من الــغات إلى منظمة التجارة الدولية

من الــغات إلى منظمة التجارة الدولية
إعداد: دلال بسما
باحثة

 إنضمام لبنان وتأثيره على القطاع المصرفي - البعد الاقتصادي
منذ بداية التسعينات, ووسائل الإعلام والفعاليات الإقتصادية والسياسية, يتناولون في أحاديثهم موضوع إتفاقية الـــغـــات أولاً ومنظمة التجارة العالمية الـــــW.T.O))

لاحقاً, وكأن الموضوع شـــيء جديد إكتشفه المسؤولون الإقتصاديون, وخصوصاً بعد يقظتهم من وهلة سقوط “جدار برلين” في نهاية الثمانينات وتفكك القيصرية السوفييتية معه.
إلاّ أنّ موضوع العلاقات الإقتصادية الدولية يتميز بمكانة هامة بل أنه يعتبر فتيل حرب دائم الإشتعال في كل النظم المناطقية والنظم الإقتصادية الدولية التي توالت على مرّ العصور. الكل يعلم, حتى من درس التاريخ على المستوى المدرسي, أن لكل الحروب أسبابها الإقتصادية بدون أدنى شك. أما الأسباب الأخرى, مباشرة كانت أو غير مباشرة, فهي فقط ظواهر وأدوات للتعبئة النفسية للجماهير ولفعاليات المجتمع. الحروب الصليبية مثلاً, لم تكن مطلقاً حروباً دينية بين الشرق والغرب وكذلك الحروب الإستعمارية الأخرى. فالعامل الإقتصادي يكمن وراء إندلاع هذه الحروب.
تعتبر فرنسا منذ عهد لويس الرابع عشر من أكثر دول العالم إعلاناً للحرب, وتعد إعلانات حروبها بالمئات. وأكثر هذه الحروب كانت تنشب في كل مرة تهددت مصالح فرنسا الإقتصادية. أما إنكلترا فقد بنت كل أساطيلها العسكرية من أجل الدفاع عن مصالحها الإقتصادية. في حين أن الدول العظمى الأخرى, لم تكن أقل عنفاً في الدفاع عن مصالحها الإقتصادية ... لذلك تميز موضوع العلاقات الإقتصادية الدولية بمكانة هامة في كل من علم الإقتصاد وعلم السياسة وعلم الحرب.

القسم الأول : العلاقات الإقتصادية الدولية. من الغات GATT) )إلى منظمة التجارة الدولية WTO) )

I ­ الــغــات في ضوء تطـــور الفكـــر والوقائع الإقتصادية ([1])
لا حاجة بنا إلى العودة إلى ما قبل القرون الوسطى ­ رغم أن ذلك ليس بالمستحيل, إذ أن بالإمكان إعادة كتابة التاريخ, على أساس التحليل الإقتصادي لكل أحداثه ­ نكتفي هنا بالمرحلة التي إستقر فيها علم الإقتصاد كعلم مستقل قائم بذاته.
إن إهتمامات علماء الإقتصاد بالعلاقات الإقتصادية الدولية بدأت مع عصر التجاريين  (Le Mercantilisme).

وتميز هذا الموضوع بمكانة هامة في علم الإقتصاد, بدأ مع عصرهم, أي في القرن السابع عشر. كذلك خصص الإقتصاديون الكلاسيك, في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر, ابواباً منفصلة في مؤلفاتهم لمعالجة التجارة الخارجية. أما في العصر الحديث فقد صار يُفرد للتجارة الخارجية مؤلفات مستقلة لما لها من أهمية كبيرة.
نظر التجاريون ([2]) للمعادن الثمينة, الذهب والفضة, على أنها أعلى مراتب الثروة لأنها لا تفنى مع الإستعمال, وإنه يمكن للدولة أن تحصل على ما تريد بإستخدام تلك المعادن, والوسيلة الوحيدة للدولة التي تمتلك مناجم لهذه المعادن هي التجارة الخارجية, أي أن تعمل الدولة على الحصول على ميزان تجاري مناسب يحقق فائضاً في الصادرات, يجعل الدولة المصدرة دائنة للدول الأخرى, وبالتالي يسهل الحصول على الذهب والفضة ثمناً لفائض الصادرات إلى العالم الخارجي. و قد نادى التجاريون بضرورة تدخل الدولة, وخصوصاً في مجال التجارة, وذلك لتحقيق الأهداف بخصوص ميزان تجاري فائض مع العالم الخارجي. وقد نادى الإقتصاديون الكلاسيك بضرورة التوسع في التجارة الـداخلية والخـارجية لأنـها تـزيد من التخصص وتقسيم العمل, الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الإنتاجية والدخل, وقاموا بالتفرقة بين التجارة الخارجية والداخلية بإعتبار أن الأخيرة يسهل فيها إنتقال عوامل الإنتاج من إستخدام إلى آخر, بينما لا يتحقق في الأولى بالسهولة نفسها, وذلك لوجود حدود سياسية تفصل بين أسواق مختلف الدول. ويعتبر دافيد ريكاردو(David Ricardo) وجون ستوارت ميل  (John Stuart Mill)

من أوائل الكتاب الكلاسيك الذين أسهموا إسهاماً كبيراً في هذا المجال.
وفي أواخر القرن الماضي وأوائل القرن الحالي, قام بعض الكتاب بإثراء الفكر الكلاسيكي في وجوه كثيرة ومنهـا التجـارة الخـارجية, ومن هؤلاء الكتـاب الفريد مارشال (Alfred Marshall) وفرانسيس إدغورث (Francis Edgeworth) . و قام السويديان هيكشر (Heckscher)

وبرتل اولين (Bertil Ohlin) بوضع أساس النظرية الحديثة للتجارة الخارجية.
وتشهد نهاية القـرن العشرين, كغيرها من نهايات القرون الماضية, أزمة فكر في كل المجالات ([3]). أما في ما يخص الفكر الإقتصادي عموماً, والتبادل الدولي خصوصاً, فإن الإتجاهات تسير نحو خلق نظام إقتصادي عالمي واحد, بدأت بوادره بعد الحرب العالمية الثانية في خلق عدة منظمات دولية كالأمم المتحدة, او منظمات ذات طابع دولي “كالغات وأخواتها” ([4]).
ومهما يكن من أمر, فإن الفكر الإقتصادي يرتبط بالأحـــداث التــاريخية والســـياسية من جـــهة, والوقائع الإقتصادية من جهة اخرى. ومقتضى ذلك ان الفكر الإقتصادي يكون متطوراً تطور النظم التي يهدف إلى تفسيرها. لذلك, ورغم تطور الفكر الإقتصادي من تجـاري إلى “نيو­تجاري” ومن كلاسيكي إلى “نيو­كلاسيكي” فإن القرن العشرين ­ وخصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية ­ قد شهد إيديولوجيات إقتصادية كثيرة تأرجحت, بين ليبرالية مدافعة عن الإقتصاد الحر, وإشتراكية مدافعة عن الإقتصاد الموجّه.

أوّلاً: التجارة الدولية بين الحرية و الحمائية
إن تطور الأفكار الإقتصادية وانتماءها إلى مدارس لا يتبع تسلسلاً زمنياً, أي أننا نجد في العصر ذاته كتاباً يجمعون خليطاً من الأفكار الإقتصادية يرجع بعضها إلى تراث العصور الوسطى ويرجع البعض الآخر إلى النزعة التجارية التي نادت بالحمائية (Protectionnisme) , كذلك نجد أيضاً الفيزيوقراط والكلاسيك الذين نادوا, بدرجات متفاوتة, بالحرية الإقتصادية وذلك حسب تأثرهم بالفكر الليبرالي. ولذلك, فإن التجارة الدولية, تراوح النظر اليها بين الحمائية, والحمائية الصارمة من جهة, وبين الحرية أي الليبراليــــة من جهة أخرى. ولكن حصر الرؤية الإقتصاديــــة في مدارس مستقلة هو عمل مفرط في تبسيط الأمور, إذ أن الفكر الإقتصادي عمل شاق يدرس كل ذرة من ذرات النشاط الإقتصادي, بدءاً من الإنتاج وحتى التجارة الخارجية... ففي نطاقنا هذا, نعرض فقط, الفكر الإقتصادي الذي يخص التجارة الخارجية والتبادل الدولي بشكل عام.
تبحث النظرية الإقتصـادية إذاً, في كيفية الوصول إلى أعلى درجات الرفاهية الإقتصادية عن طريق الإستغلال الأمثل للموارد النادرة... ولقد بدأت النظرية الإقتصادية بتطبيق مبدأ التخصص وتقسيم العمل  الذي  نادى به  آدم سميث (Adam Smith) ([5]), مع هذا يبقى البحث في هذا المجال موضوعاً معاصراً. لقد بين آدم سـميـث في كتابه “ثروة الأمم” كيفية إنتقال النظام الإقتصادي من إقتصاديات المقايضة إلى إقتصاديات التبادل, وبين من خلال ذلك, صعوبة عمليات المقايضة, ثم تطرق بالبحث في فكرة التخصص وتقسيم العمل الدولي... وهو في هذا ينادي بأن تقسيم العمل والتخصص, سواء على المستوى المحلي أو المستوى الدولي, يؤديان إلى زيادة الإنتاج و زيادة الفائض الإقتصادي. هذا, ولم يفرق آدم سميث بين التجارة الخارجية والتجارة الداخلية بإعتبار ان القواعد التي تحكم التجارة الخارجية هي نفسها التي تسود في التجارة الداخلية. و لقد عارض ريكاردو (David Ricardo) هذا الرأي باعتبار أن عوامل الإنتاج لا تنتقل بسهولة بين الدول مثل إنتقالها داخل الدولة الواحدة ونادى بضرورة وجود نظرية خاصة للتجارة الخارجية ومعالجتها بشكل يختلف عن التجارة الداخلية.
لا شك أن التجارة الدولية تقوم بين وحدات سياسية منفصلة, ولذلك فهي تخضع لشروط وقواعد وتعريفات جمركية وتمييزات لا تخضع لها التجارة الداخلية داخل الدولة الواحدة. كذلك فإن وحدة التعامل النقدي تختلف بإختلاف التجارة الداخلية والخارجية, فالعملة في التجارة الداخلية واحدة وهي عملية آلية يقبلها الجميع, أما في التجارة الدولية فإن العملات متعددة و لا بد من الإتفاق على العملات التي تتم بمقتضاها عمليات التصدير والإستيراد. وبالنسبة لمسألة توفّر الموارد الطبيعية والبشرية فهي تؤثر بدرجة كبيرة على تكاليف الإنتاج من دولة إلى أخرى, وتجعل بعض الدول في ميزة نسبية عن الدول الأخرى, في ما يختص يإنتاج بعض السلع. كذلك فإن إختلاف النظم الإقتصادية بين رأسمالية إلى إقتصاديات إشتراكية ومختلطة يجعل إتجاه التجارة الدولية مختلفاً عن التجارة الداخلية. وتؤثر مراحل النمو الإقتصادي في حجم التجارة الدولية بين الدول المختلفة, فالدول النامية لا بد لها من إتخاذ الإجراءات الكفيلة لحماية صناعاتها المحلية.
ولقد أرجع الإقتصاديون الكلاسيك قيام التجارة الخارجية إلى إختلافات في المهارات بالنسبة لعنصر العمل, ونادوا بالحرية الإقتصادية بإعتبار أنها ستحقق النفع لكل الدول, و بخاصة في حالة سريان المنافسة الكاملة, غير أننا نجد أن سريان المنافسة مشكوك فيها في التجارة الدولية والداخلية, ولقد بين هذا القول إقتصاديون كثيرون مثل: مسز روبنسون Joan Robinson))

وتشمبرلين (Edward Chamberlin) . وبينوا أن حالة المنافسة الكاملة مثالية ولكنها لا تتوافر في المجتمعات الرأسمالية, وبهذا هدمت فكرة الحرية الإقتصادية من أساسها وخاصة بالنسبة للتجارة الدولية.
ولقد ظهرت كتابات في هذا الموضوع تحلل تلك الفكرة وتبين أن التخصص وتقسيم العمل الدولي والحرية الإقتصادية الدولية التي ينادي بها الإقتصاديون الكلاسيك هي أفكار لا تلائم الدول الصغيرة والدول النامية وإنما تفيد الدول الصناعية ذات الإحتكارات الضخمة في السوق العالمية وأن على الدول الصغيرة أن تمارس نوعاً من الحماية بالنسبة لإنتاجها عن طريق تقييد التجارة, ولقد بين هؤلاء الكتاب مزايا حرية التجارة في نفس الوقت لأنها تؤدي إلى المنافع التالية:
­ التوزيع الأمثل للموارد الإنتاجية في العالم,
­ تحقيق أكبر نفع من التجارة الدولية الذي يؤدي بالتالي إلى تعظيم الدخل العالمي وإلى تعظيم الرفاهية العالمية.
إلا انهم يؤكدون في الوقت نفسه على أن القول السابق مرهون بأن تتبع دول العالم كلها سياسة الحرية وأن تتوزع الموارد الإنتاجية على دول العالم بحيث لا تكون هناك دولة محتكرة وأن يكون هناك نظام عالمي واحد وأن تكون هناك وحدة للمواصفات العالمية للسلع والخدمات وأن تكون مراحل النمو الإقتصادي متقاربة.

ثانياً : الأحداث الإقتصادية الجارية
لا يمكن الفصل بين الفكر الإقتصادي وبين الأحداث الإقتصادية الجارية في أية فترة من الفترات التاريخية. فالفكر الإقتصادي لا يعدو كونه تفسيراً مفترضاً للوقائع. وقد يجد من هذه الوقائع ما يؤيدها او يعدلها أو يقضي عليها. ولا ريب في أن إكتشاف الذهب في العالم الجديد, وما ترتب عليه من ثراء الحكومة الإسبانية صاحبة هذا الإكتشاف, كان له أبعد الأثر في توجيه الفكر التجاري وصياغته. ولاشك ايضاً في أن الحالة الإقتصادية التي كانت عليها انجلترا في النصف الأول من القرن التاسع عشر تركت اثراً عميقاً في النظرية الإقتصادية. وإلا فكيف نفسر تلك الأهمية الكبرى التي أعطيت للريع في النظرية الإقتصادية. لقد كان من اثر الحروب النابليونية أن إرتفعت أثمان الحاصلات الزراعية ارتفاعاً كبيراً. وقد عاد هذا الإرتفاع بالفائدة على ملاكي الأراضي وذلك من دون جهد خاص من جانبهم. وكان من جراء ذلك أن صيغت نظرية الريع على النحو الذي نعرفه عند ريكاردو. و أصبحت منذ ذلك الحين جزءاً لا يتجزأ من النظرية الإقتصادية الإنكليزية التقليدية. كذلك كان من أثر الحروب النابليونية أن أضطرت انجلترا في سبيل تمويل مجهودها الحربي ان توقف تسديد الديون بالذهب, وأن تخول بنك انجلترا سلطة إصدار عملة ورقية دون غطاء كامل. وقد ساهم ذلك في إرتفاع الأسعار, كما ساهم أيضاً في نشوب تلك الملحمة الإقتصادية الكبرى التي تعرف في تاريخ الفكر الإقتصادي باسم “الخلاف المعدني” (Bullionist Controversy ). وقد تبارى رجال الفكر حينذاك, وعلى رأسهم ريكاردو (Ricardo) ومالتس (Malthus) وماكلوخ (McCulloch) , في تبيان الآثار المترتبة على زيادة العملة الورقية الإلزامية وعلاقة ذلك بإرتفاع الأسعار, وتدهور سعر الصرف ودور بنك انكلترا والبنوك التجارية في النظام النقدي. ولا شك ان النظرية النقدية خطت خطوات واسعة عن طريق هذا الخلاف. لا نستطيع كذلك أن نفهم النظرية التقليدية, دون أن نأخذ بعين الإعتبار ما ترتب على الثورة الصناعية

 (Industrial Revolution) من تغير كلي في أساليب الإنتاج وتكدسه على نطاق كبير, وكذلك وضوح الفوارق بين الطبقة الرأسمالية والطبقة العمالية. من هنا كانت نظرية رأس المال, وأثره في الإنتاج, والعوامل التي تساعد على تراكمه, وكانت ايضاً نظريات الأجور و الأرباح.
وإذا نحن انتقلنا إلى الفترة الأخيرة , نجد أن الحرب العالمية الأولى, وما ترتب عليها في ألمانيا وأوروبا الوسطى, ساهمت مساهمة كبيرة في تطور نظرية ميزان المدفوعات وفي بيان العوامل التي تدخل في تحديد سعر الصرف . فقد كان من جراء التعويضات الضخمة التي فرضت على ألمانيا وحلفائها أن اضطرت حكومات تلك البلاد إلى إتباع سياسة نقدية تضخمية أسفرت عن تدهور قيمة العملة وإرتفاع الأسعار إرتفاعاً لم يسبق له نظير. وكان لذلك أثره الكبير على ميزان المدفوعات وعلى سعر المارك الألماني بالنسبة للعملات الأجنبية, وقد أثارت هذه التصورات جدلاً طويلاً بين رجال الفكر الإقتصادي كان من جرائه إلقاء ضوء جديد على نظرية ميزان المدفوعات وسعر الصرف. وأخيراً لا نستطيع ان ننسى اثر الأزمة العالمية الكبرى لسنة 1930 في القضاء نهائياً على النظرية التقليدية في العمالة وإفساح الطريق إلى حلول نظرية كينز (J. M. Keynes)  محلها. ويمكن أن تتعدد الأمثلة على تأثير الأحداث الإقتصادية الجارية في الإيحاء بفكرة جديدة أو تعديل فكرة قائمة او إستبعادها. وبعد, فإن الإحداث الإقتصادية هي المادة الأولية التي تعطينا غذاءنا الفكري, وهي المعين الذي لا ينضب لتجربتنا الإقتصادية. ومن هنا كان تأثيرها المستمر على الفكرة الإقتصادية وتطورها. ولا مناص من النظر إلى تلك الأفكار في السياق التاريخي الذي اكتنفها واوحى بها. حينئذ تكتسب تلك الآراء معنى معقولاً, تفتقده إذا نظر اليها مجردة من هذا السياق.

ثالثاً : الحرب العالمية الثانية وبزوغ عهد المنظات الدولية
إذا إنتقلنا إلى فترة الحرب العالمية الثانية, فإن هذه الحرب فرزت بنتائجها منظمات دولية أو ذات طابع دولي تهدف في جملة ما تهدف, إلى تنظيم الإقتصاد والتبادل الإقتصادي الدولي. فالغات (GATT) ([6]), أو الإتفاقية العامة للتعريفات والتجارة, البنك الدولي (World Bank) , صندوق النقد الدوليI.M.F.) ) ([7]), ومؤتمر هيئة الأمم المتحدة حول التجارة والتنمية (الأنكتاد) ([8]), هي المنظمات الدولية الرئيسية التي فرزتها الحرب العالمية الثانية وخصوصاً ميزان القوى الإقتصادية والعسكرية التي آلت إليها.
فالغـــــات هي معاهدة دولية تنظم المبادلات التجارية بين الدول التي تقبل الإنضمام اليها, والتي ارتفع عددها من 23 دولة عند إبرام هذه المعاهدة في سنة 1947 إلى 118 دولة في اوائل سنة 1994 ([9]). وعلى الرغم من ان الغات ليست منظمة عالمية, من الناحية القانونية, مثل صندوق النقد الدولي او البنك الدولي, فإنها قد إكتسبت بقوة الممارسة, عبر ما يقرب من نصف قرن, وضع المنظمة العالمية غير الدائمة التي تمارس مهامها من خلال سكرتارية دائمة مقرها جنيــــــــف. ومع ذلك لا يطلق على الدولة المنضمة إلى الغــــات اســـم “الـدول الأعضـاء”,  وإنما يطلق عليها  اســــم “الأطراف المتعاقدون” ([10]). وكان من أهم الأعمال التي قامت بها سكرتارية الغات الإشراف على جولات المفاوضات حول التعريفات الجمركية والقواعد والإجراءات المنظمة للتجارة الدولية بين الدول المنضمة إلى الإتفاقية. وقد بلغ عدد هذه الجولات ثماني جولات بما فيها الجولة الأخيرة التي اختتمت اعمالها في 15 كانون الأول 1993, والمعروفة بجولة اوروغواي. و بمقتضى نتائج جولة أوروغواي, إنتهي الوضع المؤسسي المؤقت للغات, وتحولت إلى منظمة دائمة ذات كيان قانوني دولي يطلق عليها اسم “منظمة التجارة العالمية” ([11]).
ولكن من أجل فهم الأهداف والدور الذي تلعبه هذه المؤسسات عموماً والغات خصوصاً, كان من الضروري معرفة السياق (Contexte) , والظروف والوقائع الإقتصادية الدولية التي أدت إلى ولادتها ([12]). لذلك , يجب أن نبين ([13]) أن هناك ثلاث مراحل مميزة ومتتابعة تاريخياً:
­ العصر الليبرالي الممتد من عام 1800 حتى عام 1914.
­ حقبة ما بين الحربـــين العالمــيتين, المتميزة بالصراع الإقتصــــادي الدائم وصعود مبــدأ الحمــــائية (Protectionnisme)

المتمثل بحماية المنتجات المحلية من المنافسة الأجنبية عن طريق الرسوم الجمركية ونظام الحصص وتراخيص الإستيراد.
­ واخيراً, مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية التي شهدت إنبثاق نظام إقتصادي دولي تحرري جديد (Néo- Libéral) ([14]), مبني على شكل جديد من التحررية يترك مجالاً لتدخل محدود للدولة على الصعيد الحقوقي والإقتصادي. وهذه الإتجاهات الفكرية في المـــذاهب الإقتصادية تنادي بأخطار الحماية وضرورة الحد من القيود على التجارة الدولية وخاصة بالنسبة للمنتجات الصناعية ([15]).

 

­ العلاقات الإقتصادية الدولية في الفلسفة والفكر السياسي

أولاً: التبادل الدولي وأسس القانون الإقتصادي العالمي
ما عدا الحلول التي تأرجحت بين مبدأ التبـــادل الحــر (Libre-échange)

والحمائية الصارمة Le protectionnisme)). فإن الحلول النظرية “المسالمــــة” أو على الأقــــل, المسالمــة في الشكــــل والمنطـــق, برزت من أجل تحديد رسم العلاقـــات الإقتصادية الدولية. كمـا, ظهرت نظريات أخرى من أجل الدفاع عن “طريقة عنيفة” (une méthode expéditive) في تنظيم العلاقات الإقتصـادية الدولية, ألا وهي الحرب.

فاتيل (Vattel) ([16]) ­ الذي يعتبر من أوائل منظري “القانون الدولي المعاصر” ([17]) ­ يؤكد على السياده المطلقة للدولة ويستنتج ان الفوضى أو عدم التنظيم في الحياة الدولية. “الدولة لا تعرف قواعد أخرى غير التي تلتقي مع مصالحها؛ فهي, في آن واحد, مصدر القانون الدولي وموضوعه (son sujet) “. لا نستطيع أن نترجم ذلك بأفضل من هشاشة رضوخ الأوطان لنظام القانون الدولي ... الحرب بالنسبة لفاتيل (Vattel) , هي إذن خيار قانوني لحل الخلافات الناتجة عن تضارب المصالح. ودون أن يعتبرها كعمل إجرامي بحد ذاتها, فإنه يفكر بأنه من المفيد تنظيم قواعد الحرب أثناء حصولها. فضمان الوصول إلى مصادر الطاقة, النفط أو غيره, هل يتم التفاوض للحصول عليها, بطريقة مختلفة عن تلك التي كتب عنها فاتيل؟
أما الدفاع عن التبادل الحر  (Le libre-échange) , فإن تاريخه يعود على الأقل إلى هيغو دي غروت (Hugo de Groot) (1583­-1646) الذي يعتبر أب القانون الإقتصادي المعاصر (Droit Economique moderne) . فبعد تحرره من الرؤية اللاهوتية لعالم القرون الوسطى, إستمر دي غروت بدراسة مسائل ذات طابع أخلاقي: فرغم تقسم العالم إلى دول, فإنه كان يؤمن “بوحدة روابط الإنسان على الأرض”. فالإنسان عنده هو كائن إجتماعي بطبيعته.
لقد دافع دي غروت ­ وذلك كان السبب لشهرته ­ عن مبدأ حرية البحار, المبني على قواعد حرية الإتصالات والتجارة. ولكن هذه القواعد تتعارض مع أطماع الدول بالسيادة على المياه او على البحار. فمن هذه الأخيرة ­ أي المياه ­ يصنع ممراً مفتوحاً للعلاقات بين الشعوب التي لا يمكن لأي واحد منها الإكتفاء الذاتي بالإنغلاق على نفسه. بدون شك أثّر دي غروت بآدم سميث (Adam Smith)

(1723-­1790) ( “الأب المؤسس” لنظرية “التبادل الحر” ([18]), والذي يجب ألا ننساه هو أنه كان أستاذاً في علم الأخلاق ([19]) إذ أن مؤلفه غير المعروف في علم الأخلاق ([20]) ينفصل عن التحضيرات التي أدت إلى مؤلفه الشهير: “أبحاث حول طبيعة وأسباب ثروة الأمم” ([21]) والذي أسس لعلم الإقتصاد السياسي المعاصر. توماس بـيـن  (Thomas Paine) ([22]) ذهب أبعد من ذلك في توجهاته الفلسفية, إذ قـال: “إن التجـارة هي الوسيلة الأصلح من أجل الوصول إلى حضارة عالمية واحدة, وذلك بدون الحاجة المباشرة للإستغاثة بمباديء أخلاقية”. يظهر أن توماس بيــــن لا يؤمن بقدرة المبادرات الكريمة (Au potentiel de la démarche généreuse...) . إذ يفكر بأن ممارسة التجارة بحد ذاتها يولد, في نهاية المطاف, القيم التي تؤسس الحضارة العالمية الواحدة الموحدة. هذا التفكير يلتقي تماماً مع فكرة كلود ليفي ستروس (Claude Levy-Strauss) : “الفرد يتعلم من الجماعة”. فالتجارة الدولية توسع الجماعة على صعيد الكرة الأرضية ككل. ولكن “في المرحلة الأولى”, تصطدم بمصالح وقيم الناس هنا وهناك, ولكن “في مرحلة ثانية”, تفرض قواعد للتعايش المشترك. فإذا طبقنا هذه الفلسفة على أرض الواقع, بمثل أو بسؤال مستوحى من التبادل التجاري السائد, وهو: “إذا لم يكن هناك إرادة أو نية من جهة الولايات المتحدة لبيع الرز إلى اليابان, فأي مزارع أمريكي يهتم بالحضارة اليابانية بدل بيع الرز لليابان؟”.
فالغات, وهي إحدى مواد “الحقوق الإقتصادية الدولية” Droit international économique)) هل تصبح إذاً الوسيلة الأصلح لبناء وإيجاد الأسس التي سوف تسمح غداً بتفادي الصراعات المسلحة وبناء السلام؟ السؤال مثير, وفيه نوع من التحريض ولكن, يستحق التمحص فيه. أليس المنطق الليبرالي الذي فرضه الأميركيون في الأربعينات والذي أجهض النموذج الإشتراكي للتبادل ­الذي كانت تطالب به دول العالم الثالث من أجل فرضه كنظام إقتصادي عالمي جديد ­ ([23]) هو دليل على فرض المفهوم الأمريكي “للسلام” (Pax americana) . ولكن في نهاية المطاف يعتبر تزايد الدول الأعضاء المنضمة للغات أكبر دليل على نجاحه. إذ كان عند ولادته مؤلفاً من 28 دولة مؤسسة في عام 1948 وأما اليوم فإن الدول المنضمة للغات تناهز الـ 118 دولة.
مــــع هـــــذا يظهر النظـــــــام الليــــبرالي,  كــــل  يــــوم, “قدرته الحصرية” (sa force dexclusion) , وخصوصاً أن قواعد أو “قرارات” الغات حينما تقر أو تعتمد بالتوافق فإن تطبيق هذه القواعد يخضع أكثر الأحيان, لمعيار واحد: هو منطق موازين القوى ... زد على ذلك “ألم تفرض الدول الصناعية إتفاقية الغات على الدول النامية فرضاً؟ إما بالقبول التام وإما بالرفض التام؟. وتناول مشاكل الدول النامية الحقيقية تناولاً نظرياً (ضرورة تنمية “إقتصادات” الدول النامية دون تحديد كيفيّة ذلك) في حين أن الجزء الأكبر من الإتفاقية كان يعمل على تحديد أسلوب تنفيذ الإتفاقية وحدودها بين الدول الصناعية. فلو لم تكن أوروبا تكتلاً قوياً لكانت الولايات المتحدة الأمريكية القطب الوحيد اليوم في العالم. أفلا تحاول جادة دفع اليابان للرضوخ إلى شروطها, وإلا فإنها ستخضع لعقوبات أميركية” ([24]).
 

ثانياً: بزوغ نظام إقتصادي عالمي نيو­ليبرالي 1941­-1945
بين العام 1941 و 1945, وضعت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا أسس النظام الإقتصادي العالمي. وأسباب تفرد هاتين الدولتين في رسم مستقبل النظام الإقتصادي واضحة: ألا وهي الجمع بين القوة العسكرية والقوة الإقتصادية لفرض الإرادة على الصعيد الدولي. فمن جهة, كانت بريطانيا الدولة الوحيدة في أوروبا التي لم تخضع للإجتياح العسكري, ومن جهة ثانية أثبتت الولايات المتحدة في ذلك الوقت, أنها القوة العالمية الإقتصادية والسياسية الأولى. ففي المرحلة الأولى, قامت الدولتان في عام 1941, بالتوقيع على ميثاق الأطلسي (La Charte De L’Atlantique) المقصود به, إعلام العالم “القواعد السياسية والإقتصادية الكبرى” التي, في نظرهما, يجب أن تحكم “عالماً أفضل”. أكملت الدولتان ميثاق الأطلسي بإتفاق عام 1942 للمساعدة المتبادلة وبإتفاق مالي في عام 1945. وحسب هذا الإتفاق الأخير, حلت الولايات المتحدة قضية ديون الحرب المترتبة على بريطانيا, ولصالحها, وفي مقابل ذلك ازالت هذه الأخيرة القيود التجارية التمييزية ضد المنتجات الأميركية, وكذلك إلتزمت بريطـانيا بتحديد سعر صرف الليرة الإسترلينية خـلال فترة مـدتهـا 18 شهراً. لكن خطة العمل هذه فشلت إذ أن إنكلترا, ولغير ما سبب, لم تكن تملك وسائل دفع كافية. وتشبه الموجبات التي فرضت على بريطانيا, حسب هذا الإتفاق المالي, سياسات “التصحيح الهيكلي” (L’ajustement structurel) وتحرير الأسعار (Libéralisation) التي تفرض حالياً على الدول النامية من قبل البنك الدولي ومن قبل بعض الدول المانحة!
ولكن برنـامج مـارشال (Le Plan Marshall)

في عـام 1947 ساهم في تخفيف التوتر المالي بعد الحرب العالمية الثانية ومكن من تقوية “المضخة التجارية”. فالقروض الكبيرة ساهمت على الأقل حتى عام 1950, وبصورة رئيسية في تمويل صادرات الولايات المتحدة الأمريكية نحو اوروبا. والجدير بالذكر أن هذه القروض إستفادت منها الدول المنتصرة, أي دول الحلفاء, كما إستفادت منها الدول المنهزمة. إذ أن الحلفاء تلقنوا درساً من النتائج الوخيمة للإختناق الإقتصادي الذي عانت منه ألمانيا نتيجة دفع تعويضات الحرب العالمية الأولى التي فرضت عليها حسب ما نصت عليه معاهدة فرساي.
ولكن المتغيرات المهمة على صعيد العلاقات الدولية هو التوقيع على ميثاق الأمم المتحدة, عام 1945. هذا الميثاق أعطى اهمية كبيرة للتعاون الإقتصادي العالمي, وهو ما لم تفعله سابقتها, عصبة الأمم في الماضي, إذ فهم المؤسسون أن السلام على المستوى العالمي, وكذلك بين الدول المجاورة لبعضها, له أسس إقتصادية أيضاً. الفصل التاسع والعاشر من ميثاق الأمم المتحدة يضع في المقدمة ضرورة خلق مؤسسات دولية متخصصة لتنمية التعاون الإقتصادي على الصعيد المالي. هذه المؤسسات الدولية تؤدي, بالطبع, إلى خسارة الدول لجزء من سيادتها الوطنية. وتختصر أهداف هذه المؤسسات بالآتي:
أولاً : تأخذ على عاتقها تشـجيع علاقات التعاون المتعددة الأطــراف بدلاً من العلاقات الثنائية؛
ثانياً : تضمن مبدأ المعاملة بالمثل والمساواة بين الأعضاء المشاركين كافة.
ثالثاً : تهدف هذه المؤسسات إلى إزالة القيود التجارية وإلى حرية تحويل العمـلات (La libre-convertibilité) .
إن خيار الأمم المتحدة, و إنشاء هذه المؤسسات الإقتصادية و تحديد الأهداف التي تصبو إليها يعتبر تطوراً حاسماً في الخيار “الرأسمالي” الذي يضع ثقة كاملة في دور قدرات حرية السوق

 (Libre jeu des forces du marché) . هذا, و يعتبر كل من صندوق النقد الدولي (F.M.I) , وإتفاقات بريتون وودز (Bretton Woods) ([25]),  والبنك الدولي للإنشاء والتعمير (B.I.R.D.) ([26]) و الإتفاقية العامة بشأن الرسوم الجمركية والتجارة أي الــــغـــات, الدعائم الأساسية لهذا النظام الإقتصادي الدولي. أما الهدف فهو خلق الشروط المناسبة لتجارة دولية دون عوائق. وعلى الرغم من أن مجموعة هذه الأدوات التي وضعت من اجل خدمة تحرير التبادل الدولي, تعاني من ثغرات, لا تقبل الجدل, إلا أنها أعطت نتائج أكيدة:
­ في السنوات الثلاثين التي تلت ولادة هذا النظام, نمت التجارة العالمية من 8% إلى 10% في السنة؛
­ إن مجموع حركات رؤوس الأموال الخاصة والعامة الطويلة الأمــــد, أي مجموعة الإستثمارات الأجنبية قاربت في عام 1975, ما مجموعه 100 مليار دولار بعد أن كانت 30 مليار دولار في عام 1948, ومن ضمنها تحويلات الولايات المتحدة في مشروع مارشال (Le Plan Marshall) .

 

3- ­ نشـــــوء “الإتفاقيــــة العامة للتعريفات والتجارة” والمراحل التي مرت بها:

من الغــــات (GATT) إلى منظـــمة التجارة العالمية(WTO)

إتجه التفكير العالمي بعد الحرب العالمية الثانية إلى ضرورة تعيين قواعد للسلوك تلتزم بها الدول المختلفة في ميدان العلاقات التجارية الدولية مع ضرورة إيجاد جهاز يعمل على توثيق عرى التعاون الدولي في هذا الميدان وعلى تأمين الإمتثال للقواعد المتفق عليها في ممارسة التجارة الدولية ([27]). في هذا الإطار ­ على الأقل من حيث الشكل المعلن ­ تأسست الإتفاقية العامة للتعريفات والتجارة (الغـــات) بمثابة عقد بين حكومات الدول الأعضاء. ويطلق على أعضاء الغات تعبير “الأطراف المتعاقدة”
 (contracting parties)([28]).
بناءً على ما تقدم, تأسست هذه الإتفاقية لإعطاء دفعة لعملية تحرير التجارة الدولية بعد الحرب العالمية الثانية وتصحيح الإجراءات الحمائية الكبيرة التي ظلت قائمة منذ أوائل الثلاثينات. وجاء ذلك في ضوء إنشاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للتعمير والتنمية لتحقيق التعاون الإقتصادي الدولي. ومن بين 50 دولة كانت تتفاوض في عام 1946 حول مشروع ميثاق لإنشاء منظمة التجارة الدولية (كوكالة متخصصة تابعة للأمم المتحدة لوضع نظم للتجارة العالمية وقواعد التوظف والإتفاقات السلعية والممارسات التجارية التقليدية والإستثمارات والخدمات الدولية) فقد جرت مفاوضات بين 23 دولة أسفرت عن التوصل إلى إتفاقية الغات في 30 أكتوبر 1947.
ورغم أن ميثاق منظمة التجارة العالمية تمت الموافقة عليه في مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتوظف في هـافـانـا (مارس 1948), فإن الولايات المتحدة لم تصدق عليه ورفضت الإدارة الأمريكية عرض ميثــــاق هـافـانـا على الكونغرس في عام 1950 لتخوفها من فقدان السيادة الأمريكية في ظل المنظمة الدولية وعدم إستطاعتها فرض قوانينها التجارية وإجراءاتها الحمائية في التعامل مع دول العالم ([29]). وبذلك إندثرت فكرة قيام منظمة التجارة العالمية وبقيت إتفاقية الغــــات كأساس مؤقت للنظام التجاري الدولي ودخلت حيز التنفيذ إعتباراً من أول يناير 1948 بعضوية 23 دولة تبادلت في ما بينها تنازلات جمركية في شكل إعفاءات وتخفيضات في الرسوم الجمركية على واردات كل منها. وبلغ إجمالي عدد التنازلات وقتذاك 45 ألف تتناول مبادلات تجارية قيمتها 10 مليار دولار تمثل حوالي خمس التجارة العالمية ([30]).
ورغم الطبيعة المؤقته لإتفاقية الغـــات, فقد ظلت الأداة الوحيدة التي تحكم التجارة العالمية منذ ذلك الحين. في هذا الإطار وجدت الإتفاقية العامة للتعرفات والتجارة (GATT) عام 1947. وهدفها الأساسي تمكين الدولة العضو من النفاذ إلى أسواق الدول الأخرى الأعضاء في الإتفاقية وذلك بما يحقق التوازن بين الحماية المناسبة للإنتاج المحلي وتدفق وإستقرار التجارة الدولية. لذا فهي تعتبر المحفل الدولي المعني بشؤون المفاوضات التجارية إضافة إلى أنها تشكل مجموعة القواعد الدولية التي تحكم نظام التجارة كونها تلعب دور الحكم لتسوية المنازعات التجارية بين الأطراف المتعاقدة. فالغــات تشكل الإطار التنظيمي لعمليات التبادل التجاري في العالم طبقاً لقواعد متفق عليها. ولأن ثلثي حجم هذا التبادل يتم بين الدول الغنية, فإن المفاوضات العامة شهدت أزمة حادة سببها وجود عدد كبير من ممثلي الدول النامية التي تحتل تجارتها نسبة ضئيلة جداً من حجم التجارة الدولية ([31]).

أولاً : جولات المفاوضات
جرت في إطار الغات حتى الآن ثمان جولات للمفاوضات التجارية متعددة الأطراف بهدف تحرير التجارة الدولية, وهي كما هو موضح في البيان التالي:
البيان رقم1: جولات المفاوضات التجارية للغات وموضوع جدول أعمالها ([32]).


 

ثانياً : إنضمام لبنان إلى الغات
إنضم لبنان إلى إتفاقية الغات (GATT) في 29 حزيران 1948, ليعود فيطلب إنسحابه منها في 27 أيلول 1950 تماشياً مع ظروف المقاطعة العربية لإسرائيل. وقد أصبح هذا الإنسحاب نافذاً في 27 شباط 1951. وعلى الرغم من أن الإتفاقية العامة للتعرفات والتجارة لم تتضمن قبل عام 1957 أحكاماً تنص على إمكانية عقد مفاوضات بين الأطراف المعنية لتعديل القواعد التجارية المعمول بها, الا أن هذه الأطراف عمدت قبل ذلك العام ولاحقاً إلى عقد جولات عدة بهذا الصدد كان آخرها جولة الأورغواي في 16­17 أيلول 1993 والتي إنبثق عنها فكرة الإجتماع الوزاري في مراكش بتاريخ 15 نيسان 1995 الذي نتج عنه نشوء منظمة التجــارة العالمية (WTO) لتحل محل الغــات GATT))

إعتباراً من 1­1­1995 ([34]).
ضمن هذا الإطار قام لبنان بتاريخ 29­12­1994, بتقديم طلب للإنضمام مجدداً إلى الغات ([35]). ورغم أن لبنان لم يتقدم من أمانة منظمة التجارة العالمية بطلب إنضمام, إلا أن طلب الإنضمام الشفـــهـــي ([36]) الذي تقدمت به بعثة لبنان في جنيف من أمانة الغات في نهاية عام 1994, لا يزال ساري المفعول ويمكن أن يشكل مدخلاً قانونياً للتقدم من جديد بطلب إنضمام إلى منظمة التجارة العالمية التي دخلت حيز التنفيذ في نهاية 1995 وذلك بموجب المادة 12 من إتفاق مراكش لتأسيس المنظمة.

لكن طلب الإنضمام إلى “الغات” في نهاية عام 1994 لا يمكن ان يتحول آلياً إلى طلب إنضمام إلى منظمة التجارة العالمية لأن طبيعتي المنظمة والغات مختلفتان حسب مفهوم إتفاق فيينا لقانون المعاهدات. فالغات هو إتفاق متعدد الأطراف لخفض التعرفات الجمركية. أما منظمة التجارة العالمية فهي منظمة تشمل إتفاقات عدة منها:
­ أتفاق لتجارة الخدمات “الغاتس” (GATS)
­ إتفاق للملكية الفكرية
­ فضلاً عن إتفاق لتجارة البضائع, والأخير هو بمثابة “غات” الـ1994 الذي يمثل بدوره “غات” الـ 1994 معدلاً ومنقحاً, والذي يضم إتفاقاً للزراعة والمنسوجات والإستثمار والإغراق والتعرفة الجمركية والشحن وشهادة المنشأ ورخص الإستيراد والدعم والتعويض والتدابير الوقائية والمشتريات الحكومية وتسوية المنازعات.
وبالفعل قررت الحكومة اللبنانية الإنخراط في الإقتصاد العالمي وذلك من خلال تقديم طلب الإنضمام رسمياً إلى منظمة التجارة العالمية في شباط 1999, وفي أيار من نفس السنة اصبح لبنان عضواً مراقباً في الـ WTO. ولكي يتدرج لبنان من عضو مراقب إلى عضو دائم في المنظمة, عليه ان يتخذ عدة خطوات وعدة إجراءات لكي تتجانس انظمته القانونية والتشريعية والسياسية مع المعايير التي تفرضها اتفاقيتا “التربس” (TRIPS)

“قانون حماية الملكية الفكرية المتعلقة بالتجارة” والغات ([37]).

ثالثاً : المبادىء الأساسية للغات (GATT)/ منظمة التجارة العالمية (WTO) ([38])

إن المبادىء الأساسية التي بنيت عليها هي التالية:

1- ­ مبدأ عدم التمييز: أي مبدأ المعاملة بالمثل أو بمعنى آخر وجوب منح كل طرف متعاقد جميع المزايا والحقوق والإعفاءات التي تمنح لأي بلد آخر مع إمكانية إستثناء الدول النامية في حالات محددة.
2-­ مبدأ الشفافية: أي الإعتماد على التعرفة الجمركية كأداة للحماية وليس على القيود الكمية كحصص للإستيراد مع إمكانية إستثناء الدول النامية في حالات م-عينة.
3­ مبدأ المفاوضات التجارية ضمن المنظمة لتنفيذ الإتفاقية: أي حصر التفاوض ضمن الغات لعدم وجود سلطة لإجبار الأعضاء على التقيد بأحكام الإتفاق.
4-­ مبدأ المعاملة التجارية التفضيلية للدول النامية: بهدف تنشيط حركة التنمية الإقتصادية في هذه الدول.
5-­ مبدأ التبادلية: وهو يرمي إلى تنمية التبادل عن طريق تخفيض التعريفات الجمركية, تحرير التجارة الدولية من القيود الحمائية أو على الأقل تخفيضها على أن يتم ذلك في إطار المفاوضات بمعنى أن كل تخفيض في الحواجز الجمركية أو غير الجمركية لدولة ما يجب أن يقابله تخفيض من الجانب الآخر.
أما مكونات التجارة العالمية بحسب إتفاقية الغات GATT)) فهي:
1-­ السلع الزراعية: الإتجاه إلى عدم دعم المزارعين بل تحرير سوق المنتجات الزراعية ودعم وتطوير البحوث والتطوير.
2-­ السلع الصناعية: تتيح الإتفاقية توسيع الأسواق بالنسبة للسلع الصناعية من خلال إزالة القيود غير الجمركية ومنح التخفيضات في الرسوم الجمركية وتثبيتها. كما تعطي الدول الأعضاء الحق في إتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية إنتاجها من ممارسة الإغراق والدعم.
3-­ تجارة الخدمات: من المحتم تقديم عروض عن الخدمات التي ترغب الدول في تحريرها ليتم التفاوض بشأنها ضمن إلتزامات محددة. وهي تتناول القطاعات التالية:
- المصارف,
- التأمين,
- الأسواق المالية,
- النقل,
- الإتصالات,
- الخدمات المهنية.
4-­ حماية الملكية الفكرية: أي الإنتاج الذهني والفكري كالأعمال الأدبية والفنية والإبتكارات والإختراعات ذات الطابع التجاري وخاصة مع تكاثر أعمال التقليد غير المشروعة.
5-­ أما على الصعيد الجمـــركي: فقد إستحدثت قواعد خاصة حول القيمة والمنشأ. ووضعت أسس لتأمين التنسيق الشامل والموحد لقواعد المنشأ. وتحديد التعريفة الواجب تطبيقها وإستيفائها عن البضائع في حالات التجارة الدولية العادية لتطبق من قبل جميع الأعضاء.

رابعاً- ­ الإنعكـاسات المحتملة لإتفاقية الغات وW.T.O على الإقتصاد العربي بشكل عام واللبناني بشكل خاص:
إن إتفاقية الغات هي على العموم لمصلحة الدول المتقدمة وليست لمصلحة الدول النامية. ولكن لا خيار في عدم الإنضمام اليها تلافياً للوقوع في عزلة إقتصادية وتجـارية. كمـا أن الإنضمـام يعطي العضو حق الحصـول على معـاملة الدولة الأكثر رعاية ([39]) في ما يتعلق بصادراتها للدول الاخرى الأعضاء والإستفادة من التخفيضات الجمركية المتبادلة فضلاً عن أنه يساعد على حل المنازعات التجارية ويعفي من عقد إتفاقات ثنائية. إن هكذا تكتل إقتصادي يساعد حتماً على تكوين مركز سياسي وإقتصادي على الساحة الدولية من شأنه تعظيم الإيجابيات المنتظرة من الغات (GATT) وتقليص السلبيات.

أولاً : المتوجبات القانونية على لبنان ­ تعديل العديد من القوانين وسن قوانين أخرى
كما ذكرنا سابقاً, لكي ينتقل لبنان من عضو مراقب إلى عضو دائم في منظمة التجارة العالمية عليه الإلتزام بآلية محددة والتقيد بمبادىء وقواعد تفرضها اتفاقيتا التربس والغات, وأهم الخطوات الحالية هي تعديل بعض القوانين اللبنانية وسن قوانين اخرى وتعديل بعض الإتفاقيات الدولية التي عقدها لبنان مع الدول الأخرى. أما أهم القوانين التي يجب ان تُعدَّل او تُسنّ فهي على الشكل التالي: ([40])
1 ­ قانون حق المؤلف (اقر بقانون رقم 75 تاريخ 13 آذار 1999).
2 ­ قانون براءة الإختراع (مرسوم رقم 2856 تاريخ 26 آذار 2000).
3 ­ سن قانون جديد للعلامات الجغرافية.
4 ­ سن قانون جديد للتصاميم الصناعية.
5 ­ سن قانون جديد للأسرار التجارية.
6 ­ سن قانون جديد للطوبوغرافيا وللدوائر المتكاملة.
7 ­ سن قانون جديد للمنافسة.
8 ­ سن قانون جديد للتجارة العالمية.
9 ­ سن قانون جديد لحماية التنوع النباتي.
10 ­ سن قانون جديد لمنع الإغراق.
11 ­ سن قانون جديد لتعويض المنتجين.
12 ­ سن قانون جديد للحماية.
13 ­ سن قانون جديد تعديل قانون الجمارك (أُعد مؤخراً).
14 ­ تعديل قانون الزراعة.
15 ­ سن قانون جديد للسلامة الصحية للحيوان والنبات.
16 ­ سن قانون جديد لمراقبة الأطعمة.
17 ­ سن قانون جديد للمعايير والأنظمة التقنية.
18 ­ سن قانون جديد للشراء.
19 ­ سن قانون جديد للإستثمار الخارجي.
20 ­ سن قانون جديد للإحتكار الطبيعي.

كما على الحكومة اللبنانية ان تبادر إلى تعديل أكثر من 70 اتفاقية وقعت مع دول اخرى وذلك لكي تتلائم مع إتفاقيات التربس والغات وبخاصة في ما يتعلق ببند الدولة الأكثر رعاية ([41]).

ثانياً : الإنعكاسات الإيجابية للإنضمام إلى الغات:
1 ­ إن وضعية الدول في الغات (GATT)

ستكون أفضل من وضعيتها خارجها لأنها ستستفيد من أي إمتياز يجري تعميمه على الأعضاء في مجال دخول الأسواق. فالمكاسب الإقتصادية المباشرة ستأتي نتيجة تحسن شروط دخول الأسواق عن طريق تخفيض التعريفة على السلع وتخفيض حجم المعوقات غير الجمركية خاصة بالنسبة للســـــلع الزراعية والمنســوجات إذ أن الدول النامية بشكل عام ومن بينها الدول العربية تتميز بكثافة العنصر البشري فيها وأنخفاض أجور العمالة وتوافر المواد الخام اللازمة لصناعة الملبوسات الجاهزة على سبيل المثال. ورغم إصرار هذه الدول على الإلغاء الفوري لنظام الحصص المفروضة عليها فقد جرى الإتفاق في إطار الغــــــات (GATT)

على تقليص التعريفات عن هذا القطاع والسماح بتزايد دخول اصنافه تباعاً إلى أسواق الدول المتقدمة.


2 ­ إن دخول الغات (GATT)

يكسب البلدان فرصة الوجود داخل منتدى إقتصادي هام حيث يكون لها صوت وحق وتصبح طرفاً في النقاشات والحوارات التي تؤثر على المستقبل الإقتصادي العالمي. كما سيكون لها الحق في حل الخلافات التجارية داخل المنظمة.

3­ يمكن اللجوء إلى منظمة التجارية العالمية WTO)

) في حال التعرض لممارسات تجارية سلبية كالإغراق.

4 ­ يمكن للدول المنضمة الإستمرار في دعم جوانب هامة من زراعتها وصناعتها الغذائية الناشئة دون التعرض لتدابير إنتقاميــــة. فمن المنتظر أن يؤدي خفض دعم السلع الزراعية بمجرد دخول الدول النامية إلى الغات (GATT)

إلى إرتفاع في أسعار الواردات من السلع الغذائية على الأمد القصير. أما على الأمد الطويل فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى تقوية قطاع الصناعات الغذائية والزراعية ويفتح بالتالي الطريق لتصريف الفائض من هذه المنتجات. وقد تعهـدت الدول المتقدمة بالتعويض عن إرتفاع الأسعار عن طريق تسهيلات يعطيها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي إضافـــــــة إلى تقديم مساعدات غذائية تكفي إحتياجات الدول المعنية خلال فترة الإصلاح.

5 ­ بالنسبة للصناعات الكيماوية فإن تخفيض الرسوم الجمركية الذي تقرر بصددها والمقدر بحوالي 44% سيؤدي إلى إزالة الحواجـز ويوفر الفرصة لصادرات بعض الدول العربية وبصورة خاصــــة مصــر, للنفاذ إلى الأسوق الدولية.

ثالثاً : الإنعكاسات السلبية للإنضمام إلى الغات GATT)):
الإنعكاسات السلبية من ألإنضمام إلى الغات GATT))  

متعددة ولا يمكن حصرها بمجملها هنا, ولكن يأتي في مقدمتها:
1 ­ إمكان تعرض قوانين المقاطعة العربية لإسرائيل للإلغــاء بمجرد إنضمام إسرائيل إلى الغات.
2 ­ إن التخفيضات في التعريفة وإزالة الحواجز غير الجمركية ستكون لصالح الدول الأكثر كفاءة في الإنتاج (المتمتعة بالقدرة التنافسية) كما أن التخفيضات المرتبطة بمراحل التصنيع بقيت نسبتها متدنية في قطاعات تصديرية أساسية للبلدان العربية مثل الأسماك والمنسوجات والألبسة. فالأسماك أعتبرت سلعة صناعية لا تستفيد إلا من التخفيض الجمركي فيما تبقى مطبقة عليها القيود الكمية وغيرها. علماً أن بقاء القيود الكمـــية لغاية 2003 سيلحق ضرراً بصادرات بعض الدول العربية مثل مصر والمغرب وتونس.
3 ­ إن تخفيض الدعم الزراعي سيؤدي إلى زيادة أسعار السلع الزراعية والغذائية التي تستوردها الدول العربية كالقمح والألبان والســـــكر والأرز واللحوم والبذور الزيتية والى الإخلال بميزان المدفوعات التجارية الزراعية فيها.
4 ­ أن توجه الدول الأوروبية نحو تقليص إستخدام الأسمدة الكيماوية لأسباب بيئوية من شأنه ان يحمل هذه الدول على فرض بعض القيود بالنسبة لإستيراد الأسمدة المذكورة مما يؤثر سلباً على صادرات بعض الدول العربية.
5 ­ إن الدول العربية ستخسر ما كانت تتمتع به من معاملة تفضيلية في ما بينها لانها لن تعتبر ضمن كتلة تجارية واحدة ولن تستثنى بالتالي من مبدأ الدولة الاولى بالرعاية. كما أنها ستخسر الإمتيازات بينها وبين المجموعة الأوروبية لأن الغات GATT)) تعمم الميزات على كامل الدول المنضمة.
6 ­ إن إدراج حماية الملكية الفكرية سيزيد من إرتفاع تكاليف التصنيع في الدول العربية بسبب إرتفاع أسعار البراءات وإحتكـارات التكنولوجيا. فبالنسبه لصناعة الأدوية مثلاً, فإن غالبية الإختراعات تتم في الدول الأجنبية والحصول على براءات الإختراعات سيكلف غالياً مما ينعكس على كلفة الدواء.
7 ­ إن تحرير أسواق الخدمات يمثل القضية الأكثر خطورة على إقتصاد الدول النامية إذ ان شرط معاملة موردي الخدمات الأجانب بشكل مماثل لمعاملة المحليين قد يؤدي إلى منافسة غير عادلة بحـــــق الشركات المحلية ولاسيما أن الدول العربية عملت منذ سنين على حصر أسواق الخدمات بمواطنيها.
8 ­ وأخيراً لا آخر فإن الصادرات العربية مثل النفط والغاز بقيت خارج الإتفاقية وعرضة لضرائب جديدة.

القسم الثاني : الإتفاقية العامة لتجارة الخـدمـات (الغاتــس)
(
The General Agreement)on Trade in Services


I ­ طبيعـــة “الغاتس” واهــدافـــــها
أولاً : طبيعة الغاتس

“الغاتس” ليست اتفاقية مستقلة قائمة بذاتها يمكن لدولة ما ان تنضم اليها مباشرة. بل هي مجرد ملحق من جملة الملاحق العديدة التي نوقشت في جولة الأورغواي التي توجت في الإجتماع الوزاري في مراكش والتي تم بموجبها انشاء منظمة التجارة العالمية ([42]) والتي جرى التوقيع عليها في نيسان 1994. وهذه الملاحق تقسم إلى فئتين:
­ الفئة الاولى تحتوى على الاتفاقيات الملحقة التي سميث “المتعددة الأطراف Multilateral Agreements) )([43]) والغاتس هي واحدة منها.
­ أما الفئة الثانية فتضم الاتفاقيات التي أعطيت تسمية “إتفاقـــــات جمعية”(Plurilateral Agreements) ([44]).

فكل دولة تنضم إلى منظمة التجارة الدولية يصبح بامكانها, إذا ارادت ذلك, ان تنضمّ إلى أي من “الإتفاقات الجمعية”, في حين انها تصبح حكماً وبالضرورة عضواً في جميع الاتفاقيات الملحقة “المتعددة الأطراف”, ومنها “الغاتس” كما ذكرنا اعلاه. اذن, ان الطريق الوحيدة المفتوحة امام لبنان لانضمامه إلى “الغاتس” هي في انضمامه إلى اتفاقية منظمة التجارة العالمية, فيصبح عندئذ حكماً عضواً في الاولى.

ثانياً : أهداف “الغاتس”:
ترمي “الغاتس” إلى بلوغ هدفين:
الاول, ويتحقق فوراً, هو امان واستقرار التجارة الدولية في الخدمات. ويحصل ذلك عن طريق تثبيت الوضع الراهن. فتحظر الغاتس على الدول الاعضاء ان تغير في الالتزامات التي تعهدت بها الا ضمن شروط محددة سنراها فيما بعد. طبعاً, تسمح “الغاتس” لكل بلد عضو بأن يزيل في أي وقت قيوده على تجارة الخدمات أو ان يخففها. لكنها تمنعه من احداث قيود جديدة أو تشديد وطأة القيود القائمة.
والهدف الثاني, وقد يكون الاكثر أهمية, هو تحرير تجارة الخدمات. وهذا الهدف يتم تحقيقه تدريجياً عن طريق جولات متتابعة من المفاوضات يتم تنظيمها دورياً. وليس من الضروري ان تؤدي هذه المفاوضات إلى التحرير الكامل يوماً ما. فعلى سبيل المقارنة, نذكر ان “الغات” نظمت خلال تاريخها الممتد من بداية 1948 حتى نهاية 1994 ثماني جولات من المفاوضات, كانت آخرها جولة “الاوروغواي”. صحيح ان “الغات” نجحت نجاحاً كبيراً في تحرير تجارة السلع. لكن هذه التجارة ما زالت تخضع لكثير من القيود. وكل شيء يدل على ان تحرير تجارة الخدمات لن يكون أسهل من تحرير تجارة السلع. فمن المرجح ان تنقضي عدة سنوات وربما عدة عقود, وان تجري عدة جولات من المفاوضات قبل ان يصل تحرير تجارة الخدمات إلى نتائج ذات شأن.
ما يجدر ذكره هنا ان التحرير التدريجي للخدمات في اطار الغاتس لن يتم وفق برنامج محدد سابقاً, كما يحصل مثلاً في اطار اتفاقيات اقامة مناطق تبادل حر أو وحدات جمركية فاتفاقية الغاتس بحد ذاتها لا تفرض أي التزام على البلدان الاعضاء بازالة هذا القيد أو ذاك على تجارة هذه الخدمة اوتلك. كما لا تتضمن أي جدول زمني لازالة مثل هذه القيود. فتدابير التحرير وتواريخ التحرير تتخذها كل دولة وتلتزم بها وفقاً لما تقتضيه مصالحها, وبعد مفاوضات مع الدول الاعضاء الاخرى تحصل منها بنتيجتها على تنازلات تعتبرها بمجملها متوازنة مع الالتزامات التي تقدمها هي نفسها. وهكذا نرى ان اسلوب التحرير المعتمد في “الغاتس” يتميز بالمرونة. فالتحرير لا يفرض على الدولة العضو لا من حيث محتواه ولا من حيث توقيته أو سرعته. بل تحدده كل دولة اختيارياً بالتفاوض والتوافق مع الدول الاعضاء الاخرى على اساس تبادل المنافع.

­ الموجبات العامة
إن هذه الموجبات التي تتأتى من نصوص إتفاقية الغاتس وملاحقها وتطبق على جميع الدول الاعضاء كما سبق ان ذكرنا, هي قليلة العدد ولا تشكل في الواقع اعباء أو قيوداً حقيقية على الدول الاعضاء. وسندرسها تحت ثلاثة عناوين هي:
1 ­ موجب معاملة الـــدول بالتساوي,
2 ­ موجب الشفافيــــة,
3 ­ موجبات اخرى,

أولاً : موجب معاملة جميع الدول الاعضاء على قدم المساواة
ويجد هذا الموجب تعبيراً له في القاعدة المعروفة بمبدأ الدولة الاكثر رعاية ([45]) ويشكل هذا المبدأ إحدى الركائز الاساسية التي تقوم عليها “الغاتس” كما كانت الحال سابقاً مع اتفاقية “الغــات” لعام 1947.
وهذا المبدأ يعني, كما هو معروف, بأن على كل بلد عضو يمنح بلداً اخر معاملة تفضيلية عليه ان يعمم حالاً وبدون أي مقابل هذه المعاملة التفضيلية على جميع الدول الاعضاء الاخرى. وعندما يعمم التفضيل على الجميع لا يعود تفضيلاً. وهذا بالضبط ما تريده الغاتس, كما الغات سابقاً. فإزالة كل تمييز بين مختلف موردي الخدمات الاجانب, أياً يكن البلد الذي ينتمون إليه, هو هدف رئيسي للغاتس.
لكن, على الرغم من الاهمية الكبيرة لمبدأ الدولة الاكثر رعاية, فان الغاتس, بما تتصف به من مرونة, سمحت بخرقه وبالتالي قبلت بالتمييز في المعاملة بين الدول الاخرى في حالتين: الاولى عند اقامة مشروع تكامل اقتصادي. والثانية عند الحصول على إعفـــــاءات خاصة, كما سنوضح في مايلي.

1 ­ التــكامـل الاقتـصادي
تجيز المادة الخامسة من اتفاقية الغاتس للبلدان الاعضاء بأن تعقد مع بلدان اخرى, سواء كانت اعضاء في الغاتس ام لا, اتفاقيات لتحرير تبادل الخدمات في ما بينها. ولا يطبق على تدابير التحرير التي تتخذ في هذه الحالة مبدأ الدولة الاكثر رعاية, على ان تتأمن الشروط التالية:
أ ­ أن تشمل اتفاقية التحرير عدداً كبيراً من القطاعات,
ب ­ أن تزيل كل تمييز Discrimination) )

, إذا وجد, وأن تمنع إحداث أي تمييز جديد,
جـ ­ وأخيراً, ان لا تؤدي إلى زيادة الحواجز امام تجارة الخدمات بوجه أي بلد عضو اخر في الغاتس.
فإنضمام لبنان إلى الغاتس لا يتعارض اذن مع قيامه بعقد اتفاقيات تكامل اقتصادي مع البلدان العربية, كلها أو بعضها, أو مع بلدان اخرى كاتفاقية الشراكة مع الاتحاد الاوروبي.

2 ­ الاعفاءات الخاصة
ومن جهة ثانية, فان المادة الثانية من الغاتس, والملحق الخاص بهذه المادة, يتيحان للدول الاعضاء ان تحصل على استثناءات أو اعفاءات Exemptions) )

من تطبيق مبدأ الدولة الاكثر رعاية, وبتعبير آخر, أن يستثني بلد عضو بعض المعاملات التفضيلية التي يمنحها لبلد اخر ­ سواء كان هذا الاخير عضواً في الغاتس ام لا ­ من مـــوجـــب التعـــميم على بقية الدول الاعضاء ضمن الشروط التالية:
أ ­ ان يتم طلب الاعفاءات والحصول عليها قبــــــل العمــــل باتفاق الغاتس. وهذا يعني بالنسبة إلى بلد كلبنان يريد الانضمام إلى الغاتس (عن طريق الانضمام إلى منــــــظمة التجارة العالمية), ان يطلب الاعفاءات التي يريد الحصول عليها في لائحة ترفق بطلب إنضمامه. وفي حال الموافقة عليها, نتيجة لمفاوضات الانضمام, تصبح هذه الاعفاءات سارية.
ب ­ أن الاعفاءات لن تكون دائمة بل هي موقتة بالضرورة. فلا يجوز مبدئياً ان تزيد مدتها عن عشر سنوات.
جـ ­ وعلى كل حال, فان مجلس تجارة الخدمات في منظمة التجـــارة العالمية ينظر دورياً في الاعفاءات الممنوحة والتي يمكن ان تكون موضوعاً للتفاوض في أثناء أي جـــولـــة من المفاوضات المتعددة الأطراف التي تجري بعد تاريخ منحها, إذا طلب بلد عضو فتح مفاوضات بشأنها.
إن ما تقدم يتعلق بالاعفاءات قبل الانضمام إلى الغاتس, اما الاعفاءات التي تطلب من قبل بلد عضو في الغاتس, فانها تخضع لاحكام الفقرة الثالثة من المادة التاسعة من اتفاقية منظمة التجارة العالمية. فهي تمنح من قبل المجلس الوزاري. وإذا كانت مدتها تزيد عن سنة واحدة فان هذا المجلس يعيد البحث فيها بعد سنة على الاقل من تاريخ منحها.


إن الاعفاءات من مبدأ الدولة الاكثر رعاية التي طلبتها وحصلت عليها الدول الاعضاء في الغاتس تعود بصورة رئيسية إلى ثلاثة قطاعات, هي:
­ قطاع الخدمات المالية,
­ قطاع الخدمات الاعلامية المرئية والمسموعة,
­ وقطاع خدمات النقل البري والبحري,

إن اعفاءات الخدمات الاعلامية تستند بصورة عامة إلى اعتبارات ثقافية, كتبادل التسهيلات بين دول تتكلم اللغة نفسها, أو لها ارث ثقافي واحد. كما ترتكز الاعفاءات العائدة لخدمات النقل في الغالب إلى الموجبات المتأتية من إتفاقيات دولية أو إتفاقيات معقودة بين دولتين او اكثر من منطقة جغرافية معينة.
واخيراً, فــإن السبب الرئيسي الذي تستند إليه الاعفاءات العائدة للخدمات المالية, فهو طلب المعاملة بالمثل (Reciprocity)

في الخدمات نفسها من قبل الدول الاعضاء الاخرى.
وطلب المعاملة بالمثل يهدف إلى تلافي ما يسمى “الركوب المجاني” (Free riding)

. بناءً على مبدأ الدولة الاكثر رعاية, إذا اتفق بلدان عضوان أو اكثر على تدابير لتحرير تبادل خدمة ما, فإن تدابير التحرير هذه تطبق على جميع الدول الاعضاء الاخرى بصورة آلية وبدون أي مقابل. بكلام آخر, ان البلدان الاعضاء التي تتبع سياسة حمائية متشددة يمكنها ان تحتفظ باغلاق سوقها امام المنافسة الخارجية, وان تستفيد في الوقت نفسه من تدابير التحرير التي يتم الاتفاق عليها وتبادلها بين الدول الاعضاء التي تتبع سياسة اكثر انفتاحاً. فللحؤول دون هذه الافادة المجانية, جرى ادخال الاعفاءات المرتكزة على المعاملة بالمثل كوسيلة ضغط على الدول التي تتبع سياسة حمائية متشددة لكي تتخذ تدابير تحرير مماثلة في ما يخص الخدمات نفسها. ونلاحظ هنا ان التحرير المرتكز على المعاملة بالمثل يؤدي إلى توازن الالتزامات المتبادلة فيما يخص كل خدمة أو قطاع خدمات, وهذا مخالف لمبدأ تفاوضي أساسي في الغاتس, حيث من المفترض ان يتم تبادل تدابير التحرير بين البلدان المتفاوضة بطريقة تقيم توازناً اجمالياً بين ما تقدمه كل دولة عضو وبين ما تحصل عليه.

ثانياً : موجب الشفافية
ان هدفي الغاتس, وهما كما ذكرنا سابقاً, تحقيق امان واستقرار المبادلات الدولية في الخدمات وتحرير هذه المبادلات تدريجياً عن طريق المفاوضات, يتطلبان ان يعرف كل عضو معرفة تامة لماهية ونوع التدابير المطبقة لدى كل من الدول الاعضاء الاخرى والتي من شأنها الحد من تجارة الخدمات.
فالمادة الثالثة من اتفاقية الغاتس تفرض على كل عضو ان ينشر جميع القوانين والانظمة والتعليمات الادارية والاتفاقيات الدولية التي لها علاقة بتبادل الخدمات. وكذلك ان يعلم بها دون تأخير, وعلى الاقل مرة في السنة, مجلس تجارة الخدمات في منظمة التجارة العالمية. كما تفرض على كل بلد عضو ان يجيب عن الاستعلامات المحددة التي قد تأتيه من أي بلد عضو آخر. وكذلك ان يقيم مركزاً أو اكثر لتزويد الدول الاعضاء الاخرى بالمعلومات التي قد تطلبها.
يجدر هنا ان نذكر ان الدول الاعضاء في الغات السابقة والتي انتمت بهذه الصفة إلى منظمة التجارة العالمية أو الغات الجديدة لم تلتزم تماما بموجب الشفافية. فأتت غالبية المعلومات التي قدمتها لبعضها البعض اثناء المفاوضات المعروفة بجولة الاوروغواي غير كاملة. لكن الامر سيختلف جذرياً بالنسبة إلى الدول التي تريد الانضمام إلى الغاتس, وبالتالي إلى منظمة التجارة العالمية. فمن المنتظر ان يطبق عليها مبدأ الشفافية بكثير من الدقة والشدة. فعلى هذه الدول ان تقدم اولاً مذكرة Memorandum))

وفق نموذج موحد وضعته منظمة التجارة العالمية وان تضمنه المعلومات التفصيلية عن جميع القوانين والانظمة والتعليمات الادارية والاتفاقيات الدولية المعمول بها لديها, والتي لها علاقة بتجارة الخدمات ([46]). ومن المرجح لئلا نقول من المؤكد ان هذه المذكرة ستكون موضوع بحث دقيق من قبل الدول الاعضاء. وقد يوجه بعضها للدولة طالبة الانضمام اسئلة خطية تطلب فيها معلومات اضافية. وعلى الدولة طالبة الانضمام ان تجيب خطياً عن الاسئلة الموجهة اليها وان تتضمّن اجوبتها جميع المعلومات المطلوبة بطريقة واضحة وصريحة.
فلا شيء الا وسيعلن, والتدبير الذي لم يعلن عند الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية لا يمكن ان يطبق بوجه الدول الاعضاء . لا نعتقد ان لبنان سيواجه أي مشكلة في ما يخص مبدأ الشفافية. فهو قد درج على نشر قوانينه وانظمته وتعليماته الادارية, بطريقة أو باخرى. وفي هذا الصدد, فان الانضمام إلى “الغاتس” لن يلقي عليه في الواقع أي عبء إضافي.

ثالثاً : الموجبات العامة الأخرى
وتتضمن الغاتس ايضاً موجبات عامة اخرى, يمكن وصفها بالثانوية نختصرها في ما يلي:
­ نصت المادة السادسة من الغاتس على ان الشهادات والمؤهلات والمعايير المطلوبة في البلدان الاعضاء للقيام بتقديم الخدمات المهنية يجب الا تشكل عوائق غير لازمة للتجارة. وفي حال اعترف بلد عضو بالمؤهلات والشهادات والمعايير المطبقة في بلد آخر, عن طريق اتفاقية أو بدون اتفاقية, فان المادة السابقة توجب على هذا البلد ان يعطي أي بلد عضو اخر الفرصة لان يعقد اتفاقية مماثلة أو ان يحصل منه على اعتراف مماثل, إذا طلب البلد العضو ذلك.
­ في حال كانت خدمة ما في بلد عضو تقدم من قبل احتكار ما, فان المادة الثامنة توجب الا يتصرف المحتكر بطريقة تناقض الالتزامات المحددة التي التزم بها البلد المذكور تجاه البلدان الاعضاء الاخرى, أو تناقض مبدأ الدولة الاكثر رعاية. ونلاحظ هنا ان “الغاتس” ليست من حيث المبدأ ضد الاحتكار. كل ما تطلبه هو ان لا يؤدي الاحتكار إلى التمييز بين الدول الاعضاء أو الاخلال بالموجبات المقدمة.
­ المادة التاسعة تقول ان بعض الممارسات التجارية, غير الاحتكار, يمكن ان تحد من المنافسة وان تشكل بالتالي قيوداً على تجارة الخدمات. لذلك, فانه يقتضي على كل بلد عضو, عند كل طلب يأتيه من بلد عضو اخر, ان يقبل ببدء مشاورات بغية ازالة تلك الممارسات.
­ بإنتظار عقد اتفاقية حول تدابير الحماية في الحالات الطارئة أو الملحة

 (Emergency Safeguards)

, فان المادة العاشرة تعطي كل عضو امكانية سحب أو تعديل الالتزامات المحددة التي قدمها, على ان يعلم مجلس تجارة الخدمات بعزمه على القيام بهذا الاجراء, وان يبين له الاسباب التي تجعله غير قادر على انتظار مهلة الثلاث سنوات المنصوص عليها في المادة 21 من اتفاقية الغاتس.
­ المادة الحادية عشرة تقضي بان يمتنع كل بلد عضو عن فرض قيود على المدفوعات الدولية الا في الحالة التي يواجه فيها ميزان مدفوعاته صعوبات. اما التدابير التي يمكن اتخاذها عندئذ فينبغي, وفقاً للمادة 12, ان لا تميز بين الدول الاعضاء بل ان تعاملها جميعاً على قدم المساواة. ويجب ان تكون التدابير موقتة وان يجري الغاؤها تدريجياً مع تحسن وضع ميزان المدفوعات. واخيراً , ان تلك التدابير التي قد لا تطبق على بعض الخدمات المعتبرة ضرورية, يجب ان لا تستعمل كوسائل لحماية قطاع خدماتي معين.
­ واخيراً, فإن المادة السادسة توصي الدول الاعضاء بان يكون لديها أو تنشئ محاكم واجراءات من شأنها ان تعطي موردي الخدمات امكانية طلب مراجعة القرارات الادارية التي تؤذي مصالحهم.

III ­ الالتزامات المحددة (Specific Commitments)
خلافاً للموجبات العامة, فان الالتزامات المحددة هي التزامات خاصة بكل بلد عضو, وتتحدد بالتفاوض بينه وبين الاعضاء الاخرى. وبالتالي فهي تختلف بين بلد عضو وبلد عضو آخر. وترتدي هذه الالتزامات اهمية كبيرة. فهي تشكل في الواقع التدابير الوحيدة للتحرير التي تنتج عن الغاتس. كما تتميز بالثبات. فلا يجوز للبلد العضو ان يسحب اياً من التزاماته الا ضمن شروط محددة وصارمة سنراها في ما بعد. واخيراً, فان كل بلد يدرج التزاماته في لائحة. ومجموع لوائح البلدان الاعضاء, المسماة اللوائح الوطنية هي ملاحق لاتفاقية الغاتس وتشكل اجزاءاً لا تتجزأ منها. وتتمحور الالتزامات المعينة حول موجبين اثنين هما:
­ موجب ولوج السوق (Market access)­ وموجب المعاملة الوطنية (National Treatment)

سنتناول بالدرس في ما يلي كلا من الموجبين اعلاه, وكذلك كيفية تنظيم اللوائح الوطنية والقواعد الموضوعة لتعديلها أو لسحب بعض الالتزامات الواردة فيها.

أوّلاً : النفاذ الى الاسواق أو ولوج السوق (Market access )

احد الاهداف الاساسية للغاتس هو ان يفتح كل بلد سوقه, وان تدريجياً, امام موردي الخدمات من الدول الاعضاء الاخرى. وبهدا الصدد, تحظر المادة 16 من الغاتس على البلدان الاعضاء ان تتخذ اياً من التدابير المذكورة ادناه والتي من شأنها الحد من دخول الخدمات إلى اسواقها. والتدابير الممنوعة هي:
1 ­ تحديد عدد موردي الخدمات,
2 ­ تحديد القيمة الاجمالية للخدمات المسموح بتوريدها,
3 ­ تحديد كميتها الاجمالية,
4 ­ تحديد عدد الاشخاص الطبيعيين المسموح لهم بالعمل فيها,
5­ تحديد الشكل القانوني للوحدات المسموح لهم بتوريد الخدمات,
6 ­ تحديد مساهمة الرأسمال الاجنبي, سواء عن طريق تحديد نسبة مئوية عليا للاسهم المسموح بامتلاكها من قبل الاجانب, او عن طريق وضع سقف لقيمة استثمارات اجنبية معينة أو لقيمة الاستثمارات الاجنبية الاجمالية.
نرى من الضروري التشديد على ان التدابير المذكورة اعلاه ممنوعة فقط من حيث المبدأ. اذ بامكان كل بلد عضو ان يخرقها وان تكون لديه تدابير مخالفة لاي منها شرط ان تكون هذه التدابير قد جرى إدراجها في لائحته الوطنية المتضمنة التزاماتها المحددة والتي كما نعرف, تحدد بالتفاوض. وهنا نجد دليلاً آخر على مرونة “الغاتس” فلا شيء ممنوع في المطلق. وكل شيء ممكن إذا ارتضته الاطراف المتفاوضة. وفتح السوق الداخلية امام المنافسة الاجنبية ليس, حسب “الغاتس”, موجباً مطلقاً بل هو التزام يتحدد محتواه الفعلي لكل بلد بنتيجة التفاوض ويختلف بين بلد واخر, وبالنسبة إلى كل خدمة وكل وسيلة من وسائل توريدها.

ثانياً : المعاملة الوطنية (National Treatment)

ما ورد ذكره عن “فتح السوق” يصح على “المعاملة الوطنية”. فالغاتس تهدف إلى جعل التعامل بالخدمات الاجنبية والوطنية على قدم المساواة. ونلاحط ان هناك بعض التشابك بين مفهوم (Concept)

“فتح السوق” ومفهوم “المعاملة الوطنية”. فإذا تم فتح الحدود بصورة كاملة فانه لا يعود هناك أي تمييز بين ما هو وطني وما هو اجنبي.
في الوضع الحاضر, حيث توجد شروط وقيود على ولوج السوق الداخلية, تُفهم “المعاملة الوطنية” على انها موجب يقضي بأن تعامل الخدمة الأجنبية, بعد ان تكون خضعت للقيود والشروط الموضوعة لدخولها السوق الداخلية, كما تعامل الخدمة الوطنية. هذا من حيث المبدأ, اذ سمحت المادة 17 من الغاتس بان يخضع كل بلد منح “المعاملة الوطنية” لشروط وقيود اضافية خاصة يتم التوافق عليها بالتفاوض ويجري ادراجها في لائحتة الوطنية.

ثالثاً : اللائحة الوطنية بالالتزامات المحددة
تنظم اللائحة الوطنية بالإلتزامات المحددة وفقاً لنموذج موحد يحتوي على اربعة اعمدة: ([47])
العمود الأول: تدرج فيه الخدمات التي يريد البلد أن يرتبط بإلتزام بشأنها, أي ان يقيد حريته في ان يفرض في المستقبل قيوداً إضافية على تجارتها. فكل خدمة غير مذكورة في هذا العمود هي خدمة يبقى للبلد كامل الحرية في إخضاع تجارتها لأي قيد أو شرط يراه مناسباً, اليوم أو غداً.
العمود الثاني: مخصص لطرق أو وسائل تقديم الخدمات, وهي حسبما جاء في المادة الاولى من اتفاقية الغاتس, الطرق أو الوسائل الاربع التالية:
­ انتقال الخدمة عبر الحدود,
­ استهلاك الخدمة في الخارج,
­ المنتج الاجنبي للخدمة يقيم له حضوراً دائماً داخل البلد,
­ الخدمة تقدم داخل البلد من قبل اشخاص اجانب يدخلون البلد بصورة مؤقتة.
العمودان الثالث والرابع: تُذكر فيهما الشروط والقيود التي يحتفظ البلد بحق فرضها على تجارة كل خدمة, فيما يخص على التوالي موجب “دخـول السوق” وموجب “المعاملة الوطنية”. لذلك, وحيث ان هناك اربع وسائل لتقديم الخدمات, فان كل خدمة يمكن ان تكون موضوعاً لثماني مجموعات من القيود أو الشروط.

يتعين على كل بلد يريد الدخول في المفاوضات, ان يعرف اولاً ما هي الخدمات التي هو على استعداد لان يتخذ التزامات بشأنها, فيدخلها في مشروع لائحته. وما هي الخدمات التي يريد ان يحتفظ بالحرية الكاملة في تقييد تجارتها كما يراه مناسباً, فيبقيها خارج مشروع هذه اللائحة. ويتعين على البلد ثانياً ان يعرف في ما يخص كل خدمة وكل وسيلة من وسائل تقديمها, ما هي تدابير التحرير التي هو على استعداد لاتخاذها: اياً منها هو مستعد لان يحررها بصورة كاملة وأياً منها هو مستعد لان يكتفي بان يخضع تجارتها لهذا التدبير أو ذلك. لكن المحتوى النهائي للائحة الوطنية للبلد المذكور لا يتحدد الا نتيجة المفاوضات مع الدول الاعضاء الاخرى. والمفاوضات تجري ثنائياً. فنتيجة لمبدأ الشفافية, المعتمد في الغاتس , من المفترض ان يعرف كل بلد عضو العوائق على تجارة كل خدمة المطبقة لدى أي بلد آخر. وبامكان كل بلد عضو الدخول مع أي عضو آخر في مفاوضات لتبادل إزالة القيود أو تخفيفها بوجه الخدمات التي يرى كل منهما ان بإمكانه تصديرها إلى الاخر. والتخفيضات التي يتم الاتفاق عليها ثنائياً بين كل بلدين تعمم من قبل كل منهما على جميع البلدان الاعضاء الاخرى عملاً بموجب الدولة الاكثر رعاية.

رابعاً : سحب الالتزامات المحددة
قلنا ان الالتزامات المحددة التي يتم التوصل اليها نتيجة المفاوضات والتي تتضمنها في النهاية اللائحة الوطنية لكل بلد هي التزامات لا يحق للبلد ان يخرقها. وإذا اراد بلد عضو ان يسحب أو يعدل احد التزاماته تلك, فعليه, وفقاً للمادة 21 من الغاتس, ان يتقيد بالشروط التالية:
1 ­ ان تكون قد مضت على الالتزام فترة لا تقل عن ثلاث سنوات.
2 ­ ان يعلم البلد مجلس تجارة الخدمات في منظمة التجارة العالمية بعزمه على تعديل التزامه قبل ثلاثة اشهر على الاقل من التاريخ المزمع فيه اجراء هذا التعديل.
3 ­ ان يدخل في مفاوضات مع الدول الاعضاء التي ترى ان التدابير الجديدة المزمع ادخالها تلحق ضرراً بها وان يقدم لها تعويضاً يتخذ شكل تحرير لتجارته في خدمات اخرى. علماً ان هذا التعويض يعمم على جميع الدول الاعضاء وفقاً لمبدأ الدولة الاكثر رعاية.
4 ­ في حال عدم توصل المفاوضات إلى اتفاق, يعرض الامر على التحكيم. وإذا لم يتقيد البلد العضو الذي يريد تغيير التزامه بنتائج هذا التحكيم, فانه يحق للبلدان المتضررة ان تسحب التزامات واردة في لوائحها الوطنية, على ان يتم هذا السحب بحق البلد وحده الذي خالف قرار التحكيم, خلافاً لموجب معاملة الدولة الاكثر رعاية.

IV ­ البلدان النامية و”الغاتس”
إذا كان تحرير تجارة الخدمات في اطار “الغاتس” يجري, كما سبق ان رأينا, عن طريق الالتزامات المحددة التي يتم الاتفاق عليها في المفاوضات بين البلدان الاعضاء, فالسؤال الذي نطرحه هنا هو: كيف تعامل البلدان النامية الاعضاء في هذه المفاوضات؟ هل من فرق في المعاملة بينها وبين الدول الصناعية الاعضاء؟ بكلام آخر, هل يطلب من الدول النامية ان تقدم التزامات مساوية لتلك التي تقدمها الدول الصناعية ام التزامات اقل منها؟
تعترف الغاتس بالوضع الخاص للدول النامية, فقد ورد في مقدمتها, فيما يخص هذه الدول, انها تهدف إلى مساعدتهاعلى التنمية, والى زيادة مساهمتها في التجارة الدولية للخدمات عن طريق تقوية قدراتها الانتاجية وتفعيل وتحسين تنافسية قطاعات الخدمات فيها. إلى جانب ذلك, تتضمن اتفاقية الغاتس ست مواد تنص على معاملة البلدان النامية معاملة خاصة, هي المواد 3 و 4 و 5 و 12و 15و 16.
فالمادة الثالثة, التي توجب على الدول الاعضاء ان تنشئ مراكز لإعطاء المعلومات للدول الاعضاء التي تطلبها, توصي بموجب معاملة الدول النامية بمرونة فيما يخص المهلة المحددة لاقامة هذه المراكز.
والمادة الرابعة, تطلب من الدول الاعضاء, خاصة الصناعية منها, ان تتخذ التزامات معينة يتم الاتفاق عليها بالتفاوض, من شأنها تسهيل إنتقال المعلومات التكنولوجية على أسس تجارية إلى البلدان النامية, ومساعدة هذه البلدان على دخول شبكات التوزيع والمعلومات في البلدان الصناعية وازالة القيود المفروضة في الدول الصناعية على دخول الخدمات التي تصدرها الدول النامية, واخيراً تفرض المادة الرابعة على البلدان الصناعية ان تنشئ لديها نقاط اتصال لتقديم المعلومات إلى موردي الخدمات في الدول النامية.
والمادة الخامسة, التي تنص على الشروط الواجب توفرها في مشاريع التكامل الاقتصادي, توصي بأن يتم تطبيق هذه الشروط بمرونة على البلدان النامية.
والمادة الخامسة عشرة, التي تتعلق بالدعم, تطلب من الدول الاعضاء القيام بمفاوضات لوضع نظم للدعم ([48]), وتوصي بان تؤخذ في الاعتبار حاجة البلدان النامية لان تعامل بمرونة في هذا الشأن.
وأخيراً, فان المادة التاسعة عشرة الخاصة بالمفاوضات حول الالتزامات المحددة, توصي بأن تعامل البلدان النامية بمرونة بحيث تراعى مستويات نموها, فيطلب منها مثلاً ان تفتح للمنافسة قطاعات أقل عدداً, أو ان تحرر انواعاً اقل من المعاملات والخدمات, قياساً على الدول الصناعية.
تجدر الملاحظة ان النصوص الخاصة بالبلدان النامية الواردة في الغاتس, سواء في مقدمتها أو في متنها, هي نصوص لها طابع التوصية, وليس الإلزام. وبهذا الصدد هناك فرق محسوس بين “الغاتس” واتفاقية “الغات” السابقة, التي كانت تتضمن نصوصا صريحة (الجزء الرابع منها) تعطي البلدان النامية معاملة خاصة. وعلى اساس هذه النصوص, فإن تحرير تجارة السلع في إطار “الغات” تم في الواقع من قبل البلدان الصناعية وحدها تقريباً. وبقيت البلدان النامية تحافظ على حماية انتاجها. فاستفادت من تدابير التحرير في الدول الصناعية دون مقابل يذكر من قبلها.
يبدو ان هذا “الركوب المجاني” (Free riding)

غير ممكن في اطار الغاتس. لكن يبقى السؤال, كيف ستطبق عملياً النصوص الواردة في الغاتس والخاصة بالبلدان النامية؟ ان الترجمة العملية في المفاوضات المقبلة لهذه النصوص متروكة في الواقع للدول الاعضاء وبخاصة الصناعية منها. فهي يمكن ان تعامل البلدان النامية بتساهل, فلا تطلب منها التزامات مقابلة ذات شأن تقريبا مثلما جرى الامر سابقا في ما يخص السلع في اطار “الغات”. كــما يمكن ان تعاملها بتشدد فتطلب منها التزامات توازي الالتزامات التي تقدمها هي نفسها. وبين الموقفين الطرفيين, هناك طبعاً مواقف وسطية عديدة ممكنة. والمستقبل وحده سيبين المعاملة التي ستلقاها الدول النامية في الواقع ضمن اطار “الغاتس”.

V ­ الخدمات المالـيـة
من بين الملاحق الستة لاتفاقية الغاتس, هناك ملحق يتضمن احكاما خاصة بالخدمات المالية ([49]), ومن ثم, فإن المفاوضات بشأن هذه الخدمات اتخذت مجرى مختلفا عن المفاوضات حول الخدمات الاخرى. سنعرض اذن بالتوالي هذين الموضوعين:

أولاً : الاحكام الخاصة بالخدمات المالية
­ لماذا جرى وضع احكام خاصة بالخدمات المالية؟
ان الخدمات المالية, كغيرها من الخدمات, تخضع للموجبات العامة الواردة في “الغاتس”. إلا ان لها وضعاً خاصاً وجب اخذه في الاعتبار عند اعداد هذه الاتفاقية. وذلك للأسباب التالية:
أولاً : تشكل الاعتمادات المصرفية للاقتصاد الوطني جزءاً اساسياً, وغالبا ما يكون الجزء الاهم, من عناصر تغطية الكتلة النقدية. فقدرة السلطات النقدية في كل بلد على التحكم بالكتلة النقدية فيه تفرض ان تكون لها القدرة على مراقبة وضبط الاعتمادات التي تمنحها المصارف العاملة تحت اشرافها.
ثانياً : ان السلطات النقدية مسؤولة عن سلامة المؤسسات المالية العاملة في البلد. وعجز مؤسسة مالية ما عن الايفاء بالتزاماتها يؤثر سلباً على المؤسسات المالية الاخرى, وقد يؤدي إلى توقف بعضها عن الايفاء بالتزاماتها ايضاً.
ثالثاً : واخيرا, ان من واجب السلطات النقدية ان تعمل للحفاظ على حقوق الغير من المتعاملين مع المؤسسات المالية, كأصحاب الودائع أو المستفيدين من عقود الضمان.
لهذه الاسباب جميعها, فان تحرير التبادل التجاري لا يعني ولا يجب ان يعني, في ما يخص الخدمات المالية, اخراجها من رقابة السلطات النقدية. بل يجب ان تبقى هذه السلطات قادرة على اخضاع تلك الخدمات لتدابير احترازية (Prudential)

في سبيل تأمين الاستقرار النقدي وسلامة النظام المصرفي وحقوق الغير. وهذه الاعتبارات كانت الاساس الذي بني عليه الملحق الاول لاتفاقية الغاتس الخاصة بالخدمات المالية. ان الاحكام الخاصة التي يتضمنها الملحق, الذي هو جزء لا يتجزأ من “الغاتس” هي باختصار ما يلي:
1 ­ يؤكد الملحق ان احكامه لا تسري على الخدمات المالية التي تقدمها السلطات الحكومية بمناسبة ممارستها لمهامها. وبصورة خاصة, فإنها لا تطبق على انشطة المصرف المركزي أو السلطة النقدية أو أي هيئة عامة اخرى والتي تتعلق بتنفيذ السياسة النقدية أو سياسة معدلات الصرف.
2 ­ يميز الملحق بين فئتين من الخدمات المالية: وهي خدمات التأمين والخدمات المصرفية. ويذكر بالتفصيل الخدمات التي تدخل في كل من الفئتين.
3 ­ يحفظ الملحق حق الدول الاعضاء, وربما كان هذا اهم ما يتضمنه, في اخضاع قطاعها المالي بشقّيه (القطاع المصرفي وقطاع التأمين) للتدابير الاحترازية التي تراها مناسبة. فكل بلد عضو تبقى له الحرية الكاملة في اتخاذ التدابير التي من شأنها:
أ ­ تأمين سلامة واستقرار نظامه المالي والنقدي,
ب ­ الحفاظ على حقوق الغير, ومنها حقوق المودعيــــن والمستثمرين وحقوق حملة بوالص التـــــأمين, وايضاً حقوق الاشخاص الذين التزمت المؤسسة المالية تجاههم بموجب الحراسة.
4 ­ يعطي الملحق الدول الاعضاء الحق بعدم الافشاء بالمعلومات المتعلقة باعمال الزبائن أو حساباتهم او عن المعلومات ذات الطابع السري الموجودة لدى الهيئات العامة.
5 ­ واخيراً, يترك الملحق لكل دولة عضو الحق في ان تعترف, بقرار منفرد منها أو بموجب إتفاق, بالتدابير الاحترازية المتخذة من قبل دولة اخرى, عضو في “الغاتس” ام لا.
النقطة الرئيسية في الملحق, وهي في الواقع ما يهمنا منه, هي ان تدابير التحرير التي اتخذت أو ستتخذ في اطار “الغاتس” لا تحد ابداً من الصلاحيات التي تتمتع بها السلطات النقدية في لبنان في ادارتها للقطاع المالي, والتي تهدف في النهاية إلى تأمين استقرار الاسعار الداخلية وسعر صرف الليرة اللبنانية وسلامة القطاع المالي والحفاظ على حقوق الغير. وبكلام اخر, ان الصلاحيات التي يمارسها المصرف المركزي في لبنان لن تتأثر اطلاقاً “بالغاتس” في حال انضمام لبنان اليها.

ثانياً : المفاوضات حول الخدمات المالية
في جولة “الاورغواي” للمفاوضات المتعددة الأطراف (Multilateral)

الاخيرة التي نظمتها “الغات” لاقت المفاوضات حول الخدمات المالية صعوبات لم تتمكن الدول المتفاوضة من إيجاد حل لها في المهلة المحددة للتفاوض. فحتى نهاية جولة الأورغواي, لم تتقدم سوى 76 دولة من أصل 125 بإلتزامات محددة تتعلق بالخدمات المالية. ولقد وجدت بعض الدول الصناعية, وفي طليعتها الولايات المتحدة الاميركية, ان بعض هذه الالتزامات لا تفتح الاسواق الوطنية امام المنافسة الاجنبية بمقدار كاف ومقبول فهددت بسحب الالتزامات المحددة التي سبق ان قدمتها. الامر الذي كان يمكن ان يؤدي, في ما لو حصل, إلى تتابع السحوبات, وبالتالي إلى تعريض نتائج جولة الاورغواي للخطر. ولكي لا يحصل ذلك, جرى الاتفاق على تمديد المفاوضات فقط في ما يخص الخدمات المالية لمدة ستة اشهر تلي بدء العمل باتفاقية منظمة التجارة العالمية, وكذلك على اعطاء الدول الاعضاء إمكانية ان تعدل, عند إنتهاء هذه المهلة, ­ وإذا ارادت ذلك ­ الالتزامات المحددة والاعفاءات من موجب الدولة الاكثر رعاية التي كانت قدمتها.
لقد اسفرت المفاوضات المكثفة التي اجريت خلال فترة التمديد ([50]) عما سمي “اتفاقية الخدمات المالية”. وهي في الواقع عبارة عن مجموعة من اللوائح قدمتها 29 دولة عضو ([51]), وضمنتها كل منها (في ما يخص الخدمات المالية طبعا) اولاً التزاماتها المحددة بشأن موجبي “دخول السوق” و”المعاملة الوطنية”. وثانياً, الاعفاءات من موجب الدولة الاكثر رعاية التي طلبتها وحصلت عليها. ان تلك الاتفاقية, أو بالاحرى اللوائح, قد إنتهى مفعولها في آخر عام 1997. وتجري حالياً مفاوضات للتوصل إلى إتفاقية جديدة.

VI ­ الكلفة المترتبة على لبنان من الانضمام إلى الغاتس
إذا إنضم لبنان إلى “الغاتس” فمن المؤكد تقريباً انه سيخسر بعضاً من حريته في إدارة سياسة تجارته الخارجية. وسيضطر إلى إزالة أو تخفيف بعض التدابير التي يعتمدها في سبيل حماية إنتاجه المحلي من الخدمات. فالسؤال الذي نطرحه هو: ما هي القوانين أو الانظمة أو الاجراءات العائدة للخدمات والتي من الممكن ان تطلب الدول الاعضاء من لبنان تعديلها أو إزالتها؟ ([52]) إن الجواب عن هذا السؤال ليس سهلاً, لسببين:
أولاً, لأن إستخراج القوانين والانظمة اللبنانية المتعلقة بالخدمات ليست في متناول شخص بمفرده,
وثانياً, لأنه لا يمكن معرفة ما ستطلبه من لبنان كل من البلدان الاعضاء, وعددها 128 بلداً, عند دراستها طلب الانضمام اللبناني مع المعلومات التفصيلية التي ترافقه عن القوانين والانظمة والاجراءات التي تخضع لها الخدمات في لبنان. فكل بلد عضو سيحدد طلباته في ضوء مصالحه كما يراها هو, وبالتحديد على اساس الخدمات التي ينتجها اليوم أو التي يرى انه سينتجها في المستقبل والتي يرغب في تصديرها أو زيادة تصديرها إلى لبنان, فيطلب من لبنان إزالة أو تخفيف القوانين والانظمة أو الاجراءات التي تحد من هذا التصدير.
وعلى الرغم من ان الإقتصاد اللبناني يعتبر بحق اقتصاداً منفتحاً(Open economy)

, إلا ان هذا الانفتاح نسبي, فكما في السلع, فان لبنان يحمي قطاعه الخدماتي في كثير من الاحيان من المنافسة الخارجية. وللدفاع عن مصالحه, ولاسباب اقتصادية واعتبارات قومية, فانه يميز بين موردي الخدمات الاجانب .
فلبنان, على سبيل المثال, يحصر في اللبنانيين وحدهم حق القيام بتوريد أو تقديم عدد من الخدمات المهنية (professional Services )

كالمحاماة, والهندسة والطب, وطب الاسنان, والصيدلة, والخبرات في المحاسبة. والوظائف في شركات التأمين محصورة في اللبنانيين, ولا يسمح حتى للشركات الاجنبية منها ان يكون لديها الا ثلاث خبراء اجانب كحد اقصى اضافة إلى مدير عام أو ممثل عام اجنبيين. والقانون اللبناني يضع حداً ادنى لحصة اللبنانيين في رأسمال بعض الشركات أو في عدد اعضاء مجالس ادارتها. وكذلك يحصر القانون اللبناني جميع انواع عمليات التأمين في الشركات المسجلة في لبنان باستثناء العمليات العائدة للاستيراد والتصدير. كما يحصر التمثيل التجاري في اللبنانيين, أو في الشركات التي يملك لبنانيون أكثرية رأسمالها. وأخيراً, فإن القانون يحصر في اللبناني حق تملك شركات الطيران التجارية والشركات الصحفية, وشركات البث التلفزيوني والإذاعي.
وفي أحيان كثيرة, لا يعامل القانون اللبناني البلدان الاجنبية بالمساواة. وهذا يخالف مبدأ الدولة الاكثر رعاية الذي هو احد ركائز الغاتس. مثلاً, عندما يسمح القانون اللبناني للاجنبي بتقديم خدمة مهنية في لبنان (هندسة , طب, الخ...), فإنه يشترط اجمالاً ان تعامل دولته اللبنانيين بالمثل. وهذا الشرط يفرضه القانون اللبناني أيضاً على شركات التأمين الاجنبية.
إضافة إلى ما تقدم, فان القانون اللبناني يعطي احياناً الرعايا العرب معاملة تفضيلية بالنسبة إلى رعايا البلدان الاخرى. هذا ينطبق على تملك العقارات, وكذلك في ما يخص الشروط المفروضة على ممارسة بعض المهن, كالهندسة والصيدلة وطب الاسنان. فالقانون يفرض على رعايا البلدان العربية الذين يطلبون ممارسة مهنتهم في لبنان, ومن ضمن شروط اخرى, ان يكون قد مضى خمس سنوات على الاقل على تاريخ حيازتهم الشهادة المهنية, في حين ان المهلة الدنيا المطلوبة من رعايا البلدان الاخرى هي عشر سنوات. وهذا تمييز يتعارض مع مبدأ الدولة الاكثر رعاية.
إن أياً من القوانين والاجراءات التي ذكرناها اعلاه يمكن ان تكون موضوع طلب الغاء أو تعديل من الدول الاعضاء وهذه الطلبات ستكون موضوع مفاوضات ثنائية تجري بين لبنان وكل من الدول الطالبة. والجدير ذكره ان لبنان, اثناء مفاوضات الانضمام هذه, لن يكون بوسعه ان يتقدم في الواقع باي طلب مقابل من أي من الدول التي سيتفاوض معها. فدور المفاوض اللبناني سيكون مقتصراً على إقناع كل من هذه الدول بان ترجع عن طلباتها اوعلى الاقل ان تخفف منها.
نعتقد ان موقف لبنان في مفاوضات الانضمام الثنائية لن يكون ضعيفاً, للأسباب التالية:
أولاً : ان لبنان بلد نام والغاتس تتضمن موادا عديدة كما ذكرنا سابقا توصي بمعاملة الدول النامية بمرونة.
ثانياً : لان قوانين الحماية والتمييز المعمول بها في لبنان هي في الواقع اقل تقييدا للتجارة من القوانين والانظمة المطبقة من قبل دول اخرى عديدة, ومنها دول صناعية. وبالاضافة إلى القيود التي اوردناها سابقاً, نعطي على سبيل المقارنة بعض الامثلة عن القيود على تجارة الخدمات كما تطبقها بعض البلدان الصناعية التي تعتبر من البلدان الاكثر تحريراً لتجارتها الخارجية.
فالولايات المتحدة الاميركية تفرض شرط المعاملة بالمثل فيما يخص الخدمات المالية. كما تخضع المعاملات في عدد من هذه الخدمات لرسوم داخلية (Excise tax )

أعلى إذا كان المورد أجنبياً. وكذلك فهي تفرض بأن يكون جميع اعضاء مجلس ادارة المصارف الوطنية من الاميركيين. وإذا كان المصرف الوطني تابعاً لمصرف أجنبي, فان غالبية اعضاء مجلس الادارة يجب ان تكون من حملة الجنسية الاميركية. وإنتقال الملكية العقارية إلى غير اميركي محظور في بعض الحالات ويخضع لرسوم داخلية أعلى مما إذا تم الانتقال من اميركي إلى اميركي اخر. وممارسة بعض المهن الحرة (محاماة, هندسة الخ ...) يخضع في عدد كبير من الولايات لشرط حيازة الجنسية الاميركية واحيانا كثيرة أيضاً لشرط الاقامة في الولاية نفسها.

وكندا لا تسمح للمصرف الاجنبي بان يعمل في اراضيها الا من خلال شركة تابعة مسجلة في كندا. ولا يسمح للبنك التابع بان يفتح اكثر من فرع واحد الا باذن وزاري. ومن ثم, فان نصف ([53]) اعضاء مجلس الادارة على الاقل يجب ان يكونوا من الجنسية الكندية أو من الحائزين على اقامة دائمة في كندا. وفي بعض المقاطعات الكندية, هناك حد اعلى لنسبة الاسهم في الشركات المالية المسموح بتملكها من قبل الاجانب (10% أو 25%).
وفي بلدان الاتحاد الاوروبي, كثيرا ما تختلف القيود بين بلد واخر. فالدانمارك مثلاً تضع سقفاً على مساحة العقارات المسموح بتملكها من قبل الاجانب, في حين ان المانيا وايرلندا تخضع هذا التملك لترخيص مسبق. والاستثمار الاجنبي في الشركات محدد بنسب عليا لا يجوز تجاوزها في فرنسا, ويخضع لترخيص مسبق في اسبانيا والبرتغال, ولا تستطيع شركة اجنبية ان تنشئ فرعاً أو شركة تابعة لها في فرنسا أو بلجيكا أو المانيا الا من خلال انواع معينة من الشركات تختلف بين بلد واخر. واخيراً , فان الخدمات المهنة الحرة (محاماة, هندسة, الخ ...) محصورة احياناً , في المواطنين من ابناء البلد.
اذن, يستحسن بالمفاوض اللبناني ان يدرس بعناية اللوائح الوطنية لمختلف البلدان الاعضاء النامية والصناعية, وبصورة خاصة لوائح البلدان التي تتقدم منه بطلبات تحرير, الامر الذي قد يساعده كثيراً على الرد على طلباتها.
ثالثاً : واخيراً, ان لبنان بلد مستورد. فوارداته تزيد كثيراً عن صادراته, سواء من السلع أو الخدمات. ومن المتوقع ان يكون الوضع كذلك مع كل من الدول الاعضاء التي سيدخل لبنان معها في مفاوضات ثنائية. إذ غالبا, ان لم يكن دائماً, ما تنحصر الطلبات في الدول المصدرة. فهي وحدها لها مصلحة, على الاقل الآن أو في المستقبل المنظور, بان تُزال أو على الاقل ان تخفف القيود بوجه صادراتها. وموقف لبنان التفاوضي تجاه كل من تلك البلدان التي تبلغ قيمة صادراتها إليه من السلع والخدمات اضعاف قيمة وارداتها منه سيكون موقفاً قوياً جداً.
لهذه الاسباب مجتمعة, وإذا حضر وفد لبناني, مع فريق من المختصين, المفاوضات واحسن التفاوض, فانه من المحتمل جداً ان يتمكن لبنان من الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية دون ان يضطر إلى تقديم التزامات محددة ذات شأن. بتعبير اخر, دون ان يضطر إلى ادخال تعديلات تذكر على قوانينه وأنظمته الحالية العائدة للخدمات.

VII ­ الفوائد التي يجنيها لبنان من الانضمام إلى “الغاتس”
نصل الآن إلى السؤال: مقابل القيود, الخفيفة كما نرجح, التي سيضعها الانضمام إلى “الغاتس” على حرية لبنان في إدارة سياسة تجارته الخارجية المتعلقة بالخدمات, ما هي الفوائد التي يمكن للبنان ان يحصل عليها من هذا الانضمام؟ نظرياً, ثمة ثلاث فوائد, سنعرضها تباعاً حسب اهميتها, بادئين بالتي نعتبرها الاقل اهمية:
الفائدة الاولى للبلد الذي ينضم إلى الغاتس هي امكانية الاستفادة من آلية حل الخلافات التي تنص عليها. فإذا فرض بلد عضو في المستقبل على الخدمات التي يصدرها لبنان إليه قيوداً تتعارض مع التزامات البلد المذكور في اطار “الغاتس” فانه يصبح بإمكان لبنان ان يتقدم بشكوى إلى مجلس الخدمات في الغاتس, وان لزم الامر, إلى هيئة حل الخلافات في منظمة التجارة العالمية.
ان آلية حل الخلافات في “الغاتس” غير مفتوحة الا للدول الاعضاء فيها. هذه الآلية, ولأسباب معنوية, مفيدة بوجه خاص إذا كان البلد الشاكي هو بلد نام والبلد المشكو منه هو بلد صناعي, لكن لبنان لن يحتاج في الواقع إلى تلك الآلية, على الاقل في تعامله مع البلدان غير العربية, طالما بقي بلداً مستورداً للخدمات وليس بلداً مصدراً لها. فكون وارداته تزيد عن صادراته مع البلدان غير العربية امر يمنحه امكانية حل أي خلاف تجاري قد يطرأ مع احدها بمفاوضات ثنائية خارج اطار “الغاتس”. لكن آلية حل الخلافات يمكن ان تصبح مفيدة للبنان إذا تحول في المستقبل إلى بلد مصدر للخدمات.
الفائدة الثانية لانضمام لبنان إلى الغاتس هي الاستفادة من تدابير التحرر التي تتبادلها الدول الاعضاء في المفاوضات التي تجري في ما بينها, والتي تطبق على بقية الدول الاعضاء عملاً بمبدأ الدولة الاكثر رعاية, باستثناء حالات الاعفاءات.
ان لبنان يستفيد عملياً من تدابير التحرير تلك, بمعنى انها ستطبق عليه, حتى ولو بقي خارج “الغاتس” صحيح ان مبدأ الدولة الاكثر رعاية لا يسري قانوناً الا بين البلدان الاعضاء في “الغاتس”. لكن الخبرة دلت على ان هذا المبدأ يطبق في الواقع على جميع البلدان, بما فيها غير الاعضاء ([54]). ولبنان استفاد مثلاً من جميع تدابير التحرير في تجارة السلع التي تبادلتها الدول الاعضاء في الغات, على الرغم من انه لم يكن عضواً فيها. ومن شبه المؤكد انه سيبقى يستفيد في المستقبل من جميع تدابير التحرير في تجارة الخدمات, التي ستتبادلها الدول الاعضاء في الغاتس, حتى ولو لم ينضم اليها.
وبهذه المناسبة, يجدر التوقف عند موضوع المفاوضات حول تحرير الخدمات بين لبنان والاتحاد الاوروبي, والتي كان الطرف اللبناني قد طلب فتحها, في اطار مشروع اتفاقية الشراكة بين الطرفين. وقد قدم المفاوض اللبناني للوفد الاوروبي المفاوض لائحة تفصيلية بالقوانين والانظمة والتعليمات الادارية العائدة للخدمات, والمعمول بها حاليا في لبنان. وسيقوم الطرف الاوروبي بعد دراستها بتعيين التزامات التحرير التي سيطلبها من لبنان لقاء افادة لبنان من لائحة الالتزامات المحددة التي سبق الاتحاد الاوروبي ان قدمها في اطار “الغاتس”. لكن لبنان يستفيد في الواقع, كما اشرنا اعلاه, من التزامات الاتحاد الاوروبي هذه, سواء انضم إلى الغاتس ام لا, وسواء عقد اتفاق شراكة مع الاتحاد الاوروبي أم لم يعقد. وعليه, فإن الموقف التفاوضي للوفد اللبناني يكون في غير محله. ذلك انه يكون قد ترك الطرف الاوروبي يجره إلى التفاوض حول تقديم تنازلات لقاء تدابير تحريرية اعطاها الاتحاد الاوروبي لغير لبنان في اطار الغاتس, ولبنان يستفيد منها في أي حال. فالوفد اللبناني يجب ان يمتنع عن اعطاء الاتحاد الاوروبي أي إلتزام إلا لقاء إلتزامات جديدة مقابلة من الاتحاد الاوروبي للبنان في اطار “إتفاق الشراكة زيادة” عن الالتزامات المحددة التي سبق للاتحاد الاوروبي ان قدمها في اطار “الغاتس”. لكن هذا التبادل في المعاملات التفضيلية بين لبنان و الاتحاد الاوروبي لن يكون ممكناً إلا ضمن الشروط المنصوص عليها في المادة الخامسة من اتفاقية الغاتس, بسبب كون الاتحاد الاوروبي عضو فيها. الامر الذي يعني أن تحرير تبادل الخدمات بين الطرفين المذكورين يجب ان يحصل في اطار اقامة مشروع تكامل اقتصادي بينهما.
أما الفائدة الثالثة من الانضمام إلى الغاتس, والتي تعتبر الاهم في نظرنا, فهي: اعطاء البلد العضو من خلال المفاوضات التي ستنظم في اطار “الغاتس”, الفرصة لان يزيل العوائق الموضوعة لدى البلدان الاعضاء الأخرى امام صادراته من الخدمات اليها, في الحاضر أو المستقبل. ففتح الاسواق الخارجية امام السلع والخدمات التي ينتجها البلد هو الهدف الرئيسي لاشتراكه في كل مفاوضات وانضمامه إلى أي اتفاقية. وهذا طبعاً ينطبق على الانضمام إلى “الغاتس”. واتفاقية “الغات” السابقة, كما اتفاقية منظمة التجارة العالمية وملاحقها, ومنها الغاتس التي حلت محلها, ما وجدت اصلاً الا بسبب حاجة البلدان التجارية الكبرى لفتح الاسواق الخارجية امام سلعها وخدماتها.
وماذا عن لبنان؟ لبنان غير مهيأ في الحاضر, ولن يكون مهيأ في المستقبل القريب, لتصدير الخدمات إلى البلدان غير العربية. وان الخدمات التي تقدم في هذه البلدان (غير العربية) من قبل الشركات اللبنانية أو التابعة لها, انما تقدم بصورة رئيسية واحياناً شبة كلية للبنانيين الموجودين خارج لبنان. وهناك إقتناع لدى العديد من الاختصاصيين بان لبنان يحتاج إلى تفعيل قطاعاته الخدماتية وزيادة مؤهلاتها قبل ان يكون له أي حظ حقيقي, من جهة, في الاستمرار في تصدير الخدمات إلى بعض البلدان العربية, ومن جهة ثانية, في امكانية تصديرها إلى خارج المنطقة العربية. وإذا صح ذلك, فان افادة لبنان من الغاتس باعتبارها تتيح له امكانية فتح الاسواق امام صادراته من الخدمات, من خلال جولات المفاوضات المتعددة الأطراف التي تنظم في اطارها, ستكون افادة نظرية, ولن تلقى ترجمة عملية, على الاقل في المستقبل القريب.
بالاضافة إلى ما تقدم, نذكر إن آلية المفاوضات في الغاتس التي ترتكز على المفاوضات الثنائية ([55]) وتعميم نتائجها على جميع البلدان الاعضاء تحصر في الواقع امكانية التفاوض والمصلحة في التفاوض في البلدان المصدرة الرئيسية. ولا ينتظر ان يصبح لبنان في المستقبل المنظور مصدراً رئيسياً لاي خدمة والى أي بلد غير عربي. وهذا يشكل سبباً آخر لمحدودية مساهمته بصورة فعالة في المفاوضات المتعددة الأطراف المقبلة.
ماذا يبقى من الفوائد التي يمكن ان يجنيها لبنان من إنضمامه إلى الغاتس؟ لا شئ يذكر. فلبنان يستفيد في الواقع من تدابير التحرير التي تتبادلها البلدان الاعضاء فيما بينها, حتى ولو بقي خارج الغاتس. ولبنان لن يكون في المستقبل المنظور على الاقل في وضع يسمح له بان يكون مصدراً رئيسياً لاي خدمة إلى خارج المنطقة العربية, وبالتالي لن يتمكن من الاستفادة من عضوية الغـــاتـس للاشتراك بفعالية في المفاوضات التجارية التي ستنظمها. تبقى امكانية استفادته من آلية حل الخلافات في الغاتس, وهي فائدة ثانوية بطبيعتها, ولبنان لن يحتاج اليها في الواقع الا إذا اصبح بلداً مصدراً.

الخلاصة والتوصيات
ان اتفاقية الغاتس التي هي جزء لا يتجزأ من اتفاقية منظمة التجارة العالمية, والتي لا يمكن الانضمام اليها الا من خلال الانضمام إلى هذه المنظمة, تشكل اداة فعالة لتحرير تجارة الخدمات العالمية. والتحرير فيها يتم تدريجياً عن طريق المفاوضات. ولا تلتزم كل دولة عضو الا بما تراه مناسباً لمصالحها ولقاء التزامات مقابلة ومتوازنة من الدول الاعضاء الاخرى. والغاية ان تشمل فوائد التحرير جميع البلدان الاعضاء.
قد أضيفت “الغاتس” إلى “الغات” نتيجة للتقدم التكنولوجي, خاصة في المعلوماتية والمواصلات. وهي تلبي حاجة رئيسية لدى الدول الصناعية إلى ايجاد اسواق خارجية للخدمات التي تنتجها. وعلى الرغم من فائدة الغاتس الكبرى لاقتصاديات الدول المشار اليها اعلاه, فان الفوائد التي يمكن لبلد صغير ونام ومستورد بصورة رئيسية كلبنان ان يجنيها من الانضمام اليها ضئيلة جداً, لاسباب عدة اهمها ان لبنان كغيره من البلدان غير الاعضاء, خاصة النامية منها, يستفيد في الواقع من تدابير التحرير التي تتبادلها البلدان الاعضاء في المفاوضات فيما بينها, والتي يجري تعميمها على الجميع عملاً بمبدأ الدولة الاكثر رعاية, حتى ولو بقي لبنان خارج “الغاتس”. في المقابل فإن لكلفة انضمام لبنان إلى هذه الاتفاقية, من حيث تقييد حريته في حماية انتاجة الداخلي بوجه خاص, قد تكون بدورها غير ذات شأن, لا سيما إذا احسن الجانب اللبناني التفاوض.
إذاً, انضمام لبنان ذو فائدة وكلفة ضئيلتين جداً, اقله في الوقت الحاضر. اما إذا تمكن لبنان في المستقبل من ان يعيد تنظيم بنيته الاقتصادية بحيث يجعل اقتصاده اكثر فعالية وقدرة على المنافسة والتصدير إلى الاسواق الخارجية, بما فيها غير العربية, فان فائدة انضمامه إلى الغاتس تصبح اكبر. لذلك وحيث انه من المتوقع ان تزداد كلفة الانضمام إلى الغاتس مع الوقت, فاننا نرى انه من الافضل للبنان ان ينضم اليها اليوم من ان ينضم اليها غداً.
ختاماً, نذكر ان مفاوضات الانضمام إلى الغاتس, كجميع المفاوضات التجارية بين بلدين أو اكثر, ومنها طبعاً المفاوضات بين لبنان و الاتحاد الاوروبي حول اتفاقية الشراكة, هي مفاوضات تقوم بها وفود رسمية تمثل الدول المعنية. لكن هذه المفاوضات تهم ايضاً القطاع الخاص في لبنان, لما لها من نتائج مباشرة عليه. ثم ان الرسميين, من سياسيين واداريين, الذين يمثلون لبنان في المفاوضات يحتاجون إلى معلومات لا يمكن ان يحصلوا عليها الا من القطاع الخاص. فالمفاوض اللبناني يحتاج, من جملة ما يحتاج إليه, ان يعرف ما هي الخدمات التي بامكان لبنان ان يصدرها إلى البلد الذي يجري التفاوض معه, اليوم أو في المستقبل القريب (اقل من خمس سنوات), وكيف سيحصل هذا التصدير, أي بأي وسيلة من الوسائل الاربع المنصوص عليها في اتفاقية الغاتس (الارسال عبر الحدود, الاستهلاك في الخارج, اقامة حضور دائم في الخارج, وأخيراً إنتقال الاشخاص اللبنانيين مؤقتاً إلى الخارج لتقديم الخدمة)؟ وما هي القيمة التصديرية للصادرات المحتملة من كل خدمة؟ فبدون هذه المعلومات الموجودة بطبيعتها لدى القطاع الخاص, لا يستطيع المفاوض اللبناني ان يعرف ما هي العوائق امام تجارة الخدمات الموجودة لدى الطرف الاخر, والتي يجب ان يطالب بازالتها. فالمطالب اللبنانية في المفاوضات, إذا وجدت, لا يمكن ان تحدد في نظرنا الا بمعاونة وشراكة القطاعات اللبنانية المنتجة, صاحبة العلاقة.
في المقابل, يحتاج المفاوض اللبناني ان يعرف ما هي النتائج المحتملة على الانتاج اللبناني من كل خدمة لكل من مطالب التحرير الذي تطلبها الجهة التي يتفاوض معها. وهذا يتطلب أيضاً معاونة القطاعات اللبنانية المختصة. وعلى اساس هذه المعلومات يتمكن المفاوض اللبناني من معرفة ما هي المطالب التي يمكن قبولها وتلك التي يتوجب رفضها أو تعديلها. فتضافر جهود القطاع العام والقطاع الخاص وأهل الاختصاص هو المنهج الذي اتبعته وتتبعه معظم دول العالم في مفاوضات كهذه والذي يجب ان يتبع ايضاَ في لبنان.
وعليه, من المستحسن, بل من الضروري ان تتعاون السلطات اللبنانية مع مختلف موردي الخدمات اللبنانيين المعنيين وان تشركهم في التحضير لمفاوضات الانضمام إلى “الغاتس” اشتراكاً فعالاً. وبدون هذا الاشتراك الفعال, لا نرى كيف يستطيع الطرف اللبناني الرسمي وحده ان يسير في هذه المفاوضات وان يحصل فيها على الشروط الاكثر ملاءمة للمصلحة اللبنانية. نقول هذا لان المفاوضات التجارية مع الاتحاد الاوروبي حول اتفاقية الشراكة التي بدأت منذ اكثر من سنتين, تقوم بها السلطات الرسمية اللبنانية في الواقع وحدها بمعزل عن القطاع الخاص. نحن نرى في ذلك تقصيراً ربما لا تقع مسؤوليته عليا لقطاع العام وحده, بل أيضاً على مختلف هيئات القطاع الخاص التي لم تظهر حيال المفاوضات الاهتمام الذي تستحقه, أو لم تقم بالضغط الكافي.

[1] إنظر: د. زكريا فوّاز, “الغات في ضوء تطور الفكر والوقائع الإقتصادية”, مجلة إتجاه, العدد التاسع, السنة الثانية, نيسان­أيار, 1998, بيروت, ص. ص. 260 ­ 277.

[2] Jacob VINER, زStudies in the theory of International tradeس, London, 1937, pp. 1 - 118.

[3] من الملاحظ أنه مع نهاية كل قرن, يشهد الفكر أزمة تؤدي في أكثر الأحيان إلى ولادة تيارات جديدة...

[4] د. إبراهيم العيسوي, “الغات وأخواتها, النظام الجديد للتجارة العالمية ومستقبل التنمية العربية”, مركز دراسات الوحدة العربية, بيروت, 1995.

[5] نادى آدم ســمــيث بذلك في كتابه “ثروة الأمم” عام 1776, وهو عام البداية العلمية لعلم الإقتصاد, وذلك حسب آراء بعض المفكرين. وتعرف فكرة سميث “بنظرية التكاليف المطلقة”: وأساس دعوته للتخصص وتقسيم العمل الدوليين هو الإنتاج من سلعة معينة, في دولة ما, إذا تمتعت بميزة مطلقة أي نفقة مطلقة أقل, فإن هذا كافياً لقيام التجارة الخارجية بين تلك الدولة والدول الأخرى التي تتمتع بميزات مطلقة أخرى أو بنفقة مطلقة أقل في إنتاج سلع أخرى, فيحدث التبادل بينهما.
Adam SMITH (1723 - 1790)

, زAn Inquiry Into the Nature and Causes of THE WEALTH OF NATIONSس, London, 1776, see last édition, Modern Library Edition, New York, 1994, Book IV, chapter VIII: Conclusion of the Mercantile system, pp 694 -717.
د. صبحي قريصة و د. مدحت العقاد, “النقود و البنوك و العلاقات الإقتصادية الدولية”, دار النهضة العربية, بيروت, 1983, ص. ص. 267 ­- 270.

[6] الغات هي الإختصار الشائع للعبارة الإنكليزية التي تعني الإتفاقية العامة للتعريفات والتجارة, أو الإتفاقية العامة بشأن الرسوم الجمركية والتجارة.
GATT = General Agreement on Tariffs and Trade / Accord Général sur le Commerce et les Tarifs Douaniers.

[7] International Monetary Funds; Fonds Monétaire International (FMI)

[8] United Nation Conference on Trade and Development (U.N.C.T.A.D)

/ Conférence des Nations-Unies pour le Commerce et le Développement (CNUCED)

[9] P. EVANS & J. WALSH, زGuide to the New GATTس, The E. I. U.

Economist Intelligence Unit), London, 1994, p. 10.

[10]  (Contracting Parties)

وطبقاً لبروتوكول الغات, عندما ينصرف أحد نصوص الإتفاقية إلى عمل مشترك أي إلى جملة الدول المنضمة إلى الإتفاقية فإن عبــارة “الأطراف المتـــعاقدة” تكتب بالإنكليزية بالحروف الكبيرة أي (CONTRACTING PARTIES)

. أما عندما يشار إلى تصرف منفرد قد تتخذه دولة من الدول المنضمة, فحينئذ تكتب عبارة “الأطراف المتعاقده” بالحروف الإنكليزية الصغيرة أي (contracting parties)

. أنظر د. إبراهيم العيسوي, “الغات وأخواتها, النظام الجديد للتجارة العالمية ومستقبل التنمية العربية”, ذكر سابقاً, ص. 13.

[11] بمقتضى جولة أوروغواي, إجتمع, في 15 نيسان 1994, ممثلو 118 دولة في مراكش للتوقيع المبدئي على ما تمحضت عنه جولة الأروغواي وعلى ضوء ذلك خرجت المنظمة الدولية التي أطلق عليها إسم “منظمة التجارة العالمية” (WTO)

. أنظر د. إبراهيم العيسوي, “الغات وأخواتها, النظام الجديد للتجارة العالمية ومستقبل التنمية العربية”, ذكر سابقاً, ص. 7.

[12] من أجل إعداد هذه الوقائع الإقتصادية, إستعملنا المراجع التالية:
D. GARREAU, P. DULLIARD et T. FLORY, زDroit international économique, 2me édition, Librairie Générale de Droit et de Jurisprudence, Paris, 1980, 630 pages. Y. CROZET, زLصanalyse économique ˆ lصépreuve de lصHistoireس, Edition Marketing, Collection Ellipses, Paris, 1989, 430 pages. P. BAIROCH, زPour sortir de la crise: libre échange ou protectionnismeس, in Revue Economie et Humanisme, n277; mai-juin 1984, dossier.

[13] زكريا فواز “الغات في ضوء تطور الفكر والوقائع الإقتصادية”, المرجع السابق, ص.ص. 260­277.

[14] مروجو الحركة النيوليبرالية الأوائل هما: (J. RUEFF & W. LIPPMAN)

. ولدت هذه الحركة نتيجة فشل الإقتصاد الليبرالي الحر.
Cf. Ahmed SILEM (sous la direction)

, زLexique dصéconomieس, Dalloz, Paris, 1987, p. 313.

[15] عبد العزيز هــيكـل “موســوعة المصطلحات الإقتصـادية والإحصائيــة “, دار النهضة العربية, بيروت, 1986, ص. ص. 348 ­ 349.

[16] Emmerich de VATTEL (1714 - 1767)

, diplomate suisse, conseiller dصAuguste III de Saxe(1746)

, puis son représentant ˆ Berne.

[17] E. de VATTEL doit sa célébrité ˆ un important Traité sur le droit des gens (sous-titre: Pricipres de la loi naturelle appliquée ˆ la conduite et aux affaires des nations et des souverains, 1758)

. Cet ouvrage a constitué une des sources du droit international moderne.

[18] زكريا فواز, “الغات في ضؤ تطور الفكر والوقائع الإقتصادية”, المرجع السابق, ص.ص. 260 ­ 277.

[19] إن القسم الأكبر والأهم لفلسفة لآدم سـميث (Adam SMITH)

صاغها عام 1759, في كتاب نظرية المـــــيول الأخلاقية (The Theory of Moral Sentiments)

, إذ يعالج أهمية ودور الأخلاق والآداب ...علماً أن آدم سميث كان أستاذ لفلسفة الأخلاق في جامعة غلاسكو (Glasgow)

ورغم أنه يعرف “بنبي الليبرالية” في المجال الإقتصادي, إذ أن نظرياته التي تضمنها كتابه أبحاث حول طبيعة وأسباب ثروة الأمم, لم يصدر إلا لاحقاً أي عام 1776, وذلك بعد إقامته في فرنسا ومعاشرته لليبراليين الفرنسيين أمثــــال كينيه (Quesnay)

وتورغو (Turgot)

, إنظر د. زكريا فواز, “مساهمة نظرية في دراسة الإقتصاد السياسي للرشوة”, دراسات عربية, العدد 5­6, آذار ­ نيسان, 1997, بيروت, ص. 89.

[20] Adam SMITH, The Theory of Moral Sentiments, Glasgow, 1759. Last edition edited by D. D. Raphael and A. L. Macfie, Liberty Fund, Indianapolis, Indiana, 1976.
Adam SMITH, Théorie des Sentiments Moraux, traduit sur la septime édition, par Mme de GROUCHY, Marquise de CONDORCET, chez Barrois lصAiné, Libraire, Paris, 1830.

[21] Adam SMITH, An Inquiry into the nature and causes of THE WEALTH OF NATIONS, London, 1776, Last edition, Modern Library Edition, New York, 1994.

[22] Thomas PAINE (1737 - 1809)

, homme politique et pamphlétaire américain. Il devint citoyen franais aprs 1791 et entra ˆ la Convention comme délégué girondin. Ce fut dans la prison de Luxembourg o Robespierre le fit renfermer quصil rédigea le Sicle de raison (the age of Reason, 1794 - 1796)

[23] Joseph TCHUNDJANG POUEMI, Monnaie servitude et liberté, Editions Jeune Afrique, Dakar, Sénégal, 1981, pp. 217 - 219.
إنظر: زكريا فواز, “الغات في ضوء تطور الفكر والوقائع الإقتصادية”, المرجع السابق, ص.ص. 260 ­ 277, ص. 273.

[24] د. عبد الهادي يمـوت, “العولمة وأثرها في الدول العربية من خلال إتفاقية الغات”, دراسات لبنانية, العدد 56, ربيع وصيف 1997, بيروت, ص.ص. 103 ­ 124. إنظر أيضاً: فرانس تواني, “التجارة سلاح كلينتون المفضل”, لوموند ديبلوماتيك, كانون الثاني 1994.

[25] :Bretton Woods مؤتمر دولي عقد في بريتون وودز, نيوهمشاير في الولايات المتحدة الأمريكية في تموز 1944 لمناقشة الإقتراحات التي قدمتها كل من بريطانيا و الولايات المتحدة و كندا فيما يتعلق بمشاكل موازين المدفوعات الدولية (International Payments)

بعد إنتهاء الــحـرب العــالــمية الثانية. و قد أدى النقاش في هذا المؤتمر إلى الإتفاق على إنشاء صندوق النقد الدولي (International Monetary Fund)وكذلك البنك الدولي للإنشاء و التعمير.

[26] Banque Internationale pour la Reconstruction et le Développement.

[27] إيمان يونس, “مفكرة عن الإتفاقية العامة للتعرفات والتجارة (GATT)

“, وزارة الخارجية, الجمهورية اللبنانية, بيروت, في 21 تشرين أول 1995, ص. 1.

[28] وطبقاً لبروتوكول الغات, عندما ينصرف أحد نصوص الإتفاقية إلى عمل مشترك أي إلى جملة الدول المنضمة إلى الإتفاقية فإن عبارة “الأطراف المتعاقدة” تكتب بالإنكليزية بالحروف الكبيرة أي (CONTRACTING PARTIES)

أما عندما يشار إلى تصرف منفرد قد تتخذه دولة من الدول المنضمة, فحينئذ تكتب عبارة “الأطراف المتعاقده” بالحروف الإنكليزية الصغيرة أي (contracting parties)

إنظر د. إبراهيم العيسوي, “الغات وأخواتها, النظام الجديد للتجارة العالمية ومستقبل التنمية العربية”, المرجع السابق, ص. 13.

[29] عـــادل عبــــد الســــلام, “الدول العربية من الغات إلى منظمة التجارة العالمية”, وزارة الخارجية, جمهورية مصر العربية, القاهرة, أوكتوبر 1995, ص. 6.

[30] عـــادل عبــــد الســــلام, “الدول العربية من الغات إلى منظمة التجارة العالمية”, المرجع السابق, ص. 2.

[31] إيمـــــان يـــونــــــس, “مفكرة عن الإتفاقية العامة للتعرفات والتجارة (GATT)

“, وزارة الخارجية, الجمهورية اللبنانية, بيروت, في 21 تشرين أول 1995, ص. 1.

[32] المصادر: عـــادل عبــــد الســــلام, “الدول العربية من الغات إلى منظمة التجارة العالمية”, المرجع السابق, ص 6 ­ 7. & (OMC, Un commerce ouvert sur lصavenir, Division de lصInformation et Des Relations avec les Média, Genve, 1995, p. 9)

.[33] تعتبر منظمة التجاره العالمية (WTO- OMC)

هي الهيكل التنظيمي والإطار المؤسسي الذي يتولى الإشراف على تنفيذ نتائج جولة الأورغواي وكذلك المحفل الذي تجري في إطاره المفاوضات التجارية متعددة الأطراف الذي حل محل إتفاقية الغـات ذات الطبيعية المؤقته. وتتمتع المنظمة بشخصية قانونية مستقلة وتلعب الدور الأساسي في تطبيق النظام التجاري الدولي وهي بمثابة الضلع الثالث لمثلث إتفاقيات “بريتون وودز” للنظام الإقتصادي الدولي إلى جانب كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للتعمير والتنمية.

[34] إيمـــــان يـــونــــــس, “مفكرة عن الإتفاقية العامة للتعرفات والتجارة (GATT)

“, وزارة الخارجية, الجمهورية اللبنانية, بيروت, في 21 تشرين أول 1995, ص. 1.

[35] إيمـــــان يـــونــــــس, “مفكرة عن الإتفاقية العامة للتعرفات والتجارة (GATT)

“, نفس المصدر, ص. 2.

[36] د. إيلي يشـــــوعــــــي, “أين لبنان من إتفاق الغات؟”, جريدة النهار, الأربعاء, 6 أيار 1998, ص. 1. في الواقع هناك طلب خطي موقع من الوزيرين فؤاد السنيورة والوزير دمرجيان. ولكن دب خلاف بين ثلاث وزارات هي: وزارة الخارجية ووزارة المالية ووزارة الإقتصاد والتجارة, حول من له الحق في إبرام وملاحقة هذه الإتفاقية الدولية. ولكن يبدو أن رئاسة مجلس الوزراء حسمت الموضوع لصالحها...

[37] انظر: د. كمال حمّاد, “انتقال لبنان إلى عضوية منظمة التجارة العالمية”, المستقبل, 31/12/2000, ص. 19.

[38] إنظر: د. إيلي يشـــــوعــــــي, “أين لبنان من إتفاق الغات؟”, جريدة النهار, الأربعاء, 6 أيار 1998, ص. 1.

[39] Most Favoured Nation)

), هذا المبدأ منصوص علية في المادة الأولى من إتفاقية الغات ويقصد به أن أي ميزة أو حصانة أو معاملة تفضيلية أخرى (تتعلق بالتعريفات الجمركية أو الرسوم الأخرى أياً كان نوعها, المفروضة على الإستيراد أو التصدير, أو في ما يتعلق بتحويل المدفوعات الدولية لتمويل الصادرات أو الواردات, أو بالنسبة إلى القواعد والإجراءات المتصلة بالتجارة الدولية) يمنحها طرف متعاقد للمنتج الناشىء في أية دولة أخرى (متعاقدة أو غير متعاقدة لا فرق) أو المنتج المتجه إليها, سوف تمنح فوراً, من دون قيد أو شرط, لكل الدول المتعاقدة الأخرى في الغات. أنظر د. إبراهيم العيسوي, “الغات وأخواتها, النظام الجديد للتجارة العالمية ومستقبل التنمية العربية”, ذكـر سابقاً, ص. 17.

[40] انظر: د. كمال حمّاد, “انتقال لبنان إلى عضوية منظمة التجارة العالمية”, جريدة المستقبل, 31/12/2000, ص. 19.

[41] نشكر الدكتور كمال حماد على مقالته المختصرة والقيمة لوضع لبنان الحالي من منظمة الغات. مما أتاح لنا تحيين (actualiser)

دراستنا للموضوع. انظر: د. كمال حمّاد, “انتقال لبنان إلى عضوية منظمة التجارة العالمية”, جريدة المستقبل, 31/12/2000, ص. 19.

[42] بعضهم يتحدث عن إتفاقية مراكش أو جولة مراكش أو مراكش راوند ... في كل الأحوال, إجتماع مراكش أعطى الصفة الرسمية للمواضيع التي تناولتها جولة الأورغواي.

[43] الإتفاقات “المتعددة الأطراف” (Multilateral Agreements)

يجري تطبيقها على جميع الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية. وهذه الإتفاقات مدرجة في الملحق رقم 4 من: (GATT, The results of the Uruguay Round of Multilateral Trade Negotiations: The Legal Texts)

.
أنظـــــر: د. إبراهيم العيسوي, “الغات وأخواتها, النظام الجديد للتجارة العالمية ومستقبل التنمية العربية”, مصدر ذكـر سابقاً, ص. 29.

[44] “إتفاقـــــات جمعية” (Plurilateral Agreements)

, الدخول في هذا النوع من الإتفاقات هو إختياري, ولا يترتب على إبرام هذه الإتفاقات التمتع بأية حقوق أو الإلتزام بأية تنازلات إلا بالنسبة إلى الأطراف المنضمة إلى هذه الإتفاقية. أنظر: د. إبراهيم العيسوي, “الغات وأخواتها, النظام الجديد للتجارة العالمية ومستقبل التنمية العربية”, مصدر ذكـر سابقاً, ص. 29.

[45] (Most Favoured Nation principle)

, هذا المبدأ منصوص علية في المادة الأولى من إتفاقية الغات ويقصد به أن أي ميزة أو حصانة أو معاملة تفضيلية أخرى (تتعلق بالتعريفات الجمركية أو الرسوم الأخرى أياً كان نوعها, المفروضة على الإستيراد أو التصدير, أو في ما يتعلق بتحويل المدفوعات الدولية لتمويل الصادرات أو الواردات, أو بالنسبة إلى القواعد والإجراءات المتصلة بالتجارة الدولية) يمنحها طرف متعاقد للمنتج الناشىء في أية دولة أخرى (متعاقدة أو غير متعاقدة لا فرق) أو المنتج المتجه إليها, سوف تمنح فوراً, من دون قيد أو شرط, لكل الدول المتعاقدة الأخرى في الغات. أنظر د. إبراهيم العيسوي, “الغات وأخواتها, النظام الجديد للتجارة العالمية ومستقبل التنمية العربية”, ذكـر سابقاً, ص. 17. إنظر أيضاً زكريا فواز, “الغات في ضؤ تطور الفكر والوقائع الإقتصادية”, المرجع السابق, ص.ص. 260 ­ 277, الصفحة 267 والصفحة 268.

[46] الامر نفسه ينطبق على السلع.

[47] في الواقع يحتوي النموذج الموحد على عمود خامس مخصص للالتزامات الاضافية التي قد يرغب البلد في تقديمها. لكن الواقع اثبت انه نادراً ما يذكر فيه شيء ... لذلك جرى اهماله.

[48] هذه المفاوضات لم تنته حتى تاريخ اعداد هذه الدراسة.

[49] يوجد ايضا ملحق ثان للغاتس يتعلق بالخدمات المالية. لكنه يقتصر على اعطاء الدول الاعضاء مهلة معينة, فات اوانها, لكي تدخل, فيما يخص هذه الخدمات, تعديلات على الالتزامات المحددة وكذلك على الاعفاءات من مبدأ الدولة الاكثر رعاية, التي كانت تقدمت بها.

[50] كان من المفترض ان تنتهي في آخر حزيران 1995, ولكن جرى تمديدها حتى 28 تموز 1995.

[51] في هذا الصدد, تم اعتبار دول المجموعة الاوروبية كدولة واحدة.

[52] ان مسألة ما إذا كان تحرير التجارة الخارجية يشكل كلفة اقتصادية ام لا هي خارجة عن اطار دراستنا. يكفينا هنا ان نذكر ان التحرير, حسب غالبية الاقتصاديين, يؤدي في النهاية إلى استعمال افضل لموارد البلد, فتتحسن الانتاجية فيه وتتدنى كلفة الانتاج, وتنخفض الاسعار, ويرتفع الدخل الوطني وكذلك الإستهلاك. لكن التحرير يؤدي ايضاً, وبطبيعته, إلى ان تتوقف عن العمل الوحدات الانتاجية غيرالفعالة, التي كانت مدينة بوجودها إلى الحماية. والى ان تجد عوامل الانتاج التي تتعطل عن العمل نشاطات جديدة, فان الاقتصاد الوطني يصاب بخسارة توصف بالانتقالية (Transitory)

زد على ذلك ان الحماية, إذا أحسن استعمالها, يمكن ان تساعد في بناء وتعميق مهارات وخبرات في البلد, تصبح فيما بعد عنصراً أساسيا في خلق ميزات تفاضلية جديدة,

[53] وكذلك, فإن كندا تفرض أن تكون غالبية أعضاء مجلس إدارة الشركات المنظمة وفقاً للقوانين الفدرالية من حاملي الجنسية الكندية. وفي بعض المقاطعات الكندية, تحدد القوانين تملك الأراضي من قبل الأجانب بمساحة قسوى معينة, أو تخضع هذا التملك لضريبة تفوق الضريبة الموضوعة على تملك الكنديين. كما أن ممارسة بعض المهن الحرة (هندسة معمارية, خدمات هندسية أخرى, محاماة, الخ ...) محصورة في عدد من المقاطعات بحاملي الجنسية الكندية او الحائزين على الإقامة الدائمة في كندا.

[54] هناك استثناء واحد على ذلك, حسب علمنا, هو الولايات المتحدة الاميركية التي تحرم احياناً أو تهدد بحرمان بعض البلدان غير الاعضاء في منظمة التجارة العالمية (الغات سابقا) من مبدأ الدولة الاكثر رعاية , تطبيقاً لسياستها التجارية.

[55] المفاوضات حول الانظمة التي ترعى الخدمات لا يمكن بطبيعتها الا ان تكون ثنائية.