كلمات

مغاوير البحر.. والمحيط
إعداد: العميد الركن الياس فرحات
مدير التوجيه

ما حلّ باللبنانيين جراء سقوط الطائرة في كوتونو-­ بنين يشكّل فاجعة كبيرة، فقد قضى نحو ثمانين لبنانياً كانوا على متن طائرة الموت وفقَدهم ذووهم وأحباؤهم وبنو وطنهم. كانوا من كل أنحاء البلاد من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب، ومن البقاع الى بيروت والجبل.

توحّّـد لبنان في الحزن والأسى، وشعـر الجميع باللوعـة على فقدان الضحايا البريئـة. هل من المصادفـة ان تضـم طائرة مواطنين من مختلف مناطـق البلاد؟ لا، انها ليست كذلك، انها واقع مستمر. اذا دقّقنا، لرأينا ان اللبنانيين كانوا دائماً معاً في السراء والضراء. واذا توقفنا في أي بلد اغترابي، لرأينا لبنانيين من جميع الفئات يجهدون ويكافحـون لمستقبل افضل.

لقد كشفت الكارثـة حقيقة الوحـدة القائمة بين ابناء الشعب الواحد، لكن المواطن الذي صُدم بهذه المصيبة، رأى مشهداً فريداً وهو تحرّك الدولة رئيساً وحكومة ومؤسسات من اجل التخفيف من آثار الكارثة لتطّلع عن كثب، وعلى الأرض، على احوال الناجين الجرحى وتنتشل الضحايا، وتحفظ حقوق ذويهـم ما أمكنهـا ذلك.

وكان مغاويـر البحر، جنود من جيش البـلاد، نخبـة رائدة، فاجأوا الأوساط العامة لكنهم لم يفاجئونا لأننا نعرفهـم وتعوّدنا عليهم في التدريبـات والمهمات والمناورات.

كانت جهوزيتهـم لافتة أثارت إعجاب كل المعنيين. ساعتان. نعم، ساعتان وكانـوا في المطار. عندما يدق النفير، الكل موجود. الكل حاضر والكل جاهز. انطلقـت الطائرة ومن ضمن مَن على متنها مغاوير البحر. هبطت الطائرة وتوجّه المغاويـر مباشـرة الى مكان الحادث، وبدأوا على الفور بعزل المنطقـة والتفتيـش وانتشال جثث الضحايـا وإنقاذ ما يمكـن إنقـاذه من اشخاص وممتلكات. تم سحـب اجزاء من الطائرة، وخصوصـاً قمـرة القيـادة، الى الشـاطئ، ثم بدأت عمليـة انتشال الجثـث التي استمرت لتحقق انجازاً إنسانيـاً ووطنياً. الصندوق الأسـود سرّ الكارثة غـاص في عمق المحيط، والعثـور عليه يتطلب مهارة وشجاعة وكفاءة عالية كان لها مغاويـر البحر.

غاصوا عميقاً وعثروا على الصندوقين الأسودين وانتشلوهما الى البر بأمـان وسلّموهمـا الى السلطات المدنية المختصة. انهـوا المهمة بسرعـة وعـادوا الى الوطن، وكان في استقبالهـم الدولة كلهـا ممثلة بفخامة رئيس الجمهوريـة ودولة رئيـس مجلس الـنواب ودولـة رئيس مجلس الوزراء ووفـد رفيع مثّل قائد الجيـش الذي زارهم في اليوم التالي مهنئاً.

 ماذا تعني هذه الوقائع وما هي مدلولاتها؟ إنها تعني ان الجيش الذي يتابع المواطن في أمنه من منزله الى مكان عمله وتنقلاته، ويحفظ مصالحه ويصون حريته وأملاكه، هذا الجيش لحق بالمواطن الى المهجر، ولأول مرة، ليحفظ حقوقه ومصالحه هناك، وليعيده بالجسد والروح الى الوطن.

لقد كانت محنة فعلاً، لكن بالمقابل كانت امام هذه المحنة دولة، وكان امامها ايضاً جيش، اتفق الجميع على التقدير العالي لأداء الدولة ولأداء الجيش، وفوجئ كثيرون بإمكانات هذه المؤسسة، وأعربوا عن إعجابهم بها. ازدادت ثقة المواطن بجيشه ودولته. كان الجيش كبيـراً في تعاطيـه مع كل حـدث، وكبيراً في تنفيذ المهام. تابع مصالح المواطن اللبناني في المحيط البعيد بكل جرأة وبسرعـة لافتـة وضعته في مصـاف الجيوش الحديثة. نعم، إنها دولة تحترم مواطنيها. نعم إنه جيش يسهر على أمن ومصالح شعبه. نعم إنها صورة مشرقة للبنان ولجيشه.

مغاويـر البحر: عافاكم اللـه وسلمـت أياديكـم وأيـادي جنـود جيشنـا الحبيـب.