هو وهي

معًا يمكنكما صنع الفرح وإن ضاقت الظروف
إعداد: ريما سليم ضوميط

الضغوطات اليومية واقع تعيشه مختلف العائلات، وفيما تظهر أحيانًا بصورة تحدٍ يمكن مواجهته والتغلب عليه، فإنّها تبدو أحيانًا أخرى كشبحٍ يهيمن على المنزل ليسرق منه الفرح مخلّفًا الهمّ والبؤس.
كيف يمكن السيطرة على الضغوطات وخلق أجواء الفرح والبهجة داخل المنزل؟ سؤال يجيب عنه الاختصاصي في علم النفس العيادي المؤهل عمار محمد.

 

يشير المؤهل محمّد إلى أنّ الضغوطات أمر لا مفر منه في حياتنا اليومية، وهي تأتي من عدة مصادر من داخل الأسرة وخارجها. فهناك أولًا الضغوطات المتعلقة بتأمين احتياجات مختلف أفراد العائلة، تضاف إليها ضغوطات الخارج كالوضع المعيشي المتردي ونمط الحياة المتسارع والتراجع في الحياة الاجتماعية، وكلها عوامل تؤثر سلبًا على الحياة العائلية، وتزيد من نسبة التوتر والنزاع بين أفراد العائلة. لكنّه يؤكد من جهة أخرى، أنّه على الرغم من الصعوبات والتحديات التي تواجهها العائلة، فإنّها تبقى مصدر الأمان والاستقرار لأفرادها، وهي تستطيع تجاوز مختلف التحديات الخارجية فيستمتع أفرادها بالعيش المطمئن في جو من الفرح والسعادة إذا ما تمّ اعتماد الطرق المناسبة لإدارة الضغوط ومعالجتها. وهو يقسّم هذه العملية (إدارة الضغوط) إلى ثلاثة محاور، أولها محور التعامل مع الذات، يليه التعامل مع الضغوط العائلية، ومن ثم التعامل مع ضغوطات العمل والمجتمع.
 
التعامل مع الذات
يوضح المؤهل محمّد أنّ السعادة شعور ينتقل بالعدوى، لذلك فإنّ العناية بالنفس هي النواة لثمرة الفرح التي يفترض بالزوجين غرسها في حديقة الأسرة. وهو يوضح أنّه في معظم العائلات، هناك فرد (غالبًا ما يكون الأم) يضحّي براحته في سبيل إسعاد الآخرين، والواقع أنّ النتائج غالبًا ما تأتي معاكسة، إذ إنّ إهمال الذات يؤدي مع مرور الوقت إلى الحزن والكآبة، والشخص الكئيب لا يقدر على إسعاد من حوله. لذلك فهو ينصح كل من الزوجين بالسعي إلى إسعاد نفسه أولًا قبل إسعاد الآخرين، لأن ذلك ينعكس من خلال تصرفاته وسلوكه تجاه أفراد أسرته، وبالتالي تنتقل عدوى الفرح والتفاؤل إليهم. ويقدّم في إطار العناية بالنفس النصائح الآتية:
• اعتنوا بصحتكم، فالعقل السليم في الجسم السليم. تناولوا طعامًا صحيًا، ومارسوا الرياضة بانتظام. احرصوا أيضًا على تحديد ساعات كافية للنوم.
• اهتمّوا بمظهركم الخارجي، اقتطعوا من المصروف مبلغًا محددًا، واشتروا ما تحتاجونه كي تظهروا بالشكل الذي يرضيكم. دلّلوا أنفسكم بقارورة عطر أو ساعة يد جميلة من دون أن تشعروا بالذنب.
• شاركوا في الحياة الاجتماعية، واسمحوا لأنفسكم بالخروج مع الأصدقاء بين الحين والآخر والاستمتاع بعشاءٍ أو حتى بفنجانٍ من القهوة، وتأكدوا أنّ السعادة التي ستنالونها حين تعتنون بأنفسكم ستنعكس فرحًا وسلامًا داخل المنزل.
 

التعامل مع الضغوطات العائلية
يوضح المؤهل محمّد أنّ الضغوطات العائلية وإن كانت جزءًا أساسيًا من حياتنا اليومية، إلّا أنّها تتميز بعنصرٍ إيجابي هو النمط المتكرر، فالروتين يعاد يوميًا إن على صعيد التحضيرات الصباحية للذهاب إلى المدرسة أو لجهة مذاكرة الدروس خلال فترة ما بعد الظهر، أو على صعيد نشاطات الأولاد الرياضية والاجتماعية خارج المنزل. لذلك، فإنّه من السهل تحديد عامل الضغط ومعالجته. فإذا كانت الضغوطات متأتية مثلًا من عبء تعدد المهمات، يمكن طلب المساعدة من الشريك. أما إذا كانت ناتجة عن زيادة المصاريف والمتطلبات فيجب إعادة النظر بما هو ضروري وبما يمكن الاستغناء عنه. وفي هذا الإطار، يقدّم المؤهل عمّار بعض النصائح للحد من التوتر داخل العائلة وإحلال الفرح مكانه:
• لا تخشوا من قول كلمة «لا» لأولادكم، فغالبًا ما ترهقون أنفسكم لتحققوا لهم متطلبات غير منطقية وغير ضرورية. في المقابل، استخدموا لغة الحوار لتقريب وجهات النظر خلال جلسات النقاش، وتذكروا دائمًا أنّ الصراع بين الأجيال مسألة لا يمكن معالجتها بالمنطق، وإنّما يمكن التعاطي معها بلغة المحبة.
• حاولوا دائمًا أن تجدوا سببًا للاحتفال (نجاح مدرسي أو إنجاز مشروع ما) ولو كان بسيطًا، لتشيعوا البهجة والفرح داخل المنزل.
• حافظوا على شعلة الحب لأنّه عنصر أساسي في سعادة أفراد العائلة، وهو يمدّهم بالقوة لاستقبال الحياة وعيشها بفرحٍ دائم وسعادة متّقدة.
 
التعامل مع ضغوطات العمل والمجتمع
يشير المؤهل محمّد إلى أنّ أمور الوظيفة لا تسير دائمًا وفق الخطة المرسومة: قد تعملون بجدٍ على أمل الحصول على ترقية، فتتمّ مفاجأتكم بطردكم من العمل. لا تستسلموا لليأس، ولا تخشوا التغيير. تذكّروا دائمًا وضع اليرقة داخل الشرنقة. فهي تبدو وكأنّها مسجونة في الداخل، لكن في الواقع إنّها تنمو وتتطوّر لتخرج فراشة جميلة، قوية، وقادرة على الاتكال على نفسها.
 • نظموا وقتكم، فإنّ ذلك يساعدكم في إنجاز المطلوب ضمن المهلة المحددة، ويقيكم الضغوطات الناتجة عن سوء استخدام الوقت.
• لا تولوا أهمية لمسايرة المجتمع في مظاهره الكاذبة التي تحتاج إلى كثير من البذخ والتبذير، وتشكّل مصدر ضغط كبير. ركزوا اهتمامكم على الأمور المهمة وفي مقدّمتها الأهل والأولاد. فوجود الأهل قد لا يدوم طويلًا، والأولاد سيكبرون ويغادرون. امضوا وقتًا جميلًا معهم، كممارسة الرياضة، أو مشاهدة فيلمٍ أو الاستماع إلى الموسيقى. اصطحبوا الأهل في نزهات لطيفة، أو زيارات عائلية، فإنّهم يجدون راحة في تعزيز الروابط العائلية.
• عوّدوا أنفسكم على الشكر والامتنان، فكثير من الأشخاص يبدأ يومه بالتذمر، إمّا من العمل، أو من الوضع الصحي أو المادي. حين تسأل شخصًا عن أحواله غالبًا ما يجيبك متذمرًا أنّه غير سعيد في عمله وأنّ وضعه الصحي غير سليم والوضع المادي ليس بأفضل. وقلّة من يبدأ نهاره بصلاة شكر وامتنان للخالق على عطاياه الكثيرة، لا بل أنّ الغالبية لا تُحسن عدّ النعم التي وهبها إياها الخالق، وإنّما تكتفي بتعداد المشاكل والأزمات.