ظواهر طبيعية

مــوجـات التسـونـامـــي وأسباب تكوّنها
إعداد: علي المعلم
عميد ركن البحري

يعود أصل كلمة «تسونامي» إلى اللغة اليابانية. وهي تتألف من قسمين، القسم الأعلى «تسو» وتعني «المرفأ» والقسم الأسفل «نامي» وتعني «موجة» وبالتالي فمعنى كلمة «تسونامي» هو «موجة المرفأ».
والحقيقة أنه من غير المستغرب أن يكون أصل الكلمة ياباني إذ تقع مجموعة الجزر اليابانية غربي المحيط الهادئ ضمن المنطقة التي يحيطها ما يعرف بـ«حزام النار» وهي منطقة غير مستقرة من الناحية الجيولوجية وتشهد أجزاؤها بصورة شبه مستمرة زلازل. وتشكّل نسبة الزلازل التي تحصل فيها ما يزيد عن 81٪ من تلك التي تحصل في العالم ككل. وتشمل هذه المنطقة كامل المحيط الهادئ والقسم الشمالي الشرقي من المحيط الهندي.
وتمتد هذه المنطقة من الشواطئ الغربية للاميركيتين الشمالية والجنوبية وصولاً إلى غربي اليابان والشواطئ الشرقية لآسيا والصين مروراً بمنطقة بورما والقسم الشمالي الشرقي من المحيط الهندي والمنطقة الواقعة شمالي استراليا. أما جزر هاواي فتحتل موقعاً مميزاً وسط هذه المنطقة وتشهد بدورها العديد من الزلازل تحت قعر البحر والتي تولّد موجات تسونامي.


أسباب تكون موجات التسونامي
تتكّون موجات «التسونامي» العاتية في معظم الأحيان لدى حصول زلزال يكون مركزه (Hypocentre) تحت قعر البحر (كما يمكن أن تتكّون هذه الموجات نتيجة أسباب أخرى سوف نستعرضها في ما بعد).
ونتيجة الزلزال الحاصل تحت قعر البحر تتحرك كمية هائلة من مياه المحيط (البحر) بشكل عمودي صعوداً وبصورة مفاجئة مما يفقد هذه المياه حالة الركود والاستقرار التي كانت تسودها، فينتج عن ذلك على الفور أمواج دائرية ومتلاحقة تنطلق من مركز الزلزال (أو خط الفوالق الذي أحدثه) مع فواصل متباعدة في ما بينها قد تصل إلى عدة عشرات من الكيلومترات وتتجه نحو الشواطئ المجاورة القريبة والبعيدة وفقاً لقوة الزلزال حسب مقياس ريختر. وتتحرك هذه الأمواج بسرعة تصل إلى 800 كلم في الساعة في المياه العميقة، وفي هذه الحالة يكون ارتفاعها قليلاً ولا يتعدى 60 سنتم فوق سطح البحر. ولدى اقتراب هذه الأمواج من المياه القليلة الأعماق في الجرف القاري (Shelf Continental) المحاذي للشواطئ، تنخفض سرعتها نتيجة احتكاك وفرملة قاعدتها من قبل الجرف المذكور، لتصبح قريبة من السرعة المتوسطة للسيارة، وفي المقابل يرتفع سطح هذه الأمواج ليصل ارتفاعها إلى 15 متراً، وفي بعض الأحيان إلى 30 متراً.
بعد ضربها الواجهة البحرية تخترق هذه الأمواج المناطق الساحلية المنبسطة نحو الداخل لتصل إلى مسافة حوالى كيلومتر مخلّفة أضراراً فادحة بالأرواح والمنشآت البحرية والمرفئية والاقتصادية والسياحية والسكنية الموجودة في هذا الشريط الساحلي.
وهنا لا بد من تسجيل ملاحظة هامة ترافق هذه الظاهرة، وهي أنه قبل وصول الأمواج العاتية التي تضرب الشاطئ تتراجع المياه الى عرض البحر بضع مئات من الأمتار كاشفة ولبضع دقائق عن مناطق في قعره لم تكن ظاهرة قبل هذا التراجع، مما يثير فضول العديد من السياح والأشخاص الموجودين على الشاطئ فيسارعون الى أخذ الصور وجمع بعض الأسماك والأصداف، في حين يستغل الأمر البعض القليل من الأشخاص الموجودين على الساحل وذوي العلم، والذين يعرفون خطورة هذه الظاهرة، للنجاة بأنفسهم وعائلاتهم بإندفاعهم نحو الأماكن المرتفعة المجاورة.

 

الحيوانات ذوات القوائم تشعر مسبقاً بخطر موجات التسونامي
من مظاهر عظمة الخالق أنه خصّ الحيوانات لا سيما ذوات القوائم بحاسة سادسة تسمح لهم بتحسس خطر الزلزال والأمواج المدمرة المتجهة نحو الشاطئ، فتندفع باتجاه التلال القريبة المجاورة للشاطئ لتنجو بنفسها، والأمثال على ذلك عديدة في الدراسات التي أعقبت حصول الزلازل البحرية منذ زمن بعيد.
وهذا كان حال الزلزال الذي ضرب منطقة المحيط الهندي في 26/12/2004 وحدد مركزه غربي جزيرة سومطرة الأندونيسية وتحت قعر البحر، فقد سرد العديد من القصص التي رافقت هذا الزلزال مثل، امتناع الفيلة عن متابعة رحلات منظمة للسياح على شاطئ البحر، واندفاعها مذعورة الى التلال المجاورة، رافضة الإذعان لأوامر مروّضيها، ثم عودتها الى الشاطئ لإنقاذ أصحابها والسياح الذين تركتهم.
كذلك نجاة قرية كاملة أندونيسية عديد سكانها حوالى 1500 شخص، نتيجة لحاقهم بالحيوانات العائدة لهم التي هربت الى التلال مدفوعة بالغريزة وشعورها المسبق بالخطر قبل دقائق من وصول موجات التسونامي. وقد تسبب هذا الزلزال القوي بتكوين موجات تسونامي مدمرة ضربت الشواطئ القريبة والبعيدة المطلة على المحيط الهندي في 11 دولة.

 

الأسباب الكامنة وراء نشأة موجات التسونامي
هناك عدة عوامل تتسبب بولادة أمواج التسونامي وأهمها: التحرك العمودي المفاجئ للصفائح التكتونية، انزلاق هذه الصفائح إضافة الى عوامل كونية أخرى.


• التحرك العمودي المفاجئ للصفائح التكتونية (Tectonic Plates):
يجمع العلماء الجيولوجيون استناداً الى نظرية الصفائح التكتونية (Tectonic Plates Theory) على أن القشرة الأرضية التي تغلّف الأرض والتي ترتكز عليها المحيطات والقارات والسلاسل الجبلية، تتكون من صفائح تكتونية يفصل بينها فوالق. وهذه الصفائح تتحرك أفقياً وعمودياً بمعدل بضعة سنتمترات سنوياً (6 سم). ويحصل في ما بينها عند الفوالق احتكاك تختلف قوته وفقاً لقوة الانفجارات داخل باطن الأرض والتي تتسبب بحصول زلازل.
يترافق ذلك احياناً مع ارتفاع أقسام من هذه الصفائح وانخفاض أخرى، وبالتالي ارتفاع أو انخفاض أقسام من اليابسة إذا كان موقع الزلازل على البرّ تحت المناطق القارية، كما يتسبب ذلك بتدمير المناطق التي تقع ضمن نطاقه كما حصل في منطقة «بام» الايرانية في العام 2003، حيث سقط ضحية الزلزال أكثر من 36 ألف قتيل، إضافة الى عشرات الآلاف من المشردين والجرحى.
وفي حال كان مركز الزلازل تحت قعر البحر، فإن ذلك يتسبب بتحريك مفاجئ وعمودي لكمية كبيرة من مياه المحيط كانت بوضع ثابت ومستقر، مما يتسبّب بولادة أمواج التسونامي المدمرة التي تسعى بتحركها السريع نحو الشواطئ المجاورة الى إعادة حالة التوازن والركود لمياه المحيط التي كانت سائدة قبل حصول التحرك العمودي المفاجئ. وينتج عن ذلك ضرب أمواج التسونامي للشواطئ المجاورة مسببة خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات.


• انزلاق صفيحة تكتونية تحت أخرى (Subduction):
يتسبب تحرك الصفائح واحتكاكها ببعضها احياناً بانزلاق إحدى الصفائح تحت أخرى ويطلق العلماء الجيولوجيون على هذه الظاهرة اسم (Subduction). ونظراً الى ارتفاع الحرارة داخل قشرة الأرض سرعان ما يتحول القسم المنزلق الى داخل الأرض الى حمم سائلة نتيجة ذوبان مكوناته، فينتج عن ذلك ارتفاع الضغط في المجموعة السائلة الموجودة داخل باطن الأرض مما يتسبب بدفع الكمية الكبيرة الزائدة من هذه الحمم الى خارج القشرة الأرضية عبر البراكين التي تعود للاشتعال والموجودة على مقربة من هذه الفوالق في المناطق القارية أو البحرية.
وإذا حصل قذف الحمم السائلة في قعر البحر، فإن ذلك يؤدي الى تحريك عمودي ومفاجئ لكميات كبيرة من مياه البحر أو المحيط وبالتالي يؤدي الى ولادة أمواج التسونامي المدمرة.


• عوامل كونية أخرى:
يمكن أخيراً أن تنتج أمواج التسونامي المدمرة عن دخول إحدى المذنبات الكونية (Meteorite) الغلاف أو المجال الجوي للأرض وسقوطها في المحيط، مما يتسبب بتكوين أمواج تسونامي ضخمة نظراً لضخامة حجم هذه المذنبات في غالب الأحيان، وتعتبر هذه الظاهرة من أخطر الكوارث التي يمكن أن تصيب الكرة الأرضية وتهدد حياة البشر على سطح الأرض.

 

مقارنة بين أمواج التسونامي وتلك المعروفة بأمواج المد البحري
تختلف أمواج التسونامي عن الأمواج القوية المعروفة في الغرب تحت إسم «Raz de Marée» من حيث أسباب نشأتها وتكوينها. فبينما تتكون الأولى نتيجة زلازل بحرية أو سقوط أجسام كونية في البحر، فإن الثانية تتكون نتيجة حركة التجاذب الطبيعية ما بين الأرض والقمر، التي ينتج عنها حركة المد والجزر. وترافق حركة المد والجزر تيارات بحرية ترفع (خلال المد) مستوى المياه في المرافئ حتى حوالى عشرة أمتار، وتدخِل المياه الى اليابسة عدة كيلومترات احياناً في المناطق المنبسطة كما هو الحال في غربي أوروبا، لتعود فتنحسر خلال الجزر مجدداً بحركة معاكسة وتيارات معاكسة تفرغ كمية المياه التي تدفقت، وتتكرر هذه الظاهرة الطبيعية كل 12 ساعة أي مرتين في 24 ساعة.
عندما تترافق حركة المد بعاصفة بحرية قوية فإن ذلك يزيد من ارتفاع الأمواج ويؤدي الى تكوين أمواج تعرف بـ«Raz de Marée» يصل ارتفاعها في أوروبا مثلاً الى اثني عشر متراً، وتضرب الشواطئ والمرافئ المجاورة محدثة أضراراً في المناطق الساحلية، لا سيما في المرافئ وجدران كسر الأمواج العائدة لها، وفي جدران الدعم للطرقات الساحلية والمرافق السياحية على الشاطئ.
وهذا ما يشهده معظم البلدان خلال فترة العواصف القوية البحرية في فصل الشتاء بما فيها لبنان على الرغم من أن الفارق في مستوى البحر ما بين المد والجزر فيه لا يتعدى 50 سنتم. وتزداد حدة الأضرار مع ازدياد قوة العاصفة ومع الفارق في مستوى المياه ما بين المد والجزر.


زلزال 551 وتسونامي بيروت في كتابات مؤرخين قدماء
في صيف  العام 551 ضرب زلزال عنيف القسطنطينية وأجزاء أخرى من الامبراطورية البيزنطية، فدمّر كثيراً من المدن تدميراً تاماً، ومنها بيروت (بيريتوس آنذاك) درّة فينيقيا، التي تحوّلت كنوزها الأثرية ومعالمها الحضارية أكواماً من الأنقاض سحقت تحتها ألوف السكان والوافدين. وقد نجمت عن الزلزال موجة بحرية كاسحة (تسونامي) أغرقت كثيرين في البحر وعلى الشاطئ.
المؤرخ يوحنا مالالاس (490-570) كتب عن تلك الكارثة: «في اليوم السادس من شهر تموز (يوليو) حدث زلزال مروّع في كل أرض فلسطين والجزيرة العربية وبلاد ما بين النهرين وانطاكية وفينيقيا البحرية. وفي هذا الرعب عانت المدن الآتية: صور وصيدون وبيريتوس وبيبلوس (جبيل) وتريبوليس (طرابلس) وأجزاء من مدن أخرى، وقضى أناس كثيرون. ... وانهار جزء من جبل محاذ للبحر يدعى ليثوبروسوبون، وسقط في البحر، وكوّن ميناء باتت السفن الضخمة قادرة على الرسو فيه (حيث رأس شكا حالياً). ووقت حدوث الزلزال تراجع البحر مسافة كبيرة، وغرقت سفن كثيرة، وبقدرة الله عاد البحر لاحقاً إلى قاعه الاصلي».
وكتب يوحنا الافسوسي (507-586): «عبرة للأجيال المقبلة، سنسرد عن كارثة رهيبة حدثت في مدينة بيريتوس في أثناء الزلزال الذي دمر المدن. ففي خضّم الارتباك الرهيب، عندما ارتد البحر بقدرة الله وتراجع عن بيروت ومدن فينيقيا الساحلية الأخرى مسافة ميلين تقريباً، أصبحت الأعماق الرهيبة مرئية. وفجأة صار في الإمكان مشاهدة مناظر مدهشة وسفن غارقة بحمولاتها. وبعض السفن التي كانت راسية في الموانئ استقرت على قاع البحر، وبقيت بقدرة الله منتصبة وجافة بعدما انحسرت المياه بعيداً. وسارع سكان المدن والبلدات الساحلية الى البحر في اندفاعة جسورة لينهبوا الكنوز الضخمة التي تراءت لهم في القاع. ورآهم آخرون يعودون مثقلي الأحمال، فسارعوا إلى القاع كي لا تفوتهم الكنوز المحجوبة التي كشفها الزلزال فجأة. وكان الجميع يتراكضون هنا وهناك بارتباك. فجأة أتت موجة هائلة لم يلاحظها أحد أعادت البحر الى عمقه الأصلي، فالتهم في أعماق مياهه المدوّمة جميع أولئك البائسين. ومثل فرعون، نزلوا إلى الأعماق وغرقوا كالحجارة، كما هو مكتوب، وطرح الله مياه البحر فوقهم، ووجدت أجسادهم طافية على الأمواج كالنفايات. وفي أنقاض المدينة المدمرة بالزلزال شب حريق عظيم رمّد كل شيء. حتى الحجارة تحوّلت الى كلس. عندئذ أرسل الله المطر من السماء لمدة ثلاثة أيام بلياليها، فأخمد النيران التي أحرقت بيريتوس. ومن نجا من هجمة البحر وانهيار المدينة خرّ جريحاً أو هالكاً من العطش، لأن قنوات المياه في المدينة دمرت».
عندما زار انطونيوس البلاسنتي (من إقليم بياسينزا في شمال ايطاليا) المنطقة المنكوبة سنة 570 في رحلة حج إلى فلسطين، مرّ عبر طرابلس وجبيل وبيروت. ووصف خط رحلته على النحو الآتي: «دخلنا سوريا عن طريق انثارادوس (أرواد)، ومن ثم دخلنا الى تريبوليس التي دمرها الزلزال في زمن الامبراطور يوستينيانوس. ومن هناك أتينا إلى بيبلوس التي دمرت أيضاً مع سكانها... ثم قدِمنا الى بيريتوس الرائعة التي كانت فيها مدرسة الحقوق قبل زمن وجيز. الزلزال دمّر المدينة، وأخبرنا رئيس أساقفتها أن ثلاثين ألف شخص معروفين ممن حددت أسماؤهم، في ما عدا الأجانب، هلكوا في وقت وجيز».

نقلاً عن مجلة «البيئة والتنمية»