حدث

من الرويس إلى طرابلس دم واحد ووجع واحد

مرةً جديدة تمتد يد الإرهاب إلى لبنان لتطال المواطنين العزل الأبرياء، وبشكلٍ لم يسبق له مثيل منذ سنين طويلة، في محاولة مكشوفة لقتل أكبر عدد منهم، وبالتالي استدراج الفتنة والفوضى إلى الوطن، وزعزعة استقراره الأمني، والنيل من اقتصاده الوطني ورسالته الإنسانية والحضارية الفريدة.

 

واحد لون الدم هنا وهناك، واحد الوجع هنا وهناك.
المشهد الأسود ذاته في الرويس وقبلها بئر العبد، وفي طرابلس، وعسى ألاّ يكون بعدها مكان آخر.
هكذا بلحظة تحط الكارثة في شارع أو ساحة، تقتحم حياة أناس هم غالبًا متعبون من قساوة الحياة ومشقاتها. تفرض معالمها القبيحة على النفوس والوجوه والحجر والتراب والأرزاق، فيتبدل كل ما كان، وتتسع الهاوية لمزيد من الخراب القاتل.
واحد لون الدم، واحد الوجع، وواحد الوحش المفترس حياة الناس وأحلامهم وجنى أعمارهم.
لقد حصل الأسوأ، نعم ها نحن في قلب العاصفة وعينها وجنونها، لكن ماذا بعد؟ إن لم نكن قادرين على منع العاصفة، فهل نشرّع لها أبوابنا؟ من يريد هذا الجحيم؟! من يشتهي المآسي؟! هل يستفيق العقلاء؟
لم يتسلل الإرهاب خلسة إلى ساحة الوطن ليحصد الأبرياء ويحوّل العشرات من بشر يسعون إلى رزقهم إلى كتل متفحمة وأشلاء تحت أنقاض البيوت والأحلام. لقد أتى بوقاحة وفظاظة ومن دون تخفٍ ليزرع خلاياه أينما استطاع. من أين أتى؟ من عصور البربرية والتخلف؟ من الجوار الملتهب؟ من تصارع المصالح  
على الساحتين الإقليمية والدولية؟ أيًا كان المصدر، من واجبنا أن نوصد في وجهه جميع الأبواب، لكننا مع الأسف لم نفعل.
لقد بذل الجيش الكثير لكي لا تشرع هذه الأبواب. بذل دمًا عزيزًا وعرقًا وسهرًا، أوصد أكثر من باب ومنع أكثر من فتنة، ولكن ليس بالأمن وحده يردع الإرهاب وتمنع الفتن.
على الجميع تحمّل مسؤولياتهم، وها هي الوقائع بفجاجتها تعلن أن لا خيارات كثيرة أمامنا، إما النهوض من التقاعس والتلكؤ والمواقف التي لا تعدو كونها كلامًا في الليل يمحوه ضوء النهار، وإما مواجهة الأسوأ.
من يعود بالذاكرة قليلاً يدرك بوضوح معنى التحذيرات التي أطلقتها قيادة الجيش على قلّة الكلام الذي تبوح به علنًا. لكن الإعلان للناس شيء وإطلاع المعنيين شيء آخر، حتى طفح الكأس... قبل يومين فقط من الإنفجارين المروعين في طرابلس، أعلن قائد الجيش العماد جان قهوجي في كلمة ألقاها في تكريم الضباط  
المتقاعدين، «أن الجيش يخوض حربًا شاملة على الإرهاب، ولن تتوقف أجهزتنا عند انتقادات أو حملات أو صواريخ أو عبوات، بل هي ستواصل عملها...».
وفي مزيد من الإيضاح أعلن أن الجيش يلاحق منذ أشهر خلية إرهابية كان تفجير الرويس إحدى جرائمها... وهي «تحضّر لبث الفتنة المذهبية عبر استهداف مناطق متنوّعة الاتجاهات الطائفية والسياسية...»، ليختم بالقول «لا نريد التهويل على المواطنين، لكن آن الأوان لنضع الجميع أمام مسؤولياتهم».
نعم آن الأوان، وعسى ألاّ يفوت الأوان.

 

التحرير