مدرّب في مدرسة القوات البحرية) والمعاون غاسبار انشانيان (رتيب مدرّب على المشبّه)، يرافقاننا في جولة لشرح مجريات العمل داخل الغرفة.
في البداية يتابع التلامذة دروسًا نظرية عن الخرائط والرادار والقوانين الملاحية والمناورات. من بعدها يتمّ التطبيق على المشبّه من خلال تعليمات تشمل تشغيل البرنامج وتفادي المشاكل وكيفية ايجاد الحلّ في حال وقوعها، إلى تأمين السلامة للباقين في حال عدم إيجاد الحلّ، وذلك ضمن نظام عالمي للإنذار (Global Maritime Distress Safety System- GMDSS).
أمام المدرّب ثلاث شاشات (computer of the instructor) موصولة بخادم واحد (server) يحتوي على البرنامج التدريبي. يُشغَّل برنامج الملاحة فتظهر على الشاشة خارطة مفصّلة فيختار المدرّب مكان تطبيق التدريب، ومن خلال zoom يتمّ تركيز الصورة للحصول على التفاصيل: الخطوط والأعماق، حدود اليابسة، الطرقات البحرية التي تتبعها السفن، الأجسام التي تعيق الملاحة، مناطق الإبرار والرسو... والبرنامج مجهّز للإنتقال من خريطة إلى أخرى ومن موقع إلى آخر أوتوماتيكيًا.
عند اختيار نقطة التدريب، يختار المدرّب سيناريو يتضمّن حالة الطقس، نوع المهمة (قطر سفينة، عمليات إنقاذ، نقل بريد عبر الإبحار، إعادة تعبئة نفط، إبحار في منطقة ضبابية، إبحار في منطقة تكثر فيها السفن...). ويجب تنفيذ المهمة مع مراعاة قوانين الملاحة العالمية من عمق محدّد، وطريق محدّد...
سيناريوهات مختلفة يطبقها المتدرّب من خلال المشبّه، قبل تطبيقها على الأرض والمخاطرة بتعريض نفسه أو الآخرين للأخطاء.
أمام المتدرّب شاشتا كمبيوتر تظهران مقصورة القيادة الشبيهة تمامًا بتلك الموجودة على المراكب في الواقع. عندما يحدّد له المدرّب السيناريو والمواصفات اللازمة لمهمته، يبدأ بتنفيذها مراعيًا قوانين الملاحة البحرية في اختيار المسلك الصحيح بحسب نوع المهمة والمركب، متقيدًا بالتعليمات والقوانين. من هنا ضرورة تطبيق الدروس بحذافيرها، حيث يُحفَّظ عمل كل متدرّب اوتوماتيكيًا على شاشة المدرّب الذي يستطيع تقييم عمل كلٍّ منهم، فتُحفَظ الأخطاء وتُعطى التعليمات والتصحيحات اللازمة.
يمكن للمدرّب أن يتحكّم بنوع المهمة وصعوباتها وإدخال تغييرات للتأكد من كيفية تأقلم التلميذ مع الأوضاع الطارئة.

 

ملاحظات
يمكن استخدام هذا البرنامج لإجراء امتحانات الضباط القادة للإنتقال لقيادة مراكب كبيرة. فهو يعطي الحلّ الأنسب لكل سيناريو (best solution)، وعلى الضابط المناورة للوصول إلى هدفه، ويتمّ تسجيل أخطائه.
كما يحتوي هذا البرنامج على عدّة وسائل تساعد في الملاحة (GPS...) يستطيع المدرّب التحكّم بها بطريقة تتيح له حرية إيقاف وسيلة معيّنة لأي تلميذ يختاره، بمعنى تعطيل الأجهزة أو اصطناع حواجز للتأكد من قدرة التلميذ على التأقلم إيجابيًا مع التغييرات.
يؤكّد الرائد البحري بشارة أنّه من الضروري التعرّف على المركب ومواصفاته قبل البدء باستخدامه: مواصفاته، أمرة القيادة ومعدلات التحكم بالسرعة فيه... كل هذه موجودة ضمن لوحة تعريف فيها يتمّ التحكّم بالسرعة واختيار المواصفات الصحيحة، وقدرة المحركات والتوقف المفاجئ...

 

الرادار
يمكن أيضًا من خلال هذا البرنامج الإنتقال إلى استخدام الرادارات لتحديد المواقع، فالرادار هو عين الشخص الذي يقود المركب بخاصة في القيادة الليلية (Blind Navigation). ولكن لا يجب الاتكال على الرادار وحده بل هو وسيلة مساعدة ويجب مساندتها بالرؤية البصرية ومتابعة التفاصيل بدقة لتجنّب العوائق.
ويُرافق هذا البرنامج المتكامل كتيّب للمدرّب وآخر للتلامذة، يتضمّن تفاصيل هذا البرنامج وماهيته وطريقة عمله... بكل تفاصيله الدقيقة.
ويجدر بالإشارة أن المدرّبين الألمان قدّموا الأسس ورؤوس الأقلام، ولكن جهد العسكريين المتدرّبين كان هو الأهم في متابعة التدريبات والتعمّق في معرفة ماهية هذا المشبّه وكيفية العمل عليه وبالتـالي تدريـب الباقين بواسـطته.
كما يشير قائد مدرسة القوات البحرية إلى سعي المدرسة لأن يكون لديها المشبّه الأكثر تطورًا (Bridge Team Navigation Simulator) وهو غرفة قيادة وملاحة متقدّمة، تختصّ بتدريب فريق كامل. هذه الغرفة نسخة طبق الأصل عن مقصورة القيادة على السفن وفيها المؤثرات والتفاصيل ذاتها... كل ذلك بهدف صقل معارف العسكريين وقدراتهم التدريبية والعملانية.