تواصل ومخاطر

من الرسائل المزيّفة إلى سرقة الهوية...
إعداد: د.تراز منصور

قرصنة الواتساب ظاهرة خطرة تهدّد الأعمال والعلاقات الرقمية

 

يشهد تطبيق ”واتساب“ في الآونة الأخيرة موجة غير مسبوقة من عمليات الاختراق والقرصنة، تطال مستخدمين في لبنان والعالم، في ظل تحوّله إلى منصّة تواصل رئيسية في الحياة اليومية. وقد أدّت هذه الخروقات إلى إلغاء عددٍ من الحسابات في لبنان، فضلًا عن تلقّي الكثير من المستخدمين رسائل مشبوهة، مصدرها العدو الإسرائيلي، بهدف الابتزاز أو جمع المعلومات. إلى ذلك، تنشط عبر الحسابات المقرصنة محاولات نصب واحتيال تستهدف الأفراد والمؤسسات على حدّ سواء.

وفي سياق الإضاءة على هذه الظاهرة المتفاقمة، وأسبابها التقنية ومخاطرها الأمنية والاقتصادية، يشرح نقيب المعلوماتية في لبنان، السيد جورج خويري، خلفيات الخروقات الرقمية وسُبل التصدّي لها في ظل تنامي التهديدات الإلكترونية.

تُعدّ ظاهرة اختراق حسابات «واتساب» (WhatsApp) وقرصنتها حديثة العهد، وفق خويري، الذي أوضح أنّ عددًا متزايدًا من المستخدمين في لبنان وخارجه يتعرّضون لمثل هذه الهجمات، ما يثير قلقًا واسعًا حيال مستوى الأمان الرقمي. وشرح خويري آلية الاختراق من الناحية التكنولوجية، مشيرًا إلى عدة وسائل يستخدمها المخترقون (الهاكرز)، وأهمها:

- الهندسة الاجتماعية: Social Engineering يُرسل المُخترق رسالة تتضمن رمز تفعيل مزيّف، ويسعى إلى إقناع المرسل إليه بمشاركته هذا الرمز، فإذا وقع في الفخ، يمكن عندئذٍ الدخول إلى حسابه بسهولةٍ تامة.

- استغلال الثغرات الأمنية: يستغلّ المخترقون في بعض الحالات الثغرات في «واتساب»، فيرسلون صورة أو ملفًا يحتوي على رمزٍ خبيث، وبمجرّد فتحه، ينجحون في السيطرة على الحساب الخاص بالمستخدم.

- تطبيقات التجسّس: قد يعمد المستخدم، عن غير قصد، إلى تحميل تطبيقات تتضمّن برمجيات تجسّسية، تمكّن القراصنة من النفاد إلى بياناته ورسائله الخاصة داخل التطبيق.

أسباب الظاهرة

وعن أسباب شيوع ظاهرة الخروقات، رأى خويري، أنّ تصدُّر تطبيق «واتساب» قائمة وسائل التواصل الاجتماعي حول العالم جعله هدفًا رئيسيًا للقراصنة، مشيرًا إلى أنّ هذه الاختراقات لم تعد مجرّد مشكلة فردية، بل باتت تمثّل ضربةً كبيرة للأعمال والعلاقات الرقمية على نطاق واسع.

وشدّد خويري على أنّ المشكلة لا تكمن في ضعف التطبيق نفسه، بل في نقص الوعي لدى المستخدمين حيال الأساليب المخادعة التي يعتمدها القراصنة لاختراق الحسابات، ودعا إلى ضرورة تعزيز الثقافة الرقمية واتخاذ إجراءات الحماية الفردية.

ونفى وجود إحصاءات في لبنان تشير إلى حجم الاختراقات، مؤكدًا في المقابل تسجيل عدد من الحالات التي طالت حسابات صحافيين وناشطين، وأسفرت عن خسارة حساباتهم بشكل كامل.

 

التداعيات والمخاطر

تُشكّل قرصنة حسابات «واتساب» تهديدًا متعدد الأبعاد، نظرًا لاعتماد هذا التطبيق عالميًا في مجالات حيوية، أبرزها التواصل الشخصي، والتجاري والطبي. وبحسب خويري، فإنّ هذه الاختراقات تُلحق أضرارًا بالغة بمستخدمي التطبيق على المستويين الفردي والمؤسسي، مشيرًا إلى أبرز الأضرار على المستوى الفردي كالآتي:

- انتهاك الخصوصية، إذ يتمكن المخترق من الاطلاع على المحادثات الشخصية والصور، فضلًا عن استخدام الحساب لإرسال رسائل احتيالية إلى أصدقاء الضحية وأقربائه.

- انتحال الهوية التي تسبّب حالة من الفوضى للضحية، لأنّ (الهاكر) يستغلّ الحساب للتواصل مع الآخرين باسمه ويطلب منهم الأموال أو المعلومات الحسّاسة.

- ضياع البيانات المهمة من خلال مسح المحادثات (delete) أو منع الضحية من استرجاع حسابه، ما يؤدي إلى خسارة محتوى شخصي مهم.

أما على صعيد الشركات والأعمال التجارية، فلفت خويري إلى أنّ الأضرار قد تكون أوسع وأكثر تعقيدًا، لا سيّما في ظل اعتماد عدد كبير من المؤسسات على «واتساب» كوسيلة أساسية في خدمة العملاء وتسويق المنتجات والنشاطات المختلفة. من هذه الأضرار:

- انتحال الحسابات: إذ يتقمّص المُخترق شخصية الشركة أو موظفيها ويتواصل مع الزبائن، ما يضرب الثقة ويُسيء إلى سمعة المؤسسة.

- اختراق بيانات العملاء الشخصية أو تسرّب معلومات حساسة، ما يُعرّض الشركة لمشاكل قانونية وأخلاقية.

- تعطيل الأعمال في الشركة من جراء اختراق حسابها الرئيسي، وفقدانها وسيلة تواصل أساسية مع العملاء، ما يؤدي إلى خسائر مالية كبيرة.

- القيام بعمليات احتيال باسم الشركات لناحية استغلال المُخترق لحسابات العملاء وطلب دفعات مالية أو إرسال روابط مزيّفة تؤدي إلى سرقة بياناتهم.

 

خطوات لتعزيز الحماية

 

في ظل التهديدات المذكورة، هناك سلسلة من الخطوات البسيطة والفعّالة لحماية الحسابات، أبرزها:

- التحقّق من مصداقية الرسائل قبل التفاعل معها، والامتناع عن فتح أي رابط أو ملف مجهول المصدر، حتى لو ورد من جهة معروفة أو صديق، إلّا بعد التأكد من صحته ومصداقيته.

- عدم مشاركة رمز التفعيل (Code) مع أي جهة، حتى ولو بدا الطلب طبيعيًا أو صادرًا عن شخصٍ موثوق، فالتطبيق لا يطلب هذا الرمز أبدًا.

- من الأفضل استخدام تطبيق «واتساب بزنس» (WhatsApp Business) لما يوفّره من خيارات حماية إضافية، مع ضرورة تأمين الحساب بكلمة سر قوية وربطه ببريد إلكتروني موثوق.

- تحديث التطبيق بانتظام (Update) لتفعيل آخر الإصدارات الأمنية التي تُغلق الثغرات التي يستغلّها القراصنة.

- عدم التردّد بالإبلاغ فورًا عن القرصنة والعمل على استرجاع الحساب بأسرع وقت ممكن لتقليل الأضرار.

- رفع مستوى التوعية حول الاختراقات، وتعزيز الوعي الرقمي داخل الأسرة والمحيط، لأنّ المعرفة تُقلّص من فرص نجاح المحتالين، وتُشكّل خط الدفاع الأول ضدّ محاولات القرصنة.

في الختام، الأمان الرقمي مسؤولية جماعية، ولا مجال لكلمة «أنا غير مُستهدف» لأنّ الجميع هدف للمقرصنين بطرقٍ مباشرة أو غير مباشرة، سواء عبر الاحتيال أو سرقة الهوية أو حتى استغلال الحساب للإيقاع بآخرين. فاختراق حساب واحد لا يُعد تهديدًا فرديًا وإنّما يشكل تهديدًا جماعيًا إذ قد يُحدث سلسلة من الأضرار تمتد إلى المؤسسات، وتُهدّد أعمالًا تجارية واسعة على امتداد العالم.