تربية وطفولة

مفاهيم تربويّة بين الصح والخطأ
إعداد: ريما سليم ضوميط

 

متى وكيف نعاقب أو نكافىء؟
ما هي تداعيات الضرب وفقدان السلطة أو الحنان على شخصيّة الطفل؟
يسعى جميع الآباء والأمهات إلى تنشئة أولادهم على الأسس الصالحة، لكنهم في بعض الأحيان يقعون، ومن دون قصد، في أخطاء تربويّة تؤثّر سلبًا في النموّ النفسي والإجتماعي لأولادهم، وتأتي نتائجها بعكس ما يسعون إليه وما يتوخّونه من أساليبهم التربويّة. من بين هذه الأخطاء، تحديد طرق مكافأة الأولاد ومعاقبتهم، وتمييز الحد الفاصل بين العاطفة التي يحتاجها الولد، والدلع الذي يفسده.
الصح والخطأ في هذه الشؤون التربوية كان محور حديثنا مع المعالج النفسي إيلي غزال.

 

العقاب
يخطىء الأهل حين يعتقدون أن العقاب القاسي هو ما يعلّم الولد عدم تكرار الخطأ. والصحيح، كما يقول السيد غزال، أن العقاب يجب أن يكون عادلًا، بمعنى أن تكون ردّة الفعل موازية لحجم الخطأ. فالأخطاء الصغيرة تستوجب عقابًا صغيرًا والعكس صحيح. والأهم من ذلك، ألّا يتراجع الأهل عن العقاب الذي فرضوه على الولد. فالقصاص يجب أن ينفّذ بحذافيره، وإلّا فلن يحترم الطفل قرارات والديه وسيستخف بهما.
ويضيف أنه لا يجوز أن يشعر الطفل أن العقاب جاء كردّ فعل لحالة الغضب التي سبّبها لوالديه أو انتقامًا منه بسبب سلوكه المشاغب، وإنما هو وسيلة إصلاح وردع تهدف إلى عدم تكرار الأخطاء السابقة. لذلك، على الأهل مراعاة لغة الجسد في أثناء تأنيب الأولاد، وتجنّب إظهار الغضب والتوتّر. فالولد في هذه الحالة سيتخذ موقع الدفاع عن النفس للاحتماء من غضب ذويه، وسيتعلّم الكذب كوسيلة لحماية نفسه، وبالتالي لن تصله أبدًا الرسالة الأخلاقيّة التي يسعى الأهل إلى تزويده إياها.
ويلفت السيد غزال إلى ضرورة احترام التوقيت المناسب للقصاص، موضحًا أنه يجب معالجة كل خطأ لحظة وقوعه، حيث أن بعض الأهالي يسكتون عن الأخطاء حتى تتراكم، فيفجّرون حينئذٍ غضبهم لدى أي خطأ بسيط، مما يخلق حالة إرباك لدى الولد الذي تخيفه ردّة الفعل العنيفة غير المبرّرة، فينتهي الأمر بشعوره بالظلم والغبن، ويصبح العقاب بلا جدوى.
في هذا الإطار، يُذَكّر السيد غزال أن الهدف من العقاب هو أن يلتزم الأولاد الحدود الموضوعة لهم، لذلك يجب أن يترافق العقاب مع حوار هادىء يوضح للولد خطأه والسلبيات المتأتّية عنه، فيتعلّم بذلك مراجعة الذات وعدم تكرار الخطأ نفسه مرّة أخرى.

 

الضرب
من بين المفاهيم القديمة الخاطئة أن العصا تؤدّب الأولاد الذين لا تهذّبهم الكلمة. والصحيح أن الضرب هو أسوأ ما يلجأ إليه الأهل، لا بل هو دليل على فشلهم كما يؤكّد السيد غزال. فعندما يستخدم الأهل لغة العنف، ذلك يعني أنهم استنفدوا كل خياراتهم من دون أن ينجحوا في إصلاح الخطأ، وهذا بحد ذاته دليل على ضعفهم واستقواء أولادهم عليهم. ويضيف السيد غزال أن الأهل لن يجنوا من الضرب سوى غضب الطفل وحقده عليهم، حيث سيركّز على كونه مظلومًا وسوف يشعر أنه ضحيّة أهله «الأشرار» بدلًا من التركيز على الخطأ الذي قام به، ناهيك عن إحساسه بالإهانة، والمذلّة.
كذلك، فإن الطفل الذي يتعرّض للضرب والقسوة الجسدية، تهتز ثقته بنفسه، ويتراجع احترامه لذاته، ممّا يؤثّر سلبًا في المستقبل على ثقته بنفسه وعلاقته بالآخرين. فالإنسان بحاجة إلى أن ينظر إلى نفسه بصورة إيجابيّة كي يكون فعّالًا في المجتمع. ويجدر بالإشارة أن الولد الذي يتعرّض لعنف جسدي، يصبح عرّضه بطريقة غير مباشرة للإستغلال الجنسي، لأنه يشعر بأن جسده لا قيمة له في نظر أهله، فيفقد قيمته في نظره هو أيضًا، ويصبح التحرّش بالتالي أمرًا طبيعيًّا بالنسبة إليه.
ويلفت السيد غزال إلى أن الأهل هم مرآة الولد، فالصغار يقيّمون أنفسهم بناءً على نظرة ذويهم إليهم. فإذا شعر الولد بقيمته في نظر أهله سيقدّر نفسه وسيشعر بقيمته الذاتية، والعكس صحيح. فإذا ما تعرّض لإهانة من خلال العنف الكلامي أو الجسدي، سيخلّف ذلك لديه الشعور بانعدام القيمة الذاتيّة وستبنى تصرّفاته على أساس هذه النظرة السلبيّة للذات. فالأهل الذين ينعتون إبنهم بالغبيّ سيلاحظون تزايدًا في تصرّفاته الغبيّة، أمّا الذين يمدحون تهذيب ولدهم فسيرون منه المزيد من التهذيب.

 

المكافأة
عندما نفرط في الهدايا والمكافآت، فإننا نفسد الأولاد. هذا الكلام يؤكّده السيد غزال الذي يرى أن المكافأة غير المبرّرة لا ضرورة لها على الإطلاق. وهو يفضّل المكافأة المعنويّة على المكافأة الماديّة، ويوضح أنه ليس من الضروري أن ينتظر الوالدان قيام الولد بعمل يستحق التقدير لكي يسمعاه الكلام الإيجابي. فعبارة «أنا فخور بك» التي تنم عن الفخر و التقدير إذا ما استخدمت بين الحين والآخر، ترفع من معنويات الولد وتزيد تقديره لذاته، ما يدفعه إلى مزيد من التقدّم والنجاح.
من ناحية أخرى، يؤكّد السيد غزال أنه يجب عدم ربط المكافأة بتحقيق تقدّم في الأمور التي تعتبر من واجبات الطفل كالدرس والنجاح. فالولد يجب أن يعرف أنّه يكافىء نفسه عندما يدرس، وهذا المفهوم يجب أن نغرسه في عقول صغارنا منذ الطفولة. فمن الضروري أن يدرك الولد القيمة المعنويّة والإيجابيّات التي ترتد عليه عندما يقوم بالأعمال الجيّدة، فيعلم مثلًا أن الدرس يفيد الدماغ ويطوّر معلوماته. وعليه أن يدرك أيضًا أن هناك واجبات يجب أن يقوم بها وهي غير مرتبطة بالمكافآت، في حين أن إهمالها يرتّب عليه مسؤوليّات، كأن يقال للولد مثلًا، إن لم توضّب ألعابك فلن تلعب بها ثانية.
من جهة أخرى، يوضح السيد غزال أنه لابأس في أن يلجأ الوالدان إلى المكافأة لزيادة الحوافز عند الأولاد الذين يعانون مشاكل في التعلّم، فهؤلاء يمكن أن تساعدهم المكافأة على التقدّم في دروسهم وإنجازها بوقت أسرع.

 

الحنان والسلطة
يخشى بعض الأهالي إظهار عاطفتهم لأولادهم كي لا تعطّل هذه المشاعر سلطتهم كوالدين. هذا المفهوم خاطىء وغير صحيح، يقول السيد غزال. فالحب كشعور لا يفسد الأولاد. ما يفسدهم هو الكسر المتكرّر للقوانين والأنظمة التي يضعها الأهل.
كذلك يتم إفساد الولد عندما ينشأ على فكرة أنّه الآمر الناهي في المنزل وليس هناك من رادع له، وعندما يشعر أنه محور حياة والديه وسبب وجودهما.
وممّا يفسد الولد أيضًا، إغداق الهدايا عليه من دون أي مجهود يبذله ما يجعل منه إنسانًا أنانيًّا يظن أن الكون بأسره يتمحور حوله.
ويكرّر السيد غزال أهمية العاطفة في حياة الطفل، موضحًا أنه من الضروري أن يشعر الولد أن والديه يحبّانه كثيرًا ولكنّه يجب أن يشعر أيضًا أنهما مصدر السلطة وأنهما أقوى منه.
ويؤكد ضرورة التوازن في العاطفة والسلطة بين الأم والأب، لأن الولد يحتاجهما تمامًا كما يحتاج الطير لجناحين كي يطير.
فالأم بشكل عام تعطي الحب والتفهّم والحنان، فيما يمثّل الأب السلطة والحماية. فهو الذي يمنح الولد الشعور بالأمان.
هذا لا يعني ألا تتمتّع الأم بالسلطة، وألّا يتحلّى الأب بالحنان، فالسلطة لا تلغي الحب والحنان. وعندما يلمس الولد الحب والسلطة معًا فإنه ينمو حتمًا بطريقة سليمة.