الجيش والمجتمع

مغاوير البحر في أحضان أرز الشوف وأبنائه
إعداد: الجندي جيهان جبّور

الأرض اشتدت برجالها. وقع أقدامهم على الأرض كان هديرًا أقوى من صوت الرصاص وفجور الإرهاب. لم يكن الفجر قد بزع بعد حين أطل مغاوير البحر بخطوات موقّعة استعدادًا لانطلاق «مشوار مع مغوار»، برفقة مئات من المواطنين (مقيمين ومغتربين) وبعض المشاركين الأجانب.
فللسنة الثانية على التوالي، نظّم مهرجان «جبلنا» ومحميّة أرز الشوف مع فوج مغاوير البحر تمرين سير (17 و20 كلم)، وذلك انطلاقًا من غابة أرز عين زحلتا - بمهريه مرورًا بغابة أرز الباروك وصولًا إلى ساحة معاصر الشوف، حيث سار نحو 600 شخص مكتشفين روعة الطبيعة.
«مشوار مع مغوار» كان في سياق فعاليات المهرجان التي ركّزت هذا العام على حماية الطيور.


وانطلقنا...
انطلقت الصفّارة في تمام الساعة الثامنة صباحًا بعد النشيد الوطني اللبناني، وإذ بالمشاركين، بعد تزوّدهم العتاد الكامل (حذاء وحقيبة ظهر ومطرة مياه)، يبدأون مشوارهم بعزيمة وحماسة ظاهرين. الطقس الحار والطرقات الترابية المتعرّجة لم تبطء من عزيمتهم وإصرارهم على الوصول الى نقطة النهاية. وجود مغاوير البحر، الذين بدأوا بالتحضير لهذا النشاط الرياضي منذ شهرين، أضفى أجواء الأمان وخفّف صعوبات المسلك الذي كان تحت المراقبة الدائمة. بدوره، كان الصليب الأحمر اللبناني حاضرًا وجاهزًا للتدخّل في حال حصول حادث خلال السير.

 

لا عودة ولا انسحاب
لم يكن يوم الأحد (8/9/2014) مثل سائر الأيام بالنسبة الى المشاركين في «المشوار». وعلى الرغم من كل التحديات التي واجهتهم والأجواء التي كان الوطن يعيشها في ظل القلق على مصير العسكريين المفقودين والخشية من تطوّرات أمنيّة، لم يتردّدوا لحظة، وصعوبة المسلك لم تمنعهم من المتابعة. البعض يزيد سرعته تارة أو يخففها طورًا، يأخذ نفسًا وينطلق من جديد. التزام الصمت كان استراتيجية ناجحة اتبعها بعض المشاركين، فالتحدّث يبطىء السير.
المواطنون شاركوا في السباق تعبيرًا عن دعمهم الجيش ومغاوير البحر، فهم «يقفون إلى جانب الجيش اللبناني في كلّ الظروف لا سيّما الصعبة منها»، على حدّ قول المعاون أول وليد فيّاض من مغاوير البحر، والذي أضاف، أنّ المسار قد يكون صعبًا بالنسبة الى المدنيين، ولكنّه سهل جدًا للمغاوير.

 

المشاركة واجب
مشاركة لافتة في النشاط كانت للرجل الثمانيني ميشال أبو رجيلي الذي أتى خصيصًا من استراليا «لتأكيد دعمه للجيش اللبناني مهما كلّف الأمر»، هو الذي لا يتردّد أبدًا في المشاركة بأي نشاط يتعلّق بالجيش حتى وإن كان في بلاد الإغتراب. يقول أبو رجيلي: «إنّه لشرف لي أن أحمل علم وطني لبنان وعلم استراليا بلدي المضيف».
خلال سيرنا مع المشاركين، نتلاقى بالعدّاء الماراثوني شمعون مونّس (منظّم ومنسّق في جمعيّة بيروت ماراثون)، فيوضح أنّ مشاركته توضع في خانة الدعم والتضامن مع الجيش اللبناني والوقوف جنبًا إلى جنب مع جميع الأعضاء المشاركين». مونّس ركض على مساحة الوطن، منطلقًا من بلدته الشبانية ليعود اليها بعد ثلاثة أشهر سيرًا على الأقدام.

 

خطوات صغيرة
على مسافة بضعة أمتار، يتراءى لنا صبي يسير بخطوات صغيرة ممسكًا يد والده، نقترب منه لمعرفة هدف مجيئه، فيتمتم مايكل خوري، إبن العشرة أعوام، بصوت هادىء فيه الكثير من التصميم والثقة، «أحب لبنان وأدعم مغاويره».
أربع ساعات ونيّف مضت وكأنها بضعة لحظات، فمعنويات المشاركين المرتفعة لم تترك للتعب أي مكان أو أثر، وها نحن عند نقطة الوصول في ساحة معاصر الشوف، حيث ينتظر المقدّم الركن محمد المصطفى للتأكد من وصول الجميع بسلامة. وعندما اكتمل الوصول بدأ الاحتفال الذي تخلّله عشاء قروي وتحيّة للجيش.

 

ليست الأولى ولا الأخيرة
من جهته، يوضح رئيس محميّة أرز الشوف وأحد منظّمي «مشوار مع مغوار» شارل نجيم «أنّنا قدّمنا الطلب منذ ستة أشهر للقيام بهذا التلاقي بين الجيش اللبناني والمواطنين، وكنّا على تنسيق كامل ودائم مع ضباط مغاوير البحر والوحدات العسكرية للتأكد من حسن التنظيم والتدقيق بأصغر التفاصيل، بدءًا من سلامة المواطنين وتأمين السير والمراقبة والإنضباط والمأكل والمياه، وصولًا إلى كل ما يلزم لإنجاح هذا النشاط».
أمّا النقيب علي محمد، آمر السرية الأولى في مغاوير البحر، فيؤكد أنّه تمّ تحديد مسلك السير مع اللجنة المنظّمة، كما تمّ توزيع العسكريين بشكل دقيق على نقاط مراقبة، إضافة إلى تنسيق مستمر ومسبق مع الدفاع المدني والصليب الاحمر اللبناني.
من جهته يعتبر رئيس بلدية عين زحلتا إدوار مغبغب أنّ هذا النشاط السنوي هو وقفة تضامنية مع الجيش اللبناني، وهذه ليست المرّة الاولى التي نتعاون فيها مع الجيش للقيام بنشاطات رياضية، وطبعًا لن تكون الأخيرة.