مستويات متقدمة

مغاوير البحر في المستويات المتقدّمة تحمّلاً وسبرًا للأعماق
إعداد: ليال صقر الفحل


تدريبات مكثّفة تصقل قدراتهم


يخضع فوج مغاوير البحر في الجيش اللبناني لدورات تدريبيّة عديدة، فبالإضافة إلى تدريباته الروتينيّة، يتابع عسكريّون دورة أخرى في التعامل مع الزوارق البحريّة ومكافحة القرصنة، ودورة تعرف المزيج الثلاثي أو الـ Trimix.
قائد فوج مغاوير البحر العقيد الركن عبد الكريم هاشم الذي أكّد أهمّيّة هذه الدورات في رفع كفاءة المغوار البحري وتعزيز قدراته، أشار إلى أنّ عناصر الفوج هم من أكثر العناصر تدريباً على صعيد الجيش وربما على الصعيد العالمي.


المزيج الثلاثي: (Trimix)
هي دورة تعتمد الغطس التقني أو Technical diving الذي تدرّب عليه شركتا الـ IANTD والـ TDI العالميّتان. مدير الدورة يوضح لنا أنّ التدريبات التي يتابعها عناصر الفوج في هذه الدورة، تشكّل قفزة نوعيّة على صعيد الجيش اللبناني، مشيرًا إلى أنّ تمرينات الفوج وممارساته البحرية كانت محدودةً بعمق أربعين مترًا، ومع دورة الـ Trimix باتت في مستوى 80 مترًا، والفوج يتطلّع إلى بلوغ مستوى 100 متر، وهو بانتظار موافقة القيادة على هذه المرحلة المتقدّمة من الغطس لينفّذها ويعلن انتهاء الدورة.
الـ Trimix مزيج من ثلاثة غازات هي الأوكسيجين، الهيليوم، والنيتروجين، ويوضح مدير الدورة أنّه حين نخفّف مستوى النيتروجين في قوارير الغاز نخفّف من نسبة سكر الأعماق،  بينما يؤدّي تخفيف نسبة الأوكسيجين إلى تخفيف نسبة الضغط البحري، أي أننا نلغي بهذه الطريقة احتمال تسمّم الأوكسيجين.
ويضيف أنّ مزيج الـ Trimix يزيد القدرة على سبر الأعماق ومدّة البقاء تحت سطح الماء، أي أنه بعبارة أخرى يريح الغطاس ويسهّل عليه عملية الغطس، ولكنّه في المقابل يطرح مشكلة. فمادّة الهيليوم التي يحتوي عليها تتطلّب استراحات عديدة من الغطاس، ما يحتّم عليه حمل عدّة قوارير يراوح عددها بين الأربع والخمس، وليس قارورةً واحدة كما في حال الغطسات الإعتيادية أو الغطسات على المستويات الأقلّ من 40 مترًا.

 

مراحل الدورة
تتضمّن المرحلة الأولى من الدورة الغطس بمزيج النيتروكس Nitrox الذي هو هواء مقوّى بمادة الأوكسيجين بنسبة تراوح بين32%  و36%، وذلك خلافًا لما هو معتمد في عملياّت الغطس الاعتياديّة حيث نسبة الأوكسيجين لا تتعدّى 21%.
تُقسم هذه المرحلة إلى شقّين: النيتروكس الأساس (Basic Nitrox) والنيتروكس المتقدّم (Advanced Nitrox). وفي التفاصيل، فإنّ التدرّج في الإنتقال من الأساس إلى المتقدّم يتمثّل في كيفيّة الإنتقال في التدريب من حمل قارورة غاز واحدة إلى اثنتين، ومن ثم ثلاث وأربع إلى حين تمكّن الغطّاس المتدرّب من حمل خمس قوارير في الوقت عينه.
في المرحلة الثانية يتمّ تدريب الغطّاسين على تنفيذ الإستراحات في قاع مياه البحر، إذ إنّ الجسم عند الغطس على مستويات مرتفعة يتشبّع بمادة الأزوت Azote، وإذا لم ينفّذ الغطاس الإستراحات ، يخزّن جسمه هذه المادة ويتسمّم بها. لذلك يتمرّن الغطاس في هذه المرحلة على تنفيذ استراحات متتالية ومتعدّدة ليفرّغ جسمه من هذه المادة الخطيرة.
المرحلة الثالثة  هي مرحلة المدى المتقدّم، أو المستوى الذي يفوق 60 مترًا ليصل إلى  66 مترًا، ومن ثم إلى 80 مترًا وصولاً إلى مستوى 100 متر. ويشير المقدّم مدير الدورة إلى أنّ قائد الفوج يتابع التدريبات بشكلٍ دائم مواكبًا انتقال المتدرّبين شيئًا فشيئًا من مرحلة الخبرة إلى مرحلة الإحتراف، منوّهًا بجهود المدرّب المدني ميشال حداد في هذا المجال.

 

مستويات متقدّمة
يشرح المدرّب أنّ فريق الغطس يتألف من ثمانية غطاسين يستطيعون الوصول إلى عمق 120 أو حتى 130 مترًا.
ويؤكّد أنّ الدورة خطيرة جدًا وتتطلّب دقةً وحرفيةً ومهارةً، نظرًا إلى مستويات العمق المتقدّمة التي يتعامـل معهــا الغطاسـون وكمّيّة العتاد الكبيرة المطلوب منهم استخدامها.
ويشدّد المدرّب في هذا الخصوص، على أنّ الغطاسين الذين تمّ اختيارهم هم من أفضل غطّاسي الفوج وأنهم مدركون تمامًا خطورة التدريب، كما أنّهم يتقنون التعامل بحرفية مع العتاد إذ إنهم يتابعون دروسًا في فيزيولوجية الغطس وخططه وتدابيره، بالإضافة إلى دروس في فيزياء الغطس تمرّنوا عليها بادئ الأمر في أحواض السباحة في قيادة الفوج، ثم نفّذوها على أعماق متوسّطة ومن ثم على أعماق متقدّمة في البحر.
كما ذكر أنّه ضمن التدريبات التي يتابعها الغطاسون، تدريب مزج الغازات لتنفيذ الـ Trimix والتي تتطلّب دراسةً معمّقة، وعمليات حساب خاصة.

 

فريق الغطاسين
يتألــف الفريـق من ثمانية غطّاسين من الفوج، هؤلاء أكّدوا اكتسابهم مهارات جديدة وخبرةً عالية في سبر الأعماق في الغطس، وشدّدوا على أنّ هذه الدورة زادت ثقتهم بالنفس، كما اعتبروا أنّ الخبرات التي اكتسبوها خلال الدورة سوف تأتي بنتائج ممتازة على صعيد الفوج وبالتالي على صعيد الجيش بوجهٍ عام.
 

في عزّ الشتاء
انطلقت الدورة في 31 كانون الثاني أي في ذروة فصل الشتاء، وبالتّالي واجه المدرّبون والمتدرّبون على السّواء ظروفًا طبيعيّةً غير مؤاتية. فأحيانًا كانت الرؤية ضبابيّة وموج البحر كان عاتيًا في كثيرٍ من الأوقات، لكن الصعوبات الطبيعيّة لم تمنع فريق العمل من التأقلم ليكون دائم الجهوزية للتدريب في مختلف الحالات وأكثرها قساوةً كما يوضح مدير الدورة.
إشارةً إلى أنّ فوج مغاوير البحر بانتظار موافقة القيادة على تشكيله لجنةً خاصة مهمتها وضع التعليمات الخاصة بالغطس التقني مع ما يتضمّنه ذلك من تحديد لبرامج الدورات ومناهجها والتعليمات المتعلّقة بها، ما يضع مجال الغطس في الجيش اللبناني على الطريق القويم في مواكبة التطورات التقنية.

 

التعامل مع الزوارق البحرية ومكافحة القرصنة
إلى دورة Trimix يتابع عناصر فوج مغاوير البحر دورة تدريبيّة مع الفريق الأميركي Navy Seals، تشمل برامج وتقنيات عديدة تتركّز على موضوعَي التعامل مع الزوارق البحرية (ريب) ومكافحة القرصنة.
ويوضح مدير الدورة أن مدّتها هي خمسة أسابيع من التدريب المتواصل على كيفيّة استعمال الزوارق البحرية (ريب) في تنفيذ المهمات العسكرية، ومهمات التفتيش في حالات السلم كما في حالات الإقتتال.
عديد المشاركين هو 40 عنصرًا  من مختلف الرّتب، بينما يصل عديد فريق التدريب الأميركي إلى سبعة.

 

التعرّف إلى «ريب» والمسالك والاتجاهات
في المرحلة الأولى من الدورة يتمّ تعريف عناصر الفوج على الزورق البحري «ريب» من الداخل والخارج (هيكل الزورق ومحرّكه)، كما يتمّ خلال هذه المرحلة تعريف العناصر على ميكانيكيّة الزورق (طريقة عمله وحسن استخدامه)، كما يترتّب على العناصر صيانة الزورق وتعهّده بصورة مستمرّة، بالإضافة إلى الكشف عليه وعلى محرّكه قبل انطلاقه وبعده.
المرحلة الثانية تعتبر مرحلة توجيه المتدرّبين. إذ يتلقّون دروسًا خاصةً في الملاحة تراوح بين كيفيّة استعمال الخريطة والبوصلة، وطريقة استخدام أجهزة الـ GPS والرادار بالإضافة إلى أجهزة الإتصال، كما يعطي الفريق الأميركي في هذه المرحلة دروسًا تتعلّق بالإتجاهات والسرعات المختلفة، وأخرى حول المسالك والمسافات المتبقية.
في المرحلة الثالثة يتعلّم المتدرّبون كيفية قيادة الزورق وسبل التحكّم به. كما يتعرّفون إلى الأسلحة الموجودة على متنه بالإضافة إلى طريقة استخدامها، ومن ثم يتدرّبون على التشكيلات القتالية وطرق الإنتقال.
المرحلة الرابعة مرحلة مكافحة القرصنة، يتمّ خلالها التدرّب على طريقة الإقتراب بالزورق ودهم زورق أو مركب معادٍ وتفتيشه وتوقيف العناصر المعادين.
في المرحلة الخامسة والأخيرة يتمّ تمرين المتدرّبين على سبل الإبرار من جهة، وعلى تحميل زورق «زودياك» على الزورق «ريب» من جهة ثانية.

 

الثقة والخبرة
يؤكّد مدير الدورة أنّ التدريب يتميّز بالجديّة والمسؤولية، وهو يعزّز ثقة العناصر المتدرّبين وجهوزيتهم، ما يؤدّي إلى نجاح الفوج في تنفيذ مختلف المهمات التي توكل إليه أيًّا كانت درجة خطورتها وصعوبتها، بخاصة وأنّ الدورة زوّدت المتدرّبين خبرات عسكريّة جديدة وأيضًا مسؤوليات كبيرة في تحمّل أعباء المهمات الطارئة باحتراف.
ختامًا يشار إلى أنّه بالإضافة إلى الدورتين الّلتين سبق ذكرهما، يتابع عناصر الفوج تدريباتٍ يوميّة ليكون المغوار البحري دائم الجهوزية لتنفيذ المهمات الموكلة إليه على اختلاف أنواعها.