ملف العدد

من الإرهاب السياسي إلى الإرهاب الإقتصادي
إعداد: تريز منصور

إشكالية عدم وضوح المعايير تظلّ قائمة

 

إذا لم يكن هناك من وضوح في تحديد مفهوم الإرهاب بشكل عام، فهل يمكن الحديث عن إرهاب إقتصادي؟ وما هي تداعيات الإرهاب على الإقتصاد؟

 

صعوبات وملاحظات
يتوقف الدكتور كميل حبيب (عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية، وأستاذ محاضر في كلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان والكلية الحربية) عند أبرز الصعوبات الناجمة عن عدم تعريف رسمي في القانون الدولي لمفهوم الإرهاب موردًا الملاحظات الآتية:

 

1- الإرهاب: هو عنف يهدف إلى تحقيق أهداف سياسية. يميّز هذا التعريف بين الإرهاب والجرائم غير السياسية، لكنّه لا يميّز بين الإرهاب والحرب.

 

2- الإرهاب عنف يهدف إلى تحقيق أهداف سياسية، عن طريق نشر الرعب، لإجبار الطرف الآخر على اتخاذ موقف معيّن أو الإمتناع عن اتخاذه. يسقط هذا التعريف عندما تُلصق تهمة الإرهاب بطرف ما ضد طرف آخر في الصراع السياسي. فما هو إرهابي من وجهة نظر دولة معينة، هو عمل مقاومة مشروعة من وجهة نظر دولة أو شعوب أخرى.

 

3- هناك تعريف ثالث يتحدّث عن الضحيّة (بريء، غير عسكري أو مدني) كأساس لفهم العمل الإرهابي، لكن هذه الخصائص غير متشابهة، لأن الجاسوس ليس بريئًا ربما.

 

4- إن أحدث تعريف للإرهاب يقول: إنه نوع من استخدام طرق عنفية كوسيلة، الهدف منها نشر الرعب في المجتمع لإضعاف الحكم وإحداث تغييرات سياسية.
لا يفي هذا التعريف بالغرض، على اعتبار أن أكثر المنظمات المتّهمة بالإرهاب، لا تعتمد استراتيجية عسكرية فحسب، بل لها أيضًا ذراعها السياسية ومؤسساتها التربوية والإجتماعية والمالية.
وأضاف الدكتور حبيب: «يستدّل من جميع هذه التعريفات أن الإرهاب يستعمل عادة للإدانة فقط. فإذا ما تمّ إلصاق تهمة الإرهاب بعدو ما، في دائرة الصراع السياسي، فإن ذلك يعني تحقيق انتصار للطرف المتّهم، ولكن على حساب المنهجية العلمية الضرورية لفهم طبيعة الحرب والسلام، وما بينهما من شعارات ثورية وحركات استقلالية مشروعة الخيارات والأهداف.
إن تعبير إرهاب يبقى عائقًا أمام عملية فهمنا الاضطرابات السياسية والإجتماعية والمتغيرات داخل المجتمع، وعليه: إن أي تعريف للإرهاب، يجب أن يشرح أسباب الإدانة، (مثلًا لُقّب الرئيس ياسر عرفات بالإرهابي من قبل المجتمع الدولي، وفي ما بعد استضافه البيت الأبيض).
لذا فأي تعريف للإرهاب يجب أن يشمل شرح أسباب الإدانة أو حيثيات التبرير للعمل الإرهابي.
والجدير بالذكر هنا أن الجمعية العامة للأمم المتحدة، أدانت أعمال القمع والإرهاب التي تقوم بها الأنظمة (الدول) في إنكار حق الشعوب في تقرير مصيرها ونيل استقلالها، وبالتالي فإن العمل الإرهابي يمكن ان تقوم به الدول أيضًا. مثال على ذلك، دول إستعمارية أو أنظمة عنصرية أو ديكتاتورية. الجريمة الفردية بطبيعتها لا تحمل أهدافًا سياسية أو إيديولوجية، بعكس العمل الإرهابي الذي يعمل على إشاعة الرعب بين مجموعة كبرى من الناس.

 

إرهاب الدولة
إن إرهاب الدولة هو الإرهاب الأشدّ فتكًا والأكثر خطرًا، لعدة أسباب:
- الدولة تستعمل شرطتها، جيشها أو بوليسها السري.
- الدولة الإرهابية قادرة على نقل الإرهاب إلى خارج حدودها.
- الإرهاب يتخذ الطابع المؤسـساتي، حيث تشارك به مؤسـسات الدولة السياسية والعسكرية.
وفي هذا الإطار يتطرق د. حبيب إلى تأثير الإرهاب على الأوضاع السياسية لدولة ما، بحيث أنه سلاح يستعمله الضعيف لإضعاف القوي. والقانون الدولي يعترف بالأمر الواقع، حتى إذا ما تمكّنت المجموعات الإرهابية أو الثورية من القضاء على النظام، يصبح الإعتراف بها ممكنًا أو أمرًا واقعًا. وبالتالي، فالقانون الدولي يعترف بالأمر الواقع، أي بالقوى التي تسيطر على الأرض، أكانت ديموقراطية أو غير ديموقراطية.
هذا بالنسبة الى الإرهاب السياسي، أما بالنسبة الى الإرهاب الإقتصادي، فلا وضوح في المفهوم أو المعايير وفق حبيب فلا يمكننا اتهام أي دولة بالإرهاب الإقتصادي، ولن يمكن ذلك في حال نفّذت حصارًا اقتصاديًا على دولة أخرى، إذ أن الدول في هذه الحالة قادرة على تبرير أعمالها على أساس المصلحة الوطنية أو القومية أو الأممية. تمامًا كما أنه لا يمكن توصيف عمل عسكري يقوم به الناتو على أنه حرب إرهابية.
ويوضح بالقول: مثلًا عندما فرضت الولايات المتحدة حظرًا جوّيًا على العراق بين 1991 و2003، اعتبر هذا الحظر عملًا مشروعًا وتمّت تغطيته من قبل مجلس الأمن.
وأضاف الدكتور حبيب: «إن الإرهاب في أي مجتمع أو في أي دولة، يقوّض الأسسس الإقتصادية لهذه الدولة، مثل السياحة والاستثمارات الأجنبية، وبالتالي يعطّل العلاقات الاقتصادية مع الدول الأخرى». وأشار إلى أن «تلويث الأنهار والممرات البحرية، والإعتداء على منابع النفط، والعمل على توقّف الملاحة في المضائق البحرية مثل مضيق هرمز وقناة السويس... تعتبر جميعها أعمالًا إرهابية ومدانة من قبل القانون الدولي، على اعتبار أن الممرّات المائية ليست ملكًا لدولة معيّنة، بل تعتبر ثروة عالمية. كما أن قضية المحافظة على غابات الأمازون في المكسيك، التي تعتبر رئة العالم، مسؤولية دولية بامتياز».
واعتبر أن «الممارسات المخابراتية السرية، تكون متّهمة أحيانًا بتقويض الاقتصاد في دول أخرى، إما عن طريق تأجيج الإضرابات الداخلية، كما يحصل في أفريقيا (مالي، زائير..)، أو المشاركة باضطرابات عسكرية».
وأكد أنه «على المستوى الداخلي، هناك فرق بين المركز والأطراف، ولا سيّما في دول العالم الثالث، فبعض من هذه الدول تبدو متطورة، وتختبر المدنية العصرية في الداخل، في مقابل مناطق نائية لا تعرف طعم الإنماء. إن هذه السياسة الني تمارسها بعض الدول بحق شعوبها، تدخل أيضًا في نطاق الإرهاب الاقتصادي». 

 

إسرائيل وترهيب اللبنانيين اقتصاديًا
ختم الدكتور حبيب بالقول: «إن العمل الإرهابي مدان أخلاقيًّا وسياسيًا ودينيًا وقانونيًا، سواء قامت به دول أو عصابات مسلّحة، هدفها قتل الناس، وإشاعة الذعر بينهم، وتحديدًا إن ما تقوم به إسرائيل من خرق لقرار مجلس الأمن 1701، والاعتداء على سيادة لبنان جوًّا وبحرًا وبرًا، يندرج في إطار إرهاب الدولة الذي تهدف منه إسرائيل إلى تقويض السياحة في لبنان، وإبعاد المستثمرين عنه.
صحيح أن القانون الدولي واضح وصريح في هذا المجال، ومعاييره تدين إسرائيل على أعمالها الوحشية، ولا سيّما عندما قصفت معامل الكهرباء وقطّعت أوصال الوطن من خلال قصفها للجسور، وقضت على الثروة السمكية، بعدما تلوّث الشاطئ اللبناني من بقايا الآثار النفطية المتسرّبة من معمل الجيّة الحراري، إلا أنها ما زالت تمارس عدوانها وإرهابها على لبنان».

 

رأس المال جبان يبحث عن مكان آمن للاستثمار
الدكتور سمير طنوس (المدير السابق لكلية العلوم الاقتصادية وإدارة الأعمال في الجامعة اللبنانية - الفرع الثاني، وأستاذ محاضر في الكلية الحربية وعدد من الجامعات) إعتبر بدوره أن «ما يفرزه الإرهاب من آثار لا يقتصر بالضرورة على الأفراد الذين يقعون ضحايا العمليات العنفية، بل يتجاوز ذلك إلى الأضرار المادية التي يسبّبها للاقتصاد أو للمنشآت أو للمرافق الأساسية. ولكن الأخطر من ذلك كله هو إشاعة حالة من الرعب في نفوس الناس وعقولهم، «تخلعهم» من الإطار الإجتماعي والسياسي الذي اعتادوه».
وأضاف: «عند حدوث العمل الإرهابي تدبّ حالة من الذعر والخوف، وينتاب الناس حالة من عدم الاستقرار والطمأنينة، وتؤثر هذه الحالة في جميع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية...
فمن الناحية الاقتصادية، تخيف هذه الحالة المستثمرين وتشجّع على هروب رؤوس الأموال، الى مكان آمن خالٍ من النزاعات المسلّحة، فرأس المال جبان».
وعن واقع الاقتصاد اللبناني وتأثير العمليات الإرهابية عليه، أوضح الدكتور طنوس «ان قطاع الخدمات يشكّل نسبة تزيد عن 70 في المئة من الناتج المحلي، مما يعني أنه المكوّن الرئيس له، ولا سيّما القطاع السياحي، وبالتالي إن أي عمل إرهابي داخل البلد، يؤدي إلى تدهور الاقتصاد، نظرًا الى التدهّور الدراماتيكي الذي يصيب القطاعين الصناعي والزراعي منذ فترة.
ولفت طنوس إلى أن الأعمال الإرهابية تؤدي إلى هروب المستثمرين ومعهم رؤوس الأموال، لكن الأخطر هو هروب الأدمغة المتخصصة، على اعتبار أن رأس المال، قد نعيده أو نجد بديلًا عنه، ولكن هذه الأدمغة كيف نعيدها الى الوطن، وهي التي وجدت لها مكانًا آمنًا يوفّر لها ظروفًا آمنة للإنتاج والإبداع».

 

من أخطر تداعيات الإرهاب الإنشغال بالأمن وحده
حول تداعيات الأعمال الإرهابية، أوضح د. طنوس: «إنه لأخطر من الواقع الإرهابي الذي تعيشه المنطقة اليوم، هو تركيز إهتمام جميع الأجهزة اللبنانية أكانت رسمية أو خاصة على مكافحة الإرهاب، من دون الأخذ بعين الأعتبار الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية داخل البلد. فالإرهاب يجعل الناس في حالة ترقّب للحرب، وهذا بدوره مضرّ بالإقتصاد وبالعجلة التنموية».
وأخيرًا أكد الدكتور طنوس أن «الإرهاب مرّ بعدة مراحل، وأن كل الجهود القانونية الدولية السابقة إثر أحداث 11 أيلول 2001، لم تنجح في احتواء خطره، وذلك لأنها جهود غير متكاملة من ناحية، ومن ناحية أخرى، بسبب الدمج بين ما هو عمل إرهابي وبين ما هو حق لمقاومة وطنية مشروعة».