من الشرق أوسطية إلى الشرق الأوسط الكبير

من الشرق أوسطية إلى الشرق الأوسط الكبير
إعداد: د. عبد الهادي يموت
عميد سلبق لكلية العلوم الاقتصادية وادارة الاعمال - الجامعة اللبنانية

جرت العادة في الماضي، حين نتكلم عن الشرق الأوسط أن يبدو وكأن الكلام يدور حول الدول العربية. وفي مرحلة متقدمة أصبح ذلك يعني أن الكلام يدور حول الدول العربية وإسرائيل معاً، واليوم صار هذا الكلام يعني أنه يدور حول الدول العربية وإسرائيل وإيران وباكستان وأفغانستان وتركيا خلال العقود القليلة المنصرمة (1945-2003)، حاول العرب وضع صيغ للتعاون؛ إلا أنه عند محاولة تنفيذ القرارات، كان شبه الفشل حليفها.

حصلت محاولة لإقامة سوق شرق أوسطية، إثر زيارة الرئيس المصري محمد أنور السادات لإسرائيل سنة 1978، ودخل العالم العربي مرحلة جديدة عنوانها «صلح إسرائيلي- مصري». وتوالت فصوله بصلح إسرائيلي - أردني، وجرت محاولات فلسطينية - إسرائيلية (اتفاقات أوسلو ومدريد)، لم تكلَّل في حينه بالنجاح، وهذا ما أظهر أن الشرق الأوسط على أبواب نظام إقليمي جديد. مع هكذا معطيات راح العالم العربي يعيش حالة إرباك واضحة نتيجة التوجه غير المدروس وغير الموحّد نحو السلام. وزاد من خطورة حالة الإرباك هذه، وضع التضامن العربي المترهل، وإصرار إسرائيل على إنهاء أسطورة التكامل العربي والوحدة العربية، وترسيخ التشرذم والتفكك، وتوطيد الكيانات العربية كواقع نهائي، وكسر طوق المقاطعة  العربية.

وبعد الصلح الذي حصل، خصوصاً بين كل من مصر والأردن مع إسرائيل، أصبح التعاون العربي المتعدد الأطراف والذي تمثله جامعة الدول العربية([1]) على أبواب مرحلة انتقالية تاريخية، حيث أدت التحولات الجارية على الصعيد الدولي والإقليمي والداخلي إلى طرح تحدّيات مصيرية، جوهرها أن علاقات التسوية مع إسرائيل بدأت تفرض وجودها، وبدأ الانفتاح عليها. فالعرب يواجهون إسرائيل مشرذمين بصورة لم يسبق لها مثيل منذ بدايات عهد تحررهم، وهي تضغط بقوة لفرض سلام مقرون بل مشروط  بمشاريع سميّت بالشرق أوسطية. وتكثَّفت الرؤى لإقامة نظام جديد للشرق الأوسط مكان النظام  الإقليمي السائد، فكان مشروع أعده شيمون بيرس، وعملت إسرائيل مع بعض الدول العربية على بلورته في العقد الأخير من القرن الماضي، مدعومة من قبل الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبية.

واليوم، وبعد احتلال الولايات المتحدة الأميركية لأفغانستان والعراق،  تتكثّف الضغوطات والاتصالات لإنشاء نظام للشرق الأوسط تعمل واشنطن  على هندسته مع بعض الدول الأوروبية.

ولكي نتمكن من تأطير هذا  الموضوع الواسع سنحاول الإجابة عن الأسئلة التالية :

هل كان هناك نظام إقليمي قائم في منطقة الشرق الأوسط؟ ما هي مرتكزاته؟ لماذا تقهقر بعد العمل به خلال نصف قرن من الزمن؟

لماذا لم يبصر نظام الشرق أوسطية (الذي رسم له شيمون بيرس صورة في كتابه) النور، وما هي ملامح مفهوم السوق الشرق أوسطية؟

هل إن مشروع نظام الشرق الأوسط الكبير المطروح اليوم  يمكن أن ينجب مولوداً سوياً، وما هي الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة ودولاً أوروبية لوضع مثل هذه المشاريع؟ وما هي أهم مرتكزات هذا النظام؟

يحمل هذا البحث عرضاً وتحليلاً لمجموعة من القضايا السياسية والاقتصادية الهامة، ويطرح مجموعة من التساؤلات الأساسية التي لها علاقة باستشراف مستقبل المنطقة، ما قد يساهم من خلال النقاش الموضوعي الهادئ في بلورة التوجه السياسي والاقتصادي الذي يجب أن تسلكه الدول العربية في تعاطيها مع قضايا الساعة (النظام الدولي الجديد، التكتلات الإقليمية و الشرق أوسطية) إلى وضع قراءة موضوعية.

إلاّ أنه لا بدّ أولاً من تساؤل ضروري: إن مفهوم الشرق الأوسط هو تعبير جغرافي لا يزال غير محدد بوضوح. ولقد جرى العرف على تعريف منطقة الشرق الأوسط بالمنطقة العربية، ويطرح مفهوم الشرق الأوسط الجديد دمج إسرائيل في هذا المحيط، ويضاف إليه أيضاً إيران وتركيا وأثيوبيا، فلمَ لا تضاف باكستان وأفغانستان أيضاً؟

 

تجربة التعاون العربي

تعتبر الجامعة العربية التي نشأت سنة 1945 رمزاً أساسياً للتعاون العربي، حيث نصّ ميثاقها على التعاون الوثيق في الشؤون الاقتصادية والمالية والمواصلات والشؤون الثقافية والاجتماعية والصحية والأمنية (صيانة استقلال الدول الأعضاء والنظر في شؤون البلاد العربية ومصالحها، وتحرير البلاد غير المستقلة، والتعاون مع الهيئات الدولية لكفالة الأمن والسلام)([2]). ومنذ ذلك الحين وهي تعمل  لوضع التعاون العربي موضع التنفيذ.

اتفاقية التبادل التجاري كانت أولى ثمرات القرارات العربية المتخذة  سنة .1953 ثم توالت بعدها القرارات، فكانت اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية سنة 1956 التي انبثقت عنها السوق العربية المشتركة، ثم أنشئت المنظمات المتخصصة، ومن بينها منظمة التنمية الصناعية 1968، ومنظمة التنمية الزراعية 1969، وصندوق التنمية الاقتصادية والاجتماعية 1971، واللائحة تطول، إلا أن آخرها كان برنامج تنفيذ منطقة التجارة العربية الحرة لعام 1997.

 

ملامح مفهوم الشرق أوسطية

إن مجرد البحث في الشرق أوسطية يعني أن هناك مشروعاً أو مشاريع أو أوراق عمل مطروحة لبلورة أفق نظام جديد، يفترض انه سيُدخل إسرائيل في عداده. ويمكن تحديد إطار مفهوم الشرق أوسطية من خلال اعتمادنا على كتاب شيمون بيرس «الشرق الأوسط الجديد»([3]) وعلى المؤتمرات التي عقدت لتوطيد أسس الشرق أوسطية. ونرى أن فكرة الشرق أوسطية هي فكرة غربية وإسرائيلية، يفترض أنها مشروع نظام متكامل، وجزء من نظام العولمة الذي يُرسم له ويغطي المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية والعلمية والثقافية كافة. وكل ذلك يجري في ظروف تجعل العرب ينتظرون ما سيفرض عليهم. من هذا المنظار نرى ضرورة النظر بجدية إلى السيناريوهات المقترحة، ومعاينتها وإعطاء إجابات عن الأسئلة، بالرغم من أننا نلاحظ أن معظم الدول العربية تراوح في حالة ردّ الفعل لا الفعل على ما يطرح عليها.

الملاحظ أنه بعد زيارة الرئيس المصري أنور السادات  لإسرائيل سنة 1978 وتوقيع معاهدة سلام باسم مصر، حيث تبعته على خطى هذا الصلح المملكة الأردنية الهاشمية، بدأ الكلام عن إقامة سوق شرق أوسطية أو تعاون عربي إسرائيلي واسع. فما هي ملامح هذا التوجّه؟ ما هي أسس التحولات من سوق عربية مشتركة إلى سوق شرق أوسطية؟

 

من نظام إقليمي عربي إلى نظام شرق أوسطي

إن زرع مشروع الكيان الإسرائيلي بإعلان وعد بلفور عام 1917، وإنشاء دولة إسرائيل في قلب المنطقة العربية عام 1948، كانا مقدمة لخلق المشروع الشرق أوسطي. ثم توالت التدخلات والهزّات فكانت الحروب العربية الإسرائيلية وما تبعها من مشاريع للتسوية، مثابة أحداث ساهمت في زعزعة الاستقرار العربي وترسيخ أقدام إسرائيل في الأرض العربية.

والواقع أن السوق الشرق أوسطية لا تنفصل عن النظام الإقليمي الأوسطي المنشود، وهذا يعني أن النظام الإقليمي العربي الذي كان قائماً على احترام كل دولة عربية لحدود وسيادة الدولة العربية الأخرى، أصبح يقوم على احترام حدود وسيادة كل دولة من دول المنطقة، بما فيها دولة إسرائيل. وقال أحد وزراء خارجية إسرائيل إن «ارتفاع مستوى المعيشة هو شرط مسبق لتخفيف التوترات في الشرق الأوسط، وطالما كانت هناك هوة تفصل بين مطامح الناس وفرصهم الحقيقية داخل النظام الاجتماعي - السياسي، فإن المجال ينمو رحباً أمام الأصولية، وما من اقتصاد مكافح اليوم يستطيع أن ينمو من دون أن يتلقى معونة خارجية أو يصبح جزءاً من نظام إقليمي أوسع([4])». وحين يشدد شيمون بيرس على ضرورة التخلص من الأصولية، فلأنه يدرك أن الفراغ الحاصل على الساحة العربية يجد صدى كبيراً في موجة الأصولية التي تعمل بكدّ لتقويض المخططات المطروحة، الأمر الذي ساهم كثيراً في دفع اتفاقيات السلام خطوات سريعة إلى الأمام.

كذلك فإن الأصولية وجدت أرضية خصبة في الظروف الموضوعية الملائمة لانتشارها. فالكثير من الأنظمة العربية خيّاب آمال الجماهير في تأمين ضرورات الحياة الأولية، فانتعشت الأصولية فيها. ألم ترفع الماركسية سابقاً شعارات تأمين حياة كريمة للعمال والفلاحين والمثقفين؟!

ومرة قال شيمون بيرس: «إن السبيل الوحيد لضمان مستوى معقول من الأمن القومي في هذا العصر، عصر الصواريخ أرض- أرض والقدرات النووية، هو إقامة نظام إقليمي للرقابة، «وإنه في حال انقطاع القنوات الديبلوماسية مؤقتاً خلال نشوب أزمة، ينبغي أن تكون للمنطقة قوات تستطيع الرد على العدوان في الحال بصورة مؤثرة»([5]).

مثل هذه الأفكار وجّهت ضربة لمصداقية الجامعة العربية وفاعليتها، ولدور النظام الإقليمي العربي. وفي هذا المجال نجد من المفيد أن نقتبس فقرة مما قاله شيمون بيرس لتأكيد مفهوم هذا التحوّل: «فهل يمكن للطرفين أن يلتقيا على جسر الحكم الذاتي ويمضيا قدماً نحو ترتيب دائم؟ الطبيعة المحددة للسلام ستغدو القضية المهيمنة في المرحلة الثانية من العملية، والهدف الرئيسي هو إقامة نظام مستقر من علاقات حسن الجوار. والبيئة الآمنة المستقرة الناشئة عن ذلك ستفضي، بدورها، إلى النمو والتنمية والازدهار والرفاه لكل شخص ولكل أمة ولعموم المنطقة. وسيركز هذا الطور على الاعتبارات بعيدة الأمد، مثل تطبيع العلاقات وإقامة الصلات الاقتصادية والثقافية، وتقرير الحدود المعقولة الدائمة. ومن المستحسـن أن تقـررّ هـذه الحـدود بموجـب التطلعـات القوميــة (التــاريـخ والديموغرافيا) وليس وفق الاعتبارات الأمنية وحدها. فالسلام المستقر الدائم بذاته هو الذي سيعزز الأمن، بعد كل شيء. ولكي نصل إلى هذه الخاتمة يتعين أن نبذل الاهتمام العام للحفاظ على السلام، وإقناع كل الأطراف بتبنّي طريقة جديدة مغايرة في تأمل مستقبل المنطقة ومستقبل كل أمة من أمم الشرق الأوسط. وعلى هذا الأساس يمكن لنا أن نعزز الاعتراف بمصيرنا المشترك، وأن نبيّن كيف أن المقاربة الواقعية تخدم الجميع. وهذه الأهداف تضفي بعداً جديداً على مفهوم السلام الإسرائيلي- العربي يتجاوز مجرد إنهاء حالة الحرب..» ([6]).

هذه هي الملامح الأولى للنظام الشرق أوسطي، فكيف سيترجم اقتصادياً؟... هنا بيت القصيد بالنسبة لإسرائيل. ويقول شيمون بيرس في كتابه المذكور «إن مفهوم الإقتصاد الإقليمي ينطوي على خطوات تدريجية لإقامة جماعة تشبه كثيراً الجماعة الأوروبية... ونواجه نحن أيضاً في الشرق الأوسط عدواً مشتركاً: الفقر. إن الفقر هو أبو الأصولية وهو خطر داهم على التقدم والتنمية والحرية والازدهار، وسنخسر الكثير إذا لم نؤسس إطاراً إقليمياً يهزم كهنة الهلاك. ولدينا الكثير مما سنكسب، إذا عرفنا كيف نردم هوة الدم والدموع، وتطلّعنا إلى أفق الأمل الرحب، ولم نلتفت ببغض إلى الوراء([7])».

 ويعتبر بيرس أنه «إذا لم يتمكن العرب وإسرائيل من إقامة جماعة إقليمية بخطوة واحدة، فسنتقدم على مراحل، من معهد أبحاث مشترك لإدارة الصحراء إلى مصالح تعاونية لتحلية المياه، والتعاون المثمر الجاري حالياً بين إسرائيل ومصر في ميدان الزراعة هو مثال طيب على هذه المقارنة. بل يمكن البدء بتنفيذ بعض المشروعات قبل توطيد سلام دائم. فلإسرائيل أصلاً برامج اقتصادية وبرامج أبحاث مشتركة مع مختلف البلدان التي لم توقع معها معاهدات سلام بعد([8])».

الواقع أن ملامح التقارب الإقتصادي بين بعض الدول العربية وإسرائيل بدأت تظهر رويداً رويداً. فقد ضعفت مقاطعة مصر لإسرائيل، وتبعتها في ذلك المملكة الأردنية، ثم الكيان الفلسطيني، وبمستوى أضعف بعض الدول العربية الأخرى عن طريق إلغاء المقاطعة غير المباشرة وهي من الدرجة الثانية وتعني مقاطعة الشركات الأجنبية التي ساعدت على تقوية إسرائيل ودعمها اقتصاديا وعسكريا، وإلغاء المقاطعة من الدرجة الثالثة التي تعني مقاطعة الشركات التي تتعامل مع الشركات الموضوعة على قائمة المقاطعة بمستواها الثاني، ولم يبقَ سوى المقاطعة المباشرة للسلع والخدمات المنتجة في إسرائيل، حيث انه بالرغم من بقائها قائمة، فالبضائع الإسرائيلية تدخل اليوم العديد من الدول العربية. ويعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي أن صادرات إسرائيل  إلى الدول العربية قد تجاوزت الخمسة مليارات دولار، وستكون بحدود 15 مليار دولار خلال السنوات القليلة اللاحقة.

ولتذليل مشاكل التنافر في مستويات المعيشة ونصيب الفرد من الدخل القومي، يعتبر بيرس أن المنطقة بحاجة لحل على أربعة مستويات: نزع السلاح أولاً الذي ينفق عليه سنويا قرابة 60 مليار دولار، ثم تأمين

الغذاء الكافي باسـتخدام المياه المتوفـرة والتكنولوجيـا الحيويـة والحرب على الصحراء، والمستوى الثالث هو إقامة شبكة مواصلات واتصالات متطورة بحيث يتمكن الإنتاج الإقليمي من إيجاد طريقه بسهولة، ويبقى المستوى الرابع وهو السياحة التي يمكن في فترة وجيزة أن تدرّ الأرباح وتوفر فرص العمل.

 

مراحل التقارب بين إسرائيل والبلدان العربية

من الخطوط العريضة التي لا تزال عامة وضبابية في كتاب شيمون بيرس يمكن رصد مراحل التقارب بين الدول العربية وإسرائيل كالآتي([9]):

1- مرحلة التقارب الأولى

تسعى إسرائيل لإقامة تعاون مع مجموعة من الدول العربية هي: مصر، الأردن والكيان الفلسطيني، لبنان وسوريا، في إطار منطقة للتبادل التجاري الحرّ. والمفهوم الإسرائيلي للاقتصاد الإقليمي ينطوي على خطوات تدريجية لإقامة جماعة تشبه كثيرا الجماعة الأوروبية، ويقترح «تنفيذ بعض المشروعات قبل توطيد سلام دائم أسوة بالتعاون المثمر الجاري حاليا بين إسرائيل ومصر في ميدان الزراعة».

 

أ- التقارب بين إسرائيل ومصر 1978

جاء في  الوثيقة الأولى لاتفاقية كامب ديفيد الموقعة بتاريخ 17/9/1978 بين مصر وإسرائيل  ما يلي:

"البحث عن السلام في الشرق الأوسط يجب أن يسترشد بالآتي: إن القاعدة المتفق عليها للتسوية السلمية للنزاع بين إسرائيل وجيرانها، هي قرار مجلس الأمن رقم 242 بكل أجزائه. وسيرفق القراران 242 و 338  بهذه الوثيقة. فبعد أربعة حروب خلال ثلاثين عاما، ورغم الجهود الإنسانية المكثّفة، فإن الشرق الأوسط، مهد الحضارة ومهبط الأديان الثلاثة العظيمة الثلاثة، لم يستمتع بعد بنعم السلام. إن شعوب الشرق  الأوسط تتشوّق إلى السلام حتى يمكن تحويل موارد الإقليم البشرية والطبيعية الشاسعة لمتابعة أهداف السلام، وحتى تصبح هذه المنطقة نموذجاً للتعايش والتعاون بين الأمم».

"إن السلام يتطلب احترام السيادة والوحدة الإقليمية والاستقلال السياسي لكل دولة في المنطقة، وحقها في العيش بسلام داخل حدود آمنة ومعترف بها، غير معرضة لتهديدات أو أعمال عنف. والتقدم نحو هذا الهدف يمكن أن يسرّع التحرك نحو عصر جديد من التصالح في الشرق الأوسط، يتسّم بالتعاون على تنمية التطور الاقتصادي وبالحفاظ على الاستقرار وتأكيد وضمان الأمن".

إن هدف الأطراف هو تحقيق السلام وإقامة علاقات حسن الجوار، وهم يدركون أن السلام، لكي يصبح معمراً، يجب أن يشمل جميع هؤلاء الذين تأثروا بالصراع أعمق تأثير. إن الأطراف التي تضع هذا الهدف في الاعتبار، قد اتفقت على المضي قدماً على النحو التالي:

-  ينبغي أن تشترك مصر وإسرائيل والأردن وممثلو الشعب الفلسطيني في المفاوضات الخاصة بحل المشكلة الفلسطينية بكل جوانبها. ولتحقيق هذا الهدف، فان المفاوضات المتعلقة بالضفة الغربية وغزة ينبغي أن تتم على ثلاث مراحل:

-  تتفق مصر وإسرائيل أولاً على انه، من أجل ضمان نقل منظّم وسلمي للسلطة، يجب أن تبدأ ترتيبات انتقالية بالنسبة للضفة الغربية وغزة لفترة لا تتجاوز خمس سنوات. ولتوفير حكم ذاتي كامل، فإن الحكومة الإسرائيلية العسكرية وإدارتها المدنية ستنسحبان منها، بمجرد أن يتم انتخاب سلطة حكم ذاتي من قبل السكان في هذه المنطقة، عن طريق الانتخاب الحرّ، لتحل محل الحكومة العسكرية الحالية. ولمناقشة تفاصيل الترتيبات الانتقالية، فإن حكومة الأردن ستكون مدعوة للانضمام إلى المباحثات على أساس هذا الإطار، ويجب أن تعطى الترتيبات الجديدة الإعتبار اللازم لكل من مبدأ الحكم الذاتي لسكان هذه الأراضي، واهتمامات الأمن الشرعية لكل من الأطراف التي يشملها النزاع.

- تتفق مصر وإسرائيل والأردن على وسائل إقامة سلطة الحكم الذاتي المنتخبة في الضفة الغربية وقطاع غزة. وقد يضم وفدا مصر والأردن فلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة، أو فلسطينيين آخرين... «وستكون هناك إعادة توزيع للقوات الإسرائيلية التي ستبقى في مواقع أمن معينة....»

أما في ما يتعلق بمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل فانه «سيتم اتخاذ الإجراءات والتدابير الضرورية لضمان أمن إسرائيل وأمن جيرانها خلال الفترة الانتقالية وما بعدها».

و«ستعمل مصر وإسرائيل مع بعضهما البعض ومع الأطراف الأخرى المهتمة، لوضع إجراءات متفق عليها للتنفيذ العاجل والعادل والدائم لحل مشكلة اللاجئين».

تتعهد مصر وإسرائيل بالالتزام بالتالي :

- الاعتراف الكامل المتبادل.

- إلغاء المقاطعات الاقتصادية.

- الضمان بأن يتمتع، تحت سلطة كل من الأطراف، مواطنو الأطراف الأخرى، بالحماية القانونية المتوجبة.

- يجب على الموقعين على المعاهدة استكشاف إمكانيات التطور الاقتصادي في إطار من اتفاقيات السلام النهائية، بهدف المساهمة في صنع جو السلام والتعاون والصداقة التي تعتبر هدفاً مشتركا لهم جميعاً.

- "تجري دعوة الولايات المتحدة الأميركية للاشتراك في المحادثات بشأن موضوعات متعلقة بشكليات تنفيذ الاتفاقيات وإعداد جدول زمني لتنفيذ تعهدات الأطراف".

وجاء في الوثيقة الثانية لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل:

"تتوافق إسرائيل ومصر، من أجل تحقيق السلام بينهما، على التفاوض بحسن نية، بهدف توقيع معاهدة سلام بينهما في غضون ثلاثة أشهر".

وقد وافق الطرفان على المسائل التالية:

- الممارسة التامة للسيادة المصرية حتى الحدود المعترف بها دولياً بين مصر وفلسطين تحت الانتداب.

- انسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية من سيناء.

 - استخدام المطارات التي يتركها الإسرائيليون بالقرب من العريش ورفح ورأس النقب وشرم الشيخ للأغراض المدنية فقط، بما فيها الاستخدام التجاري من قبل الدول كافة.

- حق المرور الحرّ للسفن الإسرائيلية في خليج السويس وقناة السويس على أساس معاهدة القسطنطينية لعام 1888، والتي تنطبق على جميع الدول، وتعتبر مضايق تيران وخليج العقبة ممرات دولية، على أن تفتح أمام جميع الدول للملاحة أو الطيران من دون إعاقة أو تعطيل.

- إنشاء طريق بين سيناء والأردن بالقرب من إيلات».

ولا يخفى أن المستوردات الإسرائيلية من مصر إلى إسرائيل خلال السنوات الأربع التالية (من 1991 إلى 1994 كانت متواضعة على التوالي: 14 مليون دولار، ثم 3.7 مليون، ثم 9.10 مليون سنة 1993، وتحسنت سنة 1994 فوصلت إلى 2.23 مليون دولار، وهي  تظل ضئيلة إذا ما نظرنا إلى إجمالي مستوردات إسرائيل (حوالي 24  مليار دولار عام 1994).

أما صادرات إسرائيل إلى مصر خلال السنوات الأربع (من 1991 وحتى 1994) فكانت على التوالي: 7.5 مليون دولار عام 1991 وأصبحت 6.9 مليون عام 1993، ثم قفزت عام 1994 لتصل إلى 7.20 مليون دولار، وهي أيضا قيم ضئيلة إذا ما قارناها بمجمل الصادرات الإسرائيلية سنة 1994 (حوالي 17 مليار دولار).

كل هذا يدل على أن السلام كان «بارداً»، أي أن محاولة التطبيع الإسرائيلية المصرية كانت تسير ببطء شديد، بل يمكن وصفها بأنها هامشية.

 

ب- التقارب الأردني الإسرائيلي 1993

جاء في المادة السابعة من  اتفاقية معاهدة السلام بين المملكة الأردنية الهاشمية ودولة إسرائيل([10])، ما يلي:

- انطلاقا من النظر إلى التنمية الاقتصادية والرفاهية، يؤكد الطرفان على رغبتيهما المتبادلتين لتعزيز التعاون الاقتصادي، ليس بينهما فحسب، بل ضمن الإطار الأوسع للتعاون الاقتصادي الإقليمي. ولتحقيق ذلك، لا بد من إزالة جميع أوجه التمييز التي تعتبر حواجز ضد تحقيق علاقات اقتصادية طبيعية، وإنهاء أشكال المقاطعة الاقتصادية الموجهة ضد الطرف الآخر، والتعاون في مجال إنهاء المقاطعات الاقتصادية المقامة ضد أحدهما من قبل أطراف ثالثة.

- يدخل الطرفان في مفاوضات لتحقيق التعاون الاقتصادي والتجاري وإقامة مناطق حرة للاستثمار والعمل المصرفي، وللتعاون الصناعي والعمالة.

- سيتعاون الطرفان في مجال الزراعة، بما في ذلك الخدمات البيطرية وحماية النباتات والتسويق.

- اللافت بالمعاهدة الإسرائيلية الأردنية إنها كانت غير متكافئة: ذلك أن هناك مناطق أردنية ( الباقورة والغمر...) تطبق عليها امتيازات أشبه بتلك التي كانت سائدة أيام الدولة العثمانية للأجانب، فيمنح الإسرائيليون (المتصرفون بالأرض) حرية غير مقيدة بالدخول والخروج منها واستعمالها والحركة ضمن حدودها. كما يسمح بدخول رجال الشرطة الإسرائيليين بلباسهم الرسمي إلى هذه المناطق لغرض التحقيق في الجرائم أو لمعالجة الحوادث الأخرى المتعلقة حصراً بالمتصرفين بالأرض أو ضيوفهم أو مستخدميهم. وتنطبق على أنشطة الإسرائيليين في هاتين المنطقتين القوانين الإسرائيلية، ويجوز لإسرائيل اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتطبيق هذه القوانين، ولا يطبّق الأردن قوانينه الجنائية في المنطقة على أشخاص من التابعية الإسرائيلية، على أن  يستمر هذا الاتفاق نافذ المفعول لمدة خمس وعشرين سنة، ويجدد تلقائيا لفترات مماثلة، ما لم يخطر أحد الطرفين الآخر بنيته إنهاء العمل به قبل سنة من انتهائه، وفي هذه الحالة يدخل الطرفان في مشاورات بناء على طلب أي منهما.

 

ج- التقارب الإسرائيلي الفلسطيني الأول: 13 أيلول 1993

وفقا للاتفاق الأول (أوسلو ) الموقع بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية الذي أرجع للفلسطينيين غزة وأريحا    ([11])، فإن السلطة الفلسطينية تتمتع بصلاحيات الاستيراد والجمارك والسياحة والزارعة وغيرها، وفق الأطر المرسومة لها في بروتوكول العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، وهي محدودة ومقيدة على الشكل التالي:

- البضائع المنتجة في سوريا والأردن والدول العربية والمحصورة في قائمة  المنتجات التي يمكن استيرادها، على ألاّ تتجاوز الكمية احتياجات السوق الفلسطينية، وكذلك لائحة بالمواد والكميات التي يمكن استيرادها من البلدان العربية والإسلامية الأخرى.

- تنفيذ الإجراءات الجمركية الخاصة بالمسافرين، يتولاه الإسرائيليون في الجانب الإسرائيلي، والفلسطينيون في الجانب الفلسطيني، على أن «يتواجد موظفو الجمارك الإسرائيليون في ممر الجمارك الفلسطيني بشكل غير منظور، ويحق لهم طلب تفتيش السلع»...

- تكون حركة الإنتاج الزراعي حرة ومعفاة من الجمارك ورسوم الإستيراد بين الجانبين، ما خلا استثناءات تتعلّق بوقاية النبات وسلامة وصحة المنتجات الحيوانية، على أن تحرر بالمطلق كميات الدواجن والبطاطا والخيار والبندورة والبطيخ ابتداءً من عام 1998، وكذلك إعداد البيض.

- تكون حركة البضائع الصناعية حرة بين الجانبين ومعفاة من أية قيود، بما فيها الجمارك وضرائب الاستيراد. ويبذل كل من الطرفين قصارى جهده لتفادي إلحاق ضرر بصناعة الآخر.

- تنشئ السلطة الفلسطينية شرطة فلسطينية للسياحة ولتنظيم الخدمات والمواقع والصناعات السياحية وترخيصها وتصنيفها والإشراف عليها والنهوض بالسياحة والإشراف على أنشطة التسويق والترويج والإعلام، المتصلة بالسياحة الأجنبية والمحلية.

 

د- التقارب الفلسطيني الإسرائيلي الثاني: 28 أيلول 1995

جاء إعلان المبادئ الثاني(اتفاق طابا) الذي وقّع في البيت الأبيض في 28/9/1995 من قبل إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، ليشكل مرحلة جديدة على طريق منح الفلسطينيين قسماً من الضفة الغربية (حوالي 30% من مساحتها البالغة 5872 كيلومتراً مربعاً). على أن يتولى الفلسطينيون بأنفسهم إدارة شؤونهم الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والحياتية والقانونية في سبع مدن وأكثر من 450 قرية بعد إعادة انتشار الجيش الإسرائيلي خارجها على مراحل. وستظل أجزاء من مدينة الخليل (التي يسكنها حوالي 120 ألف فلسطيني و 400 يهودي (تحت السيطرة الإسرائيلية نظرا لبقاء المستوطنين فيها. وستبقى المدن والقرى الفلسطينية جزراً متباعدة غير متصلة ببعضها البعض، وستبقى أكثر من 120 مستوطنة يهودية حول المدن الكبرى وعلى تلال القرى الفلسطينية، يعيش فيها ما يزيد على 130 ألف مستوطن يهودي، وهذا العدد لا يشمل المستوطنين في القدس الشرقية، والذين يزيد عددهم على 145 ألف مستوطن. وسيكون الجيش الإسرائيلي مسؤولاً عن الأمن الخارجي.

وعن الجوانب الاقتصادية والتعاون بين الجانبين جاء  التالي:

- لإسرائيل الحق في استخدام العمالة الفلسطينية التي تحتاجها من دون التزام من جانبها تجاه السلطة الفلسطينية.

- للحكومة الإسرائيلية الحق بمراجعة أي مشروعات ذات بعد تنموي تبرمها السلطة الفلسطينية مع أي دولة أخرى.

- يحظرّ على سلطة الحكم الذاتي إقامة أي مشروعات ذات صفة كيميائية، إلاّ في أضيق الحدود وتحت إشراف كامل للحكومة الإسرائيلية.

- للحكومة الإسرائيلية حق نقض أي اتفاق تعقده سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني مع إطراف أخرى إذا ما كان يشكل ضرراً للاقتصاد الإسرائيلي من وجهة نظر الحكومة الإسرائيلية.

- تلتزم الحكومة الإسرائيلية بتقديم الخبرة الفنية خلال المرحلة الانتقالية، ومدتها ثلاث سنوات، حتى يتمكن الجانب الفلسطيني من إعداد كوادره التقنية.

- التعاون الزراعي شرط أساسي بين الطرفين على أن يتم في إطار ما تستهدفه السياسة الزراعية الإسرائيلية شرط أن تراعي فيه المتطلبات الفلسطينية.

وبالرغم من أن الاتفاقات الإسرائيلية الفلسطينية تعتبر خطوة، وأن كانت خجولة، على طريق «استرجاع» الأراضي الفلسطينية جزءاً من استقلاليتها، إلاّ أنه يجب أن يكون واضحا أن العملة الإسرائيلية ستظل  النقد الرئيسي المتداول قانوناً في الضفة الغربية وقطاع غزة، على أنه يمكن استخدام الدينار الأردني والدولار الأميركي، كما وأن المنتجات الإسرائيلية تدخل الأراضي الفلسطينية المحتلة  من دون قيود جمركية أو إدارية، علماً بأن المستوردات الفلسطينية من دول أخرى، أصبحت محصورة بلوائح تحدد القيود الكمية والمصدرية والمواصفات وأنواع البضائع التي يمكن استيرادها. وأهم ما في هذا الاتفاق أن مداخيل الرسوم الجمركية المفروضة على المستوردات إلى الأراضي المحتلة تعود للسلطة الفلسطينية، في حين أن المنتجات الفلسطينية اصبح بإمكانها الدخول إلى الأراضي الإسرائيلية، كما هي حال المنتجات الإسرائيلية، على أن تتوفر فيها المعايير المعمول بها في إسرائيل لجهة البيئة والسلامة العامة والصحة، إضافة إلى أن الخوف من منافسة الإنتاج الفلسطيني للإنتاج الإسرائيلي، وبخاصة الزراعي، أدى إلى تحديد هذا الإنتاج الممكن إدخاله إلى إسرائيل (25% من الخضر مثلا مسموح دخولها إلى إسرائيل من دون قيود، على أن يتم تخفيضها تدريجياً حتى عام 1998). ويتم ذلك عبر تشجيع السياحة البينية، وإقامة مشاريع المياه والكهرباء والمصارف، وربط شبكات الطرق والمرافئ والمطارات بوسائل فعالة، واستقبال إسرائيل لمئة ألف عامل فلسطيني من غير المتخصصين، وبالمقابل تصدّر إسرائيل إلى الأردن والكيان الفلسطيني الأطباء والمهندسين والفنيين اليهود للعمل فيهما. ويتم دمج الاقتصاد الفلسطيني (الذي لا يزال يحبو) بالاقتصاد الإسرائيلي، وتحجيم إمكانيات تطوير القطاعات الاقتصادية المنتجة كالصناعة والزراعة. ويصبح الاقتصاد الفلسطيني تابعاً لسياسة ترسمها له إسرائيل. ولن يختلف الأمر كثيرا مع الأردن، وستسمح السياسة المرسومة للبضائع الإسرائيلية بالدخول بحرية إلى الأردن والكيان الفلسطيني، والخروج إلى الدول العربية وبخاصة دول الخليج. وتجد إسرائيل بأن لا ضرر من استيراد منتوجات زراعية من الدول العربية إذا ما وجدت بأن إخلاء مساحات من الأرض المزروعة بهكذا منتجات سيتيح لها تحويل هذه الأراضي لإنتاج محاصيل اكثر مردوداً.

2- مرحلة التقارب الثانية:

تتضمّن هذه المرحلة قيام اتحادات دولية تتولى تنفيذ المشاريع التي تتطلب استثمار رساميل هائلة بإشراف البلدان ذات العلاقة في المنطقة، علاوة على أطراف أخرى ذات مصلحة في الأمر. ومن الأمثلة على هذه  المشاريع قناة البحر الأحمر- البحر الميت، مقرونة بتطوير التجارة الحرة والسياحة على امتدادها، وإنشاء ميناء مشترك إسرائيلي-أردني-سعودي، وتطوير الطاقة الكهرو-مائية وتحلية المياه، وتطوير صناعات البحر الميت  بتخطيط جيد. والجدير بالذكر ان قيام مشاريع الصحراء  يحقق حلماً من أحلام بن غوريون بتطوير النقب، وفتح آفاق جديدة لبلدان المنطقة وخلق مصلحة حقيقية في صيانة السلام([12])».

 

3- مرحلة التقارب الثالثة:

تشمل هذه المرحلة سياسة الجماعة الإقليمية، مع التطوير التدريجي للمؤسسات الرسمية على أن تقوم على أسس «فوق قومية([13])». وجاءت أعمال المؤتمرين الاقتصاديين الأول والثاني للشرق الأوسط وشمال أفريقيا من 29 إلى 31 تشرين الأول سنة 1995في عمان (الأردن) لتؤكد هذا التوجه. ففي المؤتمر الأول الذي انعقد في الدار البيضاء بالمغرب وحضره ممثلو 61 بلداً جاء في ديباجة البيان الختامي له:

- أجمع الحضور على ضرورة إقامة سلم وقيام شراكة جديدة بين رجال الأعمال والحكومات، تتوخى تعزيز السلام بين العرب وإسرائيل، ولذا لا بد من ترابط المصالح والأهداف.

- أشادت القمة بالتحول السياسي التاريخي الذي شهدته المنطقة نتيجة المراحل المهمة التي قطعتها نحو سلام عادل وشامل يرتكز على قراري مجلس الأمن 242 و .338

- سجل المشاركون أن الحاجة الملحة إلى تنمية اقتصادية في الضفة الغربية وقطاع غزة، تتطلب اهتماماً خاصاً من المجموعة الدولية، سواء منها القطاع العمومي أو الخاص، من أجل مساندة إعلان المبادئ بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية والاتفاقات التطبيقية التابعة له، لتمكين الشعب الفلسطيني من المشاركة على قدم المساواة في التعاون وتقدم المنطقة. كما ألحوّا على الأهمية المماثلة للمضي قدماً في المشاريع الأردنية الإسرائيلية من أجل دفع معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية إلى الأمام.

- أكّد المشاركون على توفّر الإمكانات الاقتصادية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، واستكشفوا السبل للتعجيل في تطويرها، والتغلب في أقرب وقت ممكن على العراقيل بما في ذلك المقاطعات وكل الحواجز التجارية والاستثمارية. واتفق الجميع على الحاجة إلى تطوير المزيد من الاستثمار من داخل المنطقة ومن خارجها. ولاحظوا أن مثل هذا الاستثمار، يتطلب حرية تبادل البضائع ورأس المال واليد العاملة عبر الحدود، وفقاً لقدرات السوق، كما يتطلب تعاوناً تقنياً مبنياً على المصلحة المشتركة وانفتاحاً على الاقتصاد الدولي، وقيام مؤسسات مناسبة للنهوض بعملية التفاعل الاقتصادي. وقد سجل المشاركون في هذا الإطار بارتياح قرار دول مجلس التعاون الخليجي، المتعلق برفع درجتين (الثانية والثالثة) من إجراءات مقاطعة إسرائيل.

- اعتماداً على الإتفاقات بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، فإن من الأهمية بمكان أن تبقى الأراضي الفلسطينية مفتوحة في وجه اليد العاملة والسياحة والتجارة، لتمكين السلطة الفلسطينية، في إطار شراكة مع  جيرانها، من بناء اقتصاد ذي جدوى في إطار السلام.

- يقر المؤتمر ضرورة ترجمة مداولات الدار البيضاء إلى خطوات ملموسة، وتحقيق الهدف المزدوج، أي السلام والتنمية  الاقتصادية، وكذلك هيكلية الشراكة الجديدة بين الحكومات ومجموعة رجال الأعمال.

أما أعمال المؤتمر الثاني فقد كانت اكثر تجسيداً للتوجه العام المطلوب،  بدليل أن البيان الختامي، احتوى على بنود ذات جدوى وان كانت لا تزال حتى حينه نظرية، وأبرزها:

- إنشاء مصرف للتعاون والتنمية  الاقتصادية في الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا في القاهرة، وسيتم تأسيسه وتنظيم هيكليته على نحو ينهض بتنمية القطاع الخاص الاقتصادي الإقليمي. واتفق على أن تنهي مجموعة العمل مفاوضاتها في 31 كانون الأول 1995، وتواصل البحث في المقترحات بالتحضير لمشروعات أخرى، وبتقديم تسهيلات من أطراف شتى. وسيشرع الأطراف الراغبون في الانضمام إلى البنك عمليات المصادقة في بلدانهم لاحقا. وثمة أطراف آخرون يرغبون في ترك الخيار مفتوحا أمامهم للانضمام إلى البنك لاحقاً، في ضوء تطور الترتيبات المؤسسية وتطورات أخرى.

- إنشاء هيئة  للسياحة الإقليمية هي اتحاد السفريات والسياحة لمنطقة الشرق الأوسط-المتوسط، لتسهيل السياحة، ولترويج المنطقة كمقصد سياحي فريد. ويضم مجلس إدارة هذه الهيئة ممثلين للقطاعين العام و الخاص على حد سواء.

- إنشاء مجلس اقتصادي إقليمي لدفع التعاون والتجارة قدماً في القطاعات الخاصة لدول المنطقة.

- الافتتاح الرسمي لأمانة السر التنفيذية التي يقع مقرها في الرباط والتي تعمل على دفع مشاركة القطاعين العام والخاص في المنطقة.

 

اقتراحات إسرائيل لتحقيق التقارب «الفعلي» مع الدول العربية

- تقليص الأموال التي تصرف على  التسلح والبالغة قرابة 60 مليار دولار إلى حوالي النصف، وتحويلها إلى تنمية  كامل المنطقة من دون المساس بالأمن القومي لأية أمة بمفردها. إضافة إلى ذلك يجري تخصيص (1%) من عائدات النفط العربي لهذه الغاية. كما أن الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا وألمانيا، وكذلك اليابان، يمكن أن تسهم بشكل ملحوظ في هذا المجال.

- استخدام المياه والتكنولوجيا وشنّ الحرب على الصحراء لتأمين الغذاء.

- تأمين شبكة مواصلات واتصالات متقدمة.

- تكوين هيئة مشتركة للسياحة.

- في مرحلة تالية يدعى الأطراف لإقامة صناعات إقليمية من خلال تعاون الهيئات العالمية والاتحادات الدولية المستقلة.

أما في الميدان الصناعي فلا بد من تأمين حرية كاملة للقطاع، والغاية واضحة، وهي تصريف أكبر قدر ممكن من المنتجات الإسرائيلية في البلدان العربية، لأن الإنتاج الصناعي الإسرائيلي لن يجد له منافساً يذكر، وهذا يعني أن التبادل لن يكون متكافئاً.

أما الدول العربية، بما فيها لبنان، فستكون قدرتها على التصدير إلى إسرائيل ضعيفة جداً بسبب تخلّفها الصناعي، وعلى الأرجح ستقتصر صادراتها على أنواع من المنسوجات والجلديات والأدوات المطبخية وبعض المنتجات الزراعية، في حين أن  إسرائيل ستركز على صناعات اكثر تقدما كالماس المصقول والإلكترونيات والبصريات والصناعات الكيميائية والكهربائية والغذائية([14]).

إن الإسرائيليين سيتعاونون مع بلدان مجلس التعاون الخليجي ضمن أطر محددة، تعتمد فيها إسرائيل الضمانات لتأمين انتقال رؤوس الأموال العربية إليها. إلا أن معظم الدول الخليجية تربط أمر التعاون بإنجاز عملية السلام الكاملة، وبخاصة مع لبنان وسورية، قبل الانفتاح المطلوب. وأما ما يقال من ان الولايات المتحدة الأميركية ستسعى لإقامة صندوق تنمية لمنطقة الشرق الأوسط، فقد يصطدم ذلك بظروف الولايات المتحدة الأميركية نفسها. ويكفي أن نقرأ ما قاله محمد حسنين هيكل عن أميركا لنتبين الأمر: «فحجم دينها الداخلي والخارجي يتصاعد بسرعة خرافية (من 850 بليون دولار في أوائل الثمانينات، إلى 400 تريليون دولار في أوائل التسعينات)، والتقديرات الموثوقة لدى صندوق النقد الدولي تفيد أن حجم الدين الأميركي واصل في سنة 2010 إلى درجة أن الفوائد وحدها سوف تزيد عن حجم الناتج الإجمالي الأميركي». وأكد شيمون بيرس أن الولايات المتحدة تواجه «الآن متاعب اقتصادية جمّة، الأمر الذي يجعل قابليتها لتقديم العون المالي المباشر تتناقص بصورة واضحة. وبرغم استمرارها في إنجاز المهمة التي فرضت عليها لتكون أكبر بانية للجسور السياسية في التاريخ، إلا أنها لم تعد تستطيع المساهمة مالياً، بصورة كبيرة من أجل تطوير الأراضي على جانبي تلك الجسور([15]).

 

استنتاجات

- الطروحات الإسرائيلية عموما، وطروحات شيمون بيرس خصوصا،  متماسكة وضبابية في آن، ولا يجوز المرور عليها مرور الكرام، بل لا بدّ من مواجهتها بعقلانية وموضوعية وحجة، لأن هكذا طروحات من قبل الإسرائيليين لم تجهز بين ليلة وضحاها، بل كانت ثمرة نقاش طويل بين القيمين على الشؤون الإسرائيلية، ومن خلال ما تقترحه مراكز الأبحاث الإسرائيلية، ومع المؤسسات الفكرية الأوروبية والأميركية وغير ذلك من المتعاطفين مع التوجه الإسرائيلي. وتمت ملاحظات لا بد من إبدائها:

- إن اعترافات شيمون بيرس هامة جداً حين يذّكر صراحة بعقم النتائج المرجوة من الحروب لأنها لا تستطيع إملاء شروط السلام على العرب. فالحرب لم تعد حلاً لمشاكل إسرائيل، بدليل نتائج حرب 1973 التي لم تمكّن إسرائيل من توسيع رقعتها الأرضية، بل أدت إلى إقامة صلح مع مصر، وإعادة الأراضي المصرية كاملة. وكذلك لم تكن آثار احتلال إسرائيل لجزء من لبنان وحتى سنة 2000 أقل سلبية عليها، إذ كانت مضطرة لتعبئة جزءٍ من جيشها ولصرف جزءٍ من أموالها من دون طائل، مما عمّق الأزمة داخل إسرائيل إذ عجزت عن أن تفرغ الأرض التي احتلتها من سكانها اللبنانيين لتوطين اليهود مكانهم.

- إعتراف بيرس بسقوط مفهوم العمق الإستراتيجي إذ تقدمت العوامل الباليستية (الصواريخ طويلة المدى) على العوامل الجغرافية، ولم يعد هناك إمكانية حل عسكّري لمشكلة الأسلحة غير التقليدية التي في حوزة دولٍ في المنطقة. وهذا يعني أنه أصبح بالإمكان ضرب المناطق الآهلة بأسلحة الدمار الشامل، مقابل عجز عن التصدي لذلك.

- اعترافه أيضاً بإسهامات الثقافة الإسلامية في العلوم المعاصرة، وبجدية الشعب الفلسطيني، وبعقم الحكم الإسرائيلي القمعي، وبأن هناك  فلسطينيين هجّروا فعلاً من ديارهم.

- صحيح أن بيرس إعتمد أسلوب شاعرياً وعاطفياً للإعراب عن رغبته في دفن الماضي وبناء علاقات جديدة قائمة على الثقة، إلا أن تلك النوايا المعلنة توضحها الممارسات المناقضة لها.

فمنذ اتفاقية أوسلو (31/9/1993) استولت إسرائيل على 61321 دونماً من أراضى الضفة الغربية، وجرى توسيع المستوطنات، وصار عدد سكان الضفة الغربية من المستوطنين اليهود حوالي 141 ألفاً، بخلاف القدس التي وصل عدد المستوطنين فيها وحدها إلى 170 ألفاً، وفي قطاع غزة إلى 6 آلاف مستوطن([16]).

وتبيّن من دراسة قدّمها وفد المملكة الأردنية الهاشمية أن نسبة الأراضي الفلسطينية المصادرة من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي تقدر بأكثر من(65%) من مساحة الضفة الغربية، وأكثر من (40%) من مساحة قطاع غزة، مع ما يستتبع ذلك من استيلاء على الموارد المائية  في الضفة والقطاع والإسراف الشديد في استهلاكها([17]).

وفي تقرير اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (ESCWA) التابعة  للأمم المتحدة تاريخ 3 تموز 1995، جاء أن إنشاء المستوطنات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية والأراضي العربية الأخرى المحتلة منذ عام 1967، ليس له أي وجه قانوني وفقا لقرارات مجلس الأمن وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وأشار التقرير إلى أن الاستيطان يشكّل عقبة خطيرة في سبيل تحقيق سلم شامل وعادل ودائم. وفي القرار الذي اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها التاسعة والأربعين عام 1994، أعربت عن قلقها من انتهاك إسرائيل المستمر حقوق الشعب الفلسـطيني، والانعكاســات الاقتصـاديـة والاجتماعيــة لإقـامـة المســتوطـنـات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس والأراضي العربية الأخرى، وهي الممارسات التي ستقف عقبة في طريق التوصل إلى تسوية شاملة([18]).

وأشار التقرير كذلك إلى تفاصيل كثيرة  عن الممارسات الإسرائيلية غير القانونية، والتي حصلت بعد توقيع حكومة إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في 13 أيلول 1993 إعلان المبادئ (لإنشاء حكم ذاتي في الضفة الغربية وغزة، وذلك لفترة انتقالية لا تتجاوز خمس سنوات تؤدي بعدها إلى تسوية دائمة على أساس قراري مجلس الأمن و 242 و 338).

إن النشاط الرسمي والخاص لإسرائيل والمتعلق بالمستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة لا يزال مستمراً، وقد أسفر عن إقامة 140 مستوطنة في الأراضي الفلسطينية المحتلة يسكنها 300.000 مستوطن. وصرّح المراقب الدائم انه ليس بالإمكان التوفيق بين السياسة المستمرة لإقامة المستوطنات الإسرائيلية والسعي إلى التقدم في عملية السلام ([19]).

"وبالإضافة إلى الاستيلاء على الأراضي وإقامة المستوطنات وتوسيعها، فإن استغلال موارد المياه في الأراضي الفلسطينية المحتلة، يشكل مسألة هامة تؤثر بشكل سلبي على حياة الفلسطينيين وأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية. فحسب التقديرات الفلسطينية، يتراوح استهلاك الماء للفرد الواحد من الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية بين 22 و28 متراً مكعباً، بالمقارنة مع 165 متراً مكعباً للفرد الواحد من السكان الإسرائيليين. وسبب هذا التباين الكبير هو سلسلة الأوامر العسكرية التي تقيّد استعمال الفلسطينيين موارد المياه المتوفرة وتمنعهم من حفر آبار جديدة أو تطوير الآبار القائمة، في حين تسمح للمستوطنين الإسرائيليين بحفر آبار جديدة في مستوطناتهم وضخ كميات كبيرة من الماء بدون حسيب أو رقيب([20])".

"ويقدَّر عدد أشجار الزيتون التي اقتلعتها السلطات الإسرائيلية خلال فترة «الانتفاضة» بأكثر من 117 ألف شجرة، بقصد بناء مستوطنات ولأسباب أمنية. كما أن تسرب مياه المجارير من المستوطنات الإسرائيلية، قد أتلف 500 دونماً من الكروم في الضفة الغربية. وقدّرت الخسائر السنوية الناجمة عن مثل هذه الممارسات بمليون ونصف المليون دولار، في حين تزيد الخسائر الإجمالية عن عشرة ملايين دولار([21])".

بعد هذا العرض نتساءل: كيف يمكن الركون إلى كلام وزير الخارجية الإسرائيلي عن ضرورة التسامح ونسيان الماضي، طالما أن الممارسات الإسرائيلية اليومية تترجم حقيقـة مرّة وغير ما يذهب إليه الوزير في كتابه «الشرق الأوسط الجديد»؟!.وكيف يمكن الارتياح إلى مستقبل الوضع في منطقة الحكم الذاتي طالما أن المسـتوطنات ستتحول إلى مجموعات مدنية محمية بقوى عسكرية، وستشكل استفزازاً للفلسطينيين، ونقاط تقطيع للتواصل الجغرافي والسكاني بين المدن والقرى الفلسطينية؟ بل كيف يمكن تفسير كلام بيرس (الذي أصبح بعدها رئيساً للوزراء) حـين يقول «تواجه إسرائيل خياراً حاداً: أن تكون إسرائيل الكبرى اعتمادا على عدد الفلسطينيين الذين تحكمهم، أو أن تكون إسرائيل الكبرى اعتماداً على حجم اتساع السوق الذي تسيطر عليه([22])» ألا يحمل هذا التصريح رغبة وتصميماً على تحقيق إسرائيل الكبرى؟!

 

أسئلة تحتاج إلى أجوبة

التحليل المبسّط السابق يفرض التأمل بالمعطيات التالية:

- هل كان مبدأ القبول بالتسوية ضرورة مرحلية تمليها الظروف العالمية على العرب، والتي من بينها اختلال التوازن العالمي وبروز ظاهرة القطب الواحد بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والكتلة الاشتراكية وسقوط النظام الاشتراكي الذي كان يمثل قوة التوازن السياسي والأمني وإلى حد ما الاقتصادي، وتراجع التضامن العربي إلى أدنى مستوياته؟

- هل يجب اعتبار إعادة الأرض للفلسطينيين (اتفاق 1993 - غزة وأريحا - ثم أجزاء أخرى من الضفة الغربية)، إلى جانب ديناميكية الشعب الفلسطيني، أرضية كافية لاستعادة الحق الفلسطيني مستقبلاً؟

- هل كان السلام سيقود إلى التطبيع الكامل؟

- هل كانت الشعوب العربية ستقبل بالتطبيع مع إسرائيل «مغتصبة الأرض»؟

- هل كانت استعادة الأرض حتى حدود 1967 وإنهاء حالة الحرب ستعني السلم العادل  المنشود؟ واستطراداً هل  كانت التسوية ستؤدي إلى إعادة ترتيب التركيبة الجغرافية للمنطقة، ومن ثم إلى إنهاء مقولة القومية العربية، والوحدة الاقتصادية العربية، والتكامل العربي والجامعة العربية([23]).

- هل كان الشعب الفلسطيني سيقبل بإعادة جزء فقط من أرضه تاركاً الباقي لإسرائيل؟

- هل كان الانفتاح الاقتصادي على إسرائيل سيؤدي إلى زيادة الارتباط بالخارج؟ وهل الصراع بين أوروبا والولايات المتحدة حول كيفية تحقيق التقارب، هو تنافس حول اقتسام المغانم، أي حول حجم الحصص؟

- هل كانت إسرائيل ستقبل بالانسحاب من المناطق العربية  من دون أن تفرض شروطاً أقلّها انفتاح أسواق الدول العربية أمام منتجاتها؟

- كيف كان يمكن أن ينتهي السباق إلى التسلح عن طريق تقليص موازنة التسلح، طالما أن إسرائيل هي أقوى قوة في المنطقة وترفض أن يعاد النظر في موضوع التوازن العسكري، وهل يمكن أن تحدث تنمية متكافئة بين العرب وإسرائيل في ظل علاقات غير متكافئة اقتصادياً؟

- هل كانت إسرائيل ستحاول تدعيم موقعها الاقتصادي والسياسي والعسكري بانتظار ظروف أفضل لتحقيق حلمها الذي أساسه إنشاء دولة إسرائيل العنصرية الكبرى؟ بل كيف يمكن لها أن تفكر بمسار آخر وهي تدرك أهمية تزايد السكان اليهود المهاجرين إليها من دول العالم، وتعلم بأن التزايد السكاني يتنامى بشكل لا يتناسب مع الرقعة الأرضية المتاحة ؟ بل كيف يمكنها أن تحافظ على حريتها وبقائها في ظل مدى حيوي يضمر يوماً بعد يوم (إرجاع الأراضي العربية المحتلة 1967)؟ وكيف يمكنها الدفاع عن كيانها وحماية مصالحها الحيوية في ظل إطار جغرافي غير ملائم؟ وكيف يمكنها أن تستمر في البقاء وقتاً طويلاً في ظل إمكانات تقصّر عن تأمين حاجات السكان المتنامية؟

- هل كانت الولايات المتحدة الأميركية التي فرضت سيطرتها على مناطق اقتصادية استراتيجية (منابع النفط)، ستتمكن من تسوية التناقضات مع الدول الصناعية، هذه التناقضات التي قد تصبح شبيهة إلى حد ما بتلك التي كانت حاصلة بين ألمانيا الهتلرية وفرنسا وبريطانيا قبل الحرب العالمية الأولى وكذلك الثانية؟ فالدول الصناعية اليوم وعلى رأسها اليابان وألمانيا وفرنسا وبريطانيا، قد تجد نفسها مدفوعة لمواقف اكثر تطرفاً إذا لاحظت أن مصالحها في خطر متصاعد من جرّاء التسلّط المتطرّف للولايات المتحدة الأميركية على منابع النفط العربية.

إلاّ أن المعطيات التاريخية ليست جامدة، بمعنى أن زعزعة الإستقرار في المنطقة العربية  وإقامة سلام غير عادل قد يدفع بالشعوب العربية إلى خيارات نوعية جديدة.

لقد خلقت المحنة في العديد من الدول العربية دينامية مفهوم المقاومة (لبنان وفلسطين)، وسقط وهم «إسرائيل  التي لا تقهر»، وبالمقابل فإن التضامن العربي والإسلامي، و عدم القبول بالذل، بقيا خجولين جداً، بل معدومين([24])، والمحاولات لتقوية الكيانات كما يحصل اليوم، وبدعم علني من الولايات المتحدة الأميركية، يعني تحويل الدول العربية أسواقاً استهلاكية، من دون تحصينها بقاعدة إنتاجية قادرة على خلق فرص العمل الضرورية لأبنائها، وهذا التوجه سيؤدي إلى تأجيج الصراعات الداخلية، بسبب التمايز الذي قد تنتج عنه تحولات نوعية هامة([25]).

إلى ذلك فإن الشعب الفلسطيني لا يستكين، ولا يلين. ومنذ العام 2000 والانتفاضة تقضّ مضجع المحتلّ وتجعل القيمين على الأمور في إسرائيل في حالة من فقدان التوازن. ويعتبر عام 2002 من أحلك أعوام إسرائيل، فالركود الاقتصادي لم يسبق له مثيل، والتململ الاجتماعي تخطى كل حدود وعشرات ألوف الموظفين الإداريين قاموا بإضرابات طويلة، كما أن وزارة العمل ومؤسسة الضمان الوطني كشفتا أعداد الفقراء الذي ازدادت بمقدار 81 ألف نسمة عام .2001 وبحسب الإحصاءات فإن مليون و 200 ألف إسرائيلي يعيشون تحت حد 1240 (أورو Euro) سنوياً (لعائلة مؤلفة من أربعة أشخاص)([26]).

ويأتي هذا التشنج الاجتماعي في إسرائيل بينما سجّلت سنة 2002 أسوأ نتائج إقتصاديـة بتراجع النمو إلى (5.1%)، وهي الأســوأ منذ العام .1953 وعدد العاطلين عن العمل تجاوز 275 ألفاً، ما يشكل(10.5%) من القوى العاملة، كما أن ارتفاع التضخم قد وصل إلى (7%) سنة .2002 وقد ساهمت الانتفاضة في تراجع دور القطاع السياحي الذي خسر 400 مليون دولار، بينما حوالي 60 ألفاً ممن يعملون في هذا القطاع صُرفوا من الخدمة، وحوالي 50 فندقاً اقفلت وكذلك عشرات المطاعم([27]).

وبحسب مكتب الإحصاءات المركزي فالذين زاروا إسرائيل سنة 2001 بلغ حوالي 1.2 مليون شخص، هبط إلى نصف عدد الذين زاروها السنة التي سبقت، وتراجع مدخول قطاع السياحة بمقدار 41%.

فمتى سيتعظ الإسرائيلي إذ استنتج «شيمون بيرس» بأن الحرب والقوة لا يمكن أن يشكلا حلاً له؟ إن السلوك الهروبي للسياسة الإسرائيلية مترجماً بمزيد من البطش، والهمجية، والإرهاب لا يزيد الأمر إلا مأساويةً، ولا يحقق حلولا، أقلّه في المدى القريب، خصوصاً وأن السياسة الإسرائيلية، مدعومة بقوة من قبل الإدارات الأميركية المتعاقبة، وصل الأمر بها إلى اعتبار المقاومة للمحتل إرهاباً، خلافاً للقواعد والقوانين الدولية.

 

خطوات تمهيدية

الجهود التي بذلتها واشنطن وبعض الدول العربية المتحالفة معها، لم تنجح في إزالة جدار العداء العربي لإسرائيل، ولا أتاحت فرصة إقامة علاقات طبيعية معها. ومع اندلاع بركان الغبار والدماء بفعل أحداث 11/9 المأساوية في الولايات المتحدة الأميركية، والحديث العالمي عن مسؤولية ذوي الملامح الشرق أوسطية، تخلّت واشنطن عن قفازاتها الحريرية الناعمة في التعامل مع «جيران إسرائيل» إذ اعتبرتهم في طليعة حماة الإرهاب، واستبدلت كل دبلوماسيتها السابقة بالمزيد من التشديد، طارحة مشروعها على الملأ، معلنة عزمها على القضاء على الإرهاب بالحديد والنار.

ومن هنا بدأت تظهر ملامح التغيير في سياسة واشنطن الخارجية، وكان الأبرز في هذا السياق ما أعلنه رأس الإدارة الأميركية جورج دبليو بوش في خطابه حول الشرق الأوسط بتاريخ 24/6/2002([28]) حيث طرح مبادرته لقيام دولة فلسطينية مؤقتة في نهاية العام 2005، شريطة إيقاف المقاومة الفلسطينية نشاطها ضد إسرائيل، أو حسب تعبيره «إيقاف الإرهاب»، وإجراء إصلاح جذري في سلسلة القيادة الفلسطينية. والى ذلك تحدث الرئيس الأميركي في الخطاب عما أسماه «الأصلاح الذي يجب أن يطال الجوهر»، وّتحقيق حكم المؤسسات و«سيادة الديمقراطية» و «تأمين الشفافية في القضايا الماليّة ومكافحة الفساد»... وكان البارز في الخطاب التشديد على ضرورة تطبيع الدول العربية علاقاتها بإسرائيل، علماً بأن هذه  الدول لم تتردد في مؤتمر القمة الذي انعقد في بيروت 2003، عن القول بإمكانية إقامة علاقات مع إسرائيل شريطة التزامها بالقرارات الدولية، (كإعادة الأرض، وإقامة دولة فلسطينية، وإعادة اللاجئين الفلسطينيين...).

والأفكار التي طرحت في أيلول 2002 من قبل الإدارة الأميركية جاءت لتؤكد الأفكار الأولية التي جاءت في الخطاب، ويتجلى ذلك في وثيقة الأمن القومي الأميركي التي جاء فيها أن «الولايات المتحدة الأميركية التي تمتلك قوة عسكرية لا نظير لها، ونفوذاً اقتصادياً وسياسياً عظيمين، سوف تدافع عن السلام من خلال محاربة  الإرهابيين والطغاة، سوف توسّع أفق السلام من خلال تشجيع المجتمعات الحرة والمنفتحة في كل قارة (...) وستعمل كذلك «لمناصرة الطموحات والكرامة الإنسانية، ولنشر فوائد الحرية، ولإدخال مبادئ الديمقراطية والتطور الاقتصادي والأسواق الحرة والتجارة الحرة إلى كل ركن من أركان العالم،  معتمدة على مبادئ الحرية، وقيم المجتمع الحر، لتدعيم هذه المبادئ».

وفي 21/12/2002 أعلن وزير الخارجية الأميركي كولن باول مبادرة الشراكة بين الولايات المتحدة الأميركية ودول الشرق الأوسط، وفيها تركيز أيضاً على ضرورة الإصلاح على مختلف المستويات. وأشارت تلك المبادرة إلى أن العجز على الجبهة الاقتصادية هو «تذكرة إلى اليأس، وهو، إضافة إلى الأنظمة السياسية المتصلّبة، خميرة خطرة».... وأضاف الوزير باول لدى إعلانه بيان الشراكة قائلاً: إنني أعلن اليوم مبادرة تضع الولايات المتحدة بثبات في مجال تغيير وإصلاح وضع مستقبل حديث للشرق الأوسط تستند إلى ثلاث ركائز:

- سنشترك مع مجموعات من القطاعين العام والخاص لسد فجوات الوظائف بإصلاح اقتصادي، واستثمار للأعمال وتنمية للقطاع الخاص.

- سنشترك مع قادة المجتمع لسدّ فجوة الحرية بمشاريع لتقوية المجتمع المدني، وتوسيع المشاركة السياسية  ورفع أصوات النساء.

- سنعمل مع المربين لسد فجوة المعرفة  بإنشاء مدارس أفضل ومزيد من الفرص للتعليم العالي، وفي كل واحد من هذه المجالات الثلاثة، نحن ملتزمون بمشاركة أصيلة في اتجاهين: مشاركة مع المواطنين ومع دول المنطقة.

وفي آذار من سنة 2003 احتلت الولايات المتحدة الأميركية العراق زاعمة بأن في هذا البلد سلاح دمار شامل يهدد العالم، وأن نظام صدّام حسين يهدد مصالحها في المنطقة. وبعد حوالي الشهرين من الإحتلال، أي في 9/5/2003 قال الرئيس بوش بأن حكومته ستعمل على تحويل الشرق الأوسط إلى منطقة تربطها اتفاقات للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة خلال عشرة أعوام وستعمل على تحقيق الشراكة الأميركية - الأوسطية.

 

 

مشروع الشرق الأوسط الكبير

يعتبر المشروع أن إحصائيات الناتج والبطالة والأمية... وتفاقم الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط الكبير، وتزايد عدد الأفراد المحرومين من حقوقهم السياسية والإقتصادية والإجتماعية في المنطقة، تؤكد كلها أن المنطقة تقف عند مفترق طرق. ويمكن للشرق الأوسط الكبير أن يستمر على المسار ذاته، ليضيف كل عام المزيد من الشباب المفتقرين إلى مستويات لائقة من العمل والتعليم، والمحرومين من حقوقهم السياسية. وسيمثل ذلك تهديداً مباشراً لاستقرار المنطقة، ما لا بد أن يساهم في تزايد في التطرف والإرهاب والجريمة الدولية والهجرة غير المشروعة، ويشكل تهديداً مباشراً لاستقرار المنطقة، ويهدد مصالح أعضاء مجموعة الثماني، مما يتطلب العمل السريع لوضع حد لتزايد هذه الظواهر المقلقة. لذلك لا بد من صياغة  شراكة بعيدة المدى بين دول مجموعة الثماني مع قادة الإصلاح في الشرق الأوسط الكبير (بدءاً من موريتانيا وحتى باكستان)، تطلق رداً منسقاً لتشجيع الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي في المنطقة.

ولتحسين مستويات المعيشة يجب أن يزداد النمو الاقتصادي في المنطقة من %3 إلى 6% على الأقل.

ويمكن لمجموعة الثماني أن تتفق على أولويات مشتركة للإصلاح تعالج عبر: 

أ- تشجيع الديموقراطية والحكم الصالح.

ب- بناء مجتمع معرفي.

ج- توسيع الفرص الاقتصادية.

أولويات الإصلاح هذه تمثل السبيل إلى تنمية المنطقة: فالديموقراطية والحكم الصالح يشكلان الإطار الذي تتحقق داخله التنمية، والأفراد الذين يتمتعون بتعليم جيد هم مثابة أدوات التنمية، والمبادرة في مجال الأعمال هي ماكينة التنمية.

1- شجيع الديموقراطية والحكم الصالح

تعتبر النظرة الأميركية أن ثمة فجوة ديمقراطية كبيرة بين البلدان العربية والبلدان الأخرى في العالم على صعيد أنظمة الحكم، وتلاحظ نقصاً فادحاً في المنطقة العربية في الحرية، ما يعيق تحقيق التنمية البشرية، ويشكل أحد التجليات الأكثر إيلاماً للتخلف. وإذ ترى غياب الديمقراطية والحرية من منطقة الشرق الأوسط الكبير، تعرب الولايات المتحدة عن قناعتها بأن المنطقة العربية تأتي في المرتبة الادنى في العالم على مستوى «التعبير عن الرأي والمساءلة» ولا يتقدم العالم العربي في هذا المضمار إلا على مناطق جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا. وتلاحظ أن هذه المؤشرات المحبطة لا تنسجم إطلاقاً مع تطلعات سكان المنطقة الذين يفضلون الديمقراطية ويرفضون الحكم الاستبدادي.

ورأت أن مجموعة الثماني مؤهلة لكي تظهر تأييدها للإصلاح الديمقراطي في المنطقة عبر إلتزام عدة أمور أهمها:

  

أ- الانتخابات الحرّة

أعلنت بلدان عدة في منطقة الشرق الأوسط نيتها إجراء انتخابات رئاسية أو برلمانية أو بلدية. وبالتعاون مع تلك البلدان التي تظهر استعداداً جدياً لإجراء انتخابات حرّة ومنصفة، يمكن لمجموعة الثماني أن تقدم مساعدات تقنية، عبر تبادل الزيارات أو الندوات لإنشاء أو تعزيز لجان انتخابية مستقلة لمراقبة الانتخابات والاستجابة للشكاوى وتسلّم التقارير.

2- التدريب على الصعيد البرلماني

من أجل تعزيز دور البرلمانات، يمكن لمجموعة الثماني أن ترعى تبادل زيارات لأعضاء البرلمانات، مع تركيز الاهتمام على صوغ التشريعات وتطبيق الإصلاح التشريعي والقانوني وحسن تمثيل الناخبين.

3- معاهد للتدريب على القيادة خاصة بالنساء

تشغل النساء (5.3%) فقط من المقاعد البرلمانية في البلدان العربية. ومن أجل زيادة مشاركة النساء في الحياة السياسية والمدنية، يمكن لمجموعة الثماني أن ترعى معاهد تدريب على القيادة للنساء المهتمات بالمشاركة في التنافس الانتخابي على مواقع في الحكم. ويمكن لهذه المعاهد أن تجمع بين قياديات من بلدان مجموعة الثماني ومن بلدان المنطقة.

4 - المساعدة القانونية

في الوقت الذي نفّذت فيه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والبنك الدولي مبادرات كثيرة لتشجيع الإصلاح القانوني والقضائي، فإن معظمها جرى على المستوى الوطني العام. ويمكن لمبادرة من مجموعة الثماني أن تكمل هذه الجهود بتركيز الانتباه على مستوى الناس العاديين في المجتمع، حيث يبدأ التحسس الحقيقي بالعدالة. ويمكن للمجموعة كذلك أن تنشئ وتموّل مراكز يمكن للأفراد فيها أن يحصلوا على مشورة قانونية بشأن القانون المدني أو الجنائي أو الشريعة، وأن يتصلوا بمحامي الدفاع (وهي أمور غير مألوفة إجمالاً في المنطقة)، كما يمكن لهذه المراكز أن ترتبط بكليات الحقوق في المنطقة.

 

5 - مبادرة وسائل الإعلام المستقلة

- يلفت تقرير التنمية البشرية إلى أن هناك أقل من 53 صحيفة لكل 1000 مواطن عربي، بالمقارنة مع 285 صحيفة لكل ألف شخص في البلدان المتقدمة، وأنَّ الصحف العربية التي يتم تداولها تميل إلى أن تكون ذات نوعية رديئة. ومعظم برامج التلفزيون في المنطقة تعود ملكيتها إلى الدولة أو تخضع لسيطرتها، وتفتقر إلى التقارير ذات الطابع التحليلي والتحقيقي. ويقود هذا النقص إلى غياب اهتمام الجمهور وعدم تفاعله مع وسائل الإعلام المطبوعة، ويحدّ من المعلومات المتوافرة له.

6  - الجهود المتعلّقة بالشفافية ومكافحة الفساد

حدد البنك الدولي الفساد باعتباره العقبة الكأداء في وجه مسيرة التنمية، وقال له أنه أصبح متأصلاً في الكثير من بلدان الشرق الأوسط الكبير. ويمكن لمجموعة الثماني في هذا الإطار أن:

- تشجع على تبنّي «مبادئ الشفافية ومكافحة الفساد».

- تدعم علناً مبادرة منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية - برنامج الأمم المتحدة للتنمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا - التي يناقش فيها رؤساء حكومات ومانحون ومنظمات غير حكومية، استراتيجيات وطنية لمكافحة الفساد وتعزيز خضوع الحكومة للمساءلة.

- تعمل على إطلاق واحد أو أكثر من البرامج التجريبية لمجموعة الثماني حول الشفافية في المنطقة.


7  -المجتمع المدني

آخذاً في الاعتبار أن القوة الدافعة للإصلاح الحقيقي في الشرق الأوسط الكبير يجب أن تأتي من الداخل، وبما أن أفضل الوسائل لتشجيع الإصلاح تكون عبر منظمات تمثيلية، ينبغي لمجموعة الثماني أن تشجع على تطوير منظمات فاعلة في إطار المجتمع المدني في المنطقة. ويمكن لها أن:

- تشجع حكومات المنطقة على السماح لمنظمات المجتمع المدني، ومن ضمنها المنظمات غير الحكومية الخاصة بحقوق الإنسان ووسائل الإعلام، أن تعمل بحرية من دون مضايقة أو تقييد.

- تزيد التمويل المباشر للمنظمات المهتمة بالديمقراطية وحقوق الإنسان ووسائل الإعلام والنساء وغيرها من المنظمات غير الحكومية في المنطقة.

- تزيد القدرة التقنية للمنظمات غير الحكومية في المنطقة لتقديم التدريب للمنظمات غير الحكومية في شأن كيفية وضع البرامج والتأثير على الحكومة وتطوير استراتيجيات خاصة بوسائل الإعلام والناس العاديين لكسب التأييد. كما يمكن لهذه البرامج أن تتضمن تبادل الزيارات وإنشاء شبكات إقليمية.

- تمويل منظمة غير حكومية يمكن أن تجمع  خبراء قانونيين أو إعلاميين من المنطقة لصوغ تقويمات سنوية للجهود المبذولة من أجل الإصلاح القضائي وحرية وسائل الإعلام في المنطقة.

 

ب - بناء المجتمع المعرفي

«تمثل المعرفة الطريق إلى التنمية والانعتاق في عالم يتسم بعولمة مكثفة. إن منطقة الشرق الأوسط الكبير التي كانت في وقت مضى مهد الاكتشاف العلمي والمعرفة إلى حد بعيد أخفقت في مواكبة العالم اليوم، وتشكل الفجوة المعرفية التي تعانيها، ونزف الأدمغة المتواصل، تحدياً لآفاق التنمية. ولا يمثل ما تنتجه البلدان العربية من الكتب سوى (%1.1) من الإنتاج العالمي، ويهاجر حوالي ربع مجموع خريجي الجامعات إلى الخارج، ويجري إستيراد التكنولوجيا على نطاق واسع. ويبلغ عدد الكتب المترجمة إلى اللغة اليونانية مثلاً - وهي لغة لا ينطق بها أكثر من حوالي 11 مليون شخص - خمسة أضعاف ما تجري ترجمته من كتب أجنبية إلى اللغة العربية.

وإذ يعاني التعليم في المنطقة من نقص وتراجع في التمويل الحكومي له رغم تزايد الإقبال عليه، (وبفعل هذا التزايد)، يعاني المجتمع كذلك من إعتبارات تقليدية تقيّد تعليم البنات. من هنا يمكن لمجموعة الثماني تقديم خدمات عظيمة من خلال السعي إلى سدّ هذه الثغرات، بشرياً ومادياً. ولا بد لها من التركيز على تعليم البنات لمنع تعطيل هذا النصف الذي يمكنه أن ينشط من المجتمع.

ويمكن كذلك إنشاء معاهد جديدة لتدريب وتأهيل المعلمين، وتوسيع وتطوير القائمة منها، مع التركيز على انخراط النساء في هذا الميدان. إلى ذلك تبيّن وجود نقص هائل في ميدان ترجمة الكتب الأساسية في الفلسفة والأدب وعلم الاجتماع وعلوم الطبيعة، فضلاً عن الحالة المؤسفة للمكتبات في الجامعات. ويمكن لكلٍ من دول مجموعة الثماني تمويل برنامج لترجمة مؤلفاتها الكلاسيكية في هذه الحقول، وأيضاً، وحيث يكون ذلك مناسباً، تستطيع  هذه الدول إعادة نشر الكتب الكلاسيكية العربية الخارجة من التداول حالياً، والتبرع بها إلى المدارس والجامعات والمكتبات المحلية العامة.

وبالفعل فقد بدأ الأردن بتنفيذ مبادرته لإنشاء «مدارس الاكتشاف» حيث يتم استعمال التكنولوجيا المتقدمة ومناهج التعليم الحديثة. ولمجموعة الثماني أن تسعى إلى توسيع هذه الفكرة ونقلها إلى دول أخرى في المنطقة بطريق التمويل، ولاسيما من القطاع الخاص.

وطالما تحتل المنطقة المستوى الأدنى من حيث التواصل مع الإنترنت، فمن الضروري ردم الهوة في مجال المعلوماتية، نظراً إلى تزايد المعلومات المودعة على الإنترنت وأهميتها بالنسبة للتعليم والمتاجرة. ولدى مجموعة الثماني القدرة على إطلاق شراكة بين القطاعين العام والخاص لتوفير الاتصال المعلوماتي وتوسيعه في أنحاء المنطقة، وأيضا بين المدن والريف داخل البلد الواحد.

ومن الممكن أيضاً ربط مبادرة تجهيز المدارس بالكمبيوتر بمبادرة فرق محو الأمية وقيام مدّرسي المعاهد بتدريب المعلمين المحليين على تطوير مناهج دراسية ووضعها على الإنترنت، في مشروع يتولى القطاع الخاص توفير معداته ويكون متاحاً للمعلمين والطلبة على السواء.

وفي سياق السعي لتحسين مستوى إدارة الأعمال في المنطقة، يمكن لمجموعة الثماني إقامة  الشراكة بين معاهد الأعمال فيها والمعاهد التعليمية (الجامعات والمعاهد المتخصصة) في المنطقة، فضلاً عن تمويل هيئة التعليم في هذه المعاهد المشتركة بحيث تتضمن برامجها ما يترواح بين دورة تدريبية لمدة سنة، إلى دورات قصيرة، وتشمل إعداد خطط العمل للشركات أو استراتيجيات التسويق.

 

ج - توسيع الفرص الإقتصادية

بالرغم من أن الأفكار المتعلقة بعملية ردم الهوة الاقتصادية في المنطقة لم تأخذ حيزاً هاماً بعد، إلا أننا يمكن أن نستنتج منها ما يلي:

على مستوى تمويل التنمية

يطمح المشروع إلى أن تتحول دول المنطقة إلى نظام السوق، بحيث يعطى القطاع الخاص فيها دوراً واسعاً، ويجري تمويل مشاريع صغيرة ومتوسطة من قبل مجموعة الثماني بحيث يتأمن العمل لحوالي مليون ومئتي ألف ناشط اقتصادي، من بينهم حوالي 750 ألفاً من النساء. ويمكن لدول الثماني أن تموّل مشاريع تكاملية على مستوى المنطقة. كذلك فأن توحّد القدرات المالية لهذه الدول بإقامة «بنك تنمية الشرق الأوسط الكبير» بحيث تساهم دول المنطقة الغنية في تمويل مشاريع لتوسيع انتشار التعليم والعناية الصحية والبنى التحتية الرئيسية، كما يمكن لهذا البنك المساعدة في تأمين التكنولوجيا وتمويل استراتيجيات التنمية لبلدان المنطقة.

 على مستوى التبادل التجاري

تجد المبادرة ضرورة تطوير وتشجيع التجارة البينية التي لا تتعد نسبتها الـ (6%)من حجم مجموع التجارة العربية، وذلك بإيجاد صيغ مشجعة من قبل مجموعة الثماني، وتنمية التعاون الإقليمي على مستوى تصميم وتصنيع وتسويق المنتجات. و يجري العمل كذلك على ضم دول المنطقة إلى منظمة التجارة الدولية، وإزالة الحواجز الجمركية والإدارية، والالتزام بالجوانب التجارية لحقوق الملكية الفكرية. ولتحسين التبادل في المنطقة، ستقوم مجموعة الثماني بإنشاء مناطق للتركيز على تحسين التبادل التجاري والممارسات المتعلقة بالرسوم الجمركية. وستقدم المجموعة  أنواعاً إضافية من الخدمات لدعم نشاط القطاع التجاري، بما في ذلك التسّوق، وتأمين الصلات مع مكاتب الجمارك لاختصار الوقت الذي يستغرقه إنجاز معاملات النقل، ووضع ضوابط موحدة لتسهيل دخول وخروج السلع والخدمات من  وإلى المنطقة. ولدوام تحسين التعاون الإقليمي يمكن إنشاء تجمّع من مسؤولين على مستوى رفيع من مجموعة الثماني ومسؤولين من دول الشرق الأوسط الكبير، لمناقشة القضايا المتعلقة بالإصلاح الاقتصادي.

 

المشروع الفرنسي - الألماني من أجل مستقبل مشترك مع الشرق الأوسط

 1- الأهداف

جاء في مقدمة المشروع الفرنسي -الألماني: إن مستقبل منطقة الشرق الأوسط مصدر قلق لنا نتقاسمه مع شركائنا في المنطقة والشركاء الأطلسيين، نحن على استعداد لدعم تلك البلدان وتشجيعها لتطوير مجالاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وكل مبادرة بشأن المنطقة ينبغي أن تلبّي حاجاتها وتطلعاتها. ويتوقف نجاح المهمة بالدرجة الأولى على هذه البلدان نفسها. إن تطلعات المواطنين، وهم في غالبيتهم من الشباب، كبيرة جداً. ذلك أن نصف سكان المنطقة هم دون الثامنة عشرة من العمر، ويقضي التحدي الحقيقي تخطّي الوضع القائم. ويتحقق ذلك بإيجاد رؤية مشتركة بين الحكومات والمجتمعات المدنية إذ لا بد من تعاون حقيقي بينهما لتنفيذ الأهداف المنشودة.

إن الاتحاد الأوروبي، ونظراً للروابط الجغرافية والثقافية والاقتصادية والبشرية مع المنطقة، يشجع التوجه الإصلاحي، ويعتبر أن لأوروبا مصلحة كبيرة في توطيد الأمن هناك وتطوير البنى. ويشكل التزام الاتحاد الأوروبي تجاه دول البحر المتوسط والشرق الأدنى والأوسط أولوية مركزية في إطار العمل الأوروبي.

وقد اقترحت الولايات المتحدة أفكاراً في شأن الشرق الأوسط الكبير وسبل تحديثه وإحلال الديمقراطية فيه،ونحن نستقبل اقتراحاتها بإيجابية، وسنعمل لتنسيق جهودنا لبلورة مشروع مشترك.

2- مبادئ العمل: يلتزم المشروع مبادئ أساسية هي:

- لتحقيق الأهداف لا بد من أن تكون قوة الدفع منبثقة من منطقة الشرق الأوسط ذاتها. لقد عبرّت  كل الدول والمجتمعات المدنية عن حذر جماعي من أي محاولة لفرض «نموذج» من الخارج. لذا، لا بد من الأخذ بعين الاعتبار الظروف الموضوعية والذاتية لكل بلد، والعمل مع كل الأطراف عبر الحوار والتحفيز والمشاركة لتحقيق الأهداف المنشودة.

- لا بدّ من أخذ المشاعر الوطنية وهوية كل بلد بالاعتبار حيث ينبغي الحرص على تجنّب مخاطر المقاربة الشمولية التي تغيِّب الخصوصيات الوطنية، أو التي تصف الإسلام بأنه غير قابل للتأقلم مع التحديث. ولا بد كذلك من حضّ البلدان المعنية للتعبير عن آرائها وتطلعاتها، سواء في إطار الجامعة العربية، أو في المنتديات المخصصة.

- لا بدّ من أن تلتزم أوروبا شراكة دائمة ومستمرة: ذلك أننا منذ سنوات عدة منخرطون في هذا  الالتزام، ونعتبر شراكتنا بمثابة التزام بعيد المدى،  وستستمر عبر الأجيال.

- النطاق الجغرافي: ينبغي للشراكة أن تكون مفتوحة أمام كل دول الشرق الأوسط، وبالتالي فعلينا تعميق علاقاتنا أيضاً مع مجلس التعاون الخليجي.

- قاعدة العمل: إن تقارير برنامج الأمم المتحدة للتنمية تتضمن تشخيصاً جيداً للواقع، وتشكل بحد ذاتها برنامجاً أولياً للإصلاح.إن الحاجة إلى  تحقيق تغييرات في العمق، مطروحة للمناقشة في كل مكان، وهناك بلدان عدة بدأت تنفذ إصلاحات ملحوظة، وتميل هذه الظاهرة إلى الاتساع . وما المبادرة السعودية  في كانون الثاني 2003 التي تتضمن اقتراحات إقليمية وإصلاحات داخلية،  إلا قاعدة جيدة للمناقشة.

- قاعدة العمل متعددة الأطراف: لكي يكون العمل فعّالاً لا بد من أن يشتمل على مساهمة من المنظمات والهيئات الإقليمية والدولية التي ينبغي أن يستفاد من إمكانياتها بأفضل السبل. وفي ما يخصّ قضايا الأمن والدفاع، فإن دوراً للاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ولحلف شمال الأطلسي سيكون مطلوباً، وبالنسبة لقضايا التطور، فإن هذه المنظمات، إلى جانب المؤسسات المالية والدولية، ستكون حاضرة للعب دور دافع لعجلة التطور والإنماء. وكل اللقاءات المقبلة (القمم الأوروبية، قمة الدول الصناعية الثماني الكبرى، القمة الأوروبية -  الأميركية ولقاءات حلف شمال الأطلسي) يجب أن تقدم مساهمات واضحة ومحددة لإعطاء قوة دفع ضرورية في سائر المجالات.

- تعزيز التزام الاتحاد الأوروبي: إن عمل دول المنطقة مع الاتحاد الأوروبي يجب أن يتعزز ويتطور لأنه سيشكل مكسباً مفيداً لكل الفرقاء.

- مسيرة السلام في الشرق الأوسط: إن إيجاد حلّ للنزاع العربي-الإسرائيلي يشكل أولوية استراتيجية لأوروبا. وفي غياب مثل هذا الحل لن تكون هناك أي فرصة لتسوية المشاكل الأخرى في الشرق الأوسط. لهذا فمن الضروري إعادة إطلاق مسيرة السلام في الشرق الأوسط بالتوازي مع العملية الإصلاحية من أجل التوصل إلى التسوية المنتظرة منذ أمد بعيد. كما أنه من الضروري تشكيل حكومة مسؤولة وسيدة في العراق، إلا أن أياً من هاتين المسألتين ينبغي ألا تعرقل تطوير الشراكة على المدى الطويل، مع أنه لا يمكننا توقع النجاح الكامل ما لم تتقدم مسيرة السلام في الشرق الأوسط.

3- اقتراحات للمساهمة في الحل:

على الاتحاد الأوروبي أن يعدّ مساهمة تستند على المبادئ التالي:

- العمل لإطلاق حوار سياسي وأمني لتحقيق السلام والاستقرار في  منطقة المتوسط.

- العمل لقيام نظم ديمقراطية في المنطقة، وترسيخ دولة القانون التي تحمي حقوق الإنسان، وتؤمن له حرية التعبير.

- العمل لتحقيق تطور اجتماعي، خصوصاً في مجال التعليم ومحو الأمية، وفي مجال المساواة بين الرجل والمرأة.

- دعم انتشار مجتمعات مدنية  تساهم في دعم توجهات مؤسسات الدولة الإصلاحية، وتساهم في توضيح الرؤية المستقبلية.

 

مؤتمر الدول الثماني ومشروع الشرق الأوسط الكبير:

عُقد مؤتمر الدول الصناعية الثماني في (سي آيلاند في جورجيا) في الولايات المتحدة بين 8-10 حزيران 2004، ومن بين المواضيع الأساسية التي كانت مطروحة على جدول أعماله مشروع الشرق الأوسط الكبير. وصدر عن المجتمعين بيان بعنوان: «إعلان شراكة من أجل التقدم ومستقبل مشترك مع منطقة الشرق الأوسط الواسع وشمال إفريقيا».

وجاء في نص الإعلان: «نحن قادة مجموعة الثماني ندرك أن قضايا السلام والتطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي والرخاء والاستقرار في دول الشرق الأوسط الكبير تشكل تحدياً لنا وللمجتمع الدولي كله. وعليه نعلن دعمنا لإصلاحات ديمقراطية واجتماعية واقتصادية نابعة من هذه المنطقة»(...) إن هذه الشراكة «تقوم على تعاون حقيقي مع حكومات المنطقة ومع ممثلي القطاع الاقتصادي والمجتمع الأهلي لترسيخ الحرية والديمقراطية والازدهار للجميع»(...) «والإصلاح الناجح يتوقف على البلدان في المنطقة، التغيير لا ينبغي ولا يمكن أن يفرض من الخارج»(...) «وحل النزاعات الدائمة التي غالباً ما تكون مريرة، ولا سيما النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، عنصر هام للتقدم في المنطقة». «والنزاعات الإقليمية يجب ألا تشكل عقبة في وجه الإصلاحات. وعلى العكس، فالإصلاحات تستطيع أن تقدم مساهمة كبيرة لحلها»(...) «وسيمضي دعمنا للإصلاح في المنطقة خطوة خطوة مع تأييدنا لتسوية عادلة وشاملة ودائمة للصراع العربي الإسرائيلي مبنية على قرارات الأمم المتحدة».

 

ملاحظات على مسودّة المشروع الأميركي

 في هذا المجال لا بد من إبداء الملاحظات التالية:

الملاحظة الأولى: إن أغلب الآراء الواردة في الوثيقة ليست آراء أميركية، بل هي لكتّاب ومفكرين عرب، وهذا يعني أن العرب شعباً وحكومات يعرفون تماماً مشاكلهم، ويصفونها وصفاً دقيقاً. ووثيقة المشروع الأميركي للشرق الأوسط الكبير  تشير في مطْلَعها إلى ما نذهب إليه (استندت المبادرة إلى تقارير التنمية البشرية العربية)، بل إن أساس «رغبة» الولايات المتحدة الأميركية بمساعدة دول الشرق الأوسط الكبير يقوم على دراسات وضعها باحثون عرب. ولا حاجة للإشارة إلى أن دائرة الشرق الأوسط في إدارة الولايات المتحدة تعرف ما يجري في كل شارع وكل زاورب وكل بيت، في كل قرية وفي كل مدينة وفي كل دولة عربية وفي كل دول الشرق الأوسط الكبير.

الملاحظة الثانية: اكتشفت الولايات المتحدة الأميركية للتوّ بأن دول الشرق الأوسط الكبير تحتاج إلى المساعدة(؟!) هل يُعقل أن كل التقارير التي تصدر عن منظمات حقوق الإنسان سنوياً، وعن منظمات أميركية رسمية منذ حوالي الخمسين سنة، لم تنبّه الولايات المتحدة الأميركية إلى الوضع الخطير والمتردي!؟ وبالرغم من ذلك، نوافق على ما جاء في كلمة ممثل المفوضية الأوروبية في المؤتمر الدولي حول «حقوق الإنسان في البرنامج والكتب المدرسية للتعليم الثانوي في البلدان العربية»، المعقود في بيروت بين 27 شباط و 1 آذار 2003، حيث أشار إلى ضرورة التأكيد على العلاقة المتينة القائمة بين التنمية وحقوق الإنسان، وأن الواحدة منهما تستدعي الثانية، ولا يمكن تحقيق  أي منهما دون الأخرى، كما  أشار إلى أن «احترام» الأوروبيين لحقوق الإنسان ناتج عن الاهتمام الذي نالته القضية في مجال التعليم والتربية والتنشئة الاجتماعية، وبالذات في مناهج التعليم المدرسي، وذكَّر بأن حقوق الإنسان والديمقراطية ودولة الحق والقانون كلها مبادئ أساسية مترابطة ومتكاملة ويمكن للبلدان العربية أن تكتسبها مثل غيرها من البلدان إذا أولتها العناية والأهمية اللازمتين في برنامج التعليم، وليس بمجرد التوقيع على الاتفاقيات الدولية.... فحقوق الإنسان أصبحت واقعاً يفرض نفسه لا يمكن لأحد أن يتجاهله.

الملاحظة الثالثة: ترى الولايات المتحدة الأميركية أنها غزت العراق لإحلال الديمقراطية ومحاربة الإرهاب والمحافظة على مصالحها، ولكن الواقع يعطينا صورة كئيبة ومغايرة لما نسمع. فالولايات المتحدة في العراق لتحقيق مصالحها، وتدعم هذا الرأي معطيات حسية كثيرة أهمها أن حجم الاحتياطي النفطي في الولايات المتحدة لا يتعدى 25 مليار برميل. فإذا كانت تستخرج منه يومياً حوالي 5 ملايين برميل([29])، وإذا اعتبرنا أن حجم الإنتاج اليومي سيبقى مستقراً، يمكن الاستنتاج بأنه بعد 15 سنة (في أكثر التوقعات تفاؤلاً) سوف تجد الولايات المتحدة الأميركية نفسها بلا نفط. وإذا علمنا بأن نفط دول الخليج يبلغ حوالي 544 مليار برميل([30])، وحجم الإنتاج اليومي منه هو 15 مليون برميل (مع أن  الطلب في تزايد مستمر)، فإن نفط هذه الدول سينضب خلال 120 سنة، وإذا ما تزايد الطلب يمكن أن يبقى متوفراً لحوالي خمسين سنة قادمة فقط. ووضع اليد على المنطقة يساعد الولايات المتحدة على تخطي أزمة يمكن أن تصادفها في السنوات القليلة القادمة، خصوصاً وأن بديلاً لطاقة النفط لم يتأمن بعد في مستويات  استخداماته في المواصلات([31])، كما أن تواجد الولايات المتحدة العسكري في منطقة الخليج، يمكن أن يمنحها، بفضل سيطرتها على إنتاج النفط، ورقة ضغط على الدول الأخرى، وخصوصاً الصين واليابان، فضلاً عن أوروبا التي تعتمد اعتماداً أساسياً في تسيير العديد من مرافقها على النفط الخليجي فالولايات المتحدة تريد أن تبرز بمظهر القوي أمام هذه القوى الصاعدة، التي تشكل  منافساً أكثر صلابة لها في العقود القليلة القادمة.

الملاحظة الرابعة: مشروع الولايات المتحدة الأميركية جيد ولا خلل فيه، بل إن شعوب المنطقة «المطلوب تطويرها» تحلم باليوم الذي تشعر فيه بتحررها من الذل والاستبداد والاضطهاد وتحلم بتحرير المرأة،  وبالتخلص من البطالة ومن الأمية، ومن المرض والجهل والفقر. ولو تُـرِك لشـعوب هذه الدول الحرية لاختيار ممثليها، ولاختيار الأكفأ والأفضل من القادة، لكان الوضع على غير ما هو عليه الآن. ولكن منذ متى يتنازل الحاكم المستبد عن سلطانه، وجبروته؟ بل لماذا  يغيّر سلوكه  طالما أن مصالحه الذاتية مؤمنّة؟ وكيف له ألا يكون مرتاحاً طالما أن المساندة الخارجية تحقق له المنعة والقوة والجبروت والاستمرار؟. وفي هذا المجال، أَنَسي الأميركيون من أَعاد شاه إيران إلى الحكم في سنة 1952؟... واللائحة تطول.

الملاحظة الخامسة: ترغب الولايات المتحدة  بتقديم المساعدة المادية(!). نعم، دول الشرق الأوسط الكبير بحاجة لمساندة العالم الغربي ومساعدته، وبحاجة «لتقتبس» عنه  مبدأ الديمقراطية، وللأخذ بما حققه الغرب من تطور تكنولوجي ومعرفة. وإذا ما اقتبست دول المنطقة ما تحتاج إليه بشكل ملائم وبشكل صحيح يمكنها أن تحقق عملية تنمية سريعة وفاعلة. وعليه، فإذا ما قامت الدول الثماني بتقديم المساعدة لتطوير الاقتصاد، وتطوير أنظمة الحكم وتحسين التعليم ورفع مستوى المرأة ستسير كل مشاكل المنطقة إلى حلولها. ولا بد من الإشارة إلى ما قاله رئيس الجمهورية الفرنسية جاك شيراك في «مؤتمر الثمانية» عن عملية الإصلاح ونشر الديمقراطية من «إنه لا توجد صيغة جاهزة للديمقراطية يمكن نقلها من بلد إلى بلد آخر» مضيفاً أنه يعتقد أن «ترسيخ الديمقراطية في العالم العربي يستلزم أن تكون هذه الديمقراطية نابعة من الدول العربية نفسها». في هذا المجال لا بد من التذكير بأن العالم الغربي قد اقتبس في ما مضى الكثير من العالم العربي والإسلامي. ويكفي أن نشير إلى أن  هذه المنطقة قدمت للغرب بذور علم الطب والجبر واللوغاريتم والفلك وعلم الاجتماع... ولمَ لا يستفيد الشرق الأوسط الآن من الآخرين الذين سبقوه في الكثير من المجالات؟.

الملاحظة السادسة: تمكّنت ألمانيا وفرنسا من أن تفرضا على المبادرة الأميركية ما لم تكن ترغب الولايات المتحدة أبداً الالتزام به: ففي اجتماع الدول الثماني في حزيران 2004 احتل موضوع إدراج حل مشكلة الصراع العربي- الإسرائيلي مكانه، واعتبرت الوثيقة النهائية للمؤتمر بأن تحقيق الإصلاح يجب أن يتلازم مع إيجاد حلٍ لقضايا الصراع في الشرق الأوسط. والغريب في الأمر هو أنه حين طرح إصلاح البلدان الشيوعية الأوروبية في مؤتمر هلسنكي، كانت شعوب هذه الدول تقف لتؤازر المبادرة الأميركية- الأوروبية، وكانت الحكومات تقف ضدها، في حين كان الأمر معكوساً في ما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط. ذلك أن معظم الحكام العرب هم حلفاء ومتعاطفون مع «الرغبات» الأميركية، في حين أن شعوب المنطقة تكّن عداءً للولايات المتحدة، وتعتبر مبادرتها محاولة لتحقيق مصالحها الذاتية ومصالح إسرائيل، أكثر مما هي للتطوير والإصلاح. ويدعم حَذَر وريَبة شعوب المنطقة من المواقف الأميركية، انحياز الولايات المتحدة المطلق لإسرائيل، والحجج والمبررات الواهية التي استندت إليها لاحتلال العراق (وقفت فرنسا وألمانيا والصين والاتحاد الروسي... ضد الحرب ورفضت المشاركة في قوات دولية كي لا تعطي للولايات المتحدة صفة شرعية). كما أن ممارسات الجنود الأميركيين والإنكليز تجاه السجناء العراقيين والأعمال البربرية التي قاموا بها، كانت نافرة جداً ما دفع برئيس الولايات المتحدة الأميركية نفسه أن «يدين» تصرفات جنوده ويعتبرها «بعيدة عن القيم الأميركية». إن شعوب المنطقة لا ترى صدقية في مواقف الولايات المتحدة، ولا في ممارساتها خلال عقود من الزمن، وبالأخص في السنوات الأخيرة، حيث كان التزامها كاملاً بالمواقف الإسرائيلية، ضاربة بعرض الحائط القيم والمبادئ والشرائع الدولية. وبكلمة، فإن شعوب المنطقة تعتقد بأن الولايات المتحدة الأميركية تخفي نوايا خبيثة خلف مبادراتها، ولا تعتبرها مجرد جهد أميركي لتنمية وتطوير إحدى مناطق العالم، بل جزءاً من سياسة القوة الأعظم تجاه منطقة، لها فيها مصالح حيوية أساسية، في وقت تقدّر فيه أن منطقة الشرق الأوسط، وبسبب أوضاعها ومشكلاتها الاقتصادية والسياسية والثقافية، قد أصبحت بعد أحداث 11 أيلول 2001 مصدر تهديد للأمن القومي الأميركي. ومن هذا المنظور لا يعود إصلاح أوضاع المنطقة مجرد عمل إنساني أو خيري أميركي، وإنما هو يخدم مباشرة المصلحة القومية الأميركية([32]). هذا دون أن نتغاضى في الوقت نفسه عن فكرة بأن لدول المنطقة مصلحة في تحقيق الإصلاحات التي تتكلم عنها الولايات المتحدة.

الملاحظة السابعة: تحمل المبادرة أفكاراً جيدة، والولايات المتحدة الأميركية «ترغب» في تحقيق الإصلاحات، ولكن ليس عن طريق الذين ينادون بضرورة الإصلاح في هذه الدول (القوميون والإسلاميون). فمصالحها الأمنية والاستراتيجية تتضارب ومصالح  وتوجهات الذين ليست لهم أفكارها. أما الحكومات التي ساندتها الولايات المتحدة الأميركية ولا تزال، فهي اليوم واقعة بين رغبة الشعوب في «التحرر والديمقراطية» ومطالب الغرب بضرورة إجراء الإصلاح، الأمر الذي يضع هذه الحكومات بين مطرقة الشعوب وسندان رياح التغيير المحمولة من الدول الثماني. فالإصلاح يبدأ بالإصلاح السياسي والمشاركة للفئات المتحررة التي تؤمن بالديمقراطية والحرية والقضاء على الفساد في الإدارة وفي الأجهزة الحاكمة. ويجب أن يكون في قوامه أيضاً بأن المرأة يجب أن تحصل على حقوقها كاملة. والملفت في هذا المجال أن الحكام سعداء بالعدائية القائمة تجاه المبادرة الأميركية، أليس رفض المبادرة من قبل الشرائح التي لها مصلحة في التغيير يساهم في تحقيق مصالح الحكام؟

الملاحظة الثامنة: الموضوع الاقتصادي لم يعطَ حقه في المشروع الأميركي، في حين تم تفصيل موضوع التعليم بشكل واسع. الأميركيون يعترفون بأن ناتج 22 دول عربية هو أقل من ناتج إسبانيا وحدها، وسيدخل أكثر من 50 مليوناً من الشباب العرب سوق العمل بحلول العام 2010، ومطلوب تأمين 6 ملايين فرصة عمل لامتصاص هؤلاء الوافدين الجدد إلى سوق العمل. وإذا لم يتم تدارك ذلك فإن عدد العاطلين عن العمل بعد خمس سنوات سيكون حوالي 23 مليوناً. ولا يخفى أن ثلثي المنطقة يعيش الواحد منهم  على أقل من دولارين  في اليوم، علماً بأنه لتحسين مستويات المعيشة يجب أن يزداد النمو الاقتصادي في المنطقة أكثر من الضعفين على الأقل.

إن هذا العرض لا بأس به، ولكن كيف السبيل لإيجاد حلول اقتصادية للمشاكل الكبيرة التي عبّر عنها المشروع الذي استند في أكثر الأوقات على تقارير التنمية البشرية في البلدان العربية؟ الورقة الأميركية لم تقدم مقاربة أولية في هذا المجال على غرار ما حملته في الميدان التعليمي، واعتبرت أن إطلاق يد القطاع الخاص في الدول الأوسطية، ومساندة الدول الثماني، يحققان الغاية. إن دور القطاع الخاص هام جداً، ودور رأس المال هام كذلك مع توسيع التجارة الخارجية بتحريرها من القيود الجمركية، والدخول في منظمة التجارة الدولية مفيد، إلا أن العناوين العريضة هذه لا تفي بالغرض المطلوب لبلدان تعاني من ويلات الفقر والجهل والأمية والفساد والتسلّط والقمع. اعتقد أن المشكلة الاقتصادية كبيرة جداً لما تحمله من تشويه في البنى والقطاعات، يحتاج لأكثر بكثير من اقتراحات فضفاضة، إنه  يحتاج لوضع دراسة علمية تفصيلية.

الملاحظة التاسعة: يجب أن نسلِّم بان التنمية ليست عملية آلية، وليست تقليداً أعمى لما قامت به الدول الأخرى، فلا يمكن أن يُتبع الطريق الذي سلكته الدول المتطورة لبلوغ مستواها التقني، ولا يجوز تقليد أي دولة مهما كان توجهها صحيحاً أو مناسباً. فلكل منطقة ظروفا موضوعية وذاتية لا بد من مراعاتها.

الملاحظة العاشرة: تتمثل المشكلة الكبرى بما يسمى «الحكم غير المعقلن في المنطقة»، والأسئلة كثيرة: من سيتخذ القرارات؟ ما هي أهدافه؟ كيف سيصل إلى السلطة؟ هل القرارات المتخذة مدروسة بشكل جدي، علمي، منهجي، واقعي وكفيلة بإخراج البلاد من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها؟ هل سننتظر الدول الثماني لتقول لنا هذا السياسي «يصلح»  ليتسلم أمور البلاد؟! وفي هكذا حالة هل السلطة السياسية قادرة على تطبيق القرارات وتحقيق التحول المنشود؟ إن المصلحة العامة لا يجوز أن تكون خاضعة لمزاجية هذا أو ذاك من السياسيين.

من هنا فإن تصور الخروج من المأزق ليس طوباوياً، والدولة في «منطقة الشرق الأوسط الكبير» يجب أن تحزم أمرها لأن القرارات المتعقلة ممكنة،  وذوي الكفاءات والخبرة والانضباط والمنافسة للمناصب الإدارية كثر، وما على السلطة إلا أن تكون «قادرة» على التخلص من براثن المحسوبية في اختيار المنفذين لسياستها ولمصالحها. كل ما ذهبنا إليه هدفه القول بأن كل إصلاح وتطوير وإنماء يرتبط أولاً وأخيراً بوجود سلطة حرة قادرة على اتخاذ قرارات قابلة للتنفيذ تحقق المصلحة العامة.

 

الملاحظة الحادية عشرة: يرى المشروع الأميركي أن هناك ضرورة لتطوير علاقات دول الشرق الأوسط في مضمار التجارة البينية، ولكن كيف يتحقق لها ذلك وهي لا تتمتع بمزايا تفاضلية؟ كيف لمنطقة أن تكون التجارة البينية فيها فعّالة، والتبادل أوسع مما هو عليه، طالما أن منتجاتها متواضعة، متشابهة وغير متنوعة ولا وتنافسية، ولا متكاملة، وتقتصر في العديد من الحالات على إنتاج واحد (النفط مثلاً) ولا تلبي حاجات دول المنطقة، وكلفة إنتاجها مرتفعة مقارنة بغيرها؟ كيف لمنطقة أن تساهم في النظام الاقتصادي العالمي بفاعلية وهي تشكو من الهزال، ومن التفكك في بنيتها؟

عليه، لا يمكن المشاركة الفعالة إلا بعد بناء وتحديث وتطوير بنية  المنطقة، ضمن إطار فهم الخلل الحاصل في القطاعات الاقتصادية، أو في توزيع النشاطات على صعيد المناطق. لذلك، فالاتجاه نحو التطور الاقتصادي السليم، يتطلب توزيعاً أفضل لنقاط التطوير بين مختلف القطاعات الاقتصادية والبشرية، ومختلف المناطق، حتى لا ينمو قطاع على حساب آخر، ومنطقة على حساب أخرى، وذلك ضمن سياسة عامة للتنمية الاقتصادية في كل دولة من دول المنطقة. ذلك أن التنمية لا يمكنها أن تنشط بشكل صحيح، على المدى الطويل، إذا سببت خللاً في التوازن بين قطاعات الاقتصاد من جهة، وخللاً بين المناطق من جهة أخرى. فالقطاعات والمناطق المتقدمة التي تكون أكثر مرونة من غيرها، تبدي تجاوباً أكبر بالنسبة إلى كل تشجيع ناتج سواء عن المبادرة الفردية أو عن تدخل القطاع العام، مما يؤدي إلى زيادة الفروقات بين القطاعات والمناطق بدلاً من إزالتها أو تقليصها.

وينتج عن الاختلال في التوازن انعكاسات سيئة على التطور الاقتصادي المنشود. ولذلك، وفي سبيل إزالة هذا الاختلال، يتوجب على القطاع العام أن يقوم أيضاً بدوره إلى جانب القطاع الخاص، وعلى الأخص في المجالات التي لا يمكن لهذا الأخير التدخل فيها، إن من ناحية إقامة البنية التحتية ومتابعة تطويرها، أو من الناحية التخطيطية والتنظيمية.

هذه الأفكار المبسّطة والقراءة السريعة غير المتسرعة لمشروع «الشرق الأوسط الكبير»، والملاحظات السابقة هدفت إلى القول أن المشروع كان يحتاج إلى درس أكثر، وأنه لا يجوز أن نقتبس أفكاراً عن تقارير صادرة عن المنطقة فقط. كان يمكن لدولة عملاقة كالولايات المتحدة الأميركية أن تفرِّغ عدداً من الاختصاصيين من هذه الدول واختصاصيين من الدول الثماني (في مجالات علم النفس، والتربية، والاجتماع والسياسة والاقتصاد...) يشكلون فريق عمل لدراسة المشاكل ووضع تصور أكثر «جدية». صحيح أن «منتدى المستقبل» للحوار بين الدول الثماني ودول الشرق الأوسط الكبير قد ينعقد في النصف الثاني من 2004 لتجسيد وتحقيق ما يسفر عنه الحوار، إلا أن المشاكل التي تعاني منها المنطقة لا تتحمل الانتظار.

يبقى القول أخيراً أن مجرد وجود مبادرة هو أمر جيد، فدول المنطقة تحتاج إلى مبادرات ومساندة. أنها تحتاج لوقفة صادقة من قبل الدول الكبرى. فهل الولايات المتحدة جادة؟ الشهور القليلة القادمة ستجيب عن السؤال الكبير.

 

 

 

[1]  حول الجامعة العربية انظر محمد المجذوب «جامعة الدول العربية في ميزان ميثاقها»، مجلة الزميل، تصدرها جامعة بيروت العربية، العدد 43 تموز - يوليو 1995.

[2]   يمكن العودة إلى بحث اللواء المتقاعد د. نبيل فؤاد: الأبعاد الأمنية -العسكرية لإصلاح النظام العربي، مجلة السياسة الدولية، العدد 551، 4002، ص 246-252.

[3]  شيمون بيرس : «الشرق الأوسط الجديد»، الأهلية  للطباعة والنشر ، الأردن، 1994.

[4]  شيمون بيرس: الشرق الأوسط الجديد، ترجمة محمد حلمي عبد الحافظ، الأهلية للنشر والتوزيع، الأردن، 4991 ، ص 26

[5]  شيمون بيرس: الشرق الأوسط  الجديد ص 64 و 72.

[6]  شيمون بيرس: الشرق الأوسط الجديد ص 68.

[7]  المرجع السابق ص 78.

[8]  المرجع السابق ص 78.

[9]  المرجع السابق ص 78.

[10]  الأمم المتحدة، رسالة مؤرخة 9 كانون الثاني /يناير 1995 إلى الأمين العام للأمم المتحدة من الممثلين الدائمين للاتحاد الروسي والأردن وإسرائيل والولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة،  A-50 - 73 S - 1995 - 83 27 january 1995

[11]  الأمم المتحدة : الاتفاق حول قطاع غزة وأريحا، البروتوكول المتعلق بالعلاقات الاقتصادية بين حكومة إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. 

[12]  المرجع السابق ص 78.

[13]  محمد زكريا إسماعيل: النظام العربي والنظام الشرق أوسطي ، مجلة المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، العدد 196 سنة 1995.

[14]  يوسف صايغ: منظور الشرق الأوسط ودلالاته عربيا، مجلة المستقبل العربي، العدد 192، 1995.

[15]  محمد حسنين هيكل: مصر والقرن الواحد والعشرين، دار الشروق، القاهرة، 1995.

[16]  تقرير لجامعة الدول العربية ، نشرته جريدة اللواء ملخصا ، السبت 19 آب 1995، بيروت، ص 143.

[17]  المرجع السابق.

[18]  المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة: السيادة على الموارد الوطنية في الأرض الفلسطينية والأراضي.

[19]  المرجع السابق ص 3.

[20]  المرجع السابق ص 10.

[21]  المرجع السابق ص 10.

[22]  محمود عبد الفضيل: إسرائيل والنظام الاقتصادي الشرق أوسطي، جريدة السفير 23 آب (2) انظر أيضا نيفين عبد الخالق: المشروع الشرق أوسطي والمستقبل العربي، مجلة المستقبل العربي، بيروت، 193 سنة 1995.

[23]  احمد ثابت: مخاطر تحديات المشروع الشرق أوسطي، مجلة مستقبل العالم الإسلامي، مالطة ، العدد 14 السنة، 1995 انظر أيضا نادية رفعت: الاقتصاد الإسرائيلي وطموحاته من التسوية، مجلة مستقبل العالم الإسلامي، العدد 1995/14.

[24]  أيضاً نيفين عبد الخالق: المشروع الشرق أوسطي والمستقبل العربي، مجلة المستقبل العربي

[25]  عبد الله السيد ولد أباه : التسوية في الشرق الأوسط والنظام العربي ، مجلة المستقبل العربي، العدد 192، السنة 1995.

[26]  Le Monde: Bilan du Monde, édition 2003, p. 115-116

[27]  Le Monde: Bilan du Monde, édition 2003, p. 115-116

[28]  للإطلاع على نص الخطاب، انظر مجلة السياسة الدولية، العدد 155 سنة 2004 ص: 112-113

[29]  The US is Running of Energy; Time Magazine August (2003

[30]  BP Statistical Review of World Energy (2003)

[31]  خليل العناني، دور النفظ في الأزمة العراقية - الأميركية، مجلة السياسة الدولية، العدد 151 ، 2003، ص 32.

[32]  أسامة الغزالي حرب، مبادرة طيبة في توقيت خاطئ، مجلة السياسة الدولية، العدد 151،  2003، ص 7-6.

From the Middle East to the Great Middle East
The researcher realizes after the visit of the Egyptian president Anwar Al Sadat to Israel in 1978 that the Arab world entered a new phase entitled the beginning of the reconciliation with Israel and the changes on the International, regional and internal levels contributed in raising crucial challenges based on the idea that the relations of accommodation with Israel started to impose itself. All this was achieved by the establishment of “natural” relations between Egypt and Israel first and then between Jordan and Israel in 1993 and the features of a new regional system based on the ruins of the regional Arabic system and is summed up in transforming the Arabic regional system which was based on the mutual respect of the sovereignty between the Arab countries into the respect of the border and sovereignty of all the countries in the region including the state of Israel.
The concept of mutual support between the Arab countries whenever they face an aggression from a foreign country has changed and was replaced by another concept in which Israel plays a major role in the stability of the region.
The essential goal is to set up a stable order of good-neighbor relations and a secure and stable environment which will in its turn lead to the development and progress and welfare of every person and for each nation and for all the region in general.
This is interpreted by the establishment of a regional economy which involves gradual steps to set up a group resembling the European community and contributes in putting an end to poverty cause it endangers development.
The features of the economic convergence between some of the Arab countries and Israel are beginning to appear slowly. Hence, the economic boycott of Egypt and the Jordanian Kingdom with Israel has weakened and what’s left is only the direct boycott of the goods and products which are made in Israel.
The resolutions of the first economic convention for the Middle East and North Africa which was held in Casablanca and the second which was held in Amman confirmed this tendency. The first convention which was held in Casablanca-Morocco was attended by representatives of 61 countries and its final bulletin comprised the following:
The necessity to reach peace and the establishment of a new partnership between the businessmen and the governments aiming at the consolidation of peace between the Arabs and Israel and therefore the interests and the goals should correlate.
The participants noted the necessity for an economic development in the West Bank and the strip of Gaza to support the declaration of principles between Israel and the Palestinian Liberation Organization. The participants vowed to transform this event into a series of permanent collective and private structural relations which would ensure a better life for the people of the Middle East and North Africa.
Yet the second convention which was held in Amman comprised the following resolutions in its final bulletin:
The establishment of a Bank for cooperation and development in the Middle East and North Africa and the organization of its structure in order to help developing the regional economic private sector.
The establishment of an organization for regional tourism which will constitute the association of travel agencies in the Middle East.
The establishment of a regional economic assembly aiming to stimulate the cooperation and commerce in the private sectors of the regions’ countries. But the achieved results were not as everybody desired and the dreams of the Arabic-Israeli convergence vanished.
The Israeli activities concerning the settlements in the Palestinian occupied land continued and the number of residents living in the Israeli settlements increased and Israel’s exploitation of the hydraulic resources in the Palestinian lands intensified.

The Issue marked time until the events of September 11 in the United States which started taking an extremist approach in her call to fight terrorism, and the features of a modification in the American foreign policy started to appear through the speeches of American officials who declared that the United States should broaden its handling with the region if it wishes to achieve a success.
The United States should also consider seriously the economic, political and educational reform and spread democracy and free markets. These officials also considered that the lack of economic opportunities is a ticket to despair and constitutes, in addition to the intransigent political regimes, a dangerous ferment.
In order to increase the number of participants in the reform operation the “Great eight nations” called for a convention from which emanated the declaration of a partnership for progress and for a mutual future with the great Middle East and North Africa.
The declaration stated the following:
“We, the leaders of the group of eight realize that the issues of peace and political and economic and social development and the prosperity and stability in the Great Middle East constitutes a challenge for us and for all the international community and therefore, we declare our support for economic, social and democratic reforms emanating from this region” and that “the settlement of the permanent conflicts which are often bitter, and especially the Israeli-Palestinian conflict is an important element of development in the region.”
All these ideas remained mere ink on paper waiting for someone capable of executing them.

Du Moyen-Orient au Grand Moyen-Orient
Le chercheur voit que suite à la visite du Président Egyptien Mohamed Anwar Assadate en Israël en 1978, le monde arabe a connu une nouvelle phase dont le titre est : le début de la réconciliation avec Israël. les changements qui ont eu lieu aux niveau international, régional et national, ont contribué à lancer des défis fatals dont le principe fut que les relations d’arrangements avec Israël commence à s’imposer. Ce fait fut réalisé par l’établissement de relations « normale » au début, entre l’Egypte et Israël  en 1993, et une convergence israélo-palestinienne en 1993.
Ce sont alors les traits d’un nouveau régime régional qui s’établira sur les décombres du régime régional arabe. Il se résume par la transformation du régime régional arabe qui était basé sur le respect  mutuel des Etats arabes de la souveraineté vers le respect des frontières et de la souveraineté de chacun des états de la région, y inclus Israël.
Le principe du support mutuel des états arabes en cas d’agression de la part de n’importe quel état a été remplacé par un autre principe ou Israël occupe un rôle efficace pour la « stabilité ».
Le but essentiel est d’établir un régime stable de relation d’un bon entourage , d’un environnement de sécurité et stable, qui aboutira à son tour au développement et à la prospérité de toute personne, de toute nation et pour toute la région. Ce fait se traduit par l’établissement d’une économie régionale regroupant des démarches progressives pour installer un groupe qui ressemble le groupe européen et qui contribue à mettre fin à la pauvreté qui menace le développement, le progrès, la liberté et la prospérité.
Les traits du rapprochement économique entre certains états arabes et Israël commencent à apparaître progressivement. Le boycottage de l’Egypte et de la Jordanie contre Israël a alors diminué et ne resta que le boycottage direct des produits et services produits en Israël.
La première conférence économique du Moyen Orient et de l’Afrique du Nord qui a eu lieu à Casablanca et la seconde conférence qui a eu lieu à Ammane ont assuré cet acheminement.
Le communiqué de la première conférence qui a eu lieu à Casablanca au Maroc, et à laquelle ont assisté les représentants de 61 pays, portait sur ce qui suit :
la nécessité d’établir la paix et l’installation d’une nouvelle société entre les hommes d’affaires et les gouvernements, et qui visent à renforcer la paix entre les arabes et Israël ; c’est alors impératif que les intérêts et buts se concordent.
Les participants ont indiqué le besoin urgent du développement économique dans la Cisjordanie et la Bande de Gaza pour appuyer l’annonce des principes entre Israël et l’organisation de la libération palestinienne. Tout comme les participants se sont engagés à transformer cet événement à un groupe de liens de base collectifs et individuels permanents qui pourrant assurer un meilleur niveau de vie aux peuples du Moyen – Orient et de l’Afrique du Nord.
Le communiqué final de la seconde conférence qui a eu lieu à Ammane fut le suivant :
Etablir une banque de coopération et de développement économiques au Moyen-Orient et au Nord de l’Afrique, et organiser sa structure de façon à ce qu’elle assure le développement du secteur privé économique régional.
Former un comité pour le tourisme régional sous forme de ligues de tourisme pour la région du Moyen- Orient.
Etablir un conseil économique régional pour encourager la coopération et le commerce dans les secteurs privés des Etats de la région.
Or les résultats accomplis n’ont pas été à la hauteur du niveau souhaité, et le rapprochement Arabo -Israélien s’est anéanti.
L’activité israélienne concernant les colonies dans le territoire palestinien occupé continue toujours et à grande vitesse, le nombre des colonisateurs a augmenté et l’abuse israélien des sources d’eau dans le territoire palestinien occupé a lui aussi augmenté.
La situation resta la même, au moment ou les événements du 11 septembre ont eu lieu aux Etats-Unis qui commencèrent à être plus ferme en ce qui concerne la lutte contre le terrorisme. Les traits de modification dans la politique étrangère américaine commencèrent à apparaître à travers les discours des responsables américains qui ont annoncé que les Etats-Unis doivent orienter un intérêt continu pour la reforme économique politique et pédagogique ainsi que faire répandre la démocratie et les marchés libres.
Ils ont annoncé que le déficit au niveau des opportunités économiques n’aboutira qu’au désespoir et au danger.
Afin d’augmenter le nombre des participants dans la réforme, les 8 Grands Etats se sont réunis dans une conférence dont le communiqué fut l’annoncé de partenariat pour le progrès et le futur commun avec la région du Moyen Orient vaste et le Nord de l’Afrique.
L’annonce fut la suivante : « Nous ,les leaders du groupe des Huit réalisons que les questions de la paix et du développement politique, économique et social et de la prospérité et la stabilité de Etats du Grand Moyen Orient constituent un grand défit pour nous et pour le monde entier. C’est alors que nous annonçons notre support offert aux réformes démocratiques sociales et économiques qui émanent de cette région
« Résoudre les conflits qui sont la plupart du temps cruels, notamment le conflit Israélo - Palestinien est une question primordiale pour le progrès dans la région ».
Toute ces idées demeurent lettre morte en  attendant celui qui aura la capacité de les réaliser