متاحف في بلادي

مفتون بالتاريخ «جمَّاع بالفطرة»
إعداد: جان دارك أبي ياغي

إدوارد نصّار يشرّع أبواب متحفه ويدعو الجميع إلى مائدة الفنون

 

يهوى إدوارد نصّار اقتناء الأشياء الجميلة والقديمة، وبفعل هذه الهواية تجمّع لديه كمّ كبير من الرسوم الملحمية واللوحات، والنقود المعدنية، والتماثيل النصفية... إلى كميات هائلة من قصاصات الصحف... هذه المقتنيات وسواها جمعها نصّار في متحف يحمل اسمه في جل الديب.
مجلة «الجيش» زارته في متحفه، حيث «كنزه وجنى عمره»، وكانت حكاية شيّقة الفصول.


«جمّاع» بالفطرة
تحتل سيرة حياة الجنرال برنارد دو مونتغومري بقلــم نيجــل هاميلتون مكانها بكل اعتزاز جنبًا إلى جنب مع نسخ موقّعة من سير ومذكرات عظماء من التاريخ.
كيف توصّل إلى جمع كل هذه المقتنيات؟ يقول نصّار: «أذكر أن أحد مديري شركة «كريستيز» قال لي: «أنت جمّاع بالولادة»، فضحكت لذاتي قائلاً: أليس هذا ما يقوله أي مدير لشارٍ حاضر للمشاركة في المزاد بالعملة الصعبة؟». بهذه الطريقة جمع نصّـار كنوزه، وهـو ما زال يحتــفــظ بفاتــورة كل قطــعـة قيّمــة اشتراها.
إدوارد نصّار التاجر والصناعي الذي عمل وكافح في حقل الصناعة اللبنانية وسبل تطويــرها، إشتغل أيضًا في مناجم القصدير في كورنوال (أفريقيا)، وكان صانـع بسكويت في غانا، ومنتـج معكـرونة وشوكولا وحلوى في بيروت، قبل أن يتعرّض مصنعه في ضاحية بيروت للقصف الإسرائيلي (صيف 2006) ما أدّى إلى تدميره. الخسائر المادية يمكن تعويضها، لكنّ اللوحة القيّمة التي كان يحتفظ بها في المصنع ويعـود تاريخها إلى القرن التاسع عشر، كانت خسارة لا تعوّض. لقد عاش في لندن، لكنّه أمضى السنوات الخمسين الأخيرة من عمـره في لوزان حيث يمتلك فيلا جمع فيها «ثروته التراثية»، قبل أن يحوّلها إلى متحف يضم اليوم أعمال ابنته إيزيس التي اغتيلت في باريس، بعدمـا نقل مجموعته الخاصة إلى لبنان.
وفي هذا السياق، يشكر نصّار فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ووزير الثقافة سليم وردة والمدير العام لشركة طيران الـ«ميدل إيست»، لمؤازرتهم في نقل متحفه من لوزان إلى لبنان.

 

...وتحقق الحلم
كان إدوارد نصّار في الخامسة والعشرين من عمره عندما بدأ يمارس هواية جمع الطوابع والقطع الأثرية والأعمال الفنية المميزة، على أمل إنشاء متحف يحمل اسمه... وبعد غربة دامت أكثر من نصف قرن متنقّلاً بمجموعة شركاته التجارية - الصناعية - المعدنية والإقتصادية، بين عدة دول ( إنكلترا، سويسرا، أفريقيا ولبنان )، عاد إلى أرض الوطن، وهو في الخامسة والثمانين من عمره حاملاً معه متحفه الخاص من لوزان في سويسرا، ليحوّل منزل والده القـديم (رجل الأعمال المعروف سليمان نصّار) ذا المعالم الهندسية اللبنانية بحجارته وقرميده وحديقته، إلى متحف يحمل اسم  «متحف إدوارد نصّار»، يضم بعضًا من التراث الإنساني لشعوب وتقاليد عبر العصور.

 

مفتون بالتاريخ
يحاكي البـيت - المتحف بحجــارته الكبيرة المكعبة من الخارج عبق الريف وأصالة الذاكرة التي تختزن الكثير من حول العالـم.
الحياة في الداخل تعج بالأعمال الفنية، فالرجل مفتون بالتاريخ. تتنقّل في المتحف بين دار رئيسة وخمس غرف. في الدار، أو الغرفة الوسطى الرئيسة، تتمركز طاولة زجاجية مستديرة داخلها أشياء كثيرة من الزمن الغابر: عملات معدنية رومانية ويونانية وفينيقية وبيزنطية وعثمانية وأرمنية (أكبر مجموعة في الشرق الأوسط)، وساعات ذهبية وفضية ومعدنية قديمة، ومجموعة واسعة من الأناجيل، والكتب التاريخية القديمة لكتّاب فرنسيين ولاتين وألمان، بينها أول مطبوعة لجان جاك روسو.
في الغرفة الأولى، مكتب صاحب المتحف الخاص حيث أرشيفه وصور لذكريات عائلية. وقد علّقت على الجدار الأوسمة التي حصل عليها في حياته، ميدالية المؤتمر اللبناني للسلام في لوزان العام 1983، وصور فوتوغرافية مع شخصيات التقاها (قنصل النروج العام في أكرا، وكيوام نكروما...).

 

طوابع وإحدى رايات نابوليون
في الغرفة الثانية، مجموعة طوابع من مختلف أنحاء العالم، من إيطاليا والولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وسويسرا وهولندا، ومجموعة لبنانية من أيام الإنتداب الفرنسي. وإلى الطوابع رسومات ومنحوتات لفنانين عالميين. وعلى أحد الجدران راية أصلية من رايات نابوليون الحربية مصنوعة من الحرير ومحمية في إطار بلاستيكي، وراية ثلاثية اللون رائعة رسم عليها بالذهب: أبواق ونسر وألسنة لهب تحيط بحرف N (الحرف نفسه الذي يمكن رؤيته على جسور نهر السين في باريس). وعلى الراية أيضًا كلمات «شرف، أمة، وحدة، قوة». هذه الراية ببنيتها الدلالية تربط بين الإمبراطورية الفرنسية وفرنسا فيشي.

 

لوحات
على أحد الجدران لوحة تجسّد نابوليون ملكًا لإيطاليا، وهي بريشة رسّام الإمبراطور أندريا أبياني وتعود إلى العام 1805.
وعلى الجدار المقابل، لوحة زيتية مشهورة لإمرأة عربية تحمل خنجرًا في حزام من الحرير بريشة الرسام هنري غوفيون بعنوان  «gitane» أو «الغجرية»، موقّعة ومؤرّخة العام 1886، وأخرى لمنظر بريشة الفنان الإيرلندي جون بينس (JOHN BAINES)، صورة لهنرييت ستيوارت (HENRIETTA STUART) دوقة أورليـانز، جــورج الأول ووليم دوق غلوســستر، ومجموعــة بيعت على عجل من مجموعــة  أورليانز بعد ثورة العام 1789، ومنها لوحة «المصلوب» رسمــها على النحـاس الإيطالي أنيبال كاراتشي، والقديــس سبستيــان، بالإضافــة إلى رسوم لرسامين عالميين آخرين مثل هنري ستانييه وروبنز...

 

صور وتماثيل
ثمة صورة للأميرة الشابة إليزابيت تفتتح منجم قصدير تابع لنصّار في كورنوال (CORNWALL)، وكمية كبيرة من الصور لسطح منجمه في نيجيريا، ونتاج أعمال فنية هي مرآة للشعوب، بعضها بريشة إبنته الفنانة إيزيس التي تنقّلت بين إيطاليا وفرنسا وإنكلترا وأثيوبيا وكولومبيا، وغيرها من البلدان، مستكشفة حضارات جديدة، جسّدتها في رسوماتها.
في الغرفة الثالثة، مجموعة فنية يابانية وصينية (خزف صيني، بورسلان) وألمانية (تماثيل ) تضيق بها مساحة المكان.
المجموعة الأفريقيـــة أخذت مكانها في الغرفة الرابعة، وتضم تماثيل من العاج وخشب الإبنوس، وأقنعة الموت الإفريقية وعِصِي السحر، ورأس ملكة مع مجمــوعات أثرية تعود إلى الحقــبة البيزنطيـة والرومانـيـة والإغريقية...
أما الكتب القديمة وبعض المخطوطات فتحتل الغرفة الخامسة، إذ نجد فيها مثلاً الطبعة الأولى من ثورة يوليوس شنور فون كارولسفلد المصوّرة العائدة للعام 1800، وكتاب عن الكاتدرائيات في العالم، وكتب أخرى لكتّاب عالميين.

 

الثقافة في مواجهة المال
حقق إدوارد نصّار حلمه، وفي ذلك فرح كبير للرجل الذي يأمل أن تؤدي الثقافة دورها في لبنان في مواجهة سلطة المال، وأن تدرّس الفنون في المدارس بشكل جدي. مؤكدًا أنّه سيكمل بقية حياته في أجمل بلد في العالم... لبنان.
يجدر بالإشارة أن المتحف يفتح أبوابه للزوّار طوال أيام الأسبوع من الساعة التاسعة صباحًا ولغاية السابعة والنصف مساءً.

 

تصوير: جاك واكيم