عبارة

مكانة الشهداء
إعداد: العميد علي قانصو
مدير التوجيه

لأنَّ الاستشهاد في عرف المؤسسة العسكرية لا يحصل بدافع فرديّ، ولأنَّه لا يكون مفاجئًا ولا طارئًا، ولأنَّه يهدف إلى ضمان حياة الآخرين، قريبين وبعيدين على امتداد مساحة الوطن، فقد أولته القيادة اهتمامًا متواصلًا يمتدّ على مدار كل سنة، وعلى مدار السنين، بحيث يدخل التاريخ بحقّ، ويقيم فيه بجلال وافتخار. وصحيح أنّ للشهداء يومين رسميين في السنة، واحد لشهداء الصحافة والاستقلال في 6 أيار، وآخر لشهداء الجيش في 31 تموز، إلا أنّ الاحتفاء بذكرى كلّ منهم يتواصل على مدى الأيام، كيف لا، وفرضية الاستشهاد واردة ومحتملة في كل يوم، وسيرة هؤلاء الأبطال لا تغيب عن البال، بال أهلهم وبال رفاقهم، في يوم العمل كما في يوم العطلة، لدى الصغار كما لدى الكبار، وفي الحزن كما في الفرح والبحبوحة والاستقرار.
ولقد دخلت العلاقة مع ذوي العسكريين الشهداء وعائلاتهم والبيوت التي خرجوا منها، في متن التقاليد العسكرية المرعية والمفعمة بالحيوية والتجدد، فهي حالة من حالات الالتزام والانضباط، ووجه من وجوه الوفاء، وطراز من طرازات الدروس الوطنية التي تفيض بالدلالة، وتغني عن الشرح والتوضيح. العلاقة تلك، لا تقتصر على الدعم الماديّ، وهذا أمر طبيعيّ بديهيّ لا نقاش فيه، إنّما تركّز على النواحي الوطنيّة والإنسانيّة وتندرج في إطار القيم والأصول. وحين يلتقي رفاق السلاح مع ذوي الشهيد في اليوم السنوي لاستشهاده، يقف الجميع في حيرة، من الذي يجب أن يحيّي الآخر ويباشر التذكر ورجع الخطى واستعادة السيرة العطرة؟ من أحيا مشاعر البطولة، ومن أوصى بالصدق والإخلاص والوفاء؟ إنها تربية مشتركة، لقضيّة واحدة، وهمّ وطنيّ شامل، وحنين فيّاض ينطلق من الجميع.
أما شعلة الاستشهاد فتتوزّع بين البطولة والقناعة بقدسيّة الرسالة، لأنّهما شرطان يختصران الفضائل والصّفات كلّها، ويقطعان الشكّ باليقين المطلق، والخلاصة هي تشكيل ضمانة يستمرّ الوطن بها، ويدوم.