صوتنا للبنان

مغارة جعيتا وأرز الرب في مسابقة لاختيار عجائب الدنيا السبع
إعداد: ماري الأشقر - كارلا حداد

فلنعطهما أصواتنا من دون غش

هل ينجح لبنان في إيصال مغارة جعيتا أو غابة أرز بشري الى لائحة عجائب الدنيا الطبيعية السبع؟ الأمر يعتمد الى حد كبير على نسبة الأصوات التي يحصل عليها كل من الموقعين المرشحين.
الموقعان اللبنانيان يتمتعان بالكثير من المميزات التي تخوّلهما أن يكونا فعلاً على هذه اللائحة، فمغارة جعيتا هي أشهر مغاور العالم جمالاً واتساعاً. أما الأرز فأرز الربّ...
ولكن وبما أن الأمر يتعلق بنسبة الأصوات التي ينالها كل موقع، ولبنان بلد صغير عدد سكانه قليل، فلا بد من استنهاض الهمم وتجييش الطاقات و«استنفار» اللبنانيين في الخارج والمتحدّرين من أصل لبناني، للمشاركة بكثافة في عملية التصويت عبر الإنترنت والتي تستمر حتى نهاية كانون الأول الجاري.
بدأت المسابقة العالمية لاختيار عجائب الدنيا الطبيعية السبع مطلع العام الجاري، ويشارك فيها 77 موقعاً من مختلف أنحاء العالم. أما التصويت فيتم من خلال الموقع الإلكتروني:   www.new7wonders.com

 

مطلوب تجنيد كل الطاقات
حملات الترويج للموقعين اللبنانيين تولتها «شركة ماباس» (لصالح مغارة جعيتا) ولجنة أصدقاء غابة الأرز (لصالح موقع الأرز). وتقول الدكتورة سلوى الأمين (رئيسة دائرة مغارة جعيتا والمغاور في وزارة السياحة)، أن الوزارة أرسلت الى الوزارات الأخرى كتباً تطلب بموجبها التعاون من أجل تشجيع التصويت، إذ أن فوز موقع لبناني في هذه المسابقة العالمية يستلزم تجنيد كل الطاقات.وقد تجاوبت وزارتا الخارجية والمغتربين والتربية الوطنية والتعليم العالي وأبدتا اهتماماً بالموضوع.
كذلك تلقت الوزارة جواباً من السفارات والقنصليات التي تحثّ اللبنانيين في الخارج على التصويت. بينما أصدرت قيادة الجيش برقية عمّمت على العسكريين وشرحت أهمية فوز موقع لبناني بالنسبة الى القطاع السياحي والوطن بشكل عام. وتعتبر الأمين أن كل ما يهم وزارة السياحة هو أن لا يهدر لبنان فرصة ثمينة كهذه.
في وزارة السياحة فريق يراقب تطورات التصويت عبر الانترنت وآخر يرصد المستجدات في المباراة العالمية. وتشمل مهمته التنبّه الى محاولات الغش في التصويت وصدها، كما تفيدنا السيدة خديجة المقدم (رئيسة دائرة الاستثمار في الوزارة).
وتضـيف المقدم: تلقيـنا إنذاريـن من اللجنـة العالميـة المسـؤولـة عـن المباراة وخرجنا من المباراة مرتين بسبب عدم التقيّد بآلية التصويت، ومحاولات الغش، لكننا عدنا الى المباراة بعد جهود بذلتها الوزارة. لقد طلبنا من اللجنة العالمية، أن تأخذ في عين الاعتبار كون لبنان بلداً صغيراً عدد سكانه قليل وهو يتنافس مع دول تضم عشرات الملايين من السكان. ونبّهت الى ضرورة التقيد بآلية التصويت لئلا يستبعد لبنان من المسابقة.

 

مغارة جعيتا
في أحضان وادي نهر الكلب، تتربع مغارة جعيتا على عرش المغاور الطبيعية المنتشرة في لبنان. فهذه المغارة التي يتجاوز طولها الـ9 آلاف متر (هناك أجزاء منها ما زالت طور الاستكشاف) والتي تعد المياه العامل الرئيس في تكوينها، تعتبر أجمل مغاور لبنان وأطولها وأكبرها، على الرغم من وجود مغاور مشابهة لها، كمغارة قاديشا.
مدير عام شركة «ماباس» (الموكلة إدارة مرفق جعيتا السياحي)، الدكتور نبيل حداد، حدّثنا عن تاريخ المغارة وطريقة تكوّنها، قال: تتكون المغاور المشابهة لمغارة جعيتا إجمالاً في الجبال ذات الصخور الكارستية، كما هي حال معظم جبال لبنان، وهذا ما ساعد على تشكّل مغارة جعيتا. ويعتبر الماء العامل الأساسي في تكوّنها. فعندما تختلط مياه النهر مع الأمطار ويحدث إنجزاف للصخور، تتحلّل المواد العضوية الصخرية مع المياه، فينتج غاز ثاني أوكسيد الكربون الذي يسبب تآكل الصخور. وبالتالي يحدث تجويف في الجبل يسمح بدخول المياه اليه. أما الأشكال الجميلة، من هوابط (Stalactites) وصواعد (Stalagmites)، فتتشكّل بعد استقرار مياه الكهف مع مستوى البحر (تضم مغارة جعيتا أكبر هابط في العالم، ويبلغ طوله 8 أمتار و20 سنتمتراً).
تقسم مغارة جعيتا الى قسمين: جزء علوي جاف وآخر سفلي مائي، يبلغ عمرها ملايين السنين، وجيولوجياً المغارة الجافة أقدم من المائية.
اكتشاف المغارة قصة مثيرة للاهتمام... العام 1836، كان المستكشف الأميركي تومسون في رحلة صيد، فرأى المياه خارجةً من الجبل، أطلق طلقة نارية داخل الفجوة وتبع صداها الى أعماق المغارة... في وقت لاحق توالت البعثات الأجنبية لاستكشاف المغارة ودراستها. ولكن، بعد الحرب العالمية الثانية، تولى اللبنانيون هذه المهمة، وعرفوا بـ«المستغورين».
افتتحت المغارة أمام الزوار العام 1956، حيث بات بالإمكان التوغل 500 متر تقريباً من طولها الإجمالي البالغ 6200 متر. وهي تشرف في الجهة الأخرى على منطقة داريا. وتبلغ المسافة بين منسوب مياه المغارة وسقفها حوالى 108 أمتار.
العام 1958، اكتشفت المغارة العليا (الجافة) من خلال فجوة تربط بينها وبين المغارة المائية. وقد حفر في الجبل نفق بطول 117 متراً لتسهيل الدخول اليها وافتتحت العام 1969 (بحدود 800 متر من طولها الإجمالي البالغ 2200 متراً).

 

أقفلت ثم عادت
في أثناء الحرب اللبنانية، أقفلت المغارة نتيجة تعرّض محيطها للدمار الشامل. ولكن، بعد اتفاق الدولة اللبنانية مع شركة «ماباس» على تكفّل هذه الأخيرة بالاهتمام بالمغارة وترميم محيطها أعيد افتتاحها العام 1995.
بعد إعادة التأهيل، وبهدف استقطاب الأنظار الى مغارة جعيتا، ليس كمعلم سياحي فحسب، إنما كموقع سياحي ثقافي يحوي مخزوناً هائلاً من المعلومات حول طبيعة لبنان الجيولوجية والمناخ السائد فيه قديماً، أحيت شركة «ماباس» عدداً من الأمسيات الشعرية والموسيقية، ونظّمت نشاطات ثقافيـة خارج المغـارة وداخلها (رسم ومعارض بيئية).
كما أنشأت حديقتين في محيط المغارة، الأولى تضمّ عدداً من الحيوانات، والثانية تراثية لبنانية.

 

العوامل السلبية ومكافحتها
تحتاج المغارة الى عناية خاصة، إذ أن العديد من العوامل السلبية قد تهدّد أشكالها الهندسية الخلابة. فسوء استعمال الإنارة في الداخل قد يؤدي الى تغيير الحرارة وبالتالي الى ظهور الطحالب على الأسطح الصخرية، لهذا منعنا التصوير داخل المغارة، يوضح حداد.
ويضيـف: الى ذلـك، هناك ما ينقلـه الزائر من الخارج، لذا نعتمد نظاماً خاصاً يتماشى مع حساسية المغارة، ويقضي بغسل الصخور للحفاظ على نظافتها. وقد وضعنا لافتات في الداخل تحذّر من لمس الصخور صوناً لسلامتها.
في إطار حثّها اللبنانيين والسياح العرب والأجانب على التصويت لمغارة جعيتا، قامت شركة «ماباس» بعدة حملات ترويجية وأصدرت منشورات وزّعت على الوافدين اليها وفي المطار.


أرز الرب

شبّّه النبي أشعيا أغصان أرز بشري بـ«مجد الرب»، وسميّت العذراء مريم «أرزة لبنان»، ملاحم أوغاريت أطلقت على الغابة إسم «حقول الله» والإغريق سموا أرز بشري «ليبانوس» أي البخور، والتوراة سمّته «جبل الله المقدس» و«بستان الله» و«جنة عدن»! فقد ورد ذكر غابة أرز بشري بالإضافة الى التوراة في عدة نصوص قديمة، وكان للأرز دور بارز في ثقافة الشرق الأدنى القديم كما في تجارته وطقوسه الدينية.
في إحدى الكتابات القديمة يفاخر الملك الأشوري «سنحاريب» بأنه توغّل في أعالي جبل لبنان وقطع بيديه أجمل أرزاته (605 - 562 ق. م)، وكذلك فعل من بعده الملك البابلي نبوخذنصر (715 - 681 ق. م). وتروي ملحمة «جلجامش» أن ملكاً من بلاد ما بين النهرين، عاش 2500 سنة قبل المسيح، حرّضته الآلهة على اقتحام غابة الأرز وإظهار سطوته بقتل حارسها «هومبابا».
وفي العهد القديم أن النبي نوح قطع أغصاناً من أرز الرب وصنع منها الفلك الذي نجا بفضله الجنس البشري من الزوال... واستعمل خشب الأرز في بناء هيكل أورشليم وقصر داوود وقصر سليمان، والهيكل الثاني بعد جلاء بابل، كما استعمله الأشوريون والبابليون واليونانيون في بناء قصورهم ونواويس موتاهم.
الى ذلك حافظ زيت الأرز على كُتب وُجدت في مدفن «نوما» بعد 500 سنة، واستعمل المصريون صمغه في التحنيط ونشارته لحفظ أجسام الموتى في قبورهم. أما النبي موسى فأمر اليهود باستعمال قشرة الأرز اللبناني وتحديداً أرز بشري كعلاج للتطهير ولداء البرص كما استعمل اليهود رماده في مراسم العماد.
فمنذ القدم ارتسمت حول أرز لبنان هالة من القداسة والعظمة واعتبر رمزاً للشموخ والقوة. وبات صنواً للبنان ورمزاً وطنياً يتوسط علمه. غير أن غابات الأرز في لبنان كما سائر الغابات تعرّضت لخطر الزوال بفعل عدة عوامل. وفي حين عمد الامبراطور الروماني هادريانوس (117 - 138م.) الى اتخاذ تدابير لحماية الأرز وعدد من أنواع الأشجار في جبال لبنان محرّماً قطعها، تضافرت نشاطات البشر في ما بعد لتقلّص حجم غاباتنا بما في ذلك غابات الأرز.
تقع غابة أرز بشري على السفح الغربي لجبل المكمل، على علو 2000 متر وتحوي أقدم أشجار أرز في لبنان وفي العالم، وهي ذات جذور عميقة كعمق وجود الإنسان. تبلغ مساحتها 10.5 هكتارات مربعة وتضم 1335 أرزة يرتفع بعضها حتى 45 متراً بجذع من عشرات الأمتار، من بين هذه الأرزات 6 معمّرات بمئات السنين وأرزتان ألفيّتا العمر...
الى ما ألحقته أيادي البشر بغابة أرز بشري من أذى، أدت العواصف عدة مرات الى ما يمكن اعتباره مجزرة بحق الأشجار. آخر تلك العواصف حصل العام 1991، يومها تشلّعت أغصان أرزات كبيرة، واقتلعت إحدى الصواعق الأرزة التي كان يستظلّها الشاعر الفرنسي لامارتين وعرفت باسمه.
لجنة «أصدقاء غابة الأرز» التي تشكّلت العام 1983 بهدف الحفاظ على الغابة الدهرية، بذلت وما زالت تبذل الجهود الكبيرة في هذا الإطار.
عقب ما أصاب الغابة العام 1991، عملت اللجنة على تسييجها وشقّ الممرات داخلها بعد تنظيفها وإزالة الأغصان اليابسة. الأرزات اللواتي أطاحتها العاصفة وقضت على اخضرارها وجدت يداً تعيد اليها الحياة. فالموت لا يليق بالأرز رمز الخلود. الفنان رودي رحمة اقترح تحويل الأشجار اليابسة الى منحوتات تحكي قصص الخَلق والحياة والخلود.
وهكذا حمل إزميله المرهف وانصرف الى الجذوع والأغصان التي أيبستها العاصفة، لينحت فيها وجوهاً وأجساداً وأشكالاً أعادتها الى الحياة.
مشروع طموح خاضه رحمة مزوّداً عشقه للأرز وإيمانه بأن هذا الموقع هو موقع مقدّس، «هنا تجلّى الربّ» يقول رحمة. «هذا موقع التجلّي وفيه تاريخ لبنان وتاريخ الإنسان اللبناني». ويميّز رحمة بين أرز لبنان وسواه من أرز في العالم فيقول: أرز لبنان (خلافاً لأنواع الأرز المعروفة في العالم) يتميّز بأغصانه الأفقية وبارتفاعه الذي يصل الى 45 متراً، كما أنه يعيش ست سنوات من دون مياه أو عناية. ويقول رحمة ايضاً: الدراسات العلمية أثبتت أن أرز الربّ يرسل على بعد 300 متر ذبذبات تجذب المارّين بالجوار.
حصيلة عمل رحمة على مجموعة من أشجار الأرز اليابسة (بينها شجرتا لامارتين والحبيس) كانت غابة فنية ضمن الغابة.
العام الماضي غرست لجنة «أصدقاء غابة الأرز» 125000 شجرة أرز، أضافت اليها 40000 أرزة أخرى هذا العام في محاولة لتعويض ما أصاب الغابة من أضرار. أمّا حملة الترويج لها بعد أن وضعت على لائحة المشاركة في مسابقة عجائب الدنيا السبع، فارتكزت على إقامة احتفالات ثقافية واجتماعية ودينية، الى حملة لجمع عناوين البريد الإلكتروني لأكبر عدد ممكن من اللبنانيين، واستعمالها للتصويت الذي تتكفّل اللجنة به تسهيلاً للعملية.
رودي رحمة المسؤول عن حملة الترويج لغابة الأرز دعا جميع اللبنانيين الى التصويت للغابة، والى تشجيع أقاربهم وأصدقائهم المغتربين على التصويت معلنين بذلك إيمانهم بوطنهم.


إذا حصل وفزنا...
إن إدراج أحد المواقع اللبنانية بين عجائب الدنيا، سيكون له أثر كبير على القطاع السياحي، وعلى قطاعات أخرى مرتبطة به، كما أنه يشكّل دعاية جيدة للبنان. مدير «باماس» يقول في هذا السياق، إذا فزنا سيشكّل الأمر أولاً دعاية سياحية عالمية للبنان ما يعزّز مركزه على الخارطة السياحية، وبالتالي سيزداد عدد السائحين الذين يتوافدون لزيارته، عندها لن تكون السياحة القطاع الوحيد المستفيد، الإيجابيات ستنعكس على عدة قطاعات وعلى الوضع الاقتصادي في البلد. الى ذلك، فإن فوز جعيتا سيجذب العلماء لإجراء مزيد من الدراسات حول المغارة، وسيظهر إسم لبنان في الكتب المدرسية والأبحاث الجامعية في العالم.
مراتب...
حتى تاريخ 21-11-2008، كانت مغارة جعيتا تحتل المرتبة 22، في حين تحتل غابة الأرز المرتبة 20 ضمن لائحة المواقع السياحية المرشحة لعجائب الدنيا السبع الطبيعية.


آلية التصويت
ما إن تدخل الى الموقع الإلكتروني www.new7wonders.com، تضغط على خانة «صوّت هنا» (Vote here) فتظهر أمامك خارطة العالم، عندها تختار القارة التي تريد وتطّلع على المواقع السياحية المرشّحة لعجائب الدنيا السبع الطبيعية ضمن هذه القارة، ثم تضغط على خانة «صوّت للمرشّحين» (Vote for your nominee). في هذه المرحلة، تسجّل عنوان بريدك الإلكتروني مرتين في الخانتين الأوليين، ثم تختار سبعة مواقع كل واحد في خانة. ولكن إحرص على أن تكون مغارة جعيتا وغابة الأرز في البداية، ثم اختر ما تشاء من المواقع الأخرى، شرط ألا تكون قادرة على منافسة مغارة جعيتا وغابة الأرز. وعندما تنتهي، إضغط على الخانة البرتقالية في الأسفل لتأكيد تصويتك (Submit).
في المرحلة التالية، يتوجّب عليك تسجيل إسمك وشهرتك، ثم جنسك (ذكر أم أنثى)، وتاريخ ميلادك، وإسم بلدك. ثم تضع إشارة في الخانة الصغيرة لتأكيد ما ذكرته سابقاً، ثم تضغط من جديد على خانة (Submit) لتأكيد تصويتك.
ولا تكتفي بالتصويت مرة واحدة فحسب، إنما صوّت مراراً وتكراراً من مواقع إلكترونية جديدة تُنشئها لهذه الغاية (hotmail، Gmail). فمغارة جعيتا وغابة الأرز بحاجة الى صوتك للبقاء في المراتب الأولى التي بلغتها بفضل جهودك.
ويستحسن التنبّه الى أن عملية التصويت لا تتم إلاّ من خلال الموقع الإلكتروني الرسمي لهذه المباراة «www.new7wonders.com» لذا من الأفضل أن تلتزمه لتفادي خروج المغارة والغابة من المسابقة، إذ سبق أن استبعدتا نتيجة عمليات التزوير ولكنهما عادتا من جديد.

 

آدم وحواء

جاء في بعض الأساطير أن آدم وحواء سكنا في لبنان وأنهما كانا يمضيان فصل الشتاء في مغارة قاديشا وفصل الصيف في غابة الأرز. وفي التقليد المحلي أرزتان معمّرتان متقاربتان سمّيتا آدم وحواء، ثم أصبح إسمهما «أرزة العائلة»، واليوم تعرفان بـ«أرزتي الحب والعشاق».
يحكى في الأساطير أيضاً أن رجلاًَ أراد أن يشبع نهم فأسه من جذوع الأرز، وما أن وجّه الضربة الأولى حتى سمع صرخة ألم، ولمّا لم يصدق ما سمعه ضرب ضربة ثانية سبّبت جرحاً في الجذع وراح الدم ينزف منه بغزارة، فركع يصلي ويطلب المغفرة.
ويقال أن راعياً جمع بعض الأغصان اليابسة من الأرز وأشعلها تحت وعاء مليء بالحليب لتسخينه، ولكن ما إن أشعل النار حتى تحوّل الحليب دماً فذُعر الراعي وأطفأ النار وأعاد الأغصان الى الغابة.

 

شجرة الأرز في أسطورة فرعونية
تدور الأسطورة حول الاختلاف بين الخير والشر. فالأرز، الذي يعني الشجرة والغابة والطبيعة العذراء والخصب، يمثّل الخير كما كان يمثّله الإله أوزيريس عند الفراعنة. وتقول الأسطورة إن الإله الشرير سيت دعا أخاه الإله أوزيريس وأخته الإلهة إيزيس (اللذين حكما مصر وعرفا بعدلهما وكسبا محبة شعبهما) ذات مرة الى وليمة. وعند حضورهما، أخرج صندوقاً كان قد حضّره سراً وجعله على مقاسات أخيه أوزيريس، زاعماً بأنه أحضره هدية للذي تكون مقاساته ملائمة له. وعندما جرّب أوزيريس الصندوق، أقفله سيت عليه وألقاه في نهر النيل حيث جرفته المياه الى المتوسط، وأصبح سيت حاكماً لمصر.
الأمواج المتلاطمة أوصلت الصندوق الى ساحل مدينة بيبلوس - جبيل. ومن فوق هذا الصندوق الذي يحوي جسد أوزيريس الميت، وفي تلك البقعة من شاطئ البحر، نبتت شجرة جميلة ضخمة باسقة هي شجرة الأرز المقدسة، التي انتشرت في لبنان وجباله.