أسماء لامعة

من أميركا إلى كندا وبريطانيا...
إعداد: تريز منصور

د. عاطف قبرصي

مسيرة النجاح والتألق تجوب العالم وتستمر في الأمم المتحدة

بثبات وعزم تبوّأ المراكز العالية متنقلاً بين دول العالم، من أميركا إلى بريطانيا فكندا والعراق. أستاذ جامعي وباحث إقتصادي عالمي. عصامي، ديناميكي، وصادق تذهلك حركته الدائمة ويجذبك ذكاؤه الخارق. إنه الأمين التنفيذي السابق للإسكوا بالوكالة الدكتور عاطف قبرصي.


عاشق العلم
ولد الدكتور عاطف قبرصي العام 1942 في بلدة بتعبورة في الكورة، والده المرحوم المحامي والسياسي والشاعر عبدالله قبرصي، أما والدته فهي السيدة جورجيت بربر، امرأة مثقفة تحمل إجازة بكالوريوس في الآداب، ترعرعت في عائلة لمع العديد من أفرادها في العلم والثقافة.
للدكتور عاطف قبرصي شقيقان، المحامي صباح ورجل الأعمال ضياء وشقيقتان ضحى وحنان.
ترعرع الدكتور عاطف قبرصي في كنف عائلة عريقة بالعلم والثقافة، إلى جانب والدة تعشق العلم والأدب وتحثّ اولادها على التحصيل العلمي ونيل الشهادات العالية، فنما في نفس الطفل الذكي، الطموح والتطور.
تلقى علومه الابتدائية والثانوية في مدرسة الـ«أي. سي» وتخرّج فيها بتفوّق، ثم انتسب إلى الجامعة الأميركية في بيروت لمتابعة تحصيله العلمي في العلوم الاقتصادية، وكان في الوقت عينه يتابع دراسة الحقوق في الجامعة اللبنانية. حاز بكالوريوس في الاقتصاد العام 1964، وبعد حصوله على منحة دراسية من جامعة «بيرديو» (purdue), سافر إلى الولايات المتحدة الأميركية، ونال شهادة الماجستير في الاقتصاد العام 1966 والدكتوراه العام 1968 بدرجة ممتاز.

 

وقت الحصاد
بعد نيله الدكتوراه بدأ الدكتور قبرصي يشقّ طريق النجاح والتألق، فنشر عدة مقالات في الدوريات الأميركية المتخصصة مثل «جورنال أوف بوليتيكال إكونومي» و«إنترناشونال أوف بابليك فايننس». وانهالت عليه العروض من الجامعات الأميركية، ومنها جامعة نيويورك، جامعة اليونس، جامعة كاليفورنيا وغيرها...
رغب دائماً بأن يعطي ما اختزنه من علم وخبرة لأبناء وطنه لبنان، لكن رغبته لم تتحقق. يقول: «إن الكثير من الدراسات التي أعددتها للمنطقة العربية، كانت بمنزلة تكفير عن ذنب خروجي من هذا الوطن الذي عشت همومه في الخارج، في حين أن بعض من هم في الداخل بعيد كل البعد عن هذه القضية. فالوطن هو قضية انتماء، ذكريات رفاق وآباء وأجداد، تعلو فوق كل القضايا».
تزوج الدكتور قبرصي مرتين، زوجته الأولى كانت السيدة جيل توماس (أميركية)، ورزق منها ثلاثة أولاد: جنان القاضية في كندا، مروان رئيس مركز استثمارات البنك الكندي، وعمر موظف في رويال بنك في كندا. أما زوجته الثانية فهي السيدة نجاة منار (مغربية الأصل) وله منها ثلاثة أولاد: نزار، أسامة، ونور وهم ما زالوا يتابعون دراستهم الثانوية.
إثر وفاة والدته في كندا اضطر إلى مغادرة أميركا، وتزامن ذلك مع اندلاع حرب فيتنام. ومنذ العام 1969 بدأ الدكتور قبرصي رسالته التعليمية في جامعة ماك ماستر في كندا ولم يزل، فهو مسؤول عن البرنامج النخبوي للآداب والعلوم، الذي يضم 65 طالباً (تفوق معدلاتهم الـ93 على المئة). وقد عيّن نائباً لرئيس الجامعة لعدة سنوات.
كما أنه عيّن في تلك الفترة مستشاراً في مكتب وزير المالية في مقاطعة أونتاريو في كندا، حيث نظّم الحسابات القومية وأدخل للمرة الأولى نظام المدخلات والمخرجات على صعيد المقاطعة، وطوّر نموذجاً رياضياً متخصصاً بالتوقعات وتحضير الموازنة.
العام 1974 دعي كأستاذ زائر إلى جامعة كامبردج في بريطانيا، حيث عمل كأستاذ مساعد إلى جانب الدكتور ريتشارد ستون الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد.
العام 1975، دعي من قبل مؤسسة البرامج والتطوير للعمل مع مختلف الخبراء الاقتصاديين العرب الذين تمّ استدعاؤهم من مختلف أنحاء العالم، في خطوة تهدف إلى إعادة الأدمغة وحثّها على المشاركة في عملية التطوير في العراق.
في أثناء عمله مع هذه المؤسسة، استدعته وزارة التخطيط مع عدد من هؤلاء للعمل معها، في تلك الفترة تمّ استعمال الحاسوب للمرة الأولى في التخطيط الاقتصادي والتربوي في العراق. وما بين 1967 و1980 ساهم في تحضير الخطة الخمسية للتنمية التي تهدف إلى ترشيد استعمال الفائض في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

 

حيثما حلّ... نجح
بناء على هذا العمل القيّم استدعته الأمم المتحدة للعمل في اللجنة الاقتصادية لغرب آسيا (إكوا)، حيث عمل مستشاراً في الدائرة الاقتصادية التي ترأسها المرحوم الدكتور يحيى أبو الحاج (فلسطيني الجنسية)، الذي كان زميله في فريق العمل في بغداد. ومنذ ذلك الحين والدكتور قبرصي يعمل مع هذه اللجنة التي تغيّرت تسميتها اعتباراً من العام 1994 لتصبح «إسكوا».
العام 1979، ترأس قبرصي لجنة من الخبراء الاقتصاديين والصناعيين عملت على تحضير المؤتمر الخامس لوزراء الصناعة العرب في الجزائر، بعد زيارة الرئيس السادات إلى تل أبيب، وانتقال مكتب الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس، حيث رفضت القاهرة السماح بسحب الدراسات التي كانت قد أعدّت لهذا المؤتمر. فاضطر قبرصي وزملاؤه إلى إعادة كتابة 21 دراسة قطرية في مدة خمسة أسابيع. ولقد عمل فريق العمل ليلاً ونهاراً من دون انقطاع، وعلى الرغم من الصعاب كلها نجح المؤتمر.
سافر إلى فيينا العام 1982 وعمل كمسؤول عن المنطقة العربية في منظمة اليونيدو (منظمة التنمية الصناعية في الأمم المتحدة). ومن أبرز انجازاته في تلك الفترة التعاون الوثيق بين منظمة التنمية الصناعية الدولية (يونيدو) ومنظمة التنمية الصناعية العربية (أيدو). وكان له مؤلفات في تلك الفترة أهمها ما أثبت من خلاله علمياً أن التعاون العربي المشترك في الصناعة من شأنه أن يرفع القيمة المضافة العربية إلى أربعة أضعاف. ولقد استعملت هذه الورقة كأساس في المؤتمر السادس لوزراء الصناعة العرب.
عمل الدكتور قبرصي بين العامين 1985و1986 كمستشار لمجموعة من الشركات الخاصة تعنى بالبلاستيك وبتوظيف الأموال والمصالح التجارية مع أفريقيا. العام 1989 اشترك مع جامعة هارفورد G.F.K في إعداد عدد كبير من الدراسات (نحو الـ20 دراسة)، لترشيد استعمال المياه في المنطقة العربية. وبقي مستشاراً لها ومحاضراً فيها لمدة عشر سنوات.
والعام 1990 عمل مستشاراً لعدد كبير من الوزارات في كندا منها: البيئة، التجارة الخارجية، المواصلات، السياحة، العمل والفرص الاقتصادية. فحصد بمجهوده هذا وسام الاستحقاق الكندي.

 

مؤلفاته
نشر الدكتور قبرصي المئات من المقالات في الدوريات الاقتصادية العربية وألقى عشرات المحاضرات حول النفط والاغتراب اللبناني في كندا... وأعدّ عشرات الكتب والمؤلفات وأهمها مؤلفان باللغتين العربية والإنكليزية، حول الآثار الإقتصادية والإستراتيجية لإتفاقيات كامب دايڤيد، حيث أثبت وبنموذج رياضي (رياضيات) أن الهدف الرئيس لمكانيزمات (تصاميم أو مخططات) الإخضاع الاقتصادي الاسرائيلي للمنطقة، يتمثل في السيطرة الحصرية على منابع المياه في المنطقة، ليس حوض الاردن وحسب بل أنهر النيل ودجلة والفرات أيضاً.
إلى ذلك يعمل الدكتور قبرصي معلقاً تلفزيونياً في قناة التلفزيون الكندي السابع C.T.V. حيث يتناول القضايا الاقتصادية والسياسية الكندية والدولية والعربية.
هذا بالإضافة إلى كونه صاحب أهم الشركات للدراسات القياسية والاستشارية في كندا، والتي تضم نحو عشرين موظفاً. كما أنه يرأس اللجنة الوطنية العربية في كندا.

 

أميناً تنفيذياً للإسكوا بالوكالة
يواصل الدكتور قبرصي مسيرته الناجحة، فقد عيّن العام 2003 رئيساً لشعبة التحليل الاقتصادي في الإسكوا لمدة تسعة أشهر، والعام 2006 عيّن نائباً للأمين التنفيذي، ومن ثم عيّن العام 2007 أميناً تنفيذياً بالوكالة، ومن ثم عاد ليشغل من جديد منصب نائب الأمين التنفيذي للإسكوا.
يعتبر الدكتور قبرصي أن الإسكوا هي عائلته في لبنان، وإنها تحتوي على قدرات هائلة، يمكن الركون إليها في مهمة تعميق التعاون العربي وتوحيد الكلمة العربية والنهوض بالانسان العربي وخصوصاً المرأة، وكذلك في كيفية التعاطي مع القضايا الطارئة واستهداف النخبة المستدامة، وعدم التفريط بالموارد المائية وترشيد استعمال المصادر الطبيعية. ويرى أنه من واجب اللبنانيين النهوض ببلدهم بعد الخراب الكبير الذي أصابه، إثر الاعتداءات الإسرائيلية في تموز 2006، كما عليهم رصّ الصفوف وتوحيد المواقف حول المواطنية الصحيحة والعيش والمشترك.
لم يمنعه الغياب القسري عن لبنان، من حمل قضية هذا الوطن في قلبه ووجدانه ومن إظهار الصورة المشرقة المبدعة للإنسان اللبناني في العالم أجمع.