قضايا عسكرية

معاهدات الحدّ من الصواريخ والقدرات النووية
إعداد: العميد المتقاعد شارل أبي نادر

هل تلتزم الدول الموقعة الحدود المفروضة؟

 

شهدت حقبة الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي (سابقًا) والولايات المتحدة الأميركية وحلفائهما، سباقًا محمومًا على التسلّح وحشد القدرات والإمكانات الصاروخية والنووية. ولكنّ الفريقين المتصارعين كانا يفسحان المجال ويخلقان الفرص المناسبة للحوار والتعقل، إذ كان كل منهما يخشى القدرات التدميرية للطرف الآخر.

 

تمثّلت هذه الفرص من الحوار والتعقل بلقاءات مشتركة بين مسؤولي القطبين، وغالبًا ما كانت تترجم بمعاهدات ثنائية، أو موسعة تشمل دولًا أخرى، عنوانها الحدّ من القدرات الاستراتيجية. في ما يلي أبرز هذه المعاهدات، ومدى التزام مندرجاتها من قِبَل الأطراف التي وقعتها.

 

المعاهدات
• معاهدة الصواريخ المضادة للباليستية:

هي معاهدة تمّ التوقيع عليها بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي للحدّ من أنظمة الصواريخ المضادة للباليستية المستخدمة ضد الأسلحة النووية المنقولة بالصواريخ الباليستية. وفق بنود المعاهدة، يلتزم كل طرف الاكتفاء بنظامين من الصواريخ المضادة للبالستية، يُحَدّد كل منهما بما لا يزيد عن 100 صاروخ.
تمّ توقيع المعاهدة في العام 1972، وكانت مفعّلة لمدة 30 عامًا. بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في العام 1997، وافقت أربع من دوله والولايات المتحدة الأميركية على الاستمرار فيها، لكنّ الأخيرة (الولايات المتحدة الأميركية) عادت وانسحبت من المعاهدة في العام 2002، وبالتالي توقّف العمل بها.

 

• معاهدة الحدّ من الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى (معاهدة القوات النووية المتوسطة):
تمَّ التوقيع عليها بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي في العام 1987، في واشنطن. وبموجبها تعهد الطرفان بعدم صنع أو تجريب أو نشر أي صواريخ باليستية أو مجنحة أو متوسطة، وتعهدا أيضًا بتدمير منظومات الصواريخ التي يراوح مداها المتوسط ما بين 1000 و5500 كيلومتر، ومداها القصير ما بين 500 و1000 كيلومتر.

 

• ستارت 1 (معاهدة الحدّ من الأسلحة الاستراتيجية):
وُقِّعت بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية في العام 1991 ودخلت حيّز التنفيذ بعد ثلاث سنوات. منعت هذه الاتفاقية الموقِّعِين عليها من نشر أكثر من 6000 رأس نووي و1600 من الصورايخ الباليستية والقاذفات العابرة للقارات. كان التفاوض على ستارت 1 من أشد المفاوضات تعقيدًا عبر التاريخ، وقد أدى تنفيذها في أواخر العام 2001 إلى إزالة نحو 80 % من الأسلحة النووية الاستراتيجية في العالم، لتنتهي بعد ذلك (2009) ويتم استبدالها في العام 2010 بمعاهدة ستارت الجديدة.

 

• معاهدة ستارت الجديدة:
وقَّعَت الولايات المتحدة الأميركية وروسيا في العام 2010 هذه الاتفاقية التي دخلت حيّز التنفيذ في العام 2011، وهي تنصّ على خفض عدد الرؤوس النووية بنسبة 30 % تقريبًا خلال عشر سنوات، وقد كان الحافز الأساسي لذلك الاستغناء عن الكثير من القدرات النووية التقليدية، التي تمّ استبدالها بأخرى أقل عددًا وأكثر فاعلية.
كانت واشنطن تملك نحو 22000 رأس نووي قبل المعاهدة، وقد أصبح العدد اليوم 4480 رأسًا، أمّا روسيا فكانت تملك 30 ألف رأس نووي، انخفضت إلى حوالى 7000 رأس. ولكن ما زال في حوزة الدولتين نحو 90 % من مخزون الأسلحة النووية في العالم، والتي تكفي ليدمّر كل بلد البلد الآخر عدة مرات.

 

اتهامات متبادلة
يقول معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام إنّه رغم سعي الدولتين لتخفيض ترسانتهما النووية، ما زالت دول أخرى تطوّر قدراتها النووية، إذ تملك 9 منها بما فيها روسيا والولايات المتحدة الأميركية حوالى 14500 رأس نووي (الرقم يعود إلى مطلع العام 2018). فثمة 215 رأسًا نوويًا لبريطانيا و300 لفرنسا و280 للصين و140 للهند و150 لباكستان و80 لاسرائيل و20 لكوريا الشمالية، علمًا أن الأخيرة قد تملك أكثر من ذلك، بالإضافة إلى امتلاكها قدرات استراتيجية أخرى غير الرؤوس النووية.
من ناحية أخرى، نجد أن الدول التي تملك أسلحة استراتيجية مدمّرة وعلى رأسها روسيا والولايات المتحدة الأميركية، تتبادل الاتهامات بتجاوز الحدود التي تفرضها المعاهدات الخاصة بهذه الأسلحة.
وقد حذّرت موسكو الولايات المتحدة الأميركية من نشر منظومة «إيجيس» المضادة للصواريخ الباليستية في اليابان، معتبرة أنّ وضعها هناك يعني وصول نظام الدفاع الصاروخي العالمي للولايات المتحدة إلى آسيا، في حين ذكرت الخارجية اليابانية، أن هذه الصواريخ لا تشكل تهديدًا لروسيا أو غيرها من البلدان التي تحيط باليابان، وقالت إنّ الهدف من نشرها هو الدفاع عن النفس.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في هذا الصدد، إنّ روسيا تشكك في قيام طوكيو لوحدها بإدارة عمل عناصر النظام، الذي يعتمد أساسًا على قواذف متعددة المهمّات قادرة على استخدام الأسلحة الهجومية.
يذكر في هذا السياق أنّ 3 سفن حربية أميركية مزودة منظومة «إيجيس»، تتمركز في ميناء يوكوسوكا الياباني. وتُعتبر هذه المنظومة (بحسب شركة لوكهيد مارتن الأميركية المصنعة لها) من أفضل منظومات الدفاع الصاروخي ضد الصواريخ الباليستية، التي يمكن وضعها على السفن الحربية، إضافة إلى إمكان إطلاقها من قواعد أرضية.
إلى ذلك، كانت وزارة الخارجية الروسية قد أعلنت أيضًا، أن نشر الولايات المتحدة الأميركية لمنظومات الدفاع الصاروخي في رومانيا وبولندا، يهدد بانهيار معاهدة تدمير الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى.
في المقابل، هددت الولايات المتحدة الأميركية باستهداف روسيا عسكريًا إذا لم تتخلَ عن برنامج تطوير الصواريخ المجنّحة المتوسطة المدى المحظورة. وأكدت المندوبة الأميركية لدى حلف الناتو كاي بايلي هاتشيسون (في مؤتمر صحفي)، استعداد بلادها لضرب روسيا عسكريًا، لانتهاكها معاهدة حظر الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى، وقالت: على مدار عدة سنوات نحاول إيصال رسالة إلى روسيا بأننا نعرف أنها تنتهك المعاهدة، وقدمنا لها الدلائل المتوافرة لدينا على ذلك. ورغم محاولات حلّ المسألة دبلوماسيًا، إلّا أنّ واشنطن مستعدة للنظر في احتمال توجيه ضربة عسكرية إلى روسيا إذا استمرت في تطوير صواريخ مجنّحة متوسطة المدى.
أخيرًا... صحيح أنّ المشكلة الأساسية بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية، تكمن في أجواء التوتر على خلفية المواجهة والصراع في الكثير من الملفات عبر العالم، ولكن الاشتباك الحساس حول تطوير القدرات الاستراتيجية ونشرها، بشكلٍ يتجاوز المعاهدات الموقعة بين الطرفين أو يخالفها يأخذ الطابع الأكثر خطورة ودقة. وهذا الاشتباك الحساس يجب أولًا عزله عن الملفات الخلافية الأخرى، وفك ارتباطه بالاشتباك السياسي والديبلوماسي بين القطبين، ليصار لاحقًا إلى معالجته فنيًا وعسكريًا وتلافي تداعياته الكارثية، والتي لن يكون أحد بمأمن منها.


 هوامش:

1-https://ar.wikipedia.org/wiki/معاهدة_الصواريخ_المضادة_للباليستية.
2- https://arabic.sputniknews.com/world/روسيا-أمريكا-صواريخ.
3- https://ar.wikipedia.org/wi
4- قناة العربية https://youtu.be
5- https://sptnkne.ws/jds
6-https://arabic.rt.com/world/موسكو-الدرع-الصاروخية-رومانيا-وبولندا-معاهدة-الصواريخ-متوسطة-وبعيدة-المدى.
7- https://www.msn.com/ar/sa/news/world/صواريخ-محظورة-تدفع-واشنطن-للتهديد-بـضرب-روسيا.