ذكراهم خالدة

من الحدود إلى الداخل: نحن على مسافة واحدة من الجميع
إعداد: ندين البلعة خيرالله

في الذكرى الثالثة لمعركة «فجر الجرود» توجّه العماد عون إلى ساحة رأس بعلبك، حيث دشّن نصبًا تذكاريًا يحمل أسماء الشهداء الذين سقطوا خلال هذه المعركة في المواجهة مع تنظيم داعش الإرهابي.

 

في هذه الأرض الطيبة التي تحرّرت بفضل إرادة شعبنا وتضحيات جيشنا، استُقبل القائد وضباطه وعسكريوه بنثر الورود، وبحفاوة الأبناء الواثقين بالمؤسسة العسكرية، خط الدفاع الأول عن سلامة الوطن وشعبه وحدوده وأراضيه. ومن هذه الأرض التي تعبق برائحة دماء الشهداء الزكية التي روت ترابها فأنبتت عزّة وكرامة وحرية، أكّد القائد أنّ شهداءنا هم وسام نحمله على صدورنا ودماءهم هي مسؤولية نحملها على أكتافنا.

وكأنّه عرف ما يجول في بال الأهالي من أسئلة، وشعر بقلقهم، فطمأنهم إلى أنّ «مسؤولياتنا الجديدة، وهي شرف لنا، لن تشتّت اهتمامنا عن عدوَّين لا يستكينان كلما حانت لهما الفرصة، وهما الإرهاب والعدو الإسرائيلي».

وضع الإصبع على الجرح، أعطى الحق للشعب، وعبّر عن الحزن والغضب اللذَين يشاركهما الجيش مع هذا الشعب الذي فقد ثقته بسبب الخيبات المتتالية والأزمات المتلاحقة التي يعانيها وطننا منذ تشرين الماضي، وآخرها انفجار المرفأ الكارثي.

أكّد القائد وقوف الجيش كما عادته إلى جانب شعبه متولّيًا منذ اللحظة الأولى للانفجار أمن المنطقة المنكوبة ولو من دون تكليف، وجاعلًا أولويته السلامة العامة والبحث عن الأحياء تحت الركام وعن المفقودين.

هذا الصامت الصامد الأكبر، عمل بصمت أمام هول الكارثة وحجمها، «فلا قيمة للكلام أمام دماء الأبرياء وأنين الجرحى ودموع الحزن والأسى»، هذا الحزن الذي لم يوفّر حتى المؤسسة العسكرية التي فقدت ثمانية شهداء وأكثر من ثلاثمئة جريح. شارك الشعب غضبه لأنّه كان يمكن تفادي هذه الكارثة.

وعلى الرغم من هذا المصاب الأليم، زرع القائد بكلماته الصفات العسكرية، الشجاعة والمثابرة والتمسّك بالأرض، في نفوس المواطنين، وذكّر هذا الشعب بميزاته، فهو عصامي ومحب للحياة وسينهض من جديد. دعاهم ليوحّدوا الجهود مع هذا الجيش الذي كان وما زال إلى جانب شعبه، في السلم كما في الحرب والأزمات، يزاول حبّه للوطن رغم كل محاولات التخوين والحملات لتشويه صورته.

استعرض القائد مرة جديدة ثوابت المؤسسة العسكرية، وبلهجةٍ صارمة كحدّ السيف، قطع الطريق على التأويلات والاتهامات، وتشويه صورة الجيش، موجّهًا الإصبع إلى عين كل من التبس عليه الأمر «فليعلم أنّنا لسنا مع فريق ضد آخر ولن نكون»، وأنّ الجيش على مسافة واحدة من الجميع وسيبقى مدافعًا عن الحريات كما الممتلكات العامة والخاصة، وستبقى أولويتنا حماية السلم الأهلي والاستقرار، وذلك انطلاقًا من قناعاتنا وواجباتنا ومسؤولياتنا.

هذا الجيش الذي ينبض بنبض شعبه، كان وما زال العمود الفقري لهذا الوطن، وسيبقى وفيًا لقسمه بالدفاع عنه مهما غلت التضحيات، وسيبقى إلى جانبه في كل الظروف.

أودع العماد عون شعب لبنان هذه الكلمات، أودعهم الأمل والثقة بأنّ الغد أفضل ما دام الشعب وجيشه يدًا واحدة، ثم انتقل لتفقّد عسكرييه الصامدين على الحدود. افتتح طريق «مقيال فرح» الحدودي الذي يصل إلى مركز عسكري في جرود رأس بعلبك، حيث التقى عناصر المركز وحيّا الجهود التي يقومون بها لحماية الحدود.

كل قطعة من هذه الأرض هي أمانة، حافظ عليها جيشنا بأغلى الأثمان، ذرف الدموع مع الأمهات الثكالى وبكى شهداءه، تألم لألم المصابين وجُرحت سنبلته فتناثرت حباتها دواءً لجروح الوطن... كيف لا وهو الوكيل الأمين على كل حبة من تراب هذا الوطن، يفديها بروحه ولا يستبدلها حتى بكنوز الدنيا. وبعد، ما همّنا عدو أو مصيبة أو أزمة أو خيبة، وإلى جانبنا مؤسسة شرف وتضحية ووفاء، اجتمع أهل وطننا على محبتها، تنهض بهم بعد كل مصيبة أقوى ممّا مضى!