هو وهي

معًا في السرّاء والضرّاء
إعداد: ريما سليم ضوميط

هل يمكن تجاوز ما يسبّبه مرضٌ مزمن؟

 

لدى احتفالهما بمراسم الزفاف، يتعهّد العروسان الوقوف معًا، يدًا بيد في السرّاء والضرّاء، فكيف يُترجم هذا العهد عمليًّا إذا ما أصيب أحدهما بمرضٍ مزمنٍ، يستدعي تعديل برنامج حياتهما وبذل الكثير من التضحيات والتنازلات؟

 

مواجهة الصدمة
تشير الاختصاصيّة في علم النفس العيادي السيّدة نيكول الخوري، إلى أنّ الزواج في حد ذاته تحدٍّ كبير، يستدعي اتحاد الزوجين في مواجهة أعباء الحياة وصعوباتها، وأي ّ تقصير من قبل أحد الطرفين قد يؤدّي إلى خللٍ، فما بالك بمرضٍ يظهر بشكلٍ مفاجىٍ وربّما يبدّل مسار حياتهما، فارضًا على أحدهما تحمّل أعباء إضافيّة كبيرة، بما فيها عبء الشريك المريض. وهي توضح أن المواقف وردّات الفعل تختلف بين ثنائي وآخر في مواجهة الأمراض وتداعياتها. فمن الأزواج من يقف عاجزًا أمام مرض الشريك ويختار الانسحاب، ويكون هؤلاء عادة من بين الأشخاص الأنانيين الّذين يرفضون التضحية براحتهم في سبيل الغير. وهناك فئة أخرى تستمد من حبّ الشريك القوّة والشجاعة للوقوف إلى جانبه في مواجهة المرض ومساعدته على التعايش معه. ولكنّ وقع الصدمة على هؤلاء ليس أقلّ وطأةٍ، ففكرة المرض المزمن تأتيهم كالموت المفاجىء، وتضعهم بالتالي في حالةٍ من «الحداد» قبل التوصّل إلى تقبّل الواقع.
هذا الحداد تتخلّله عدّة مراحل، أوّلها حالة النكران حيث يرفض الزوج تصديق نبأ مرض الشريك، ومن بعدها مرحلة الغضب حيث يثور على الواقع ويفجّر خوفه غضبًا. ثم تحلّ فترة الحزن التي يسودها السكوت والانزواء، وفي الختام يصل إلى مرحلة تقبّل الواقع. عندئذٍ يبدأ باستعادة طاقته التي استنفدها في الحزن، ويصبح مستعدًّا للعيش مع الشريك في ظل الواقع الجديد.
 

التعايش مع المرض
أول ما يُنصح به الزوجان بعد تقبّل فكرة المرض، التعرّف إلى ماهيّته وكيفيّة التعايش معه. ويتم ذلك عبر جلسة حوار مع الطبيب المختصّ يشارك فيها الزوجان معًا. وهنا يجب الإشارة إلى ضرورة استقاء المعلومات المتعلّقة بالمرض من المراجع المختصّة فقط، وعدم البحث في مصادر غير موثوقة علميًّا على شبكة الإنترنت أو عبر أحاديث الأصحاب والجيران. فالمعلومات غير الدقيقة تضلّل المريض وتؤثّر سلبًا على علاجه، وقد تسبّب له القلق وتعزّز المشاعر السلبية.
ومتى تعرّف الزوجان إلى المرض من مختلف جوانبه، يصبح بإمكانهما السيطرة عليه من خلال التقيّد بإرشادات الطبيب والابتعاد عن كل ما يؤذي المريض. وهنا قد يحتاجان إلى إعادة تنظيم حياتهما بما يتناسب مع وضعهما الجديد.
في هذه المرحلة، يزول الخوف والقلق، ويبدأ الزوجان بوضع خطّة جديدة لتسيير أمورهما الحياتيّة، فيضعان برنامجًا لكل ما له علاقة مباشرة بالمرض، كالغذاء والدواء والنوم والرياضة. وفي حال كان المرض يحدّ من قدرة الطرف المريض على التزام مسؤولياته اليوميّة ضمن العائلة، يناقشان كيفيّة العناية بالأولاد وتدبير الشؤون المنزليّة.
وتشير السيّدة الخوري إلى أنّ البرنامج يجب أن يتضمّن أيضًا نشاطات مختلفة تبعد الزوجين عن أجواء المرض. فإذا لم يكن بإمكانهما التمتّع بجميع النشاطات التي كانا يزاولانها من قبل، لا بأس من بعض التنازلات التي تخدم راحة المريض وتراعي في الوقت نفسه حريّة الشريك المعافى. والخيارات هنا كثيرة، فقد يقرّران تجربة نشاطات جديدة معًا، أو ربّما يتّفقان على أن يقوم كلّ منهما بالنشاط الّذي يلائمه منفردًا. وبإمكانهما أيضًا أن يتشاركا في أمورٍ بسيطة تبعدهما عن ملل الروتين اليومي وتمنحهما الطاقة الإيجابيّة، كمشاهدة فيلم أو زيارة معرضٍ أو قراءة كتابٍ، إلخ...

 

دعم الأصدقاء
من العوامل التي تؤثّر إيجابًا في حياة الزوجين وجود الأصدقاء والأقارب إلى جانبهما. فالاختلاط بالآخرين يسهم في رفع معنويّاتهما وتحسين مزاجهما لا سيّما في الأوقات الصعبة. والمريض لا بد من أن يمرّ بفترات من الخوف والقلق لدى انتظار نتائج الفحوصات الدوريّة، لذلك فإنّ دعم الصديق ضروري جدًّا في أوقاتٍ كهذه. وفي المقابل، يعاني الشريك المعافى في كثير من الأحيان من عبء المسؤوليّة الملقاة على عاتقه، لذلك فإنّه يحتاج أيضًا إلى صديقٍ يصغي إليه ويساعده على رؤية الأمور بالمنظار الصحيح. وتؤكّد السيّدة الخوري أن الأشخاص الّذين ينسحبون من الحياة الاجتماعيّة معرّضون للإصابة بالاكتئاب والحزن، في حين يحظى الأشخاص المحاطون بالأصدقاء بدعمٍ كبير يمدّهم بالثقة والقوّة والقدرة على المواجهة بفرحٍ.

 

إرضاء الذّات
إلى جانب دعم الشريك والصديق، يحتاج المرء إلى تحصين نفسه من الاستسلام للأفكار السلبيّة، وذلك عن طريق القيام بالأعمال التي ترضيه شخصيًا وتغذّي عقله وروحه. لذلك تنصح السيدة الخوري كلًّا من الزوجين بأن يدوّن على قصّاصة ورقٍ قائمةً بالأعمال والنشاطات التي تمنحه السعادة والاكتفاء الذّاتي، وأن يسعى كلّما سنحت له الفرصة إلى تحقيق هدفٍ من هذه الأهداف، لأنّ ذلك يمدّه بالطاقة الإيجابيّة وبنظرة متفائلة إلى الحياة.
في الختام، تشير السيدة الخوري إلى أهميّة الإرادة والتفاؤل في مواجهة المرض والتغلّب عليه. وهي تنصـح الزوجين بــأن ينظــرا دائمًــا إلــى النصــف الممتلــىء من الكــوب، حيــث يجــدان أن الحيــاة تمنحهما قائمة من النعم وعلى رأسهــا العائلــة والأصدقــاء، والكثيــر من الأهــداف التــي يمكنهمــا تحقيقهــا معًا إذا مــا تمتّعــا بالإرادة والتصميــم والرغبة في إسعاد بعضهما البعض.