أسماء لامعة

من تقمّص الشخصيات إلى صنعها كلوديا مرشليان: مسيرة نجاح وتألق
إعداد: تريز منصور

بين تقمّص الشخصيات الدرامية وصنع هذه الشخصيات، مسافة غير قصيرة. كلوديا مرشليان التي تألّقت كممثلة وتألّقت أيضًا ككاتبة، حققّت نجاحًا ساهم في نقل الدراما اللبنانية إلى الفضاء العربي بعد سنوات من اعتماد الشاشات اللبنانية على المسلسلات العربية أو تلك المدبلجة.

 

عاشقة المسرح
ولدت كلوديا مرشليان في منطقة الشياح، والدها السيد يعقوب مرشليان (مصمّم مفروشات) والدتها السيدة جوزفين مزهر (ربّة منزل). ظروف الحرب أخذتها إلى منطقة بصاليم (بلدة والدتها)، هناك اختزنت ذاكرتها علاقة الفصول بالأرض والبناء، ولفتتها الإلفة التي كانت موجودة بين الناس. ففي ظروف الحرب الصعبة تساوى الجميع...
عشقت المسرح والتمثيل، وتميّزت تلاوتها للقصص بأسلوب خاص وجذاب، إذ كانت تتخيّل الشخصيات وترسم ملامحها في رأسها، قبل أن تبدأ بالسرد.
تلقّت علومها في مدرسة القلبين الأقدسين- جديدة المتن، واتجهت من ثمّ إلى معهد الفنون الجميلة- فرن الشباك (1987)، حيث تقدّمت من امتحان الدخول بثقة عالية بالنفس. خلال الإمتحان الصعب والذي لا يجتازه الإ القلائل، كان عليها أن تؤدي نصًا من مسرحية «الليدي ماكبيث». كان أداؤها رائعًا، ما جعل اللجنة تطلب منها الإعادة أكثر من مرة. درست أصول المسرح والإيحاء، وتعرّفت إلى الحضارات المختلفة وإلى أعمال كبار الفنانين، قبل أن تنال دبلوم دراسات عليا بالفنون الروائية (1991).

 

الإحتراف والتألّق
خطت كلوديا مرشليان الخطوة الأولى نحو الإحتراف في مسرحية «الثعلب» للأطفال، (من إعداد وإخراج موريس معلوف)، يومها كانت في سن السابعة عشرة، وفي أولى سنوات دراستها الجامعية. بعدها مثّلت في مسرحية «طرّة نقشة» لكميل سلامة، ثم اتّجهت نحو التلفزيـون (1989) فتتـالت أدوارها متألّقة من مسلسل تلفزيوني إلى آخر.
من أبرز تلك المسلسلات «الضحية»، «العاصفة تهبّ مرتين»، «نساء في العاصفة»، «إسمها لا»، «أصابع من ذهب»، «زهرة الخريف»، «إبنتي»، «رجل من الماضي» و«لتكن مشيئتك»، وهنا تؤكد كلوديا أن دور «الأم الريّسة» في هذا المسلسل الذي يعرض حياة القديسة رفقا هو من أفضل الأدوار وأحبّها إلى قلبها. عادت مجددًا إلى خشبة المسرح العام 1992 في «جوز الست» وبعدها «كرمال المحروس»، و«نيال البيت»...


الكتابة الدرامية
لمرشليان تجربة غنيّة وطويلة في الصحافة النقدية، كتبت في «دليل النهار» بين العامين 2002 و2011، غير أن خطوتها الأبرز والأكثر تقدمًا كانت كتابة السيناريو للتلفزيون والسينما، حيث تألّقت وسطع إسمها. خاضت مضمار الكتابة الدرامية في مرحلة كان هذا القطاع يعيش خلالها شحًّا في الكتّاب وفي المنتجين. أعمالها حصدت نجاحًا كبيرًا وباتت مطلوبة في العالم العربي. وبذلك انتقل لبنان إلى مرحلة تسويق الدراما الخاصة به، والخوض في تجربة الإنتاج المشترك مع مصر، سوريا والخليج.
استطاع اسمها تصدّر قائمة الكتّاب، لجهة عدد الأعمال التي أنجزتها. وتنوّعت رحلة الكاتبة التي هجرت التمثيل قسرًا بسبب كثافة العقود مع شركات الإنتاج، بين السيناريوات التراجيديّة والكوميديّة والتاريخيّة والفانتازيا، إضافة إلى حلقات واقعيّة في بداياتها مع شكري أنيس فاخوري (الحل بإيدك). فكان باكورة أعمالها المسلسل التلفزيوني «نضال» (2005) للمخرج سمير حبشي، وقد جذب المشاهد اللبناني المتعطّش إلى الدراما اللبنانية، ثم كرّت السبحة فكانت مسلسلات «الكلمة الأخيرة»، «لونا»، «باب إدريس» و«مدام كارمن».
ومع مسلسل «روبي» (2012) الذي أنتجته شركة «ساما» لقناة الـmbc وأخرجه رامي حنا، كانت شراكة في العمل الدرامي بين لبنان ومصر وسوريا. المسلسل جذب الملايين ونال شهرة واسعة، وأعقبه «جذور»، «أجيال»، «أول مرة»، و«غلطة عمري» للمخرج فيليب أسمر.
حاليًا تعمل كلوديا مرشليان على مسلسل جديد (فرصة ثانية) مؤلف من 120 حلقة تلفزيونية، وهو من إخراج ثلاثة مخرجين مصريين، وسيعرض على شاشة الـmbc بعد شهر رمضان المبارك. أما خلال شهر رمضان فثمّة مسلسل آخر (إتهام)، سوف يعرض على شاشات المؤسـسة اللبنانية للإرسال، التلفزيون المصري وتلفزيون أبو ظبي وتشارك فيه المغنّية ميريام فارس وحسن الردّاد.

 

«لا تنازلات»
 طموح كلوديا في الكتابة لم يتوقّف عند حدود الشاشة الصغيرة، بل تعدّاها إلى السينما، بحيث أعدّت فيلمين، الأول «بالصدفة» للمخرج باسم كريستو ويشارك فيه بدور البطـولة المغني رامي عيّاش، أما الفيلم الثاني فهو بعنوان «125» للمخرج فادي حداد، ويتناول هذا الفيلم دور الدفاع المدني اللبناني، ويلقي الضوء على المعاناة التي يواجهها عناصره خلال تنفيذهم مهماتهم. إلى ذلك تعدّ لمشروع كبير مع المطربة صباح لم تفسح عن مضمونه.
تقول كلوديا لمجلة «الجيش»: «أعشق التمثيل والكتابة على حدٍّ سواء، ولكن لم يعد هناك متّسع من الوقت للتمثيل، قد ألعب دورًا هامًا ولكن ليس الآن. فالكتابة تأخذ كل وقتي، لأنها عملية صعبة جدًا، على الكاتب أن يخلق الشخصيات ويعالج القضايا الإنسانية. فالدراما تتضمن دائمًا شخصيات تشبه الشخصيات التي نلتقيها في المجتمع. ووظيفة الكاتب أن يرسم هذه الشخصيات ويطوّرها، فمن الطبيعي أن تتطوّر الشخصيات الدرامية، كما تتطور الشخصيات في الحياة العادية. لا أدوات لديّ، لكن انطلاقًا من مبدأ توخّي الدقة، أضطرّ أحيانًا إلى الاستفسار عن معلومات حول شخصيات وحالات معيّنة ستمرّ في المسلسل وأحتاج فيها إلى اختصاصيين في القانون أو الطب أو علم النفس والاجتماع، فأشكّل ما يُشبه فريق عمل أقوم باستشارته في مسائل معيّنة اذا وُجدت».
وعلى الرغم من انشغالاتها، تؤكد كلوديا أنه «لا تنازلات في حياتي الشخصية، فأنا ما زلت أحافظ على علاقاتي الوطيدة بعائلتي وأقربائي وأصدقائي، وأقوم بالنشاطات والواجبات الإجتماعيّة، إنما أشعر بالتعب أحيانًا لأني أمضي ساعات طويلة في الكتابة يوميًا. أعشق لبنان، لكنني أحب السفر، وأعتبره واحة ثقافية لي، أغرف خلاله من ثقافات الدول وحضاراتها ما يغني مخيّلتي. أشاهد المسلسلات المحليّة لكتّاب آخرين ولا سيّما للكاتب شكري أنيس فاخوري لأنّ لحواراته أسلوبًا ومضمونًا جذّابين».