تكنولوجيا

ملامح الاقتصاد الرقمي بعد التعافي من كورونا
إعداد: تريز منصور

غيّر وباء كورونا وجه الاقتصاد العالمي، لناحية الاعتماد على التكنولوجيا والإنترنت مع زيادة التحوّل إلى الخدمات الرقمية. ويُتوقع أن تركّز الشركات والدول على تطوير التكنولوجيا والتوجّه نحو قطاعات جديدة، قد تكون قاطرة النمو الاقتصادي في المرحلة المقبلة. ومنها التجارة على أنواعها، وكل ما يتعلّق بالقطاع الصحي، والتعلّم عن بُعد، والمؤتمرات العلمية، والإعلام، والمعارض...

 

أين تتركز الاستثمارات العالمية الكبيرة في هذا المجال؟ وما هي المخاطر والاضطرابات الرقمية التي ستواجه فرص التحوّل أونلاين؟ وكيف ستواكب الدول النامية هذا التحوّل؟ وأين لبنان من هذا الواقع التكنولوجي المستجدّ والتحوّل الرقمي، في ظل الظروف الصعبة التي يواجهها على المستويات المختلفة؟
«الجيش» توجّهت بهذه الأسئلة وغيرها إلى خبيرَين في مجال التكنولوجيا.


فرص ومخاطر
بحسب تقديرات مؤسسة «أكسنشيور» للاستشارات، يشكل الاقتصاد الرقمي حاليًا نحو ربع الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي (٢٢ في المئة)، بينما يُسهم قطاع المعلومات والاتصالات بنسبة ٨ في المئة في الاقتصاد الأوروبي. في المقابل ثمّة مخاطر تواجه العالم الرقمي، كأمن الشبكات والقرصنة، التي زادت نسبتها مؤخرًا.
ويوضح رئيس مجلس إدارة شركة Born Interactive السيد فادي صبّاغة أنّ العالم شهد اتجاهًا مستدامًا للتحوّل إلى الاقتصاد الرقمي قبل الوباء، وتمّ تعزيزه، إذ برزت الحاجة المتزايدة إلى الاتصال والتواصل والتعاون عبر الإنترنت، وأدوات الأعمال (المزيد من التواصل عبر الإنترنت مع الفرق الإنتاجية واعتماد التجارة الإلكترونية من قبل تجّار التجزئة والصناعات B2B (العمل الذي يستهدف بمنتجاته وخدماته قطاع الأعمال)، وB2C (الأعمال التي تستهدف بمنتجاتها وخدماتها المستهلك)، فضلًا عن التعلم الإلكتروني، وإقامة النشاطات المختلفة كالمعارض والمؤتمرات، وطلب الأذونات خلال الإقفال العام أو التسجيل للحصول على اللقاحات ضد فيروس كورونا وإيجاد الحلول لها من خلال إنشاء منصات إلكترونية، وتصميم مواقع وتطبيقات إلكترونية كتطبيقَي Zoom أو Webex...
يتطلب كل هذا، أدوات القياس والتحليل الإحصائي المناسبة، بالإضافة إلى تجهيز البنى التحتية الضرورية، لتقديم أداء أفضل وأسرع في عالم الأعمال، لذلك سنرى تطورًا في قطاعات علوم البيانات، بالإضافة إلى المزيد من الاستثمارات.
وعن المخاطر والاضطرابات التي ستنشأ مع زيادة الاعتماد على الاقتصاد الرقمي، لفت صبّاغة إلى أنّ الاقتصاد سيواجه مشاكل تقنية مختلفة ناجمة عن الانقطاع المتكرر للإنترنت. ولكن يجب النظر إلى التحديات الأخرى من قرصنة وتهديدات للأمن السيبراني وقضايا خرق الخصوصية التي يمكن أن تعرّض بياناتنا وأنظمتنا للخطر وتحظرها. فالاختراق الفردي قد يؤدي إلى شلّ نظام كامل أو قاعدة بيانات ضخمة Big Data للمعلومات المهمة وبيانات المستخدمين الخاصة أو تدميرهما.
وفي ظل الأضرار والتكاليف الناتجة عن الانقطاعات المتكررة للإنترنت، وكذلك الاضطرابات في العمل، تظهر الحاجة إلى التخفيف من الانتهاكات الحاصلة ومعالجة الأضرار، ما يستدعي سنّ قوانين جديدة، تتطوّر بوتيرة التطور التكنولوجي نفسها. وأشار إلى السرعة التي ستحقّقها شبكة الجيل الخامس للاتصالات، على الرغم من العقبات التي تواجه استكمالها.
وعن الجهود الحكومية اللبنانية في إطار نمو قطاع الاتصالات، أشار إلى أنّها تكاد تكون معدومة، باستثناء صيانة البنى التحتية للاتصالات مؤكدًا أنّنا في حالة ركود متجهة نحو التدهور السريع على صعيد القطاع العام، في حين أنّ القطاع الخاص في البلاد، ما زال يكافح ويعمل بجدٍّ لإبقاء الصناعة على الخريطة التكنولوجية الدولية.


ملامح المرحلة المقبلة
صاحب ومسؤول التكنولوجيا في شركة IT works me السيد سلوم الدحداح أوضح بدوره أنّ التوجّه نحو الاقتصاد الرقمي نشأ في عدة دول في العالم، مع نشوء منصّات إلكترونية مختلفـة مثل Amazon وFacebook وTwitter وGoogle وغيرها من المنصات التجارية التي بدأت تنمو بشكلٍ مطّرد إثر ظهور وباء كورونا.
وأشار إلى أنّ عدة قطاعات تستفيد اليوم من خدمات الإنترنت، كالمؤسسات الإعلامية (التلفزيونات المحلية) أو المنصات العالمية مثل Netflix وغيرها، وكذلك المؤسـسات العقارية والمصرفية والتجارية ومنصّات البورصة ...وقُدّر أنّ القطاع التكنولوجي في العالم يشكل نحو ٧٠ في المئة من الناتج المحلي.
واعتبر أنّ ملامح الاقتصاد العالمي، تُظهر أنّ العمل سيتم بمجمله عبر المنصّات الإلكترونية، إذ اكتشف الجميع أهميتها لناحية توفير الكلفة والوقت. مثلًا، اجتماعات العمل التي تضم أطرافًا من عدة دول، تحتاج إلى كلفة السفر وإيجار الفندق وغيرها مـن المصاريـف الجانبيـة، فتُعقَـد اليـوم عبـر منصـة Zoom وتُبـتّ القضايـا العالقـة، وتُحسـم القرارات المتعلقـة بصفقـاتٍ إنتاجيـة واستثماريـة وغيرهـا...
وأضاف: دخل العالم منذ سنوات في الاقتصاد الرقمي بشكلٍ جزئي، وكان يدرك أهمية هذا التحوّل، ولكنّه كان خائفًا من الدخول الكلّي، ولم يكن متحضّرًا لذلك، ولا سيما الدول النامية، لسببٍ جوهري، هو القدرة على التعلّم ومعرفة كيفية الدخول إلى هذا العالم التقني الجديد، وكيفية إستخدامه، وإنجاز الأعمال الكبيرة عبر منصاته الإلكترونية، وخصوصًا إذا كانت البنى التحتية التكنولوجية في هذه الدول غير مجهّزة وغير مواكبة للتطور التكنولوجي السريع.
وأشار إلى أنّه ثمة قطاعات من الصعب التحوّل فيها إلكترونيًا مثل قطاع التعليم عن بُعد، الذي يفتقر إلى ميزات تفاعل الطلاب مع بعضهم داخل قاعات التدريس، ما يُسهم في بناء شخصياتهم.
 

التحديات
من ناحية أخرى تطرّق الدحداح إلى المخاطر والتحديات التي تشوب العالم الرقمي، وأبرزها الأمن السيبراني الذي من شأنه الحفاظ على سرية العمل ومحتواه، وهذا يحتاج إلى قوانين وتشريعات لا سيما في القطاع المالي، للحدّ من عمل المقرصنين.

 

الوضع في لبنان
بالنسبة إلى واقع لبنان التكنولوجي، يوضح الدحداح أنّه يجب التمييز بين القطاعَين العام والخاص. فالقطاع العام، لم يواكب التطورات التكنولوجية، لا سيّما أنّ القوانين الحالية والبيروقراطية الإدارية تعيق تفعيل التوجه نحو العمل الرقمي. وأشار في هذا السياق إلى تأخّر تفعيل شبكة Fiber Optic، على الرغم من إيصالها إلى معظم المناطق، معتبرًا أنّ السبب يعود إلى عدم الإدراك الكافي لأهمية هذه الشبكة في تطوير العمل التكنولوجي لناحية تخفيض الكلفة والوقت وتكبير حجم الأعمال وتسريع الخدمات...
أما القطاع الخاص، فمتفوّق جدًا في هذا المجال ومواكب لآخر ما توصّلت إليه التكنولوجيا. ولدى معظم الشركات اللبنانية أسواق خارجية، إضافة إلى أنّ معظم الشركات العربية ولا سيما الخليجية منها يديرها لبنانيون.
وأضاف: إنّ لبنان قادر على زيادة النمو في الناتج المحلي بفضل العمل التكنولوجي، فلديه متخصّصون، هم النخبة في العالم، مشيرًا إلى التحفيزات التي خصّصها مصرف لبنان لدعم الشركات الناشئة Startup وفق التعميم رقم ٣٣١، ولكنّها لم تحقّق المبتغى منها، نظرًا لدخول المحاصصة فيها، وفق ما قيل!


...من الكماليات!
وعن تكافؤ الفرص بين دول العالم الثالث والدول المتطورة في دخول الاقتصاد الرقمي الكلي، اعتبر أنّ خدمة الإنترنت في الدول المتطورة لم تعد من الكماليات، إذ إنّها متوافرة في كل المنازل، في حين أنّه ما زال من الكماليات Luxury في الدول النامية، وكلفته ما زالت مرتفعة جدًا، ويحتاج الحصول عليه إلى الوقت والوساطة. كما أنّ العوائق التكنولوجية، تهرّب الزبائن والمستخدمين.
ممّا لا شك فيه أنّ التحوّل الرقمي الكبير الذي شهده الاقتصاد العالمي خلال جائحة كورونا في القطاعات التكنولوجية، سرّع في تحويل الاقتصاد إلى اقتصاد رقمي أكثر ديناميكية، ينمو بشكل مضطرد، إلا أنّ التحدّيات ستكبر، مع مخاطر الأمن السيبراني، الذي يهدّد قاعدة البيانات للمؤسسات ولا سيما الأمنية منها، ما يستدعي سنّ تشريعات متطورة لحمايتها. أما في لبنان، فالمخاطر
تتعدى ما ذُكر لتصل إلى حد الخشية من فقدان خدمة الإنترنت في ظل الظروف الراهنة.