من هنا وهناك

معرض موسى طيبا في الأونسكو
إعداد: جان دارك أبي ياغي

 «أكثر من 50 سنة من الرؤى والأوهام»

 

«أكثر من 50 سنة من الرؤى والأوهام» هو عنوان معرض الفنان التشكيلي موسى طيبا في قصر الأونيسكو، الذي يلخص سنوات الشقاء من أجل الإبداع. مجموعة من اللوحات المائية تعود إلى مراحل مختلفة من حياته الفنية التي بدأت في نهاية الخمسينيات إلى أعمال تمتد من بداية الثمانينيات حتى اليوم، وهي مأخوذة من متحفه في قانا - لبنان، وفي مدن أوروبية مثل باريس ولندن وروما.
خيال طيبا ورؤيته الفنية الخصبة يختصرهما هذا المعرض. تكمن رغبة موسى طيبا في الاشتغال على الأبعاد الداخلية للوحة التي حوّلها إلى «مسرح فضائي». في «فضائيات» معرضه الأخير مساحة للعب الذي يهواه، اللعب الذي يحول فيه المشهد إلى ثلاثي الأبعاد أحيانًا، خصوصًا عندما يستخدم تلك الأشكال الهندسية الطائرة، وأحيانًا الأشكال البهلوانية. فالمساحة عنده مسرح لحركة أشكال تجريدية وألوان، لا أكثر، إذ إن لوحة طيبا لا تذهب إلى البحث عن أفكار، ولا إلى التعاطي مع أحداث والتعبير عنها، فهو يذهب إلى حالات انطباعية ولعبة تآليف لونية تنتمي إلى تعبيرية تجريدية، تنقل حالات نفسية أكثر مما تنقل أفكارًا. العديد من الفنانين انتبهوا إلى أن مدرسة التجريد الصافي انتهت، وأن اللوحة باتت مساحة لحضور يتسع لأكثر من مدرسة واحدة، إلا أن طيبا حافظ على عالمه.
في بعض لوحاته الأخيرة يبدو الفنان «منحازًا إلى تشكيل كتل لونية فالتة، تتحرك في فضاء اللوحة، كأنما يضعها مكان الأشكال الهندسية السابقة، ربما بحثًا عن حرية أكثر، أو عن أسلوب جديد في ضخ الحركة في فضاء اللوحة. فالحركة هدف أساسي ودائم في لوحة طيبا، الحركة التي ربما بدأت مع تحريك الناس، فكانت لوحته تشكيل لحركة التظاهرات، أو الدفق البشري عمومًا، وهي تتابعت في «فضائياته» بحثًا عن سراب، وتعبيرًا عن قلق أعمى، ثم ذابت في لعبة التجريد لتصبح داخلية أكثر، ولتتحوّل معها المساحة إلى نوع من التقميش اللوني، الذي يأخذنا إلى مشهد اللوحة السجادة ليس إلا».
يبدي طيبا ولعًا في التعامل مع اللون، «فهو عالمه الذي يسبح فيه صبح مساء بالطبع، بل هو العالم الذي يتشكل أمامه ومن حوله كل لحظة. يكاد اللون يكون المنظار الذي يرى من خلاله الطبيعة والناس والحياة اليومية، فالفنان يذوب في اللون ويذوّبه، ليرسم من خلاله هواجسه». على أن لعبة اللون باتت لعبته المفضلة، وقد باتت الألوان تلين بريشته وتسيل وتتشكل بحركة عفوية. فتلقائيته في التلوين لا تذهب إلى الفوضى بقدر ما تصيب في التعبير عن عالمه الداخلي، عن مخاوفه وحزنه وفرحه عمومًا. وهو في كل أعماله يُظهر حرفة وحنكة وقدرة عالية على ترتيب بيته اللوني، فهو ملون لبناني من الدرجة الأولى.
في المعرض قرابة سبعين لوحة كسر في بعضها المساحة ببعض الكولاج، ثم كسر في بعضها الآخر الكادر، أو حتى ألغاه، ليقدّم لنا قماشة تتحرر من المستطيل أو المربع، في نزوعها للتماهي مع شكل أو رمز، أو حالة من التمزق والريبة.