قضايا إقليمية

مشهد الصراع في الوحل الاسرائيلي
إعداد: إحسان مرتضى
باحث في الشؤون الاسرائيلية

ما هو مستقبل المستوطنات؟
كيف تتم المفاوضات مع الفلسطينيين؟
ما هي حدود إسرائيل الشرقية؟

كانت الانتخابات الاسرائيلية الأخيرة التي جرت في مطلع العام 2003 والتي فاز بها زعيم حزب الليكود آرييل شارون، الخامسة منذ العام 1992، وهذا دليل واضح على عدم الاستقرار السياسي في إسرائيل. ولولا خوف عدد كبير من أعضاء الكنيست الحالي من عدم امكانية انتخابهم مرة اخرى، لكانت اسرائيل في الوقت الراهن في مرحلة التحضير للكنيست السابع عشر، وهذا الوضع السياسي المتفاقم شبهه كاتب اسرائيلي معروف في صحيفة هآرتس، بالصراع في الوحل، ولكن المشكلة في رأيه هي "انّ كلاً من المتصارعين يحاول الا يصيبه البلل". وفي حيثيات هذا المشهد المتفاقم يدخل الخلاف حول قانون الانسحاب الاحادي من قطاع غزة، والخلاف حول مشروع الموازنة العامة لسنة 2005، وما اثاره هذان القانونان من صراعات وخلافات على مستوى الشارع، وعلى مستوى النخب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية، ويضاف الى هذه الحيثيات ايضاً قضايا مثل اشتداد وطأة تداعيات التركيبة الاتنية على الاستقرار السياسي في اسرائيل، وهيمنة اليمين على الدولة وبروز الخلافات الحادة في داخله، بشأن قضايا جوهرية تتعلق باختيار الطرق المثلى لتعزيز الامن الاستراتيجي البعيد المدى لاسرائيل على مستوى المنطقة برمتها.
هذا الصراع في الوحل يشهد عليه ايضاً تقلب الزعامات المتنافرة والمتناقضة على سدة قيادة الدولة. فلقد شهدت كل عملية انتخابات جرت على مدى العقد الماضي مفاجآت مذهلة في تقلبها وتناقضها، فقد حلّ اسحق رابين محل اسحق شامير عام 1992 على اساس التخلي عن الجمود والتجميد في المسار السياسي والذهاب الى مصالحة تاريخية مع العرب. وفي العام 1996 انتصر نتنياهو على شمعون بيريس على اساس الخلاف حول تصنيف سلم الاولويات الوطنية والتصرف الافضل لجهة حل الصراع مع الفلسطينيين. وفي العام 1999 فاز باراك العمالي مجدداً على خلفية وعده بانهاء الصراع والاحتلال في لبنان وتعديل الاولويات الوطنية ايضاً، وفي العام 2001 انبرى آرييل شارون للتعامل مع الانتفاضة الفلسطينية الثانية "انتفاضة الاقصى"، وتشكيل ائتلاف من الاحزاب والجماعات التي ترفض كلياً سياسات باراك الداخلية والخارجية، وقد تبين لاحقاً ان القضايا الهامة التي ربما  كانت سبباً في انتصار مرشحي الليكود، انما كانت تتركز في القضايا التي لا خلاف حولها بين الجميع وهي: مستقبل المستوطنات، المفاوضات مع الفلسطينيين وحدود اسرائيل الشرقية، حيث تبين انه لا وجود لفروقات حقيقية في المواقف حول هذه القضايا المركزية المطروحة على بساط البحث القومي. ومن هنا تم تبني شعار ان الليكود هو القادر فقط، وتم التوصل بالتالي الى حكومة ائتلافية تضم حزب العمل وبعض الاحزاب الدينية تحت شعار الوحدة الوطنية. والخطير في الموضوع في الوقت الراهن ان اسرائيل بقضها وقضيضها وبيمينها ويسارها، وعلمانييها ومتدينيها، سوف تكون مضطرة في المرحلة المقبلة لخوض صراع طويل داخلياً وخارجياً، من أجل ضم التكتلات الاستيطانية الكبرى الواقعة في الضفة الغربية جيوسياسياً الى حدود اسرائيل الرسمية، وذلك في ظل اجماع على التهرب قدر الامكان من اجراء مفاوضات مع الفلسطينيين كسباً للوقت وتعمية على تظهير القضايا الخلافية الجوهرية التي تتناول حقوق الفلسطينيين المعترف بها دولياً في الارض والمياه والسيادة والدولة المستقلة وقضية اللاجئين الفلسطينيين وقضية القدس.
وبينما يعد شارون بضم التكتلات الاستيطانية بالتنسيق مع ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش، وبجلب اكبر عدد ممكن من المهاجرين اليهود لينضموا اليها، يريد نتنياهو حسم الموضوع يهودياً من خلال الاسراع في بناء الجدران الفاصلة التي تدفع الفلسطينيين الى الوراء وتمنعهم من بناء المزيد من الاحلام الوطنية على خلفية الانسحاب من قطاع غزة. ومن قراءة الحوارات التي اجرتها صحيفة يديعوت احرونوت مؤخراً مع كل من شاؤول موفاز (وزير الدفاع) وبنيامين نتنياهو، والتي عرضا فيها على الجمهور ما في جعبتهما السياسية والاقتصادية، كان من الممكن تكوين انطباع بأن المعركة التي تدور بينهما وكأنها معركة ايديولوجية شرسة، او انها مواجهة ضارية بين وجهتي نظر مختلفتين، لكن الذي حصل هو  انه في كل موضوع او شأن نجد انه اذا أيده نتنياهو عارضه موفاز والعكس بالعكس. فلقد قال نتنياهو ان فك الارتباط، والانسحاب من طرف واحد من غزة سيؤدي الى "تزييت عجلة الارهاب"، وفي الجانب الآخر قال موفاز إن الانسحاب "سيحسن وضعنا الامني والدولي". وبشأن منازل المستوطنين التي سيتم، إخلاؤها، طالب موفاز بالابقاء عليها سليمة في حين ان نتنياهو طالب بهدمها عن بكرة ابيها. واعتبر موفاز في الشأن الاقتصادي الذي كان يديره نتنياهو ان "الفجوة الاجتماعية لا تقل خطورة عن الارهاب" في حين رد عليه نتنياهو بالقول "إن الاستقلال الاقتصادي سوف يتحقق في غضون ثلاث او اربع سنوات". واستقالة نتنياهو من الحكومة على خلفية هذا الصراع في الوحل الاسرائيلي، ربما كان الهدف منها خدمة وضعه السياسي داخل حزب الليكود اولاً وليس آخراً، تماماً مثلما هي الحال ايضاً بالنسبة لموفاز لدى اعرابه عن تحفظاته على موازنة عام 2005 التي وضعها نتنياهو، مما اعطاه صفة "الوزير الاجتماعي" بامتياز على حد تعبير آلوف بن في هآرتس.
من ناحية اخرى بينما يريد كل من شارون ونتنياهو ضم غور الاردن لخدمة اغراضهما الانتخابية والشخصية، فإن نتنياهو يزايد على شارون بابداء رغبته في ضم جنوب الخليل ايضاً.
وبشأن استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، فلا أحد من كل هذه القيادات المتنافسة يبدي تحمسه للامر، حيث يعبرّ  كل من موفاز  وشارون عن خيبة املهما من رئيس السلطة الفلسطينية ابي مازن الذي هو المتهم دائماً بالتقصير في مكافحة "الارهاب". وهما بالتالي يتذرعان بهذه الحجة لتثبيت الجمود السياسي والتفاوضي.
وعلى الرغم من كل ما تقدم، فإن ثمة مناطق تقاطع واشتراك بين دوائر اهتمام هذه الزعامات التي لم يرفض احد منها خط إخلاء النقاط الاستيطانية، المسماة من باب التمويه والاستثمار السياسي والاعلامي بأنها غير شرعية، ولا إخلاء المستوطنات المنعزلة. وفي غضون هذه الاجواء من النفاق والتشدد، يرفض كبار قادة المقاومة الفلسطينية من شتى الفصائل، مساحة المرونة والسماح التي يمنحها ابو مازن مجاناً لشارون، مما يدفع بعض الناقمين او المتحمسين للقيام بعمليات نوعية او ربما استعراضية من اجل رفع سقف المطالب الوطنية الفلسطينية وجعلها لا تتنازل عن المطالبة بالانسحاب الاسرائيلي الكامل من الضفة الغربية والعودة الى حدود عام 1967 من دون قيد او شرط، على غرار ما حصل في قطاع غزة حالياً وجنوب لبنان سابقاً.


نتنياهو يسعى إلى الإسراع في بناء الجدران الفاصلة التي تدفع الفلسطينيين إلى الوراء وتمنعهم
من بناء المزيد من الأحلام الوطنية


المقاومة الوطنية الفلسطينية لن تتخلّى عن المطالبة بالانسحاب الإسرائيلي الكامل من الضفة الغربية
والعودة إلى حدود 1967 من دون قيد أو شرط