إقتصاد ومال

ملف النفط في لبنان، الثروة واعدة والمهتمون كثر
إعداد: تريز منصور

في خضّم الأزمات السياسية والاقتصادية، لاح بريق أمل في الأفق، تمثّل بملف النفط، يثلج قلوب اللبنانيين، يطمئنهم إلى مستقبلهم ومستقبل أولادهم، وقد يشكّل حلًا لأزمة المديونية العامة.
وفق التقديرات الأوّلية لحجم الثروة البترولية في المياه اللبنانية ستمكّن هذه الثروة لبنان من تطوير البنى التحتية والخدمات، كما أنها ستتيح استعادة التوازن الطبقي بعد أن اضمحلّت الطبقة الوسطى بفعل الواقع الاقتصادي السائد منذ عقود.


عمليات المسح
بعد المسح الذي شمل أكثر من 70 في المئة من مياه لبنان، وتحليل نحو 10 في المئة منها، تبيّن من التقديرات الأولية أن لدينا 30 تريليون قدم مكعب من الغاز و660 مليون برميل من النفط السائل.
أنجز لبنان في العامين الماضيين قانون الموارد النفطية، ونجح في وضع قانون عصري وحديث، واُنجزت كل المراسيم التطبيقية واُقرّت في مجلس الوزراء، كما وُضعت قواعد العمل للأنشطة البترولية، وتمّ تعيين هيئة إدارة قطاع النفط.
فقد أقرّ مجلس النواب قانون التنقيب عن النفط في جلسته التي عقدت بتاريخ 17-8-2010، ويعتبر هذا إنجازًا نوعيًا وتاريخيًا من حيث المبدأ، لكن كان لا بدّ من استكماله بخطوات تنفيذية حتى يصبح حسيًا. وعلى الرغم من التجاذبات التي أحاطت بهذا الملف، فإن خطوات مهمّة تحقّقت، والأمل قي استكمالها وصولًا إلى استفادة لبنان من الثروة الواعدة.
وقد مسح لبنان أكثر من 70 في المئة من مياهه (أكثر من 15 ألف متر مكعب) التي تمّ تحليل نحو 10 في المئة منها، وتبين من التقديرات الأولية أن لديه 30 تريليون قدم مكعب من الغاز و660 مليون برميل من النفط السائل. وهذه الثروة يمكن أن تحدث تحوّلًا جذريًا في الواقع الإقتصادي.
نتائج المسح المائي جعلت عشرات الشركات العالمية تتنافس للحصول على حقوق التنقيب عن النفط واستخراجه وقد بلغ عدد الشركات التي حصلت على التراخيص في المرحلة الأولى 46 شركة، وذلك على أثر المناقصة التي جرت خلال العام الحالي.
تعود جنسيات هذه الشركات إلى الولايات المتحدة الأميركية، البرازيل، إيطاليا، النروج، هولندا، اسبانيا، الدنمارك، فرنسا، اليابان، ماليزيا، كندا، استراليا، كرواتيا، هنغاريا، إيطاليا، إيرلندا، بريطانيا، الهند، كوريا، الكويت، لبنان، روسيا، تايلاند، تركيا، الإمارات العربية المتحدة.

 

ترسيم الحدود البحرية النفطية
 رسّم لبنان حدوده البحرية النفطية، ووضع البلوكات العشرة التي تمّ تحديدها. وعلى الرغم من استقالة الحكومة، فقد تمّ إعداد العقود النموذجية للاستكشاف والانتاج ودفاتر الشروط وانهائها. وأُعلن عن أن 43 شركة استكملت اجراءات الاستحصال على دفاتر الشروط والعقود النموذجية، وتمّ فتح دورة مشاورات مع هذه الشركات حول العقود والبلوكات وتحديدها، وصولا الى انهاء تلزيم عدد منها.
وقد أكد وزير والمياه في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل في أحد تصريحاته الإعلامية، أن «لبنان أثبت تمتّعه بالإرادة والتصميم والرؤية لاستكمال المراحل المطلوبة، واصدار المرسومين المتبقيين لاستكمال كل اجراءات المناقصة، كي تنجح وتنتهي بتوقيع عقود وتلزيم البلوكات المفترضة. وأن لديه الإرداة للمحافظة على الموارد والحدود والمياه، على اعتبار أن ضمانات المحافظة على تلك الموارد، باتت متوافرة، ممّا يحول دون الاستسهال في التطاول عليها. ولدينا الرؤية والاستراتيجية الواضحة لكيفية الإفادة من تلك الموارد».
والجدير بالذكر هنا، أن الوزارة اشترطت في العقود المبرمة أنه، من الضروري أن تكون نسبة 80 في المئة من اليد العاملة في الشركات من اللبنانيين، وأن الأفضلية في ما يتعلق باستيراد البضائع وتقديم الخدمات للقطاع ستكون للشركات اللبنانية. كما لحظت الوزارة في العقود إلزامية العمل مع اللبنانيين بنسبة معينة. كذلك طلب إلى الجامعات الاستعداد لإدراج إختصاص النفط ضمن إختصاصاتها في السنة المقبلة، لأن لبنان سيكون بحاجة إلى عاملين في القطاع النفطي، وسوف يتمكّن عبر هذا المورد، من أن يصبح موضع اهتمام الشركات والمستثمرين وحكوماتهم، وينعم بالاستقرار والإزدهار.

 

بين لبنان وقبرص
من جهة أخرى وتعقيبًا على محادثات الرئيس القبرصي ديميتريس كريستوفياس مع رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان في ملف النفط ومسألة ترسيم الحدود البحرية وتحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة، كشف الاستشاري الأمين العام لمجلس الطاقة العالمي- عضو لجنة لبنان، رودي بارودي أن الرئيس القبرصي يستعجل إنجاز ملف التنقيب العالق بين لبنان وقبرص، «نظرًا إلى اقتراب موعد استحقاق الإنتخابات التي ستجري في بلاده في شباط المقبل، اذ يرى الحزب الذي يمثل، مصلحة إنتخابية له في التعجيل في اقفال ملف النفط على نتائج تعود بالنفع على بلاده».
وتحدث بارودي الى «وكالة الأنباء المركزية» عن ترحيب لبنان بالموقف القبرصي، معتبرًا أن التعاون بين البلدين المتجاورين يعود بالفائدة على كليهما وذلك في ما يتعلق بعمليات الإستكشاف والإستخراج والإنتاج المشتركة واستخدام خط تصدير الغاز المرتقب إنجازه، والممتدّ من قبرص إلى اليونان، ومن اليونان إلى إيطاليا، حيث يشكّل هذا الخط المنفذ الأساسي للوصول إلى أوروبا، السوق الرئيسية للغاز اللبناني.
وأوضح أن قبرص في طور إنشاء محطة لتسييل الغاز( LNG) بكلفة مليار ونصف مليار دولار، وهي تعود بالنفع على لبنان، إذ يمكنه استخدامها بنسبة تأجيرية محدودة، للإنطلاق إلى السوق الأوروبية، بدلًا من تكبّد كلفة إنشاء محطة». وشدّد على ضرورة الإفادة من «الفرصة الذهبية» من خلال توثيق التعاون مع قبرص، والإفادة من الإتفاقات الموقعة معها، مؤكدا «ضرورة توفير الإجماع السياسي التوافقي للإفادة من الثروة النفطية الموجودة في المياه اللبنانية».

 

بات بإمكان إسرائيل الوصول إلى ثروتنا
في هذا الإطار أعلن وزير الطاقة والمياه جبران باسيل في مؤتمر صحفي، عن اكتشاف إسرائيل حقلًا جديدًا للغاز يَبعد نحو 4 كيلومترات عن الحدود اللبنانية، «مما يعني أنه بات لدى اسرائيل نظريًا امكانات للوصول الى النفط اللبناني، وهذا أمر خطير وجديد»، داعيًا إلى جلسة استثنائية للحكومة «بغية إقرار المرسومين الملحّين والطارئين المتعلقين بترسيم البلوكات البحرية واتفاق الاستكشاف والإنتاج، مما يجعل لبنان غير متأخر عن المواعيد المحدّدة لاستخراج نفطه وغازه».
وقال الوزير باسيل: «كان لإسرائيل استكشافات في حقلي «تمار» و«ليفتن» ببُعد 38 و42 كيلومترًا عن الحدود اللبنانية، وعندما قيل إن هذه الاستكشافات تشكّل خطرًا على إمكان وصول إسرائيل إلى النفط أو الغاز اللبناني، كنا نقول لا إمكانات تقنية لذلك».
وأضاف: «ما استجدّ هو أنه أصبح لدى إسرائيل حقل جديد اسمه «كاريش» يَبعد طرفه نحو 4 كيلومترات عن الحدود اللبنانية وتحديدًا عن البلوك الرقم 8 العائد الى لبنان، و6 كيلومترات عن البلوك الرقم 9 والبئر التجريبي الاستكشافي الذي تمّ حفره ويَبعد 15 كليومترًا، وهذا الأمر يعني نظريًا، أنه أصبح لدى إسرائيل إمكانات من هذا البُعد، بأن تصل إلى النفط اللبناني، وهو أمر جديد وخطير يستحق الوقوف عنده، لكن لا يمكننا الحديث عن كارثة وقعت، إذا كنا موضوعيين وعلميين».
وعن القانون الضريبي النفطي، أوضح أن الهيئة «أعدّت قانونًا ضريبيًا للأنشطة البترولية، وتمّ رفعه»، متمنّيًا إقراره قريبًا «لأنه يحقق للبنان منافع مادية ومالية كبيرة».

 

الدعم الأميركي
تلقّى رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان دعمًا أميركيًا للبنان في موضوع الثروة النفطية، وذلك خلال زيارة قام بها نائب مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الطاقة اموس هوشستاين إلى قصر بعبدا، على رأس وفد ضمّ القائم بالأعمال الأميركي ريتشارد ميلز، والمستشار السياسي الأول في السفارة دايفد جفري، وتمّ البحث في العلاقات القائمة بين لبنان والولايات المتحدة الأميركية. ونقل هوشستاين دعم بلاده واستعدادها للمساعدة، منوّها بما تمّ إنجازه لغاية اليوم في موضوع ثروة الغاز والنفط، معربًا عن رغبة بلاده في المساعدة في هذا المجال، من خلال الخبرة التي تمتلكها الشركات الأميركية على هذا الصعيد.
وفي سياق متصل، جرى عرض لملف النفط، بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ووفد الخارجية الأميركية. كما قدّم المسؤول الأميركي عرضًا خلال لقائه رئيس الحكومة المستقيل نجيب ميقاتي، يتعلق بإمكان المساعدة في تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة.
وأشار الوزير جبران باسيل بعد لقائه هوشستاين إلى «أن الاجتماع تناول موضوع النفط والغاز وتمّ خلاله طرح أفكار جديدة ضمن المساعي الخيّرة التي تقوم بها الولايات المتحدة في موضوع النفط والغاز، والحدود القائمة على الجهة الجنوبية من لبنان، بناءً على فكرة أساسية، كنّا قد تقدّمنا بها كون القضية تتعلق بثروة نفطية وبموارد نفطية وليس فقط بالحدود والخطوط».
وأكد أن لبنان لا يتوقف عن «عمله في الموضوع النفطي بعدما أصبح لدينا العناصر الدستورية والقانونية والسياسية التي اكتملت لعقد جلسة استثنائية لمجلس الوزراء لإصدار المرسومين. ورأى باسيل أن «الوضع الناشئ عن الحقل المسمى «كارديش» على حدودنا الجنوبية يحتّم علينا الإسراع أكثر فأكثر، ولذلك فقد أرسلنا المراسلات اللازمة إلى المراجع المعنية في تقرير فني مُفصل بهذا الخصوص».

 

البتروكيمياء في مناهج الجامعة اللبنانية
بناءً على النداء الذي أطلقه الوزير باسيل إلى الجامعات، سارعت الأخيرة إلى إعداد البرامج الضرورية لإدراج النفط كإختصاص جديد.
ولقد إلتقت مجلة «الجيش» عميد كلية الهندسة في الجامعة اللبنانية الدكتور رفيق يونس الذي أكد أن «كلية الهندسة في طور البدء بالعمل في قسم «البتروكيمياء» (PetroChimie) في العام الدراسي المقبل 2013-2014 في الفرعين الأول – طرابلس والثالث – بيروت». وقال: «كنّا قد بدأنا التحضير لهذا القسم منذ نحو السنة، حيث أدرج مع قسم «صناعات كيميائية»، فقد باتت عملية إستخراج نفط لبنان والاستفادة من ثروته الطبيعية ضرورة وطنية واقتصادية واجتماعية ملحّة، وبالتالي أصبح من الضروري تنمية خبراتنا النفطية وإعداد كوادر هندسية وأكاديمية لبنانية متفوّقة».
وأضاف العميد يونس أنه «على الرغم من أهمية ما تحقق في ملف النفط فإننا لن نعمّم الاختصاص على مختلف فروع كلية الهندسة، وذلك بانتظار البدء بالتنقب، لأنه لا يمكننا تخريج مهندسين عاطلين عن العمل، ودفعهم الى الهجرة والعمل خارج لبنان».
وأوضح أنه تمّ كمرحلة أولى إعداد برنامج الدروس الذي سوف يُطبّق بدءًامن السنة الثالثة، بالتعاون مع مهندسين متخصّصين في كليات الهندسة في كل من فرنسا، السويد وبلجيكا.
كما تمّ إعداد برنامج خاص لشهادة الماستر (Offshore Engineering) للمنشآت البحرية، يتابعه المتخرجون من فرعي هندسة الميكانيك وهندسة البناء، وسيتمّ البدء به العام المقبل 2013-2014 في كلية الهندسة الفرع الأول في المجمّع الجامعي – الحدت.
وأوضح يونس أنه تمّ تجهيز قسم «البتروكيمياء» بالأجهزة والمختبرات الضرورية للسنة الأولى بكلفة بلغت 400 مليون ليرة لبنانية، فيما تقدّر الحاجة لاستكمال التجهيزات للسنوات الباقية بـ مليار و200 ألف ليرة لبنانية. إلى ذلك تمكّنا من تأمين الكوادر التعليمية اللبنانية لإختصاص النفط، أما في ما يتعلّق بشهادة الماستر، فقد تمّ الإستعانة بعشرة أساتذة أربعة منهم لبنانيون، والباقون من جنسيات أوروبية.
وأشار الدكتور يونس إلى أن «شهادة الهندسة في الجامعة اللبنانية تتمتع بقيمة مضافة عالية، وأن من ينالونها سيكونون من نخبة طلاب لبنان، وهي تتطلب خمس سنوات من الكدِّ والسهر». كما أوضح أن «كلية الهندسة تتعاون مع كليات الهندسة في عدة دول مثل كندا إيطاليا بلجيكا، لما فيه مصلحة للطرفين، ولا سيّما ان هذه الدول تحتاج إلى طلاب ذوي كفاءت عالية».


بتعرفوا أدّي عنّا طاقة؟
خلال الفترة الأخيرة أطلقت وزارة الطاقة والمياه إعلانًا تعرض فيه الخطوات التي تحققت في ملف النفط، وهي على النحو الآتي:
- 2010: إنجاز قانون النفط.
- 2011: إنجاز مراسيم النفط وإنشاء غرفة المعلومات.
- 2012: تعيين هيئة قطاع النفط ومسح اكثر من 70 في المئة من المياه اللبنانية.
- 2013: مداخيل أكثر من 35 مليون دولار (عائدات شراء الشركات العالمية المهتمة بمعلومات المسح وغيرها...).
- 2013: إطلاق المناقصات ومشاركة 46 شركة من كبرى شركات العالم.
 2020  لبنان طاقة نفطية لبنان بلد منتج للنفط