تحقيق عسكري

معهد التعليم: للعُلى للعِلْم للوطن
إعداد: ندين البلعة خيرالله

في هذا الصرح التعليمي التدريبي، الأشبه بقرية صغيرة والمحاط بمساحات خضراء، يتمّ تنشئة الرتباء والأفراد، وتأهيلهم معنويًا وجسديًا وفكريًا وثقافيًا وعسكريًا، وبالتالي إعدادهم لتنفيذ المهمّات الموكلة إليهم. إنه معهد التعليم، الذي يسعى بصورة مستدامة إلى تطوير مهارات المتدرّبين، وكفاءاتهم التقنيّة والتكتيّة والقياديّة بما يلبّي حاجات قطع الجيش ووحداته. «الجيش» زارت المعهد الذي يشهد ورش عمل وتطوير واسعة على مختلف المستويات، وجالت في مدارسه التي عرفت في الآونة الأخيرة نقلةً نوعيّة على صعيدَي اللوجستيّة والمناهج.

 

يمثّل شعار المعهد مدرّبًا يعلّم تلميذه أصول الرماية (أولى الخطوات والعلوم في الحياة العسكرية)، وسنبلتَين ترمزان إلى البذل والعطاء. هذا الشعار يجسّد بالفعل مهمّات المعهد الذي يُعنى، كما يشرح لنا قائده العميد الركن مارون مهنّا، بإعداد المتطوّعين الجدد والعسكريين في الخدمة بصفة رتباء وأفراد في مختلف الاختصاصات، ويتولّى تدريبهم وفق توجيهات التعليم وبناءً على مذكرات صادرة عن قيادة الجيش. وهو يتولّى أيضًا إعداد العسكريين من مختلف القوى الأمنية لاستيعاب مبادئ الحرب الحديثة وتطبيقها واستعمال وسائلها المتطوّرة. كذلك، ينفّذ المعهد التنشئة الأساسيّة والمشتركة والتنشئة التكميليّة للتلامذة الرتباء والجنود الأغرار، إلى دورات السوق المختلفة.
تتوزّع هذه المهمّات على أجهزة المعهد المختلفة: مدرسة الرتباء، مدرسة المشاة، مجموعة مدارس الاختصاص ولفيف اللوجستية والمدافعة (المدفعية، المدرعات، النقل، الإشارة والهندسة).

 

خطّة تطوير شاملة
بهدف مواكبة التطوّر، أعدّت قيادة المعهد خطّة تطوير تشمل المجالات كلّها (تعليم، تدريب، مبانٍ، منشآت، إدارة، تنظيم ولوجستية). تطمح الخطّة إلى الارتقاء بالمتدرّبين في مدارس المعهد إلى مستوًى يتناسب والمهارات والكفاءات المطلوبة في الجيش.
تلحظ هذه الخطّة تعديلاً في الهيكليّة والتسميات، وتتضمّن: إنشاء مجمّع رياضي أنموذجي يضمّ حقـلًا مقفـلًا للرماية بالأسلحة الخفيفة، حوض سباحة أولمبيًا، ملعبًا رياضيًا مقفلاً متعدّد الاستعمالات مع مدرّجات ومضمار وغرف تبديل ملابس، ووحدة صحّية كاملة وكافيتيريا. وقد كُلِّفَت مديريّة الهندسة الكشف على مكان إنشاء هذا المجمّع وإعداد الدراسات الهندسيّة الفنيّة اللازمة له.
كذلك، تتضمّن الخطة إنشاء مطبخ حديث بقدرة استيعابيّة تتخطّى 10 آلاف متغذٍّ، على أن يشمل مخازن وغرف تبريد ومعدّات متطوّرة وصالات عصريّة لتقديم الطعام للمتدرّبين في المعهد، بالإضافة إلى تفعيل مدرستَي المدرعات والمدفعية، وأمور أخرى.
تمّ تنفيذ عدد من المشاريع التي تشملها هذه الخطة، مثل تطوير مناهج التدريب المعتمدة في الدورات التي ينفّذها، إنشاء غرفة تفتيش إلكتروني مجهّزة بأحدث المعدات على المدخل الرئيسي للمعهد، ومشبّه رمي للأسلحة الخفيفة والمتوسّطة، بالإضافة إلى تعهد البنى التحتية وصيانتها، وتطوير مختبرات اللغات والمعلوماتيّة وتجهيزها بأحدث معدّات التدريب بالتعاون مع فرق تدريب أجنبيّة.

 

مدرسة الرتباء: التكنولوجيا لتطوير التعليم
الرتيب هو عصب الجيش وصلة الوصل بين الضباط والأفراد، وفي مدرسة الرتباء يتمّ إعداده لممارسة دوره الحيوي. قائد المدرسة العميد الركن عبدالله حوراني يطلعنا على مهمّاتها التي تشمل: التدريب الأساسي لتلامذة الرتباء في قوى البرّ والبحر والجوّ، التدريب التكميلي لتلامذة الرتباء في قوى البر وتأهيلهم لإمرة حضيرة، تنشِئة الرتباء والتلامذة الاختصاصيّين المُعيّنين كرتباء متمرّنين وتدريبهم، تأهيل رتباء لتولّي وظائف معيّنة في قطعهم، المساهمة في عمليات حفظ الأمن، تحضيـر ملاك المدرسـة والمتدرّجيـن فيهـا للقيام بمهمّات عملانيـّة خـارجها في حالات استثنائيّة، وتنفيذ أي دورة تقرّرها قيادة الجيش.
تركّز المناهج المعتمدة في تدريب التلامذة الرتباء على إكسابهم القدرات والمهارات والمعارف التي تخوّلهم أداء مهمّاتهم على أفضل وجه. وفضلاً عن العلوم العسكرية والتنشئة البدنيّة والوطنيّة، يتابعون دروسًا في المعلوماتيّة واللغات والرياضيّات... ومحاضرات تثقيفيّة. في نهاية السنة الثالثة يصبح المتدرّبون قادرين على تولّي الإمرة وتنفيذ مهمّات قتاليّة، بالإضافة إلى الوظائف الإداريّة.
ويشير قائد المدرسة إلى توظيف التكنولوجيا في أساليب التعليم والتدريب المتّبعة فيها بهدف تحقيق أفضل النتائج والاستفادة من التقدّم العلمي والتقني بشكلٍ مستمرّ. فقد استحدثت دورة لتدريب المدرّبين على استخدام التكنولوجيا الحديثة في التعليم، وعلى صعيد التجهيز تمّ إنشاء قاعة معلوماتية حديثة تضم 36 جهاز كمبيوتر محمول، وقاعة GIS حديثة تضم أيضًا 30 جهاز كمبيوتر محمول مع لوح ذكي للتعليم التفاعلي، وبرنامج NET SUPPORT خاص بتبادل المعلومات بين أجهزة التلامذة والجهاز الخادم واللوح الذكي. كذلك، تمّ تحديث قاعة محاضرات وتجهيزها بلوح تفاعلي وجهاز كمبيوتر، فضلاً عن جهاز LCD Projector في صفوف التعليم كلّها، ولوح ذكي في قاعة محاضرات الضباط وفي مختبر اللغة الإنكليزية. كما تمّ ترميم مبنى قيادة المدرسة، ومكاتب رؤساء الأقسام، ومكاتب مدربي السنوات، وفصل غرف منامة التلامذة وحمّاماتهم وغرف الطعام في سنوات التدريب الثلاث، بعد صيانتها وتجهيزها، ممّا سمح بوضع حق الإمرة موضع التنفيذ.
على صعيد التدريب، أضيف إلى المنهاج الأساسي عدد من الدورات، من بينها دورة آمر حضيرة مشاة بإشراف فريق من المدرّبين الأميركيين والبريطانيين ومدرّبين من مدرسة القوات الخاصة، ودورة خاصة بتنمية عمل الفريق بإشراف فريق تدريب إيطالي.
تطمح مدرسة الرتباء إلى تحقيق مشاريع مستقبليّة، منها: استحداث قاعة حديثة متطوّرة للاجتماعات، وإنشاء مكتبة خاصة بالمدرسة وحديقة ملحقة بها. وعلى صعيد التدريب يجري العمل لتنفيذ دورات رتيب آمر فصيلة، ورتيب سرية، ورتيب كتيبة، ورتيب فوج، ورتيب لواء، ورتيب مدرّب (بالتعاون مع مدرسة القوات الخاصة). وقد تمّ إعداد المناهج الخاصة بهذه الدورات.

 

مدرسة المشاة: بداية المسيرة
من هنا ينطلق المتطوّع المدني مودّعًا الحياة المدنيّة... ففي هذه المدرسة يتابع التدريب الأساسي ليدخل معترك الحياة العسكرية. في مدرسة المشاة نلتقي قائدها العقيد الركن فريد أبو نعوم الذي يختصر مهمّاتها بالآتي: التنشئة الأساسيّة المشتركة للجنود المتمرّنين المتطوّعين في قوى البرّ والبحر والجوّ، وفي مختلف الأجهزة الأمنية، وللعسكريين في مكاتب الدراسة التي تقرّر القيادة إقامتها في المعهد، بالإضافة إلى تأهيل العسكريّين الناجحين في المباراة، أو نتيجة الخدمة الطويلة المميّزة، وأولئك الحائزين إجازة جامعية أو فنيّة تعليميّة، وتأهيل عناصر المدرسة وتدريبهم للقيام بالمهمات الموكلة إليها.
خرّجت المدرسة منذ إنشائها وحتى اليوم حوالى 85 ألف متدرّب، وفيها حاليًا حوالى 923 عسكريًّا يتابعون دورات مختلفة. على صعيد آخر، شملت خطة التطوير التي اعتمدتها قيادة معهد التعليم، مدرسة المشاة بمنشآتها وتجهيزاتها. ففضلاً عن أعمال الترميم والتنظيم، تمّ استحداث قاعة للمحاضرات (قيد الإنجاز)، وقاعتَي تعليم، وأضيفَت منشآت مسبقة الصنع... أمّا في ما يخصّ التجهيزات، فقد تمّ وضع أربع شاشات عرض LCD، وخمسة أجهزة كمبيوتر Desktop واثنين Laptop، وتركيب شبكة صوتية داخل المبنى وخارجه.

 

مجموعة مدارس الاختصاص
يُعرب قائد مجموعة مدارس الاختصاص العميد علي أمين، عن أمله بتفعيل هذه المدارس وفق الخطّة الموضوعة لتطوير معهد التعليم. وهو يوضح أنّه من بين المدارس التي تتضمّنها هيكليّة المعهد (المدفعية، المدرعات، الهندسة، الإشارة والنقل) تمّ تفعيل مدرسة النقل. تتولّى هذه المدرسة تنشئة الجنود المتطوّعين- القسم النوعي، وعناصر مكاتب الدراسة في اختصاص النقل، فضلًا عن تنظيم الدورات لإعداد سائقين وخبراء حوادث سير.

 

اللوجستيّة والمدافعة: لفيف الخدمات
في العام 2010، أضيف إلى هيكليّة معهد التعليم لفيف اللوجستيّة والمدافعة الذي يؤمّن للمعهد المتطلّبات اللوجستية وهي تشمل تأمين الخدمات من حراسة وصيانة وتغذية، بالإضافة إلى: تغذية بعض قطع الجيش المنتشرة في قضاء بعلبك- الهرمل، تعهّد ومساعفة الآليات التابعة لمعهد التعليم حتى مستوى الرعيل الثالث، إدارة حركة عتاد المعهد والمستوصف الذي يؤمّن معالجة العسكريين من المعهد والقطع المنتشرة، تدريب عناصر اللفيف وتنشئتهم والسهر على انضباطهم، ونقلهم من مراكز عملهم وإليها بواسطة الحافلات العسكرية. كما يؤمّن اللفيف إدارة مشبّه الرمي بالأسلحة الخفيفة والمتوسّطة، بالإضافة إلى نادي الضباط وبيت الجندي والمكتبة وسناك لتقديم الوجبات السريعة.
ويوضح قائد اللفيف العقيد رياض جانبَين أنّ خبرة عسكريّيه في العمل الإداري تؤدّي دورًا فاعلاً في تنفيذ المهمّات على أفضل وجه.
انتهت جولتنا في معهد التعليم، هذا الصرح التعليمي الذي يضجّ بالحياة على مدار الساعة، يجد عسكريّوه متّسعًا من الوقت للعناية بأشجار وأزهار زرعوها في أنحائه. الجمال والترتيب مشهد يحلّ أينما حلّ جيشنا.