معارض

مشروع يعيد الى الأضواء أشكال التبادل والتواصل بين ضفتي المتوسط
إعداد: جان دارك أبي ياغي

«قنطرة» قاعدة معلومات للتراث والمخزون الحضاري وتأسيس هوية متوسطية

 

في إطار برنامج «التراث الأورو - متوسطي»، إستضاف المتحف الوطني معرضاً يشهد على ثراء التبادلات بين ضفتي المتوسط. والمعرض واحد من ثلاث ركائز قام عليها مشروع «قنطرة» الذي جمع جهود معنيين من عدة بلدان متوسطية.

 

تعريف
«قنطرة، تراث متوسطي: تقاطع الشرق والغرب» عنوان مشروع تراثي جمع تسعة بلدان تقوم على ضفتي البحر الأبيض المتوسط ويربط بينها مخزون حضاري وتاريخي مشترك.

يندرج هذا المشروع في إطار برنامج «التراث الأورو - متوسطي» (Euromed Heritage) التابع للمفوضية الأوروبية، حيث جرى عمل مشترك على مدى أربعة أعوام ضمّ مديريات الآثار والتراث في كل من الجزائر وتونس والمغرب والأردن ولبنان، إضافة الى مؤسسة «الليغادو أندلسي» في اسبانيا و«متحف الفن الإسلامي» في القاهرة وقسم الهندسة المعمارية في جامعة دمشق.

«معهد العالم العربي» في باريس تولى إدارة وتنسيق المشروع الذي تضمّن إنجاز قاعدة معلومات متعددة اللغات تحصي التراث والمخزون الحضاري على ضفتي المتوسط الشمالية والجنوبية، وتسلّط الضوء على العوامل والقواسم المشتركة القادرة على التقريب بين شعوب متجذّرة في خصوصياتها، وتبرز التراث المادي المتقاسم في هذا الجزء من العالم، وتشجع على المحافظة عليه وتسهيل تعريفه لدى السكان المحليين وفي باقي أنحاء العالم.

وتتمحور قاعدة البيانات على سبعة مواضيع أساسية هي: الدين، المعرفة، التجارة، السلطة، فن الحياة، الحرب، الديبلوماسية والمدنية.

 

قاعدة المعلومات
توفّر «قاعدة المكعلومات» بيانات عن ألف قطعة تتوزع بين أثرية وتحف فنية ومخطوطات ورسوم وأعمال معمارية مصدرها مختلف حضارات وثقافات حوض البحر الأبيض المتوسط من الفترة الممتدة بين ظهور الإسلام وحتى القرن التاسع عشر. اختارت القطع لجنة علمية متخصصة، وتنشر قاعدة البيانات عبر ثلاث وسائط إعلامية:

1- موقع إنترنت يحوي مركز معلومات عن ألف عمل معماري ومواد تراثية موجهة الى الجمهور العام والإختصاصيين وعنوانه: www.qantara-med.org
2- إقامة سبعة معارض في الوقت ذاته في كل من فرنسا وإسبانيا والمغرب والجزائر وتونس والأردن ولبنان، تشهد على ثراء التبادلات على ضفتي المتوسط.
3- كتاب يلخص العمل المنجز وهو ثمرة جهود 150 مؤلفاً وكاتباً حرّروا نحو ألف نص، إضافة الى مجموعة كبيرة من الصور والخرائط. والكتاب منشور باللغات الأربع: العربية والفرنسية والانكليزية والإسبانية.

 

أهداف قنطرة
في شرح لهدف مشروع «قنطرة»، قال رئيس معهد العالم العربي دومنيك بوديس في مقدمة الكتاب: «على الرغم من أن المتوسط كان غالباً ممزقاً في تاريخه إلا أنه لم يكن أبداً حداً فاصلاً بل صلة وصل في زمان ومكان العديد من الحضارات والثقافات... وبرفضنا اعتبار الانشقاقات الظاهرية قدراً محتوماً سعى شركاء المشروع جميعاً مع الاتحاد الأوروبي الى تأسيس هويتنا المتوسطية وإبراز قيمتها. فخلال القرون التي يتناولها المشروع انتشرت عبر الديانات السماوية الثلاث المنزلة، قيم عرفت دمج مساهمات العصور القديمة وخصوصاً أسسها الفلسفية الأولى. ولقد عرف المتوسط دائماً الإغتناء من هذا التنوّع، ولم يتوقف حتى في زمن الحروب عن تشجيع المبادلات وتقاسم الأشياء المادية مثل النسيج والذهب والتوابل، وكذلك القيم الروحية والمعارف والخبرات والعلوم».

من جهته، أوضح منسق المشروع العام يانكيس كويكاس وهو المكلّف بالمجموعات والمعارض في معهد العالم العربي، أن «الوثائق التي حللها مشروع «قنطرة» تسعى الى التعبير عن الظاهرة الحضارية في المتوسط. وهكذا نرى كيف أن الخزف المذهب في فالنسيا وفي مانيزيس أحيا طرقاً في العمل في إسبانيا القرن الخامس عشر قام بإعدادها قبل ستة قرون فخاريون في الشرق العباسي، وكيف أن مصنع حرير بيزنطي أو إسلامي أمكن له أن يوفر وينقل زخارفه الى نحاتين في فرنسا الرومانية أو كيف أن كوباً زجاجياً من مورانو الإيطالية صمّم وصنع من أجل مصر في عصر المماليك، وكيف انتقلت المعرفة وأي نوع من التبادلات والتأثيرات أدّت الى إثراء الحياة واتساعها».

 

المعرض في لبنان
في لبنان، نظّمت المديرية العامة للآثار معرضاً في القاعة السفلى من المتحف الوطني عرضت فيه مجموعة متنوعة من القطع الأثرية من مختلف الأنواع، تؤرخ للفترة الممتدة من الحقبة الإسلامية حتى العصور الحديثة، وتمثّل المواضيع السبعة التي اختارها مشروع «قنطرة».

المرشدة روزي ملحم رافقتنا في جولتنا على المعروضات التي تتوسط القاعة حيث وضعت واجهات زجاجية لعرض القطع.

في إحدى الواجهات غليون مكوّن من إناء صغير ومقبض قصير، وهو يمثّل نموذج الغليون الشعبي في المناطق العثمانية، ويعود الى القرن التاسع عشر، عثر عليه في حفريات وسط بيروت. الى جانبه نبتة التبغ التي اكتشفت في القرن السادس عشر وانتشرت بسرعة في أوروبا والشرق الأوسط ودخلت الى المدن الساحلية بواسطة البحارة البرتغاليين، ويقال إنها وصلت الى لبنان نحو العام 1625 خلال حكم الأمير فخر الدين المعني الثاني الكبير.

إناء للمساحيق والبهارات من العصر المملوكي مزيّن بالزهور وأشكال البط، وقبالته قلادة مع كتابة عربية تقول: «عزّ دائم وإقبال لصاحبه». القلادة مصنوعة من ذهب ومطلية وجدت في البقاع وتعود الى القرن الثالث عشر.

ونسأل عن فنجان قهوة من الفخار المطلي فنعرف أنه يعود الى القرن التاسع عشر وجد في حفريات بيروت وكان ينتج في تركيا، وثمة كأسان من الفخار المطلي أيضاً، مزخرفتان بواسطة تقنية السغرافياطو التي تقضي بنقش الزخرف أولاً على الطلاء الذي يغطى بعد ذلك بطلاء مزجّج أصفر وتزاد عليه لمسات من الدهان البني والأخضر اللون.

وتلفت لوحة من الفخار المطلي تعود الى القرنين الثاني عشر والثالث عشر وجدت في صور تظهر أسداً ذا شكل خرافي، وقد كثر تمثيل الأسد في الفن الإسلامي وكان الشعار الأكثر رواجاً في الغرب، إضافة الى مطرة فخارية مزخرفة من القرن الثالث عشر من صور تشبه القارورات المسيحية العائدة الى القرن السادس، وقد أعطيت إسم مطرة الحاج... كما تتوزع عشرات من المعروضات تروي كلها تطوّر الصناعات الحرفية وأساليبها وطرقها، وانتقالها من بلد الى آخر على ضفتي البحر المتوسط، وتأثرها بطابع كل واحد منها، وتبرز بالتالي التراث المادي المشترك الذي يجمع هذه البلدان.
كذلك وضعت في القاعة ثلاثة أجهزة كومبيوتر تعرض الموقع الإلكتروني لمشروع «قنطرة»، وشاشات تلفزيونية تعرض أفلاماً وثائقية تتناول مواضيع المشروع الأساسية وصوراً عن المواقع التراثية والأشكال المعمارية في البلدان المشاركة.

تصوير: راشيل تابت