ملف العدد

مغاوير البحر عشرات العسكريين أصيبوا في طرابلس ولكن لا عودة الى الوراء مهما كلّف الأمر
إعداد: أنطوان صعب

الزيارة إلى فوج مغاوير البحر تعتبر استثنائية في هذه الظروف الدقيقة التي تمرّ بها البلاد، فالفـوج جزء من عـملية فرض الأمن في مدينـة طرابلس، التي أرهقتها جـولات القتـال. وعسكريوه موزعون بين شـوارعها وبين مهماتهم في مناطـق أخرى.

 

في جوار البحر... اصرار وإقدام
بوصولنا إلى مقرّ الفوج في بلدة عمشيت، التقينا قائده المقدّم محمد المصطفى، الذي استقبلنا في غرفة مطلّة مباشرة على الشاطىء. في هذه الغرفة مشهد الأمواج يلاقي أمواجًا من الأفكار يولّدها «عصف ذهني» يسبق التخطيط لمهمة شاقة أو لقرار دقيق.
يرفض المقدّم المصطفى ما يقوله غير العارفين عن مغاوير البحر إذ يصفونهم بالشجعان إلى حد التهور، فبنظره، «خلف «الإقدام» الذي يميز عسكريينا، هناك تخطيط لكل خطوة».
يوائم قائد فوج مغاوير البحر في توجيه عناصره بين أمرين أساسيين: الأول، عدم المهادنة في ما يخص بسط سلطة الدولة وإرساء الاستقرار وفق تعليمات قائد الجيش العماد جان قهوجي، والثاني، تقصي جميع معطيات الواقع لاتخاذ القرار المناسب، خصوصًا وأننا نتحمل مسؤوليات جسامًا، في إنقاذ عاصمة الشمال، طرابلس، من مخطّط تحويلها إلى بؤرة لتمركز المسلّحين، وساحة لتصفية الحسابات السياسية الداخلية والإقليمية.

 

الفوج احتياط القيادة
بدأ الفوج تنفيذ مهمة حفظ الأمن في طرابلس منذ 23/6/2008، حيث وضعت سرية منه تحت القيادة العملانية للواء السابع. ولغاية تاريخه، ما زال الفوج يتّخذ تدابير أمنية ضمن المدينة.
عن بقعة العمليات التي يمارس فيها مهماته، وهل هي محدّدة ام متغيّرة وفق الظروف والحاجة، يقول: إن الفوج يعتبر احتياط القيادة حاليًا، وإلى مهمته في طرابلس، يمكن أن ينتشر كذلك في أي منطقة من لبنان، مع أن تسميته تشير إلى أنه مختصّ بالعمليات البحرية الخاصة، إلّا أن ذلك لم يمنعه من تنفيذ مهمات أخرى في البرّ، وبكفاءة عالية.
حاليًا يقوم بالدور الأخطر في مدينة طرابلس، والتنسيق قائم مع باقي القوى الأمنية والعسكرية وفق القرار الذي وضع هذه القوى جميعها تحت امرة الجيش اللبناني في المدينة. ويتم التنسيق مع وحدات الجيش الأخرى وباقي القوى الأمنية من خلال غرفة العمليات المنشأة حديثًا في منطقة القبّة بطرابلس والتي عيّن العميد الياس سمعان رئيسًا لها.

 

• إلى أي حدّ يمكن أن نأمل في استمرار الهدنة في طرابلس؟
يجيب المقدّم مصطفى بالقول: أعلن قائد الجيش أن لا عودة الى الوراء في طرابلس مهما كلّف الأمر، والجيش اللبناني لم يتهاون في تنفيذ الخطة وقمع المخلّين بالأمن، وهو أوقف العشرات ويؤدي واجبه بمناقبية عالية.
وحول وضع القوى الأمنية والعسكرية في إمرة الجيش، يقول: هناك اجماع على أهمية دور المؤسسة العسكرية في هذه المرحلة الحسّاسة ومدى فعاليته، وإنّ وضع القوى الأمنية والعسكرية تحت قيادة موحّدة بإمرة الجيش يسهم في انجاح العمليات الأمنية، وذلك من خلال «وحدة القيادة والسيطرة»، والتنفيذ المنسّق لجميع العمليات الأمنية والعسكرية، والدعم اللوجستي، والاتصالات، والعمليات الطبية، ومساعدة المدنيين واخلائهم عند الضرورة.

 

وجود المدنيين في نقاط المعارك أبرز الصعوبات
في ما خصّ الصعوبات التي تواجه الفوج وسائر القوى العسكرية في تنفيذ مهماتها، يقول إن الصعوبة الأهم تكمن في وجود المدنيين في نقاط المعارك، ولجوء بعض المسلّحين الى الرماية من بين الناس العزّل والاحتماء بهم. ويضيف: « نحن نواجه عناصر مسلّحين يستغلّون المدنيين والبنى التحتية، ولا يعيرون اهتمامًا للمخاطر التي تلحق بالسكّان في المنطقتين المتنازعتين».

 

ايمان العسكريين بالرسالة التي يؤدونها
يبدي المقدّم المصطفى ارتياحه إلى معنويات العسكريين المرتفعة، وذلك انطلاقًا من إيمانهم الراسخ بالرسالة التي يؤدونها. كما أن الجهوزية على الصعيد البشري جيّدة جدًّا، ويتم تحضير بعض المجنّدين لدورات خاصة تمهيدًا لدمجهم بوحدات الفوج. أما بالنسبة إلى العتاد والآليات والأسلحة والمعدّات البحرية، فالفوج جاهز لتنفيذ المهمات الموكلة إليه، برًّا وبحرًا، وإن كان ينقصه بعض التجهيزات التي هي في طور التأمين من خلال قيادة الجيش.

 

الأوضاع صعبة ومع ذلك جاهزون...
في سياق متابعتنا عمل الفوج، التقينا بعض ضباطه وعسكرييه المنتشرين في طرابلس.
يعتبر مساعد قائد فوج مغاوير البحر المقدّم عقل، أن التوتر في طرابلس هو انعكاس للظروف الإقليمية الحرجة، والاتهامات المتبادلة، على صعيد منطقتي باب التبانة وجبل محسن. ويقول: علاقتنا مع الناس تختصر بشعار عيد الاستقلال هذه السنة «شعبك بحبّك»، و«نحن أيضًا نحبّ شعبنا، ونحن في خدمة الدولة والأرض والشعب».
الملازم أول دياب يوضح لنا، أن «اربع سرايا عائدة لمغاوير البحر من أصل ستة تنتشر في طرابلس، سريتان بتصرّف اللواء الثاني عشر، وسريتان بتصرّف القيادة». ويصف الوضع بالصعب جدًّا: «نحن نتلقّى السهام من طرفي النزاع في باب التبانة وجبل محسن، ومع ذلك نحاول تجاوز الصعوبات، فنردّ على مصادر النيران من أي جهة أتت، متجنبين وقوع ضحايا في صفوف المدنيين».
الرقيب أول ضيا يتحدث بدوره عن هشاشة الوضع الطرابلسي، مضيفًا أن الصعوبة الكبرى تكمن في أن النيران تنطلق من مبانٍ مأهولة، وهنا صعوبة الردّ. ويقول: «يسقط لنا كل يوم ضحايا بين شهداء وجرحى»، ونخدم وسط مصاعب كثيرة، فأحيانًا نضطر إلى النوم تحت المطر... لكن كل ذلك لا يقاس إذا ما قورن بالخطر، فالمسلّحون يتحصنون بين الناس ويطلقون النار باتجاهنا، وهذا ما يجعل مهماتنا صعبة. وقد أصيب عشرات العسكريين إصابات مختلفة خلال خدمتهم في طرابلس».
واذ يصف الرقيب أول رعد ظروف الخدمة بالصعبة، يشير خصوصًا إلى عمليات دهم أماكن يجهلون ما بداخلها.
أما المعاون أول سلهب الذي تلقّى اصابات عدّة مرّات في طرابلس بعد أن كان أصيب كذلك خلال معركة نهر البارد، فيقول «إن المواطنين يتجاوبون معنا، لكن هناك من يعملون على استهدافنا لمنعنا من تثبيت الأمن».