دراسات وأبحاث

من الكباش النووي إلى الاتفاق ايران والغرب: مفاوضات الرابحين
إعداد: د. أحمد علو
عميد متقاعد

«إن عدم الاتفاق النووي مع إيران يعني مواجهة حرب جديدة في الشرق الأوسط». الرئيس الأميركي أوباما - في 5 آب 2015
بعد مفاوضات ماراثونية معقدة وصعبة بين إيران من جهة ومجموعة الدول 5+1 وممثل الاتحاد الأوروبي من جهة ثانية، توصّل الطرفان المتفاوضان إلى اتفاق نهائي حول الملف النووي الإيراني، وتمّ التوقيع عليه (14 تموز 2015) في العاصمة النمساوية فيينا.
هذا الاتفاق جاء ثمرة مفاوضات استمرت ما يزيد على عقد من الزمن (12 سنة)، وهي الأطول في التاريخ الدبلوماسي للولايات المتحدة الأميركية. وقد استخدمت فيها الوسائل الدبلوماسية وأساليب الضغط الاقتصادية والعسكرية المباشرة وغير المباشرة.


لمحة سريعة
يقضي الاتفاق النهائي بالتزام إيران التوقف عن متابعة الأبحاث وأعمال التطوير المتعلقة بتخصيب اليورانيوم في منشأة «فوردو» عند نسبة محددة لا تسمح بإنتاج سلاح نووي (لمدة 15 سنة على الأقل)، وتخفيض عدد أجهزة الطرد المركزي فيها إلى ثلث عددها الحالي تقريبًا، وإخضاع برنامجها النووي السلمي لمراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لقاء رفع تدريجي للعقوبات الدولية المفروضة عليها.

 

رابحان
هذا الاتفاق يعتبر نموذجًا لاستراتيجية ربح - ربح (Win – Win Strategy)، إذ خرج الجميع من المفاوضات وكأن كلًا منهم قد حصل على ما يريد.
فالرئيس الأميركي أوباما اعتبر هذا الاتفاق أفضل «حدث تاريخي» في العلاقات الدولية المعاصرة والعمل الدبلوماسي الأميركي، بل هو «الخيار الأفضل والضروري للأمن القومي الأميركي»، كما اعتبر أن عدم توقيعه من قبل الكونغرس سيشكل خطأً تاريخيًا وخطرًا أكبر على السلام في الشرق الأوسط والعالم. ومن جهتها رأت القيادة الإيرانية فيه، انتصارًا لحقها ومكتسباتها الوطنية والقومية، وطريقًا للانفتاح على العالم وإحلال السلام فيه. كذلك، لقي الاتفاق ترحيبًا واسعًا من قبل الشعب الإيراني. وإذ وصفته صحيفة «التلغراف» البريطانية بأنه «أسوأ اتفاق في تاريخ الولايات المتحدة الدبلوماسي»، فإن معظم دول العالم والصحف الأميركية والأجنبية والإيرانية رأت فيه إنجازًا تاريخيًا. أما رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فوصفه بأنه «خطأ تاريخي».

 

مجلس الأمن: موافقة دولية
في ما يتعلق به، وافق مجلس الأمن على الاتفاق بالإجماع (20 تموز 2015) وذلك في قراره الرقم 2231. وبموجب هذا القرار (وهو خارج البند السابع) يصادق مجلس الأمن على «اتفاق فيينا» ويحث على تطبيقه بالكامل وفق الجدول الزمني الذي أعده المفاوضون، ويدعو الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى تسهيل تنفيذه، وقد اعتبر الرئيس الأميركي أن قرار مجلس الأمن بمثابة موافقة دولية على هذا الإنجاز التاريخي، ودعا الشعب الأميركي إلى تأييده.
وبموجب هذا القرار، يكلف مجلس الأمن الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالقيام بعمليات التحقق والمراقبة الضرورية للالتزامات النووية التي وافقت عليها إيران، مثل الحدّ من عدد أجهزة الطرد المركزي وخفض مخزون المواد الانشطارية، والتعاون التام مع الوكالة.
وعند تسلّم المجلس تقريرًا من الوكالة الدولية للطاقة الذرية يؤكد أن البرنامج النووي الإيراني بات سلميًا بالكامل، يتم إلغاء القرارات السبعة التي اتخذتها الأمم المتحدة منذ العام 2006 بفرض عقوبات على إيران، على أن يعاد فرضها تلقائيًا في حال خالفت إيران أيًا من التزاماتها. وتقضي هذه القرارات بحظر بيع إيران معدات أو خدمات ترتبط بأنشطتها النووية، وتجميد أموال شخصيات وشركات إيرانية، وفرض حظر على الأسلحة التقليدية والصواريخ البالستية.

 


موقف الكونغرس
ماذا يحصل إذا رفض الكونغرس التصديق على الاتفاق الذي اعتبره الرئيس أوباما أفضل الممكن في السياسة كبديل عن الحرب؟
على الكونغرس (المؤلف من مجلسي الشيوخ والنواب) أن يصوت على الاتفاق قبل نهاية أيلول الجاري. وفي حال كان التصويت ضدّ إقراره فإنّ للرئيس أوباما وفق الدستور حق نقض قرار الكونغرس. وإذا استخدم هذا الحق (الفيتو) يصبح الكونغرس مدعوًا للتصويت ضدّ «فيتو» الرئيس، الأمر الذي يلزمه ثلثي الأصوات، وهو غير متوافر وفق التحليلات والاحصاءات الأميركية.

 

مفاعيل الاتفاق السياسية
يعتبر الاتفاق بحد ذاته وثيقة اعتراف دولية تسمح لإيران بالعودة إلى المسرح السياسي والاقتصادي في العالم، وقبولًا بدورها الطبيعي في المنطقة كدولة كبرى، بعد عقود من معاملتها كدولة «مارقة» وداعمة لـ«محور الشر» و«حركات الإرهاب» في الإقليم والعالم، وفق التوصيف الغربي لها. وقد تجلّى هذا الاعتراف بالحركة الدبلوماسية التي شهدتها طهران، وزيارات المسؤولين الغربيين لها بُعيد الإعلان عن الاتفاق، وتصريحاتهم الداعية إلى فتح صفحات جديدة في العلاقة معها، والتي تمهد لانفتاح في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية. كما أن الإدارة الأميركية سعت وما زالت تسعى للتأكيد أن الإتفاق مع إيران سيكون عاملًا حيويًا في ترسيخ الأمن والاستقرار، في الخليج والشرق الأوسط، وفي تخفيف حدة التوتر القائم بين دول المنطقة.

 

حسابات الاقتصاد
لن يحدث الاتفاق تغييرًا مباشرًا وفوريًا في وضع إيران الاقتصادي والتنموي على الأرجح، ذلك أنها تحتاج إلى سنوات عديده قبل بلوغ المكانة التي تصبو إليها كدولة تملك القدرات البشرية والموارد الطبيعية الهائلة. فإيران التي تمتد على مساحة مليون و648 كلم2، ويقدّر شعبها بنحو 80 مليونًا، تشكّل سوقي انتاج واستهلاك واسعين، ومركز جذب للاستثمار في قطاعات متعددة. وإذا أجرينا مقارنة بين الإمكانات والموارد في كل من إيران وكوريا الجنوبية مثلًا، وحاولنا تطبيق تجربة الثانية على الأولى مع بعض التعديلات، لأمكننا توقّع مستقبل إيران الاقتصادي الذي يمكن أن يتطور ليشكّل معجزة أخرى في الشرق الأوسط. وربما نسمع بعد فترة تعبير 5+2 بدلًا من 5+1 أو مجموعة G10 للدلالة على مجموعة الدول صاحبة الاقتصادات الأقوى في العالم، والتي ستكون إيران من ضمنها.
إن رفع العقوبات الاقتصادية والتجارية والمالية عن إيران كمقابل لوقف برنامجها النووي، كما نص الاتفاق سيؤدي إلى النتائج الآتية:
- تحرير رؤوس الأموال الإيرانية المجمّدة في الخارج منذ عقود (تقدّر بعشرات المليارات من الدولارات) وعودتها إلى الدورة الاقتصادية الإيرانية، مما يؤدي إلى ارتفاع في دخلها القومي والفردي.
- زيادة في انتاج النفط وفي تصديره. ومن المعروف أن إيران تعتبر الدولة الرابعة في العالم في انتاج النفط واحتياطه، وكانت تصدّر ما يقدّر بنحو 4 ملايين برميل يوميًا قبل فرض العقوبات عليها، وهي تأمل أن تعود إلى هذا الرقم.
- زيادة تصدير الغاز، وبخاصة إلى أوروبا والصين والهند. وإيران هي الدولة الثانية في العالم في احتياط الغاز وانتاجه بعد روسيا الاتحادية وفق معظم المصادر المتعلقة بإنتاج الطاقة.
- تطوير القطاعات الإنتاجية والصناعية، وذلك نتيجة ازدياد الدخل القومي وفتح السوق الإيرانية أمام الاستثمارات ورؤوس الأموال الأجنبية التي بدأت تتدافع لحجز مواطىء أقدام لها في السوق الإيرانية الواسعة. فإيران، وبعد سنوات طويلة من الحصار والعقوبات والضغط، تحتاج إلى تطوير معظم قطاعاتها الصناعية وتحديثها وبخاصة قطاع الطاقة والصناعات النفطية.
- زيادة حجم التجارة الإيرانية استيرادًا وتصديرًا، فالمنتوجات الإيرانية ذات الجودة العالية تحتاج إلى اسواق جديدة لتصريفها كما أن المنتوجات الغربية الجيدة مطلوبة بكثرة في الأسواق الإيرانية.
- تطوير الأسطول التجاري الإيراني الجوي من خلال شراء طائرات مدنية حديثة أو بناء مصانع في إيران وفق المعايير الدولية، مما سيتيح للشركات العالمية سوقًا استثمارية وتنافسية واسعة، ويسمح لإيران بزيادة حركتها الإنتاجية والتجارية العالمية، ويرفع من حركة السياح منها واليها.
- تحديث الأسطول الجوي العسكري، مما سيفتح الباب امام تنافس دولي تجاري لبيع إيران ما تحتاجه من طائرات عسكرية متطورة، مع ما يستتبع ذلك من عقود والتزامات وتعهدات اقتصادية ومالية وربما سياسية أو عسكرية.
- تطوير الأسطول البحري وتزويده السفن المختلفة الأحجام لضمان نقل الغاز والنفط، منها وإليها، وهذا ايضًا سيكون له انعكاساته الإيجابية في حركة التجارة العالمية وزيادة الاستثمارات.

 

في الخلاصات
إن ما تواجهه المنطقة اليوم من حركات إرهابية وتكفيرية وحشية تمعن في شرذمة الدول والناس وتهدد أخطارها كل العالم، بات يفرض حدًا أدنى من العمل المشترك الدولي الحقيقي والشفاف لاستئصال هذه الظاهرة وتجفيف منابعها، وهذا ما يستلزم توظيف كل الامكانات المادية والمعنوية وإيجاد مساحات دولية مشتركة للعمل العسكري الجدّي ضد قوى التطرف وحصرها. وكذلك استخدام وسائل التأثير المعنوية والسياسية لإيجاد حلول سياسية لبعض الأزمات الإقليمية. وإيران، بعد الاتفاق معها، قادرة على الإسهام بقوة في لعب هذين الدورين...

 

المراجع:
www.telegraph.co.uk/News/World News/Middle East/Iran.
www.theguardian.com/World/Irans nuclear programme.
• america.aljazeera.com/topics/topic/issue/us-iran-diplomacy.html
www.theatlantic.com/international/archive/2015/07/iran...
www.bbc.com/news/world-middle-east 33537634.
• Globalsecurity.org.
http://www.radiosawa.com/content/iran-security-council-nuclear-deal-sanctions/275517.