اقتصاد ومال

مشروع قانون رفع الحماية عن الوكالات الحصرية
إعداد: تيريز منصور

د. نجيب عيسى: الأولوية لمنع الإحتكار وتفعيل أجهزة حماية المستهلك

أقر مجلس الوزراء سلسلة تدابير وصفها بـالتاريخية عندما خلص في جلسة مطوّلة بتاريخ 14 شباط 2002 سادتها نقاشات صريحة، الى الموافقة على سلسلة مشاريع تهدف في جوهرها الى منع الإحتكار في مجال إستيراد السلع على إختلافها، بما فيها الدواء والمشتقات النفطية والغازية، وتشجيع المنافسة وصولاً الى تقديم أفضل الخدمات للمواطن.

فقد وافق المجلس على مشروع قانون يتعلق بتعديل أحكام المرسوم الإشتراعي رقم 34 تاريخ 5 آب 1967 والمعدل بالمرسوم 9639 تاريخ 6 شباط 1975 والمتعلق بالتمثيل التجاري، على أن يعمل بالقانون الذي سيدرسه مجلس النواب، بعد ثلاثة أشهر من تاريخ صدوره.

وعلى أثر هذا الإقرار، حصل لغط في الأوساط الإقتصادية والتجارية في ضوء المبرر من أن إلغاء الوكالات الحصرية سيؤدي الى خفض الأسعار، فضلاً عن أنه يتماشى مع الإقتصاد الحر، مع حفظ حقوق أصحاب الوكالات التي سيلحظها القانون، على أن تصبح العملية بعد ذلك مفتوحة للجميع.

 

أسباب مباشرة وغير مباشرة

الدكتــور نجيب عيسى (أستاذ إقتصاديـات التنميـة في الجامعة اللبنانية) أوضح لمجــلة “الجيش” أن المرسوم الإشتراعي الرقم 34 تاريخ 5 آب 1967، نظّم مســألة الإحتكارات للحؤول دون حدوثهـا، ولكنه نص على مسألة حماية الوكالات الحصرية، الأمر الذي يوحي وكأن حماية الوكالات هي إستثناء.

وأضاف: في الواقــع كانت قضية رفع هــذه الحماية أو إلغائها مطلبــاً شعبياً ونقابيــاً مزمناً منذ الخمسينات. ولـكن الحاصل الـيوم هو تطبيــق ما ورد على لســان المسؤولين إثــر لجوء الحكومة الى التخفيضات الواسعة على الرسوم الجـمركية مع مطلع العام 2001، وهو: إذا لــم تنخفض الأسعار من جراء هـذه الإجراءات الحكومية، فســوف تعمد الحكومة الى رفع الحماية عن الوكالات الحصريـة. وهكـذا فإن الأسعـار لم تنخفض، والحكومـة رفعـت الحمايـة عن الوكـالات.

وبرأيي أن هذه أسبـاب مباشرة، سيما وأن سياسة الحكومة اللبنانية تهدف الى جعل لبنان مركزاً للتسوّق في المنطقة، وهذا الأمر يتطلب تأمين أسعار مقبولة، تنفي مقولة أن “لبنان البلد الأغلى في العالم” وتقفل الأبواب أمام الشكاوى التي يتلقاها المسؤولون من سياح عرب وأجانب.

أما الأسباب غير المباشرة فهي إنضمام لبنان الى الشراكة الأوروبية، وتحضيره للدخول الى منظمة التجارة العالمية (W.T.O)، الأمر الذي يقضي بتحرير السوق، وبالتالي فإن حماية الوكالات الحصرية يشكل خرقاً لمبدأ حرية السوق وفتح الأبواب أمام المنافسة.

ومن ناحية أخرى، فإن هناك بعض الآراء المتداولة عن الإجراءات الحكومية تقول “أن إصدار مشروع قانون رفع الحماية عن الوكالات الحصرية، جاء ليمتص البلبلة والشكوى العارمة التي حصلت في الأسواق نتيجة لتطبيق الضريبة على القيمة المضافة (VAT)”.

أما أصحاب الوكالات فيقولون ما مفاده:

إن المنافسة أساساً موجودة بإعتبار أن الحماية هي للماركة وليست للسلعة. وإن إلغاء الوكالات الحصرية لا يؤدي الى حماية المستهلك لأنه يفتح أبواب إستيراد من دون قيود، ويفتح المجال أمام عمليات الغش والتزوير والتهريب، وبالتالي يخفض من جودة ونوعية السلع، ويحرم المستهلك من الخدمات ما بعد البيع.

وهذا الإجراء سيلغي النشاطات الإقتصادية المرتبطة بالوكالات كشبكات التوزيع ومؤسسات الرعاية والترويج ويؤدي الى اقفالها وبالتالي الى رفع نسبة البطالة.

ويقولــون أيضاً أن هذا الأمر سيـؤدي الى حرمان اللبنانيين من الوكالات من خلال إنتقالها الى شركات عالمية وإقليمية خارج لبنان.


أين الجدوى الإقتصادية؟

حــول الجدوى الإقتصادية للمشروع أوضـح الدكتور عيـسى:

بشــكل عام، أنا مع إلغاء الحماية عن الوكالات الحصرية، ولكنني أعتبر أن هذه المسألة ليست مهمــة في الوقــت الحاضر، باعتبار أن الأزمة الإقتصــادية هي مــن العمق والخطــورة، بحيث لا يمكن لهذا الإجراء أن يخفف ولو جــزءاً يسيراً من خطــورتها، خصوصاً وأن مسألــة تخفيــض الأسعار هي مسألة محدودة جداً، في حــين أن المشكلــة الحقيقية تكمــن في وجــود الإحتكارات، وإلغاء الوكالات هي قضية فرعية من مسألــة الإحتكارات.

فالمطلوب اليوم تطبــيق القوانــين المتعلقةـ بمكافحة الإحتكارات، لأنه إذا نظرنا الى الوكالات الحصرية نجدها تتعلق بسلع كماليــة بمعظمـها، وتخفيض أسعارها لا يطال الفئات الشعبيــة الأكثر مطالبـة بتخفيض الأسعار. وبالتالي المعالجة الحقيقية تتطلب إجـراءات أعمق وأشــمل أهمهـا على سبيل المثال لا الحصر:

- إعـــادة النظر بالنظــام الضريبي، بحيث يتــم التركيز أكثر على الضرائب المباــشرة على الثروات وعلى مظاهر الغنى والفوائد.

- الحـــد من مصادر الهدر، وإطلاق عملية النمـو، وتخفيــض الفوائــد بشكــل رئيــسي ضمــن خطـة شاملـة ومتكاملـة.

وأكــد أن المنافسـة غير موجــودة على عكس ما يدعي أصحـاب الوكالات، لأن هامــش المنافســة يكـون ضيقاً بين الماركات نفسها، إضافة الى أن أصحاب الوكــالات الحصرية في معظمهم يتحكمون بوكالات حصرية للكثير من السلع.

 

تشريعات عصرية لحماية المستهلك

أما مــن ناحية رفع الحماية عن المستهــلك، فرأى أنه شئنــا أم أبينــا فإن كل مــا تنفقه الوكالات في مجالات النشاطات الإقتصادية الأخرى يجري تحميله للمستهلك فــي نهاية الأمر. ولــيس من المؤكد أن الموازنات المخصصة للدعاية والإعلان ستنخفض، لأن مصدر موازنــة هذه الحمـلات هو أساساً الشركـات الأم.

وأضاف: إن مصلحة حماية المستهلك، وحصراً من ناحية الجودة والنوعية، يجــب أن توفرها الدولـة سواء بوجود وكالات حصرية أم لا. والمثل الحي هنا هو في إستيـراد المواد الغذائية الذي يتم بطريقـة منـظمة وإنسانـية، رغم غياب وكالات حصريــة في هذا القطـاع الأساسي للمواطـن.

أما بالنسبــة للخدمات الأخرى التي تقدمهــا الوكالات لزبائنهـا ما بعد البيــع، فإن هـذه قضية يجب أن تكون الحافز الذي سيدفع الوكالات للمحافظــة على جودتهـا.

واعتبــر أخيراً أن مسألة رفــع الحماية عن الوكــالات الحصرية ليست بهامة، وعلى الدولة إيجاد تشريعــات عصرية لحماية المستهلك، سيــما وأن رفع الحماية هو عنصــر من عناصر المنافـسة، وبالتالي من يضمن لنا أنه لن يتم الإتفاق بـين المستوردين أنفـسهــم لتحديد الأسعار على مستـوى عــال وتقاسـم السـوق.

فإذا كــان الهدف من إلغــاء الوكـالات الحصريـة هو خفــض الأسعار، فلا بـد مـن الإشـارة الى أن الوكـــالات الحصريـة تتجـــه فــي معظـمــهــا، الى الكمالـيـات وتـتــوجه الى فئــات معينة من المجتمــع اللبـناني، وبالـتالي فإن إلغـاءها لن يــؤثر مباشــرة على ذوي الدخل المحدود، ولعل من الضـروري في الحالــة الحاضــرة التشدد في التسعيـر، وتحديد الأرباح المشروعة للتـجار واتخـاذ الإجراءات الآيـلة الى ضبـط التهريب وتأمـين الحمايـة والمراقـبة عبر تفعيـل أجهزة حمايـة المستهـلك.