مكيافيللي منظِّر نهضة فن الحرب

مكيافيللي منظِّر نهضة فن الحرب
إعداد: دلال بسما
بـــاحثة

“... يعتقد الكثيرون اليوم بأنه لا يوجد أمران اكثر تبايناً واختلافاً وأبعد عن التناسق من الحياة المدنية والحياة العسكرية”([1]), ولكن عندما ننظر إلى طبيعة الحكومة والسلطة فإننا نجد صلات وثيقة قوية بين هاتين الحياتين, وانهما ليستا تكملان بعضهما البعض فقط, بل انه من الضروري ان ترتبطا إرتباطاً وثيقا وان تتحدا معاً اتحاداً قوياً.
هذه الجمل التي تجيء في فاتحة كتاب “فن الحرب”([2]) لمكيافيللي تنير لنا السبيل لتفهم عناية مكيافيللي بالمسائل العسكرية, على ان هذا المفكر لم ينظر إليها في مؤلّفاته نظرة رجل عسكري, بل انه لاحظ الدور الحاسم الذي للقوة العسكرية, وتاثيرها في السياسة وقد انتهى إلى ان كيان وعظمة كل دولة يتعززان إذا حظيت القوة العسكرية بنصيبها الصحيح ومكانتها الحقيقية في النظام السياسي للدولة, وهو ما ذكره مكيافيللي في كتابه “الأمير”([3]), وعاد فكرره في كتابه “المطارحات”([4]) إذ قال: “.. ولا يمكن ان توجد قوانين صالحة إلا حيثما وجدت أسلحة قوية, وحيثما وجدت أسلحة قوية توجد قوانين صالحة”. ولهذا فإنه يحث الحاكم على ان يضع نصب عينيه دائماً ان احتفاظه بسلطته يتوقف على القوات العسكرية فيقول: “ويجب ألا يكون للأمير أي هدف أو رأي أخر, ولا ان يُعنى بدراسته أي شيء غير الحرب وتنظيمها وضبطها”([5]).
وقد عُني مكيافيللي في كتابه “المطارحات” بهذه المشكلة وانتهى من دراسته للتاريخ الروماني إلى ان “أساس الدولة هو التنظيم العسكري السليم”([6]).
وهكذا أيضاً فان “فن الحرب”, هو الكتاب العسكري الذي قامت عليه أساساً شهرة مكيافيللي كمفكر عسكري. فبالرغم من انه عُني فيه بتفاصيل التنظيم العسكري وفن القتال (التكتيك), إلا انه تعمق إلى أبعد من هذا وناقش الأحوال والالتزامات السياسية للتنظيم العسكري الصحيح, وكان تحقيق دور القوة العسكرية في الحياة السياسية هو المغناطيسية التي جذبت نحوها كل تفكير مكيافيللي السياسي.

الصلة بين التنظيم السياسي والتنظيم العسكري
ولكن كيف وجه مكيافيللي كل انتباهه إلى مشكلة الصلة بين التنظيم السياسي والتنظيم العسكري؟ ان تجارب العصر الذي عاش فيه قدمت له درساً قيماً حول تأثير العامل العسكري على الحياة السياسية. فلقد لاحظ فقدان موطنه لحريته بسبب فشل آلته العسكرية, ورأى إيطاليا كلها تفقد استقلالها وتسيطر عليها جيوش أجنبية. على ان اهتمام مكيافيللي بهذا الأمر انما جاء أساساً ثمرة المعرفة السياسية الممتازة التي توافرت له, كما كان دليلاً على تفهمه الدقيق للقوى الحقيقية بين التنظيمين العسكري والسياسي لهذه الحقبات من التاريخ, والتي كانت في أساس التفاعلات الثورية العظيمة للقرنين الرابع عشر والخامس عشر. ولم يكن ليكتشف الصلة بين التغيرات التي حدثت في التنظيم العسكري وبين التطورات الثورية التي حدثت في النطاق الاجتماعي والسياسي إلا عقل حاضر ممتاز.
ان الصلة بين السبب والتأثير في التطورات العسكرية تبدو واضحة حتى للمراقب العادي, فلقد ظهر انه بسبب اكتشاف البارود واختراع الأسلحة النارية والمدفعية ضاعت قيمة الدرع الذي يرتديه الفارس, كما وضح انهيار التنظيم العسكري للقرون الوسطى (والذي لعب فيه الفرسان الدور الحاسم) انهياراً لم يمكن تجنبه.
على انه من الصعب ان يتمشى مع الواقع الإيضاح الدرامي لانهيار قوة الفرسان. فتاريخ المعاهد والتعاليم العسكرية لعصر ما لا ينفصل إطلاقا عن التاريخ العام لذلك العصر. وقد كان التنظيم العسكري للعصور الوسطى جزءاً بارزاً من حياة العالم في ذلك الزمن, فلما تمزق البناء الاجتماعي للعصور الوسطى, غربت شمس هذا التنظيم العسكري.
والواقع ان الفروسية كانت من الناحية الروحية والاقتصادية ابرز إنتاج العصور الوسطى. وفي مجتمع ينظر فيه إلى الله على انه الرئيس الأعلى للتنظيم, فان كل دولة في ذلك المجتمع يجب ان تستكمل دورها الديني وان تستهدف في كل اوجه نشاطها الدنيوي معنى دينياً. لقد كان واجب الفرسان الرئيسي حماية أهالي البلاد والدفاع عنهم, وكان الفرسان ­ في الحرب ­ يخدمون الله, وتبعاً لهذا فان الفارس كان يضع خدمته العسكرية تحت إمرة سيده الأعلى الذي أوكلت إليه الكنيسة أمر الإشراف على النشاط الدنيوي للأفراد, ومع هذا فانه فيما عدا الجانب الروحي ­ الديني فان الارتباط العسكري بين مستغل الأرض وبين السيد كان له الجانب القانوني والاقتصادي, فالسيد أعطى الارض للفارس, وفي تقبله لها إنما تقبل الالتزام بتأدية الخدمة العسكرية ­ في زمن الحرب ­ من اجل هذا السيد.
ويتضح ان هذا كله كان نوعاً من التبادل. امتيازات عينية وسلع وخدمات عاجلة, في مقابل خدمة عسكرية آجلة, وكان هذا يتفق أيضاً مع التنظيم الزراعي, ومع نظام تملك السيد لكل الأراضي وهو النظام الإقطاعي الذي عرفته القرون الوسطى. على ان وجهة النظر الدينية في الحرب كوسيلة لاقرار العدالة, وتحديد الخدمة العسكرية على طبقة الفرسان مستغلي الأرض التي يملكها سادة البلاد, ثم الارتباط المعنوي القانوني الذي يجمع أفراد الجيش بعضهم إلى بعض, كل هذه كانت العوامل التي أوجدت صور التنظيم العسكري كما أوجدت وسائل وأساليب الحرب في العصور الوسطى.
كان الجيش يتجمع فقط عندما تنشأ حال محددة تعني قرب قيام الحرب, ويؤمر بالخروج إلى حملة معينة لإدراك هدف محدد, ويظل متجمعاً طوال وقت استمرار هذه الحملة أي إلى ان يتم إدراك هذا الهدف المحدد, على ان الطابع الموقوت للخدمة العسكرية والمساواة بين المتقاتلين قد جعلتا من الصعب, ان لم يكن من المستحيل, ان يتوافر الضبط والربط بين هذه المجموعة المتباينة من الجند, كانت المعركة غالباً ما تتحول إلى صراع بين الفرسان فرادى, وكانت هذه المعارك الفردية بين القادة تلعب دوراً حاسماً.
ولما كانت الحرب تمثل استكمال الواجب الديني المعنوي فقد توافر الاتجاه القوي لادارة الحرب والمعارك تبعاً لقواعد ثابتة ووفقاً لقانون قائم متفق عليه. ولما كان هذا التنظيم العسكري هو الإنتاج التقليدي لكل النظام الاجتماعي للعصور الوسطى, فان أي تغيير في أسس هذا النظام لا بد وان يكون له التأثير الذي لا يمكن تجنبه في الميدان العسكري, ولهذا فانه عندما هز الانتشار السريع للاقتصاد النقدي
(taireémon mieconoéL') القواعد الزراعية في القرون الوسطى, كان لهذا التطور تأثيره المباشر على النظم والتقاليد العسكرية.
وقد انتفع إلى حد كبير من هذه الفرصة ­فرصة الاتساع السريع للاقتصاد النقدي­ أولئك الذين كانوا في مقدمة العاملين لهذا التطور الاقتصادي الجديد, وهم ملاّك الأراضي الأثرياء وسادة المدن, وجاء انتفاعهم أول ما جاء في الميدان العسكري, لانه بات باستطاعتهم ان يتقبلوا نقوداً بدلاً من أداء الخدمة العسكرية, أي ان يؤدي لهم مستغلو الأرض أرضهم نقداً مثابة ريع بدلاً من ان يقوموا بأداء الخدمة العسكرية. وفي ذات الوقت بات في استطاعتهم ان يستخدموا, هم بدورهم, أناسا يقومون بأداء الخدمة العسكرية نظير أجور أو مكافآت مالية, بدلا من ان يُقطَعوا أرضا يستغلونها.. وهكذا تحول الأمر. فالذي لا يرغب في القيام بالتزاماته العسكرية للسيد كان من الممكن ان يدفع له نقداً بدلاً من أداء هذه الخدمة, وبذلك أيضاً بات من الممكن ان يعوض السيد أولئك الفرسان الذين يبقون في جيشه لمدة أطول من الأمد المحدد للحرب بأن يدفع لهم “دفعات” مالية منتظمة.. أي مرتبات, وهكذا استطاع السيد ان يوجد تدريجياً أساس جيش محترف دائم يعمل في خدمته وان يتحرر بالتالي من الاعتماد على مستثمري أرضه.
وقد سارت هذه العملية ­عملية التحول من الجيش الإقطاعي إلى الجيش المحترف ومن الحكومة الإقطاعية إلى حكومة منظمة كاملة تعمل في خدمتها مجموعة من الموظفين يخضعون لرؤسائهم المباشرين على التوالي ويتولون كل تفاصيل الحياة العامة والخاصة­ سارت ببطء ولم تصل إلى ذروتها إلاّ في القرن الثامن عشر, ولكن روح الفروسية ­الروح التي توافرت للجيوش الإقطاعية­ كانت قد ماتت قبل هذا التاريخ.

المثال البورغندي: نهاية جيش الإقطاع وولادة الجيش المحترف
نجد وصفاً تصويرياً لهذا التحول في أغاني القرن الخامس عشر, إذ يتحدث المؤلف في إحداها عن الحياة في جيش شارل الشجاع (السيد البورغوندي)([7]), وقد كانت بورغوندي([8]) تشكيلاً سياسياً حديثاً في القرن الخامس عشر. ونظرت إليها الدول القديمة وكأنها صورة غامضة لدولة ناشئة من العدم, أو انها غير واضحة وغير قانونية التشكيل. ولهذا فقد كان شارل الشجاع توّاقاً لإثبات قانونية وجود مملكته بدقة اتباعه لكل التقاليد والعادات القديمة, وبذلك أضحى زعيماً للإحياء الرومانسي لعهد الفروسية, واعادة هذا العهد بتقاليده ونظمه من جديد.
والأمر الأكثر وضوحاً في تلك الأغنية هو ان الفارس و”الشاويش” ومستغل الأرض كانت تسودهم فكرة واحدة, هي فكرة التساؤل عن موعد مجيء أمين الخزانة الرجل الذي عرف بانه هو الذي يتسلم ريع الأرض من المستغلين العازفين عن اداء الخدمة العسكرية, ويدفع أجور الفرسان الذين لم يُقطعوا أرضا زراعية يستغلونها بدلاً من هذا الالتزام الذي يقومون به بأداء الخدمة العسكرية, وهنا نرقب وراء الصورة البراقة للفروسية الصورة الحقيقية للمصلحة المادية.
وقد اختلطت تماماً في جيوش الدول الكبرى كفرنسا أو إنكلترا, اختلطت العناصر القديمة والجديدة, عناصر القوات الإقطاعية وعناصر الجنود المأجورين المحترفين, ولكن القوى الكبيرة التي كانت تمتلك المال في ذلك العصر (مثل المدن الإيطالية) فانها اعتمدت بالكامل على الجنود المحترفين. ومنذ القرن الرابع عشر كانت إيطاليا “الأرض التي تمتليء بالعسل”, ارض الخيرات بالنسبة لكل الفرسان الذين كانت الحرب وسيلتهم الأساسية للحصول على المال, وكانت الجماعات التي تنظم في تشكيل سرايا الأمن والحراسة, تموّن وتنقد أجورها بواسطة قادتها المحترفين, أولئك الذين كانوا على أتم استعداد للقيام بخدمة أية دولة ترغب في ان تدفع لهم أجورهم, وهكذا باتت الجندية في إيطاليا حرفة منفصلة تماماً عن أي نشاط مدني آخر.
ووسعت أيضاً قوة رأس المال واقتصادات النقد من قاعدة التجنيد في الجيوش, واجتذبت النقود للخدمة العسكرية طبقات جديدة من الرجال المتحررين من التقاليد العسكرية. وكان من الممكن مع هذا التسرب للرجال الجدد, ان توجد أسلحة جديدة وان توضع أساليب جديدة للقتال وان تتطور هذه وتلك, وظهرت قوات المشاة ورماة السهام في الجيوش الفرنسية والإنكليزية في حرب الماية عام.
وتلقى هذا الاتجاه لتجربة أساليب عسكرية جديدة, قوة معاونة تدعم وجوده وهي الهزيمة التي لحقت بفرسان شارل الشجاع من قبل خصومهم السويسريين وذلك قرب نهاية القرن الخامس عشر الميلادي. ففي معركتي “مورات” و”نانسي”, سنة 1476, لم يستطع فرسان شارل الشجاع ان يمزقوا مربعات الجنود السويسريين الراجلين, ولم يستطيعوا النفاذ وسط فؤوسهم التي كانت أشبه بأشجار غابة كثيفة, ولهذا انهزموا تماماً, وكان هذا الحادث عامل إيقاظ لأوروبا كلها, وكسب المشاة مكانهم في التنظيم العسكري لذلك العصر.
ومن الضروري ان نقدر أهمية اختراع البارود بالنسبة لهذه التطورات العامة ألا وهي:
أولاً: نشوء اقتصادات النقود.
ثانياً: محاولة السيد الإقطاعي ان يحرر نفسه من الاعتماد على مستغلي أرضه وان يوجد نظاماً جديداً للقوات المقاتلة يستند إليه.
ثالثاً: الاتجاه نحو التجربة في التنظيم العسكري الناشئ عن انهيار نظام الإقطاع.
على ان الأسلحة النارية والمدفعية لم تكن علة هذه التطورات, ولكنها كانت من العوامل المعاونة الهامة التي زادت من سرعة التطور ودرجته, فرسخّت أولا مركز السيد بالنسبة لأتباعه من مستغلي أرضه, وكان استخدام المدفعية في حملة ما واجباً معقداً ومجهداً, إذ كان نقل المدافع الثقيلة وعتادها يتطلب عربات كثيرة وعدداً كبيراً من المهندسين المختصين, وكانت العملية في جملتها تستنزف نفقات طائلة. وتوضح النفقات العسكرية في ذلك العصر ان المدفعية وحدها كانت تقتطع الجزء الأكبر من مجموع النفقات, وكانت الدول الغنية جداً هي وحدها التي تستطيع إعداد المدفعية. ولهذا فان التأثير العسكري الرئيسي لاختراع المدفعية كان يقف في جانب الدول الكبرى ضد الدول الصغرى والمراكز المحلية المستقلة.
على ان الانتهاء من النفوذ الذي كان للفرسان في القرون الوسطى قد حدث في هذه الصورة: كان الفارس وهو يستند إلى قلعته في أمن من الهجوم, ولهذا نال فن التحصينات مكانة كبيرة في ذلك العصر([9]) وحمت الدول الصغرى أنفسها بإنشاء سلسلة من القلاع على طول حدودها ما مكّنها من الوقوف والتماسك حتى ضد قوات كبيرة تزيدها عدداً, ولكن تحصينات القرون الوسطى هذه كانت من جهة أخرى معرضة لنيران المدفعية, وبذلك فان التوزان العسكري كان يقف في جانب عمليات الهجوم.
يقول فرنشيسكو دي جيورجيو مارتيني ­احد كبار المهندسين الإيطاليين في القرن الخامس عشر والذي أوكل إليه بناء الحصون لدوق اوربينو­ يقول في كتابه عن هندسة البناء العسكري: “ان الرجل الذي يستطيع ان يقوى من الدفاع ضد الهجوم يمكن ان يكون اكبر من طبقة البشر, انه في درجة الآلهة”([10]).
هذا التحول في تكوين الجيوش وهذا التطور في الفن العسكري, سبّبا تبدلا واضحاً في روح التنظيم العسكري إذ فقد القانون المعنوي والتقاليد كل السيطرة على المادة الخام أي البيئات التي باتت الجيوش تجند منها في ضوء هذه الصورة الجديدة, فقد باتت القوة الأساسية للجيوش, أو بمعنى أدق الكتلة الكبرى منها, من المغامرين المرتزقة الذين يطلبون الثراء والغنائم, من دون ان يكون لديهم ما يفقدونه في الحرب, بل ان كل ما يصلهم منها كسب لهم. وكنتيجة لهذا الموقف باتت الخدمة العسكرية كسباً مالياً. وقد برزت كذلك مشكلة أخلاقية في بحث “هل يعتبر تطلّب حرفة, تستهدف قتل الناس الآخرين, خطيئة؟”, وفي فجر القرن الخامس عشر خصصت كريستين دي بيزان([11]) جزءاً من بحثها العسكري لمناقشة ما إذا كان تقبل النقود كأجر للخدمة العسكرية يعتبر عملاً عادلاً؟. وكان على لوثر بعد قرن كامل ان يقدم الإجابة على ذات السؤال إنما بأسلوب آخر هو: هل يمكن ان يكون الجندي مسيحياً؟

وفي اكثر أجزاء أوروبا مدنية, كإيطاليا مثلاُ, امتنع الناس عن ان تكون لهم صلات في صورة ما بالجندي المحترف, وحتى بين السياسيين لم يعد للفضائل العسكرية أي تقدير. وقد بعث سفير دوق فيرارا من فلورنسا, سنة 1474 في تقرير له يقول: “لقد ازداد الاستقرار بدرجة كبيرة, واذا لم يحدث ما ليس في الحسبان فسنسمع في المستقبل عن معارك تشن على الطيور والكلاب اكثر مما نسمع عن معارك الجيوش, وأولئك الذين يحكمون إيطاليا في السلم لن يكسبوا شهرة اقل ممن أبقوها في حرب, لأن النهاية الحقيقية للحرب هي السلم”.
وبدأ الكثيرون من ذوي العقول النيرة يناقشون إمكان إلغاء وباء الحرب والانتهاء من الجندية, واضحت مسائل التنظيم العسكري ومكانته في النظام الاجتماعي مشاكل تتطلب إعادة البحث والدرس, كأن عهداً جديداً يبدأ, ولم يعد من مكان للتنظيم القديم. كان الأمر يتطلب اكثر من عقلية نفاذة ويحتاج اكثر من ميل ورغبة لتفهم السياسة, ذلك ليمكن إدراك دوافع نشأة هذه القوى الجديدة ووجودها وتطور هذه الظواهر السياسية المستحدثة.

الغزو الفرنسي لإيطاليا وظهور الحرب الخاطفة
الواقع انه كان بنتيجة حادث سياسي مدمر ان انهار كل البناء التقليدي القديم, ووضحت عدم كفاية النظام السياسي القائم, فتمهدت بذلك الطريق لتفهم كامل جديد وتقويم صحيح للموقف السياسي, هذا الموقف الذي حدث في عام 1494 عندما غزا جيش فرنسي يقوده شارل الثامن ــ وقد زود بمدفعية قوية وتكوّن من جنود المشاة السويسريين ــ غزا إيطاليا واطاح بالنظام السياسي القائم فيها. وقال جتشارديني صديق مكيافيللي والمؤرخ الكبير في ذلك العصر, قال عن ذلك العام (عام 1494): “كان عاماً مليئاً بسوء الحظ لإيطاليا: وهو العام الذي سبق كل الأعوام التي تلته والمليئة بالمآسي والمصائب”([12]).
وقدم جتشارديني وصفاً قيماً للنتائج الثورية البعيدة المدى التي نتجت عن هذا الغزو الفرنسي: “وقد انتشر تأثير الغزو في إيطاليا كلها انتشار النار المحرقة وانتشار الوباء الجارف, ولم يطح فقط بالسلطات الحاكمة بل إنه غيّر انظمة الحكم وأساليب الحرب. كانت في إيطاليا قبل ذلك خمس ولايات رئيسية هي دولة الكنيسة ثم دول أربع هي نابولي وفينيسيا وميلان وفلورنسا, وكان كل ما تعنى به هذه الدول الخمسة هو إبقاء الحال على ما هي عليه. كانت كل واحدة تحاول منع الباقيات من ان تمد حدودها أو ان تقوى إلى الحد الذي تهدد فيه الباقيات, لقد راقبت هذه الدول الخمسة بعناية أتفه التحركات في لوحة السياسة التي هي أشبه بلوحة الشطرنج, وكانت تثير ضجة عالية لو غيرت أصغر القلاع حاكمها, فاذا قامت بينها حرب كانت القوى متساوية وكان تنظيمها العسكري يسير في بطء وكانت مدفعيتها قليلة, ولهذا كان الصيف يضيع في حصار قلعة واحدة ثم تستمر الحرب طويلاً وتنتهي المعارك عادة بخسائر تافهة أو بلا خسائر إطلاقا, ولكن عندما جاء الغزو الفرنسي انقلب كل شيء رأساً على عقب, وكأن عاصفة جامحة مرّت فجأة بالبلاد, فتمزقت كل الروابط التي كانت تربط بين الحكام في إيطاليا, وتبددت أمانيهم في رفاهيتهم, كانت كل دولة تتلفت من حولها فترقب كيف تضيع الممالك وتدمّر البلاد على أهاليها. ولهذا فقد انتفضت الدول وباتت كل منها تفكر في أمنها وحدها, ونسي الجميع ان النار التي تلتهم منزل أي جار لهم يمكن ان تمتد لتحرق منازلهم. لقد باتت الحرب تسير بسرعة وباتت الدولة تقهر وتهزم في سرعة اكبر مما كان الأمر يستلزم للاستيلاء على قرية صغيرة في الماضي, كان حصار المدن قصيراً وناجحاً ويتم في أيام وساعات بدلاً من شهور, وباتت المعارك دامية كثيرة الخسائر, ولم تعد مهارة الساسة في المفاوضات هي التي تصل إلى القرار الحاسم, بل باتت الحملات العسكرية وقبضات الجنود هي التي تقررهذا وترسم مستقبل
الدول”([13]).
وتوضح كلمات جتشارديني عمق شعور الإيطاليين بالفرق بين الأحوال في القرن الخامس عشر وبينها في القرن السادس عشر. ففي القرن الخامس عشر في غمرة شعور الدول الإيطالية بثرائها وإكبارها للحياة التي أوجدتها مخترعاتها وتقدمها الفني والعلمي, في غمرة هذا كله كانت الدول الإيطالية تطل من عليائها على باقي دول أوروبا التي كان نظامها الاجتماعي وحياتها الثقافية ما زالا في مستوى منخفض, فضلاً عن انهما يوجهان توجيهاً خاطئاً, ولكن الآن في القرن السادس عشر فان كل مستقبل إيطاليا انما يقع في أيدي هذه الدول نفسها التي وجد الإيطاليون من حقهم ان يمتهنوها ويقللوا من قيمتها.
وتوضح كلمات جتشارديني أيضاً الإسلوب الذي يشرح به الإيطاليون هزيمتهم, فهم تبعاً للأفضلية التي كانت لهم من ناحية المدنية والاقتصاد والحياة الثقافية لاموا أنفسهم لإهمالهم الفن الحديث في الحرب, وسلسلة القلاع والحصون التي حمت بها الدول الإيطالية الطرق المؤدية إلى داخل البلاد سقطت بسرعة أمام مدفعية شارل الثامن, ولم يستطع المحاربون الإيطاليون الراكبون مقاومة القوة المتجمعة في جيش شارل من المشاة والمدفعية.
انتصر الفن الحديث على الأسلوب القديم وكما يقول مكيافيللي: “كانت حرباً هجومية قصيرة سريعة الحركة” أو على ما يمكن ان نطلق عليها اليوم “حرباً خاطفة”([14])
( claireé guerre), ويقول مكيافيللي ان الحرب سارت والفرنسيون يستطيعون ان يعينوا حتى المنازل التي يريدون ان يقيم فيها جنودهم دون خوف من مقاومة القوات الإيطالية الضعيفة([15]), واجتذبت هذه الانتصارات الفرنسية السريعة الأسبان والألمان لأن يمدوا أيديهم للحصول على مثل هذا الكسب, وعلى غير ما اراد الإيطاليون, وجدوا أنفسهم مجرد نظارة يشهدون بلادهم وقد اصبحت مسرح القتال لأوروبا ومركز لاجتذاب لكل الغرباء الذين يريدون الوصول إلى الشهرة العسكرية.
لقد أعجبت إيطاليا كلها وسجلت أسماء كبار القادة, أمثال جتينانودي كونسالفو الذي صنع المعجزات في حملاته النابوليتانية بأن حوّل جموع المحاربين الاسبان المأجورين ليكونوا مشاة موفوري الضبط والربط والتنظيم, ومثل جاستون دي فواكس الذي استطاع بتحركات جنوده السريعة ان يسبق في قوة المناورة خصومه الأكثر منه عدداً, ومثل فروندسبرج الذي نظم القوات الألمانية, والذي تولى قيادتهم في ما بعد عند نهب روما. وقد وصل الباحثون إلى ان الإيطاليين يجب ان يعيدوا تجديد واصلاح تعاليمهم العسكرية اذا شاءوا ان يتساووا بالبرابرة الأجانب وان يكونوا مرة ثانية سادة بلادهم.

مكيافيللي وإصلاح التعاليم العسكرية الإيطالية
على ان الرغبة العامة لتفهم المسائل العسكرية والتي كان من الضروري ان تثيرها هذه الفترة الثورية, بالإضافة إلى مأساة إيطاليا, سببت تعمق مكيافيللي إلى حد كبير في دراساته, وذلك تبعاً لتجاربه العملية في السياسة الفلورينتينية, إذ تلقن درساً خاصاً في ميدان التنظيم العسكري بما فيه من تعقيدات سياسية.
كانت اكبر تراجيديا في حياة مكيافيللي انه لعب دوراً سياسياً إيجابيا فقط لمدة قصيرة نسبياً امتدت من عام 1498 إلى عام 1512 عندما كان بييرو سودريني اكبر موظفي الدولة, وعندما كان سودريني هذا يوجه سياسة دولة مدينة فلورنسا. على ان ارتباط نشاط مكيافيللي السياسي بحكم سودريني لم يكن مجرد صدفة, فبعد إقصاء آل مديتشي وبعد مرور فترة قصيرة في اضطراب وفوضى اتفق الديمقراطيون والأرستقراطيون, الحزبان المتنافسان في فلورنسا, على اختيار سودريني للحكم, ولم يكن هذا قادراً ولا راغباً في الوثوق تماماً بالارستقراطيين ولا بالديمقراطيين, ولهذا انتهى إلى اعتبار مجموع الموظفين الدائمين في حكومته على انهم الدعامة الأساسية لحكمه. ولم تكن لتتوافر له فرصة ليكون شخصية بارزة في أي من الحزبين, ولكنه كسكرتير في الرئاسة كان بالطبيعة من أفراد المجموعة التي يفضلها سودريني ويعقد عليها آماله. ولهذا تهيأت له الفرصة ليظهر معدنه الطيب.
وتحقق سودريني بسرعة من كفاية ومواهب هذا الرجل صغير السن فاجتذبه إلى دائرة خلصائه واستخدمه في أعمال إدارية وسياسية هامة, وبذلك وصل مكيافيللي إلى أعماق المشاكل العسكرية التي كانت تسيطر على حكومة سودريني وهي مشاكل إعادة غزو بيزا... كانت بيزا الميناء الهام في مدخل نهر آرنو, وقد انتهز أهل بيزا فرصة الاضطراب الذي أوجده الغزو الفرنسي وحرروا بلدهم من حكم فلورنسا. ولهذا كان استقرار حكم سودريني يتوقف بوضوح على مدى نجاحه في إعادة غزو بيزا. وعاماً بعد عام استخدمت فلورنسا احسن القادة المحاربين المأجورين الإيطاليين, كما بذلت الجهود لدراسة تنفيذ اكثر المشروعات جرأة كمحاولة حرمان بيزا من موارد مياهها بتحويل مجرى نهر آرنو, ولكن في كل عام عندما يقترب الشتاء تتوقف العمليات الحربية وتظل بيزا بمنجاة من الغزو.
وكان هذا الإخفاق مصدر انتشار موجات من عدم رضاء الشعب عن حكم سودريني. كما انه سبب ضياع نفوذ وهيبة فلورنسا, فضلاً عن ان الاضطرار إلى متابعة استخدام المحاربين المأجورين كان بدوره جهداً مستمراً على خزانة فلورنسا, وعبئاً ثقيلاً بالتبعية على دافعي الضرائب. وبحث سودريني وأصدقاؤه عن وسيلة جديدة يمكن بها الوصول بحصار بيزا إلى نهاية ناجحة, ووقف هذا العبء المالي المستمر على الخزانة. وكان من بين الآراء التي بحثت رأي يقول باستخدام أهالي توسكانا في تشكيل ميليشيا شعبية. ولسنا ندري ما إذا كان مكيافيللي هو أول من اقترح هذا المشروع.. ولكن ما نعلمه هو ان مكيافيللي كتب المذكرة الحاسمة التي على أساسها وضع قانون عام 1506 الذي فرض الخدمة العسكرية الإجبارية على كل الرجال بين سن الثامنة عشر والثلاثين.
ولم يكن هذا القانون ليوجد نظاماً كاملاً للتجنيد, ولكنه كان خطوة أولية في ذلك الاتجاه. ولم يطبق قانون الخدمة الإجبارية على مواطني فلورنسا بل اقتصر على سكان المناطق الزراعية في توسكانا التي كانت خاضعة لحكم فلورنسا. وحتى من هؤلاء اختير فقط عدد قليل مع العناية الدقيقة بعدم تعطل نشاط الحياة المدنية, ولم يسبب التدريب عبئاً ثقيلاً على المجندين, فقد كان القرويون يدربون في أيام الآحاد وأيام العطلات على السير واستخدام آلات الحرب القاطعة التي سلحوا بها, ولمرتين في العام كان الرجال من القرى المختلفة يسيرون إلى المدن التي في مقاطعتهم ليتدرّبوا لمدة يومين في تشكيلات كبرى. ولم يجرؤ السياسيون الفلورنتيون ان يوافقوا على مقترحات أوسع مدى لانهم كانوا يخافون ان يثور فلاحو توسكانا بمجرد ان يسلحوا, وان يحاول سودريني ان يجعل من نفسه حاكماً مطلقاً بمعاونة مثل هذا التنظيم العسكري القوي.
على انه يرجع أساساً إلى جهود مكيافيللي وحده ان وصلت هذه المحاولة التي أعدت دون ان تستند إلى رضاء كامل عنها بتعبئة قوى الرجال في فلورنسا إلى نتائج عملية, وان يقوم ألفان من الميليشيا منذ عام 1507 بنصيب كبير في حصار بيزا. كانت عملية التجنيد قد باتت جزءاً من أعمال مكتبه, وكان يتجول في الريف ليختار بنفسه الرجال الذين يلحقون بالخدمة العسكرية, وكان أيضاً مسؤولاً عن اختيار الضباط, فلما عسكر جنود الميليشيا حول بيزا كان هو المسؤول عن تموينهم...
وبالرغم من ان رجال الميليشيا خدموا فقط كقوة احتياطية للجنود المأجورين إلا ان دورهم في الحصار كان كبير الأهمية, وهو ما ادى إلى النجاح النهائي الذي حصلت عليه فلورنسا. ان جنود الميليشيا هم الذين ابقوا الحصار مستمراً طوال الشتاء فمنعوا أهل بيزا من الحصول على إمدادات وتموين, وبذلك جوّعوهم. واضطروهم للتسليم في عام 1509, وزاد الدور الذي قامت به الميليشيا بازاء بيزا من ثقة الفلورنسيين بتعاليمهم العسكرية الجديدة, واعتمدوا بدرجة كبيرة على جيشهم المجند, ولكن بعد عامين اثنين عندما اقترب جيش الإمبراطور من فلورنسا لإعادة حكم المديتشي, فشل جنود الميليشيا فشلاً ذريعاً ازاء هؤلاء الجنود المدربين.
كانت الميليشيا قد حشدت في مدينة براتو الصغيرة لحراسة الطريق المؤدي إلى فلورنسا, ولكن جنود الإمبراطور اخترقوا جدران المدينة في هجومهم الأول, واصيب جنود الميليشيا بفزع ورعب ودبت الفوضى في صفوفهم وولوا الأدبار دون ان يقوموا بأية مقاومة. وفي هذه الفوضى هلك اكثر من أربعة آلاف غالبيتهم من جنود الميليشيا, وكانت مذبحة مشهورة بالرغم من انها كانت في عصر اشتهر بالإسراف في سفك الدماء, وأضحى الطريق مفتوحاً وعاد المديتشي إلى بلدتهم منتصرين.
ووضعت عودة المديتشي إلى فلورنسا نهاية حياة مكيافيللي السياسية, وضاعت ادراج الرياح كل محاولاته للعودة الى عمله, وانقلب في هذا التقاعد الذي فرض عليه مبكراً من العمل إلى التفكير, ومن التجربة السياسية إلى التفكير السياسي, وفي ذكرياته لتجاربه السياسية لا بد وان تكون مشكلات الحرب والتنظيم الحربي ذات طعم مرير في فمه, أي انها كانت موضع ايلام له.
ألم تكن الميليشيا, التي هي إلى حد ما وليدة تفكيره, من العوامل الفعالة التي أدت إلى سقوط الحكم الجمهوري؟ ألم تكن هي كذلك السبب الرئيسي للانقلاب السيء الذي حدث في حياته؟
ومع هذا فان الارتباط الشخصي لمكيافيللي بهذه المشكلة لم يؤد به إلى الشكوى من أعماله, أو إلى لوم الآخرين وسَوق التهم اليهم, لقد كانت الظاهرة البارزة في عقلية مكيافيللي انه نظر في تعمق إلى السوابق التاريخية وراء الحقيقة السياسية المنعزلة, ولم يقتنع حتى اكتشف القاعدة العامة التي أوضحت له هذه الظواهر.
لقد أدت رغبة مكيافيللي في الدفاع عن أعماله إلى دراسات عامة مثمرة وبذلك كشفت له دراساته عن تأثير العوامل العسكرية على حظ إيطاليا وما أصابها, كما كشفت له عن التطورات التي وقعت في عصره, وقادته تجاربه الموضوعية إلى اختبار ودرس المشكلات العسكرية في عصره وبذلك كان أول مفكر عسكري في أوروبا الحديثة.

الحضورالدائم لفن الحرب في كتابات مكيافيللي
عني مكيافيللي كما رأينا بالمسائل العسكرية بسبب ما أحس به في تجاربه الخاصة من تأثيرها القوي في التطورات العامة للحوادث السياسية, ولهذا فان تحليل آراء مكيافيللي العسكرية لا يمكن ان يقف عند حد دراسة كتابه العسكري “فن الحرب” والذي خصصه للمسائل العسكرية. ففي كتاباته التاريخية والسياسية تلعب الحرب والتنظيم العسكري دوراً هاماً أيضاً, ونجد هذا بوضوح في كتابيه “الأمير” و “المطارحات” وفي “تاريخ فلورنسا”, وكل الخلاف الذي يمكن ان نجده بين الآراء العسكرية التي جاءت في كتابه “فن الحرب” وفي كتبه الأخرى التاريخية والسياسية قد يكون ناتجاً عن التباين في الأهداف التي لأجلها كانت هذه الكتب.
فكتاب “فن الحرب” يقدم عرضاً فنياً منتظماً لآراء مكيافيللي العسكرية بينما تقدم هذه الآراء في كتابيه “الأمير” و”المطارحات” كمقترحات ذات طابع تعريفي إيضاحي. ويعنى كتاب “فن الحرب” برسم برنامج إيجابي للإصلاح العسكري بينما ان الملاحظات عن المسائل العسكرية التي جاءت في كتابيه المشار إليهما لها طابع سلبي, فهي انتقادات موجهة للتعليم العسكري في ذلك العصر. وقد وجهت انتقادات مكيافيللي وملاحظاته السلبية إلى النظام العسكري في إيطاليا أبان القرن الخامس عشر قبل الغزو الفرنسي, وكان القادة من المأجورين وجنودهم من سرايا الخيالة هم هدف انتقاداته وهجومه وموضع عدم احترامه أو تقديره. يقول: “كانوا مفككين لا تربطهم أي وحدة, تملؤهم الأطماع, غير مخلصين ولا تتوافر فيهم روح الضبط والربط... شجعان بين الأصدقاء, جبناء في مواجهة الأعداء, لا يهابون الله.. ولا إيمان لهم بالرجال”([16]).
وكان رأيه السيئ فيهم واضحاً في تعبيراته التهكمية عنهم في كتابه تاريخ فلورنسا عندما تحدث عن المعارك التي خاضتها جيوش المحترفين في القرن الخامس عشر, وفي معركة “زاجونارا”, تلك المعركة ذات الشهرة الكبيرة في إيطاليا, لم يقتل أي فرد عدا لودوفيكو أو بتزي, وقد سقط هو ورجلان من جنوده من فوق جيادهم فاختنقوا من الأوحال”([17]). وفي معركة “انجياري” التي استمرت من الساعة العشرين إلى منتصف الليل قتل رجل واحد فقط وهو لم يُجرح ولم يمت بضربة خصم, بل سقط من على ظهر جواده فداسته الأقدام([18]), وفي معركة مولينيلا: “التي استمرت لنصف يوم, لم يقتل فرد بل جرحت بعض الخيول واسر كل من الجانبين بعض الأسرى من الجانب الآخر([19]).
واوضح مكيافيللي ان القادة المحترفين وجنودهم قاتلوا أسوأ قتال, إذ لا مصلحة معنوية كانت تربطهم بالحرب, وكانوا مأجورين يهمهم فقط الكسب المادي: “ولم يكونوا يشعرون بان لهم وطناً يقاتلون في سبيله, ولا دافع يبقيهم في الميدان عدا الأجر التافه الذي يتقاضونه والذي لم يكن كافياً ليموتوا في سبيله([20]).
وتبعاً لآراء مكيافيللي كانت الاعتبارات المالية لها التوجيه الأكبر لطبيعة التنظيم العسكري كما كان لها هذا أيضاً في إدارة الحرب في إيطاليا طوال القرن الخامس عشر, ولما كان الجنود هم رأس مال القائد الأجير المحترف فانه بلا شك لم يكن راغباً في فقدهم في المعركة والا كان كأنه يخسر رأس مال نظير دراهم معدودة, ولهذا كان يتجنب المعركة الالتحامية ويفضل عليها حرب المناورات, فاذا لم يمكنه تجنب المعركة عمل على ان تكون خسارته فيها اقل ما يمكن, ولهذا كان العصر عصر معارك غير دامية, ولكن في ذات الوقت فان الحروب القصيرة الأجل لم تكن في صالح القادة المأجورين, وهم لا يريدون بالتبعية ان يفقدوا عملهم وصناعتهم, ولهذا فحتى عندما يبدو النصر واضحاً ومحققا فانهم يطيلون من أمد الحرب بتحويلها لعدة حملات متتالية, وقد أشار مكيافيللي إلى ان إغفال استخدام جنود المشاة في إيطاليا انما يرجع سببه إلى المصالح المالية للقادة المأجورين ذلك أن الجنود المشاة يمكن إعدادهم بنفقات اقل مما يتطلب إعداد الجنود الراكبين الذين هم رأس المال المتداول للقادة المأجورين, وبغير الجنود الراكبين كان من الممكن ان تتحول الدول كلها إلى التجنيد كوسيلة رخيصة لزيادة عدد جنودها عن عدد جند جاراتها.

وقد قال مكيافيللي انه من وجهة عامة كان القليل من التحسين أو التطور هو وحده المستطاع في ضوء الأحوال القائمة. ولما كان كل القادة المأجورين يعملون بذات الدوافع والاثرة وحب النفس وقد اعتبروا الحرب الوسيلة الوحيدة للعمل والحياة, فقد كانت مصالحهم المشتركة في ان يتقبلوا كل القواعد القائمة وان يلعبوا ذات الدور. على ان الوصف التفصيلي الذي قدمه مكيافيللي للأساليب الإيطالية لفن الحرب في القرن الخامس عشر يجب ألا يعتبر حقيقة تاريخية. ففي حديثه عن القادة المأجورين فعل ما فعله مصورو عصره. فقد بنى كل وصفه التفصيلي حول اتجاهات بارزة قليلة تاركاً كل شيء آخر يمكن ان يجعل الصورة العامة مضطربة أمام النظارة, أو انه لا يكشف عن الصورة الحقيقية التي هدف إلى تصويرها في حديثه. ومن الضروري ان نذكر على نقيض الوصف الذي قدمه مكيافيللي ان القادة المأجورين في النصف الثاني للقرن الخامس عشر بدأوا يعنون بالمسائل العسكرية المستحدثة وبدأوا يستخدمون جنود المشاة والمدفعية.
ويجب أيضاً ان نذكر بأنه كانت هناك منافسة وخصومة بين القادة المأجورين, وبالتبعية فانهم كانوا تواقين إلى هزيمة العدو لأطماعهم الشخصية وللمحافظة على سمعتهم والإبقاء على مكانتهم, ولهذا فانهم اذا كانوا يتجهون في الغالبية إلى حرب المناورة فان هذا لم يكن بوحي من ضمائرهم, ولم يكن كذلك عن قصد سيئ, كان الموقف السياسي في إيطاليا في القرن الخامس عشر هو الذي يحدد استراتيجيتهم أو يمليها عليهم, وكذلك فان الوسائل المحدودة نسبيا التي كانت هي كل طاقة الولايات الصغيرة والتي كانت متساوية تقريباً في القوة, كانت هذه الوسائل تكوّن في جملتها العقبة الكأداء التي تمنع حشد أي قوة أو جهد, وكان من الممكن جعل الإصلاحات العسكرية مستطاعة بدرجة كبيرة.
ولم يكن مكيافيللي غافلاً عن الصلة أو الارتباط بين نظام إيطاليا السياسي وبين آلتها الحربية غير الصالحة للتمشي مع الزمن. وقد أدرك مكيافيللي ان إيطاليا كانت تحتاج ما هو اكثر من التدابير ذات الطابع الفني, وما هو اكثر من إلغاء استخدام الجنود المأجورين, وما هو اكبر من استخدام المشاة وذلك حتى تستطيع مقاومة اعتداء باقي الدول الأوروبية بنجاح. لقد كان في الروح التي أدار بها الإيطاليون حروبهم شيء أساسي خاطئ, فيقول : “ولا يمكن ان تسمى حربا عندما لا يقتل الناس بعضهم بعضاً, وعندما لا تدمر المدن وتنهب الأرض”([21]) فان التدمير الكامل لأرض العدو يجب ان يكون الهدف الأساسي للحرب, والحرب الحقيقية قتال للبقاء, وفي مثل هذا القتال فان كل شيء يسمح به: “وعندما يكون أمن الدولة وسلامتها متوقفان على القرار الذي يتخذ, فلا ينبغي البتة تقدير العدالة أو نقيضها, ولا ينبغي التفكير في القسوة أو الإنسانية ولا في الشرف أو العار”([22]), ان أساليب الحرب يجب ان تقدر فقط تبعا لتأثيرها ونتائجها...
ويقول مكيافيللي بإعجاب عن كاستروتشيو كاستراكاني: “ولو استطاع الكسب بالخداع والتضليل فانه لا يحاول إطلاقا استخدام القوة وذلك لأنه قال بأن النصر, لا وسيلة الحصول عليه, هو الذي يجيء بالفخر للمنتصر”, وبذلك فقد ظن مكيافيللي بأن عناية القائد لا ينبغي ان تحدد بالأعمال العسكرية فقط, بل انه يجب ان يعنى باستخدام وسائل أخرى صالحة لخداع العدو سواء أكانت مباشرة أم غير مباشرة كنشر الشائعات
مثلاً...([23]).

الحرب النفسية وأهميتها عند مكيافيللي
قد يكون إسرافاً القول بأن مكيافيللي كان سباقاً في الحديث عن الحرب السيكولوجية أو عن تفهم وجودها, ولكن مع هذا فان هناك ما يوضح الكثير من اتجاهاته إلى هذا الامر, ففي عصر مكيافيللي, وفي معركة رافينا تحديداً, كان المتقاتلون في الجانبين المتضادين يتبادلون تحدياً مهذباً ومجاملات مليئة بروح الفروسية قبل بداية العمليات العدائية, وهذه كلها تدل ولو من الناحية النظرية على ان الحروب كانت تخاض تبعاً لقواعد محددة ثابتة, ولا تزال ماثلة الأدلة التي تثبت ان الطرفين المتضادين كانا يتقاتلان في ظروف عادلة متساوية, وكان هذا هو قاعدة وجهة نظر مكيافيللي في السماح باستخدام كل القوى الممكنة في الحرب, كانت الدولة في مجموعها بنظره كمخلوق بشري حي توضع كل موارده وقوته وشجاعته وذكائه موضع التجربة في وقت الحرب.
وقد انتُقد مكيافيللي بسبب ما وضح من عدم دقة تقديره لأهمية اختراع المدفعية, ولقلة تقديره أيضاً لدور المال في الحرب, ومع هذا فان وجهات نظره في هذه النقاط تبدو منطقية ومفهومة. والفصل القوي الذي كتبه في كتابه “المطارحات” عن “قيمة المدفعية للجيوش الحديثة وهل كان الرأي العام مصيباً في احترامه وتقديره لها”([24]), لم يكن بحثاً خالصاً لتأثير اختراع المدفعية في تطور فن الحرب بقدر ما عنى بناحية واحدة من المشكلة هي أهمية الشجاعة وقوة الابتكار والمبادرة بالنسبة لهذا السلاح الجديد من أسلحة الحرب. لقد سمع مكيافيللي الناس يقولون: “ان الحروب التي ستجيء بعد اليوم ستكون كلها حروب مدفعية”, وكان كل جدله في الموضوع لاثبات عدم صحة وجهة النظر هذه, فهو لم ينكر ان المدفعية قد زادت من قوة الضرب, ولكنه عارض فكرة ان المدفعية وحدها يمكن ان تكون حاسمة. ان نتيجة اختراع المدفعية لم تكن لتؤدي إلى ان تضحي الحرب فناً خالصاً للأخصائيين المهندسين, بل لا تزال هناك ضرورة ملحة لجمع كل القوى العسكرية والمعنوية للدولة. فالعوامل الحاسمة لا تزال كما كانت دائماً ميزة القائد وشجاعة الجندي.
وقد قدم مكيافيللي شيئاً مثل هذا في مناقشته لدور المال في الحرب في الفصل الذي نشره بعنوان “ليس المال عصب الحرب بالرغم من انه يعتبر كذلك من وجهة
عامة”([25]), وقد ختم مكيافيللي بحثه بقوله: “ليس المال بل الجنود الأقوياء الصالحون للقتال هم الذين يؤكدون النصر في الحرب لأن المال لا يستطيع ان يخلق جنوداً صالحين”.
على ان معاصري مكيافيللي كجتشارديني مثلاً انتهوا من هذه الأقوال إلى ان مكيافيللي كان نظريا وان لا خبرة له في المسائل العملية, ولكن الواقع ان هناك فقرات كثيرة في خطابات مكيافيللي توضح انه في موازنته للفرص الممكنة للنفوذ السياسي كان يضع عامل المال موضع التقدير.
ان مكيافيللي لم يرغب في ان يجعل الموارد المالية بغير أهمية في ادارة الحرب, ولكنه كان يفكر في المدن الإيطالية الكبيرة مثل فلورنسا وميلان التي برغم ثرائها سقطت فريسة للأجانب, كان رأيه الذي يقتنع به هو ان القوة العسكرية هي قاعدة وأساس القوة السياسية, وان المجال يكمل القوة السياسية فقط عندما يحول إلى قوة عسكرية.

الروح العسكرية هي أساس القوة
ثمة في ملاحظات مكيافيللي معنى اكثر سعة للعلاقة بين القوة المالية والقوة العسكرية, فقد كان لديه شعور ان الفضائل التي تتطلبها الحرب ولا تتمشى مع الاتجاهات الناتجة عن النشاط التجاري. وكان يعتقد بأن الاتجاهات السلمية التي توافرت للإيطاليين في القرن الخامس عشر منعت تطور الروح العسكرية الحقة. وادرك ان هناك علاقة تربط انتشار الروح السلمية هذه بالانشغال بالمصالح التجارية. وفي واحدة من رسائله التي تكشف عن حقيقة نفسه والتي بعث بها إلى صديقه فيتوري يقول([26]): “لقد رسم الجد لي انني ما دمت لا أستطيع مناقشة صناعة الحرير أو الصوف فمن الضروري ان اناقش في السياسة, وكان عليّ اما ان اصمت واما ان أتحدث في ذلك الموضوع”.
وبلا شك لم يعتبر شعوره بخطأ وضعه في مجتمع تجار الصوف والحرير والذين يحكمون فلورنسا نقصاً أو عدم كفاية, كان رأيه ان الدور الذي لعبته الاعتبارات المالية في عقلية أهل فلورنسا هو سبب الانهيار السياسي لها, ففي الدولة التي تطمع في ان تصل إلى العظمة السياسية يجب ان تطغى المصالح السياسية على كل ما عداها. وقد دفعته قلة تقديره وامتهانه للمحاربين المأجورين ــ كما وجهه نقده للأساليب الإيطالية في فن الحرب ــ إلى المطالبة بروح جديدة للبطولة العسكرية.
ان الميوعة أو فتور روح القتال كانت هي, على ما ظن, نتيجة للكسب الشخصي في مجتمع تسيطر عليه المصالح المالية والتجارية, ولا يمكن ان يتوافر جنود لجيش لا يقهر إلا في شعب تكون عظمة بلاده هي الهدف الأكبر للناس كلهم لا ان يكون هذا الهدف هو صالحهم الشخصي والا في شعب يكون كل أفراده على أتم أهبة للتضحية بكل شيء في سبيل معتقداتهم السياسية وان يموتوا في سبيل هذه المعتقدات.
ومن الممكن بسهولة ان نخرج بالأصول الأساسية لآراء مكيافيللي في الإصلاح العسكري من مناقشة نقده للأساليب السابقة. فلقد كان في جانب تكوين جيش من الجنود المشاة يجمعون على أساس التجنيد. ومثل هذا التنظيم العسكري يتطلب إصلاحات سياسية, ولا ينجح إلا اذا اقترن بروح جديدة ترفع القيم السياسية فوق ما عداها, وبالإضافة إلى هذا فان الناس الذين يحكمون أنفسهم يكونون اكثر رغبة في القتال لأنهم يدافعون عن أنفسهم وعن كيانهم.. وبذلك كان مكيافيللي يعني وجود علاقة قوية بين الديمقراطية وبين فكرة تكوين جيش من المترجلين المجندين.
ومع هذا فان قراءة كتابه “فن الحرب”, أي كتاب مكيافيللي الرئيسي في المسائل العسكرية لا بد وان تتسبب بالخيبة. ذلك اننا لأنه لا نجد ما نتوقعه من مناقشة تفصيلية لكيفية تطبيق هذه الآراء في ضوء أحوال القرن السادس عشر مع الوصف الحقيقي لطابع الحرب في ذلك العصر.
كان مكيافيللي وليد عصر النهضة, وكانت طريقته لاثبات صحة آرائه هي ان يوضح انها كانت صالحة في العالم القديم, وكان يؤمن بأن أقوى النقاط التي يمكن ان يقدمها في صالح نظرياته هي ان الجيش الروماني كان جيشاً من المشاة المجندين. ولهذا كان كتاب مكيافيللي إلى حد بعيد إيضاحا للتعاليم العسكرية الرومانية, وكانت الأمثلة التي استخدمها مأخوذة في غالبيتها من كتابات المؤرخين الكلاسيكيين أمثال ليفي وبوليبيوس, واتبع بالمصادر والآراء الكلاسيكية في الفن العسكري, وكان كتابه نوعاً من التبسيط للدراسات العسكرية الكلاسيكية ليتناسب مع العصر الذي جاء فيه.
على ان المرجع الرئيسي للإيحاء كان كتاب فيجتيوس “فن العسكرية”, فقد كان هذا أيضاً يعنى بذات الموضوعات: اختيار الرجال, إعداد وتدريب الجنود, صورة المعركة, ثم الحوادث المختلفة التي يمكن ان تعرض في مسار العمليات الحربية, ونظام السير والتعسكر وفن التحصينات. وقد اتبع مكيافيللي ــ حتى في تنظيم هذه الموضوعات الرئيسية ــ الأسلوب الذي جاء في كتاب فيجتيوس, ولهذا يستطيع الفرد ان يقول بأن أحد الأسباب لإغفال كتاب مكيافيللي “فن الحرب” في العصر الحديث هو انه اعتبر لا شيء اكثر من نسخة إيطالية, أو إلى حد ما نسخة مستحدثة لكتاب “فيجتيوس”.
وقد تحول مكيافيللي في بعض الأحوال عن النماذج الكلاسيكية. ولما كان الواضح انه اعتبر إحياء الفن العسكري القديم هو واجبه الأساسي فقد كان من الضروري ان يبدو هذا له وكأنه ذا أهمية تتطلب عناية خاصة منه. وأبرز النقاط التي تحول فيها عن المسار الذي اتبع فيه فيجتيوس هي معالجته المستفيضة لأهمية المعركة في الحرب. فعلى نقيض فيجتيوس الذي بحث هذا الأمر في إيجاز فان الحديث عن المعركة قد احتل المكان الأكبر في كتاب مكيافيللي “فن الحرب”, ففي الكتاب الثالث نجد وصف معركة تخيلية تقف في موضع نقطة الإرتكاز بالنسبة للكتاب كله, وكان الكتابان الأولان قد وقفا كلاهما للحديث عن اختيار الجنود وتدريبهم ووصف كيف يمكن وضع الجيش الصالح للعمل العسكري في ميدان القتال, أو بمعنى اخر فان أحاديث الكتابين انما تقود للحديث عن المعركة.
فاذا ما انتهى من الحديث عن المعركة خف الجهد, وكانت أهداف الكتب التالية, نظام السير والتعسكر والتحصينات. وعالجت هذه الموضوعات الواحد اثر الآخر في دراسات موجزة تربط بينها وشائج ضعيفة وصلات رخوة, وهكذا ــ في صورة غير مباشرة ــ كانت المعركة في الواقع هي الجزء الأساسي للكتاب كله, هذا فضلاً عن ان أهمية المعركة توضع بشكل لافت للقارئ في فقرات مبعثرة على طول صفحات الكتاب. “اذا كسب القائد معركة فان هذا يلغي كل الأخطاء السابقة”([27]), والمعركة هي “النهاية التي لأجلها أعدت الجيوش, ولهذا فمن الضروري العناية بإعداد جنود هذه الجيوش”([28]), و”ان الغرض الأساسي لكل العناية التي تبذل من اجل الضبط والربط والنظام الجيدين هو إعداد جيش صالح ليشتبك بالعدو في حال حسنة لأن القصد التام يكون عادة نهاية الحرب”([29]).
وفضلاً عن هذا فان نتيجة المعركة لا يمكن تجنبها. فاذا قرر عدوك الاشتباك في المعركة, فانه يستطيع إرغامك على القتال في مكان تضطر لقبول التحدي عنده “ان القائد لا يستطيع تجنب معركة يكون العدو قد قرّر القيام بها مهما كانت الأخطار التي يواجهها([30]), أضف إلى هذا انه منذ ان كان اختراع المدفعية فان القلاع والحصون قد باتت بلا قيمة لوقف العدو.. ان المعركة هي الميزان الضروري لكل حرب. ومن الممكن ان نخرج بالكثير من السطور التي قدمها مكيافيللي والتي توضح وجهات نظره في المعركة.. ومما لا شك فيه ان الأسلوب الذي عولجت به “المعركة” في القسم الثالث من كتاب “فن الحرب” يؤكد اهتمام مكيافيللي بهذا الجزء من كتابه... فلقد جاء هذا الحديث كافياً وبدت فيه عناية بالإيضاح والتوجيه.
ويوضح مكيافيللي تفصيلياً ما يعتبر الآن نوعا من التاريخ القديم, إذ يوضح كيف ينظم الجيش خط المعركة, وكيف توضع المشاة ــ القوة الأساسية ــ في الوسط, وكيف توضع الخيالة على الجانبين لتغطيتهما, وكيف انه بعد إطلاق نيران المدفعية وبعد ان يشتبك الخيالة في المناوشات الأولية مع والمشاة الخفيفة تبدأ المعركة الحقيقية بعد ان يكون الميدان قد خلا تماماً لاصطدام القوات الأساسية من الجنود المترجلين.
وكان أولئك الذين يحملون الحراب الطويلة في الصف الأمامي, وهؤلاء يضغطون على العدو, وعندما تقصر المسافة بين الصفين المتضادين يتبادل حاملو الحراب اماكنهم مع حاملي السيوف, وتعتبر هذه من اللحظات الحرجة لان نتائج المعركة كلها تتوقف على المهارة في اجراء هذه المناورة “ولكن اية خسائر (واي عدد من الجرحى) لقد بدأ العدو الفرار. انظر انهم يولون الأدبار من اليمين ومن اليسار. لقد انتهت المعركة. ولقد كسبنا نصرا كبيراً”([31]).
وبهذه الكلمات ينهي مكيافيللي وصفه للمعركة.. وهي في الواقع لا تعتبر تحليلاً للمناورات المستطاعة بقدر ما يمكن ان تعتبر سرداً قصصياً لما يمكن ان يراه مراقب يشرف على مكان المعركة ويستطيع ان يرقب سيرها بوضوح. انها معركة مصورة في كلمات. ولما كانت في الحقيقة معركة مرئية من خارج مسرح الحرب فان كل مراحلها تبدو كأنها معدة من قبل, فتسير المراحل تبعاً لخطة موضوعة وتنقصها عوامل الغموض والإحراج وما إليها من العوامل التي تقرر نتيجة المعركة, والتي لا يمكن تقديرها لأنها تجئ مفاجأة وبسرعة وتذهب كذلك مخلفة آثارها فقط. ولكن كانت علة هذا النقص في حديث مكيافيللي ان فن التحليل للعملية العسكرية كان في بدايته ولم يكن معروفاً للكتّاب من قبل.
وقد نظر مكيافيللي إلى المعركة كعمل تسيّره آلة أحسن تزييت محركاتها وأجزائها, وكان هذا التقدير من جانبه اقرب ما يكون إلى سير المعركة الحقيقية. ففي ذلك العصر لم يكن هناك مكان لقوة الابتكار ما دامت المعركة قد بدأت, وما دامت مربعات الجنود المترجلين التحمت ببعضها البعض فانه من المستحيل تماماً ان يمكن القيام بأية مناورات. وكان الجانب الذي يستطيع ان يضع وراء قوته الدافعة الضاغطة قوات أخرى تمكن من استمرار هذا الضغط هو الذي يكسب المعركة. ولهذا فقط كان التدريب الذي يتلقاه الجنود قبل المعركة يلعب دوراً حاسماً في نتيجتها, هذه النتيجة التي كانت تتوقف على درجة الارتباط والتماسك بين صفوف الجند كما تتوقف على الحركة المنتظمة التي ينفذون بها عملية الضغط على العدو. لقد كان فروند سبرج ــ على سبيل المثال ــ من سادة المدربين وترجع شهرته العسكرية إلى دقة ضبط حركات الجنود الذين دربهم.

أهمية تنظيم الجيش في المعركة عند مكيافيللي
ومن الأهمية التي يقدرها مكيافيللي للمعركة يمكن ان نرى انه كان معنياً بمشكلة الضبط والربط, بل ويمكن ان نقول بأن هذا “الضبط والربط” كانا في تقديره اهم نواحي فن الحرب. ولم يغفل في كل فرصة عن ذكر أهمية الضبط والربط الجيدان لانهما أساس وقاعدة الجيش الجيد “ان النظام الجيد يجعل الجنود شجعاناً بينما يجعلهم الاضطراب جبناء”([32]), “ان الضبط والربط اكبر تأثيراً من الشجاعة, ويمكن ان يتغلب على القوة وحدها”, “ان القليل من الرجال هم شجعان بالطبيعة, ولكن النظام الجيد والتجربة يجعلان الكثيرين شجعاناً, ان النظام والضبط والربط في جيش يمكن الاعتماد عليها بدرجة اكبر من الاعتماد على الشجاعة وحدها”([33]).
وكانت مشكلة الضبط والربط في الجيش لمكيافيللي ظاهرتين مختلفتين: فأولاً من الضروري ان يدرب الجنود على أسس استخدام أسلحتهم وان يعوَّدوا على العمل معاً في تشكيلات, “فهم يجب ان يعلّموا المحافظة على صفوفهم وان يطيعوا أوامر القادة وإشارة الطبلة وان يحافظوا على النظام الدقيق سواء أكانوا متوقفين أم متقدمين أو متقهقرين أو مشتبكين بالعدو”([34]), والأمر الثاني, وهو الظاهر الأكثر أهمية في الضبط والربط وكان مثار مناقشة طوال القرنين التاليين, وهو مسألة تقسيم الجيش إلى وحدات تكتيكية صغرى. فقد كان من الضروري المحافظة على الضبط والربط أثناء القتال وان تقسم جموع الجنود المترجلين إلى جماعات صغيرة, لتتوافر لهم المرونة والقدرة على المناورة.

وقد أوصى مكيافيللي في إعداد خط المعركة ان تقف ثلاث مجموعات خلف بعضها البعض... وبذلك يمكن متابعة القتال اذا لم ينجح الاندفاع الأول... وقد نصح باتباع نظام “اللجيون الروماني” كمثل يحتذى, وان تكون اكبر قوة متجمعة معاً هي “الكتيبة” وتتكون كاللجيون من عدد يتراوح بين ستة آلاف وثمانية آلاف جندي. وعلى مثال اللجيون فان هذه الكتيبة تنقسم إلى عشرة أقسام, كلٌ بقيادة ضابطه, وفي ضوء هذا التنظيم أوصى بألاّ لا يزيد تعداد الجيش كحد أقصى عن خمسين ألف جندي” ذلك لأن القدر الذي يزيد على هذا يسبب إضطراباً لا يمكن السيطرة عليه, بل ان هذه الزيادة تسبب فوضى حتى بين الجنود الذين يتوافر لهم الضبط والربط الجيدين([35]).
ويقدم لنا هذا الحديث مثالاً قيّماً, فقد كان في عقل مكيافيللي صورة محددة قائمة لما يجب ان يهدف إليه التنظيم العسكري لكل دولة, كان هذا في الواقع هو الموضوع الأساسي في تفكيره العسكري. واذا كان قد اكثر من الحديث عن ضرورة توجيه عناية خاصة ببعض الحوادث والأحوال وجعلها وحدها موضع التقدير, إلا انه كان معنياً في الحقيقة بوضع وإيجاد القواعد والأصول السليمة من ناحية عامة.
على انه يبدو ان النقص في التفاصيل الواقعية مع التجربة اللازمة للأصول العامة من ناحية الوقت والمكان... قد سببا الشك في ان تكون لآرائه العسكرية قيمة من الناحية التنفيذية... أي من ناحية التطبيق العملي لها, ومثل هذه الشكوك في القيمة العملية لآرائه كان من الضروري ان تزداد تبعاً للصورة التي قدمت بها آراؤه. لقد جاء “فن الحرب” في صورة حوار بين ثلاثة من أفراد أسرة “أرستقراطية” في فلورنسا وبين القائد المحترف فابريزيو كولونا, وجرى هذا الحوار في حديقة قصر أسرة روتشللاي, وهي مكان اشتهر بالاجتماعات والمناقشات الفلسفية التي كانت عادة تدور فيه.
ان هذا التصوير في حد ذاته يعتبر تصويراً أفلاطونيا, ويبدو فيه التقدير لروما القديمة, هذا التقدير الذي يبدو واضحاً في كل صفحات الكتاب. ولكن هذه الحقيقة تسبب اضطراب القارئ, اذ انه يجد نفسه حائراً لا يعرف ما اذا كان المتحدثون من رجال عصر النهضة ام من العالم القديم, وهل هذه الآراء التي يقدمونها تعبر عن الحاضر... ام انها مستقاة من الماضي.
ولهذا نستطيع ان نقول في إيجاز ان الآراء التي جاءت في كتاب “فن الحرب” انما هي ذات طابع يجعل المجمل العام للكتاب غير محدود الأهداف.

مكيافيللي مرجع أساسي في فن الحرب
بات كتاب “فن الحرب” من المراجع العسكرية فطبع منه في القرن السادس عشر ليس اقل من سبع طبعات, وترجم إلى اغلب اللغات الأوروبية, واعتبر “مونتاني” ان مكيافيللي من الثقات في الشؤون العسكرية ويجيء بعد قيصر وبولبيوس
وكومنييس([36]), وبالرغم من ان تغير الأساليب العسكرية في القرن السابع عشر جاء إلى الواجهة بكتّاب آخرين, فان مكيافيللي بقي مرجعاً ينقل ما كتبه ويستشهد به. وفي القرن الثامن عشر استند إليه الماريشال دي ساكس وهو يكتب كتابه “دراسات في كتاب فن الحرب”, عام 1757, وقد رأى الجاروتي, من دون الاستناد إلى حجة قوية, في مكيافيللي الأستاذ الذي علم فردريك الأكبر فن القتال الذي ادهش أوروبا بأسرها. وككل الذين عنوا بالمسائل العسكرية كان جيفرسون يحتفظ بكتاب فن الحرب في مكتبته. وعندما سببت حرب عام 1812 زيادة عناية الاميركيين بدراسة مشاكل الحرب طبعت طبعة أميركية خاصة من كتاب “فن الحرب”, ولكن مع هذا ففي القرن التاسع عشر عندما وصلت شهرة مكيافيللي كمفكر عسكري إلى القمة, كان تأثيره كمؤلف عسكري قد بدأ يزول. ان الكثيرين لا يزالون يعتبرونه الذي تنبأ بالحرب الحديثة والذي تنبأ بما جاءت به الثورة الفرنسية من مستحدثات عظيمة بإيجاد التجنيد الإجباري, ولكن الكثيرين أيضاً يثيرون فشله في إدراك أهمية المدفعية وهو يخط توصيته باتباع التعاليم الرومانية, ويرون ان هذا يدلّ على نقص في إلمامه الواقعي بالشؤون العسكرية.
قد يكون من الصعب ان نقول انه في هذا الصراع الفكري يكون الخطأ كله أو الصواب كله في جانب واحد, فمثلاً أوصى مكيافيللي بالتجنيد العام, ومهما يكن هذا الرأي مدهشاً في ضوء التطورات الحديثة فانه يؤكد اكثر مما ينفي الرأي القائل بنقص إدراك مكيافيللي للواقعية في عصره. ذلك أننا عندما نحلل القوى السياسية في عصره تحليلاً تفصيلياً عميقاً فاننا نواجه نشوء قوة المال ونمو سلطات الأمراء وكان كل هذا يوضح ان المستقبل للجيش المحترف وانه في ضوء تلك الظروف كانت فكرة جمع جيش من الاهالي على النموذج الروماني لا تعدو ان تكون حلماً جميلاً.
ولكن يمكن من جانب آخر ان نلاحظ ان عدم تقدير مكيافيللي للمدفعية ناشئ عن فكرة معقولة وثابتة هي انه بالرغم من المبتدعات الفنية الحديثة تظل العناصر الأساسية للحرب قائمة. ثم ان توصية مكافيلّي باتباع الطابع الروماني لم تكن غير عملية كما تبدو لنا اليوم, اذ كان الليجيون الروماني في الواقع الأساس الذي قامت عليه الإصلاحات العسكرية في القرن السادس عشر. من تلك التي قام بها فرنسوا الأول ملك فرنسا ثم من بعده الإصلاحات التي قام بها موريس أمير ناسو وقد وضع الأخير ــ على أساس دراسته للفن العسكري الروماني ــ نظام الوحدة التكتيكية للمشاة, ولم تلبث أساليبه في تشكيلات المشاة وتدريب جنود المشاة ان قلدت واتبعت في أوروبا. وبذلك كانت الأساليب الرومانية ذات تأثير هام ومباشر على كل التطورات الحديثة, وبهذه الصورة يمكن ان تناقش آراء مكافيلّي العسكرية في جدل لا نهاية له.
والواقع ان من الخطأ ان تقدر قيمة نظريات مكيافيللي العسكرية من ناحية نفعها المباشر فقط, فالقاعدة الصحيحة لتقدير قيمتها يجب ان تكون في هل هي تمثل مبدأ جديداً يمكن الوصول عبره إلى تفهم اكبر للأحوال القائمة في فن الحرب ام لا, أي ان تقدر قيمتها على أساس الثمار التي تجيء من الأصول العامة, لا الوقوف فقط بازاء النفع في موضوع خاص وحده, وبهذا الأسلوب كان من الممكن تقدير مكان مكافيلّي في التأريخ للفكر العسكري وتطوره.
لقد نسب إلى مكيافيللي انه أول مفكر عسكري حديث لكنه لم يكن أول من عني بالشؤون العسكرية إذ سبقه كثيرون, كما جاء في عصره كثيرون عنوا أيضاً بهذه الموضوعات, ولكن مكيافيللي رفع النقاش العسكري إلى مستوى جديد, كما أوجد الأصول التي قام على أساسها التفهم العقلي والتحليل النظري للحرب وللمسائل العسكرية. ونستطيع فقط بمقارنة آرائه العسكرية بآراء الكتاب العسكريين الذين سبقوه أو عاصروه ان نتفهم خواص ومميزات معالجته لهذه المسائل كما ندرك حقيقة وقيمة ما وصل إليه ببحوثه ودراساته.
ان المسائل العسكرية جزء من النشاط الاجتماعي للجنس البشري ما في هذا من شك, ولهذا فقد وضعت دراسة هذه المسائل ضمن الفلسفة الاجتماعية لأعلام الدراسات الدينية في القرون الوسطى, وعلى الأخص أولئك الذين عنوا بهذه الدراسات في ضوء ما جاءت به المسيحية. على انه تبعاً للتقاليد ظلت المشاكل العسكرية جزءاً من النظريات السياسية, ثم جاء أولئك الذين عنوا بدراسة الطبيعة البشرية فوضعوا تأكيدات خاصة على النواحي العسكرية في الحياة السياسية ذلك لأنهم في تحمسهم لروما وللتاريخ الروماني رأوا ان الأعمال العسكرية والتاريخ العسكري كانا أهم مستلزمات العظمة التاريخية والعظمة السياسية للدولة, ثم كان ان سببت نهضة العلوم الطبيعية والفنية ميلاد أدب جديد له طابعه الدراسي الفني. وهكذا نوقشت النواحي الفنية في العلم العسكري, كهندسة البناء وتعاليم استخدام الأسلحة, نقاشاً فنياً في عدد كبير من البحوث والدراسات.
ومما لا شك فيه ان هذه الاتجاهات الثلاثة كلها قد أثرت في تكوين آراء مكيافيللي العسكرية, وكان تقدير أهمية ما كتب فيجتيوس كمرجع ... واعتبار الرجل نفسه من الثقاة الذين يعتد بآرائهم من عمل القرون الوسطى. وكان احسن كتابين في الفن العسكري في هذه القرون الوسطى هما اللذان كتبهما اجيديوكولونا وكريستين دي بيزان, وان كان كل منهما من الناحية الأساسية ليس اكثر من اعادة ما كتبه فيجتيوس فقط مع جعله يتمشى وصور الحياة في العصر الإقطاعي الذي عاش فيه الكاتب والكاتبة. ولهذا ولكي يعمل مكيافيللي نفسه لتتمشى كتابات فيجتيوس مع العصر الذي يعيش فيه, كان لزاماً عليه ان يسير هو نفسه في خطى كولونا وكريستين. ويمكن ان نجد صورة واضحة لهذا في عنايته بالوصف التفصيلي لاستخدام الأسلحة ثم فوق هذا القسم الخاص بفن التحصينات([37]), والذي يوضح دراية مكيافيللي بمشكلات الهندسة العسكرية.
على ان تأثير أولئك الذي عنوا بدراسة الطبيعة البشرية كان اكثر وضوحاً في مؤلفات مكيافيللي, وقد كتب بلاتينا سنة 1468 يقول: “ولم يضعف قوة إيطاليا ونفوذها بدرجة اكبر مما أضعفها ان استخدام الأسلحة بات امراً غير عادي بين الناس”. وقد انتقد السياسيون الفلورنتيون الذين سبقوا مكيافيللي أمثال ماتيو بالمييري (1406- ­1475) الجندي المأجور ودافعوا عن نظرية تسليح المواطنين. واوصى أولئك الذين عنوا بدراسة الطبيعة البشرية أمثال باتريكيوس (1415- ­1494) بالتدريب العسكري الإجباري لكل الرجال صغار السن, وهاجموا الليونة أو الميوعة التي انتشرت في عصرهم بين الشباب, واسفوا لنقص البطولة العسكرية, واعتبروا الروح التجارية التي سادت الناس كلهم سبب الاضطراب السياسي في عصرهم.
وفي ختام القرن الرابع عشر كان سالوتاتي (1330- ­1406) قد لاحظ ان سياسة فلورنسا “لا توجهها الأطماع التي هي من خصال النبلاء, بل توجهها المصالح التجارية. ولما كان التاجر والصانع لا يكرهان شيئاً اكثر مما يكرهان الحرب, ويعتبرانها عدوهما اللدود فان التجار والصناع الذين يحكموننا يحبون السلم ويكرهون الخسائر التي تسببها الحرب”.
وتبعاً لهذه الصلات الواضحة بين آراء مكيافيللي وآراء الكتاب الذين سبقوه في المسائل العسكرية, فانه من الأهمية بمكان ان نبرز عدم استناده إليهم في الآراء التي هي اقوم ما في نظريته العسكرية. والواقع اننا لا نجد في الكتابات العسكرية التي سبقت مكيافيللي شيئاً يماثل توصياته عن المشاة, وتقديره للأهمية الحاسمة للمعركة. وقد وقف مكيافيللي معارضاً لتقاليد الفن العسكري في هذه النقاط كلها, وقبله لم يكن الدور البارز للخيالة موضع شك... فمثلاً يقول كوناتسانو في كتابه "De Re Militaria" المطبوع عام 1507: “ان العصر الحديث يحب راكبي الخيل لانهم اقرب إلى اليد عند الحاجة اليهم في حالة الحرب”, ولقد نصح القادة بتجنب المعارك, ذلك لأن نتيجة المعركة ليست دائماً محققة, وكتب بتريسيوس: “بالرغم من ان الذكاء والشجاعة والدراية بالعلم العسكري قد تعاون القائد, إلا ان آلهة الحظ هي التي تبقى دائماً العامل الحاسم”. وبالإضافة إلى هذا فان الحرب كان ينظر إليها كآلة ذات أغراض معنوية. وبقيت الوسائل والأصول للمستويات المعنوية ثابتة ومحددة بقواعدها.
ومع هذا فان أهم الحقائق البارزة, هي ان مكيافيللي قد حول هذه النقاط عن التقاليد المعروفة, وقدّم وجهات نظر ذات طابع واقعي بدرجة اكبر, إلا ان كل وجهات نظره تربط معاً وتكون في جملتها الأجزاء الضرورية لأسلوب واحد من أساليب التفكير المكملة لبعضها البعض. وجاءت كلها مستندة إلى قاعدة واحدة هي رأي مكيافيللي في الحرب, ومستمدة كل تفاصيلها من هذا الرأي. كانت الحياة السياسية في نظره صراعاً للبقاء بين خلايا تنمو وتمتد, وكانت الحرب طبيعية وضرورية لتقرير ما هي الدولة التي يجب ان تعيش والتي يمكن ان تتخير ما بين الافناء والاتساع, لهذا كانت الحرب محكومة بأن تنتهي إلى قرار. وكانت المعركة احسن وسيلة للوصول إلى قرار سريع تبعاً لانها تضع الدولة المهزومة تحت رحمة الدولة المنتصرة, وبسبب هذه الأهمية المركزية التي للمعركة فان توجيهها لا يمكن ان يترك للصدفة بل يجب التأهب له, واعداد التدابير الكافية اللازمة إلى الحد الذي يجعل النصر مؤكداً إلى اقصى ما يمكن.
لهذا كان الاعداد الدقيق للمعركة هو الوسيلة الوحيدة للحكم على كفاية وصلاحية تكوين جيش ما. وقد تطلب هذا اعادة اختبار الوسائل التقليدية للتنظيم العسكري, وبالإضافة إلى هذا كان من الواجب ان تتشكل التعاليم العسكرية في روحها وفي صورتها المادية تبعاً للاحتياجات العسكرية.
ان الاتهام الذي وجهه أولئك الذين يعنون بدراسة طبيعة البشر إلى معاصريهم عندما ألصقوا بهم تهمة النقص في البطولة العسكرية قد جاء دون مناقشة للعقبات والنتائج المترتبة عليه. وكان في الواقع توجيهاً معنوياً ارتبط ارتباطاُ غير صحيح بفكرة تخالف الموضوع الأصلي تماماً. ولكن اذا نظرنا إلى نظريات مكيافيللي وآرائه السياسية فاننا نجدها تقوي بعضها بعضاً, وترتبط معاً في سلسلة واحدة منظمة, وهي في جزئياتها وجملتها أساس فلسفته العامة في السياسة والحرب.
ولهذا فان اصالة وقوة دراسات مكيافيللي انما تكمن في سعة القواعد والأصول التي وضعها. لقد جمع كل المشكلات العسكرية معاً في دائرة واحدة, وتحقق من تحقيق الارتباط الداخلي بين التفاصيل الفنية العسكرية والعرض العام للحرب, وبين التعاليم العسكرية وبين التنظيم السياسي... وفي تصويره لوجهة نظره الحديثة فان الظرف التاريخي الذي ولد فيه لعب دوراً حاسما,ً وما كان من الممكن ان تتوافر هذه النظرة الدقيقة لو لم تتوافر وجهات النظر الجديدة التي أوجدتها الحوادث السياسية في عصره, ولو لم تتوافر أيضاً النتائج الثقافية التي فتح عصر النهضة أبوابها.

على ان المستحدثات العسكرية لذلك العصر, وهي ظهور أسلحة جديدة ونشوء وحدات المشاة كان من الضروري في ضوء الظروف القائمة ان تثير شتى التصورات والتعليقات ولكن لا شك في ان الفكر العسكري في عصر تتوافر فيه المساواة الاجتماعية كما يتوافر فيه تقبل القيم السياسية دون جدل, لا بد وان يقصر على تشكيل المقترحات الفنية في إطارها العام وينصرف فقط إلى مناقشة تفاصيلها دون أي شيء آخر... لقد جاءت ازمة التعاليم والقيم السياسية ــ الأزمة التي دلت على نهاية العصور الوسطى ــ جاءت بالفرصة التي تمكن من اعادة بحث كل الافتراضات في هذه التعاليم والقيم. ولكن لما كان عالم السياسة بأسره في فورة, فقد بدا من الممكن تشكيله تبعاً للمبادئ الجديدة, ولا يعني هذا ان مثل هذه المعالجة الدقيقة المتعمقة إلى أصول الموضوع توجد عادة بين كل مفكري ذلك العصر, بل كانت هناك حاجة ملحة إلى رجل مثل مكيافيللي لينتفع من كل القوى والإمكانيات التي جاءت بها أزمة ذلك العصر, وفي ذات الوقت كانت الأزمة التي جاءت في عصر لازمة ضرورية لتجعل الإدراك الذي توافر له ــ هذا الإدراك الثوري للمشكلات السياسية ــ مستطاعاً ومثمراً.
وكانت روح النهضة تتمشى تماماً وتوافق مثل هذا الاختبار للظاهرة السياسية من وجهة النظر للمبادئ والأصول الحديثة فالمبادئ التي تقبلها كل مفكري عصر النهضة وجعلوها دعامة كل ما وصلوا إليه في الفلسفة والعلم كانت هي الإيمان بقيام قانون يحكم ظواهر الحياة الاجتماعية والنشاط البشري, كانت هناك القوانين التي يمكن ان تكتشف وان توضح نتيجة لدراسة الأسباب والدوافع, هذه القوانين التي يمكن أيضا بواسطتها السيطرة على الحوادث. ولهذا كانت فكرة في ان القوانين تسيطر كذلك على الحوادث العسكرية وتوجهها في مسارها قاعدة أساسية في تفكيره ودراساته للمسائل العسكرية, ولهذا فانه قد وجه كل عنايته للبحث عن هذه القوانين, ومن ثم شارك في رأي مفكري عصر النهضة الذين قالوا بأن الإنسان يستطيع بسلاح “العقل” ان يغزو وان يدمر فكرة “الصدفة والحظ في الحياة”.

العقل وأهمية العلم في الحرب عند مكيافيللي
لم تكن هذه العقيدة سطحية فرجال عصر النهضة في الواقع لم ينظروا إلى الحظ نظرة عاجلة ولم يقللوا من قيمته, بل اعتبروا الحياة صراعاً عنيفاً يقوم بين منطق الإنسان وعقله وبين آلهة الحظ, ولكنهم في ذات الوقت لم يشكوا قط في ان عقل الإنسان هو الذي ينتصر في النهاية. وعندما جعل مكيافيللي المعركة مركز نظرياته العسكرية فانه استطاع ان يفعل هذا بسبب ان الشك في النتائج الأمر الذي أخاف الكتّاب قبله لم يخفه هو, ثم انه بتشكيله تنظيماً عسكرياً يتفق مع القوانين التي يمليها العقل كان من الممكن ان يقلل من نفوذ الصدفة وان يجعل النجاح أمراً مؤكداً.
وهذا الاعتقاد بتغلب العقل كان هو الدافع الحقيقي لاعجاب مكيافيللي بالتعاليم العسكرية الرومانية. ولم تكن الرغبة في تمجيد القديم ولا الاتجاه الشخصي هما اللذان قاداه لأن يفضل هذا المثال التاريخي الخاص على كل ما عداه. فمناعة الجيش الروماني وامتداد الدولة الرومانية واتساعها كانا دليلاً على ان الرومان اصطنعوا احسن التنظيمات التي يمكن ان تتفق ومنطق الواقع, وكانت تعاليمهم العسكرية هي إدراكٌ للطابع الدائم الذي يضع تصميم التعاليم والنظم العسكرية لكل دولة.
وتبعاً لجعل هزيمة العدو وتدمير قواته الهدف الأساسي للحرب, صار الفكر العسكري ميداناً مستقلاً له مبادئه الموجهة وله منطقه وأساليبه الخاصة. وبذلك بات من الممكن مناقشة المشاكل العسكرية على أسس فنية. ولكي يكون الأمر اكثر إيجازا كان من الممكن تقدير كل الانظمة العسكرية بالنسبة لغرض واحد أو لهدف واحد أساسي, وكان هذا في رأي مكيافيللي هو الحل للمشكل الدراسي الذي يتوقف عليه النجاح في الحرب. وبالرغم من ان الاصطلاح “استراتيجية” لم يكن معروفاً اذ ذاك, فقد كان هذا بداية التفكير الاستراتيجي.
وقد تقدم التفكير العسكري منذ ذلك الوقت مستنداً إلى الأسس التي وضعها مكيافيللي, ولكن ليس معنى هذا ان كل توصيات مكيافيللي قبلت واعتبرت حقائق لا شك فيها, وان كانت المناقشات التي دارت لم تتحول لتكون اعتراضاً على وجهات نظره بل كانت اتساعاً وامتداداً لآرائه. وعلى سبيل المثال فإنه مهما كانت أهمية رأي مكيافيللي في كون المعركة ذات قرار حاسم, فقد بات من الواضح ان هناك حاجة ملحة إلى تحليل أوسع مدى لنتائج المعركة. ولم تكن النظرية العسكرية لتقف عند حد إيجاد القواعد والأسس لتشكيل النظام الصحيح للمعركة, بل كان عليها أيضاً ان تبحث بدقة سير الحوادث طوال العمل الحربي. ومن جانب آخر فانه اذا كانت المعركة هي مقياس الحرب, فمن الواضح ان الحملة الحربية كلها يجب ان يوضع تخطيطها وان تحلل عملياتها بالنسبة للمعركة الحاسمة, وتوضح مثل هذه الاعتبارات ان الدور الذي تلعبه الترتيبات النظرية والتوجيه التخطيطي للعمل العسكري في الحرب الحديثة كان اكبر مما قدره مكيافيللي, كان هو قد قرر أهمية الدور الذي يقوم به القائد, ولكنه كان قراراً جاء نتيجة لدراسة غير معني بها لأنه لم يذكر اكثر من ان القائد يجب ان يلم بعلمي الجغرافية والتاريخ, ولكن في عصر لاحق كانت مسألة التخطيط في القيادة العسكرية, أو بمعنى آخر دور القائد في وضع تخطيطه للمعركة, كما كان التدريب العسكري للقائد أيضاً يعتبران معاً المشكلة المركزية في التفكير العسكري. ومع العمل لتطور دراسة وتفهم هذه المشكلات تقدم الفكر العسكري إلى ابعد مما كان عليه أيام مكيافيللي, ولكن مع هذا فان هذه النتائج الحديثة كانت خاتمة منطقية للبحوث التي بدأها هو.
على انه ثمة ناحية واحدة في الفكر العسكري الحديث يمكن القول بأنها ليست فقط لا ترتبط بفكرة مكيافيللي بل أنها تعاكسها تماماً, كان مكيافيللي معنياً أساساً بفكرة عامة صالحة للتنظيم العسكري الحديث يؤكد بأن العمليات الحربية يجب ان تتباين عندما تجئ في ظروف تاريخية مختلفة, ولا تكون التعاليم العسكرية متفقة ومرضية إلا عندما تتفق مع الأحوال الخاصة للدولة, وبالإضافة إلى هذا فان إصرار مكيافيللي على ان تسير التعاليم العسكرية وادارة الحرب تبعاً لقواعد عامة منطقية, زادت من قيمة اعتبار العامل العقلي في المسائل العسكرية.
وبالرغم من ان مكيافيللي بدأ كناقد لحروب القرن الخامس عشر التي هي اشبه بمداورات لوحة الشطرنج, فان قادة القرن الثامن عشر رجعوا إلى حد ما لحروب المناورة, وهذا التطور ليس مضاداً لاتجاه التفكير في العلم العسكري, هذا الاتجاه الذي بدأه مكيافيللي عندما ننظر إلى الحرب كما تصورها قوانين العقل. فمن المنطق الا نترك أي مجال للصدفة وان نتوقع قيام العدو بالتسليم عندما يؤتى به إلى موقع يكون عنده قد خسر المباراة التي يشترك فيها.
ان نتيجة اعتبار الحرب علماً, أو على الأقل زيادة تقدير العناصر المنطقية في المسائل العسكرية, قد أدت بسهولة إلى وجهة النظر التي تقول بأن الحرب يمكن ان تقرر نتائجها على الورق, كما تقرر هذه النتائج في ميدان المعركة, سواء بسواء...
ولقد أمكن منذ ذلك الوقت إدراك ان الحرب ليست علماً فقط.... بل انها فن أيضاً. ومع نهاية القرن الثامن عشر بدأ إدراك فجائي لأهمية العوامل الأخرى غير المنطقية, ولم تعتبر العوامل العامة على انها ذات أهمية ... بل اعتبرت العوامل الفردية المميزة كبيرة الأهمية, وبدا جلياً ان العوامل التي لم تقدر ولم يحسب حسابها, لا تقل تأثيراً عن العوامل المنطقية التي حُسب حسابها.
ان إدخال هذه الاتجاهات الثقافية الجديدة لإدراك أهمية الابتكار والفردية إلى جانب العوامل الفنية في النظرية العسكرية قد اقترنت باسم كلاوزفيتز. ومن الملاحظ ان كلاوزفيتز ــ الذي كان عنيفاً في نقده لغيره من الكتاب العسكريين ــ لم يكن كبير العناية ببحث ودراسة مقترحات مكيافيللي وحسب, بل انه ليقدر ان مكيافيللي كان صادق التقدير والحكم في المسائل العسكرية([38]).
وهذه دلالة على انه برغم الظواهر الجديدة التي جاء بها كلاوزفيتز إلى النظرية العسكرية خارج نطاق تفكير مكيافيللي, فانه اتفق مع هذا الاخير في نقطة الأساسية تقول بأن دقة التحليل الخاص بالمشاكل العسكرية انما تتوقف على النظرة الصحيحة لطبيعة الحرب.
وهكذا كان كلاوزفيتز, هذا المفكر الثوري الكبير, بين المفكرين العسكريين للقرن التاسع عشر والذي لم يقذف بعيداً بالنظريات الأساسية مكيافيللي, ولم يقلل من قيمتها بل انتفع بها واستخدمها في ابراز نظرياته وآرائه هو نفسه...

 

[1]  MACHIAVEL, ’ART DE LA GUERRE , Ed-Flammarion , Paris 1991, p 55

[2]  MACHIAVEL, L’art de la guerre Ed. GF-Flammarion , Paris 1991, p.55

[3]  MACHIAVEL, L’art de la guerre Ed GF Flammarion, Paris, 1980, chapitre 12

[4]  نيقولو مكيافيللي, مطارحات مكيافيللي, تعريب خيري حمّاد, منشورات دار الآفاق الحديثة, بيروت, 1982, الكتاب الثالث, فصل 31.

[5]  MACHIAVEL, Le Prince , Ed GF Flammarion Paris 1980 Chapitre 14  

[6]  نيقولو مكيافيللي, مطارحات مكيافيللي, تعريب خيري حمّاد, منشورات دار الآفاق الحديثة, بيروت, 1982, الكتاب الثالث, فصل 31.

[7]  الأغنية بقلم ديشامب, بعنوان: “متى يجيء امين الخزنة؟”, مطبوعة ضمن مجموعة اعمال ديشامب طبع سانت هلير المجلد الرابع باريس 1884 ص 294.

[8]  كانت بورغوندي مملكة مستقلة فيما سبق ثم صارت ولاية من الولايات الفرنسية وكان سكانها الاولون من قبيلة المانية هي قبيلة بورغوندي(Burgundy) وقد إمتدت أراضيهم بين الراين والنيكر في جانب, والاودر والفستيولا من جانب اخر, هزمهم الهون ثم غزاهم الفرنك ولكنهم عادوا فاستقلوا ببلادهم عام 822 م. وكانت لهم قوة كبيرة وقد ازدادت تدريجياً ولكنهم انتهوا إلى ان قسمت بلادهم إلى عدة ولايات واستولت فرنسا على الجزء الذي يقع في بلادها, وتنتظم الآن في مقاطعات إلاين واليون والكوت دور والسون ايه لوار. واهم مدنها ديجون, وتروي ارضها انهار الرون والسين واللوار, وتشتهر بصناعة الخمور.

[9]  Charles OMAN a history of the art of War in the Middle age , Vol. I, London  1924 p. 358

[10]  فرنشيسكو دي جيورجيو مارتيني, احاديث في هندسة البناء المدنية والعسكرية, تورينو, 1841, ص.131.. Peter PARET, Markers of Modern Strategy, Princeton University Press, N.J.,1986, p.11

[11]  ­ كريستين دي بيزان “كتاب في اعمال الجيوش والفرسان”, الكتاب الثالث, الفصل السابع. وكريستين دي بيزان ايطالية المولد, ولدت في فنيسيا قرابة عام 1363, وهي ابنة توماس بيزان من بولونيا وقد اشتهر في عصره بخبرته في علم الفلك, كتبت كل مؤلفاتها في النثر والقصيد بالفرنسية وانتقلت إلى فرنسا للإقامة بها وهي في الخامسة من عمرها برفقة والداها, كانت ذات جمال اخاذ مكنها من الزواج باحد مشاهير عصرها هو ستيفن كاسل وهي في الخامسة عشر من عمرها, وقد احبت زوجها بدرجة كبيرة ولكنها لم تلبث ان فقدته بعد عشر سنوات, وكانت الصدمة مؤثرة فلم تجد سلوى إلا في الانصراف للكتابة. ومن غير المعلوم متى واين ماتت, على ان جل كتبها نشرت في فرنسا وترجم بعضها إلى الانجليزية. وأهم كتبها النثرية كتابها عن حياة شارل الخامس وقد كتبته تلبية لطلب فيليب الطيب دوق بورغوندي. وجاء ذكر كل مؤلفاتها إلى جانب سيرة حياتها, في المعجم العام للشخصيات المطبوع في لندن عام 1815. جزء 24, ص ص. 523- ­524.

[12]  فرانشيسكو جتشارديني, قصة تاريخ ايطاليا, الكتاب الاول, الفصل السادس, 1929.

[13]  فرانشيسكو جتشارديني, تاريخ حوادث فلورنسا, باري, 1931, ص92­93.

[14]  نيقولو مكيافيللي, مطارحات مكيافيللي, تعريب خيري حمّاد, منشورات دار الآفاق الحديثة, بيروت, 1982, الكتاب الثاني, الفصل السادس.

[15]  MACHIAVEL, Le Prince Ed GF Flammarion Paris  1980 Chapitre 123.

[16]  MACHIAVEL Le Prince Ed GF Flammarion , Paris 1980 Chapitre 12.

[17] نيقولو مكيافيللي, تاريخ فلورنسا, الكتاب الرابع, فصل 6.

[18]  نيقولو مكيافيللي, تاريخ فلورنسا, الكتاب الخامس, فصل 33.

[19]  نيقولو مكيافيللي, تاريخ فلورنسا, الكتاب السابع, فصل 20.

[20]  MACHIAVEL Le Prince Ed Gf- Flammarion , Paris 1980 Chapitre 12

[21]  نيقولو مكيافيللي, تاريخ فلورنسا, الكتاب الخامس, فصل 1.

[22]  نيقولو مكيافيللي, مطارحات مكيافيللي, المرجع السابق, 1982, الكتاب الثالث, فصل 41.

[23]  نيقولو مكيافيللي, مطارحات مكيافيللي, المرجع السابق, الكتاب الثالث, فصل 14

[24]  نيقولو مكيافيللي, مطارحات مكيافيللي, المرجع السابق, الكتاب الثاني, فصل 17.

[25]  نيقولو مكيافيللي, مطارحات مكيافيللي, المرجع السابق, الكتاب الثاني, فصل 10.

[26]  خطاب لفرانشيسكو فيتوري 19 ابريل 1513.

[27]  MACHIAVEL, L’art de la guerre , Ed GF Flammarion , Paris 1991

[28]  MACHIAVEL, L’art de la guerre , Ed GF Flammarion , Paris 1991

[29]  MACHIAVEL, L’art de la guerre , Ed GF Flammarion , Paris 1991

[30]  نيقولو مكيافيللي, مطارحات مكيافيللي, تعريب خيري حمّاد, منشورات دار الآفاق الحديثة, بيروت, 1982, الكتاب الثالث, فصل 10.

[31]  MACHIAVEL, L’art de la guerre , Ed GF Flammarion , Paris 1991

[32]  MACHIAVEL, L’art de la guerre , Ed GF Flammarion , Paris 1991

[33]  MACHIAVEL, L’art de la guerre , Ed GF Flammarion , Paris 1991

[34]  MACHIAVEL, L’art de la guerre , Ed GF Flammarion , Paris 1991

[35]  - MACHIAVEL, L’art de la guerre , Ed GF Flammarion , Paris 1991

[36]  رسائل لمونتاني الكتاب الثالث فصل 34: “ملاحظات عن اساليب الحرب عند يوليوس قيصر”.

 [37] MACHIAVEL, L’art de la guerre , Ed GF Flammarion , Paris 1991, chapitre 7.

[38] الجنرال فون كلاوزفيتز, عن الحرب, ترجمة سليم شاكر الإمامي, المؤسسة العربية للدراسات والنشر, بيروت, 1997.