هو وهي

من زوج وزوجة إلى أب وأم: أمور كثيرة تغيّرت
إعداد: ريما سليم ضوميط

ولادة طفلٍ جديدٍ أمرٌ مثيرٌ، يدخل البهجة والسرور إلى العائلة، لكنه في الوقت نفسه يؤدّي إلى تغيير مفاجىء في نمط حياة الزوجين. فالعروسان اللذان كانا يعيشان الرومانسية وينعمان بالحريّة، باتا مكبّلين بقيود الواجب تجاه المولود الحديث الذي يحتاج إلى الكثير من وقتهما وطاقتهما. هذه المرحلة يمكن أن تشكّل بداية جميلة لحياة أسرية تنعم بالاستقرار والتناغم في حال وضع الزوجان أسسًا سليمة تقوم على التعاون والتفاهم، وإلّا فإنها ستكون بداية لسلسلة من النقاشات والاتهامات المتبادلة بالتقصير والإهمال، وستولّد شعورًا بالاستياء لدى الطرفين.
المؤهّل عمّار محمد الاختصاصي في علم النفس العيادي يعرض بعض الأسباب التي تؤدي إلى خلاف بين الزوجين في هذه المرحلة، ويقدّم النصائح والإرشادات التي تساعدهما في تخطّيها.


فكيف نتكيّف معها إيجابيًا؟


المشاركة في تحمّل المسؤولية
إن السيناريو المعتمد لدى عدد كبير من الأسر هو أن تقوم الأم بمعظم الأعمال التي تخصّ الأولاد والعناية بهم، في حين يهتم الأب بتوفير الدخل المادّي وإعالة الأسرة، وهذا ما يؤدّي إلى العديد من المشاكل، لأن المرأة تجد نفسها مرهقة بالأعباء الأسريّة. وفي المقابل، يشعر الرجل أن زوجته تهمله لمصلحة الواجبات المنزلية والعناية بالطفل. والحلّ هو أن تشجّع المرأة زوجها على مساعدتها في بعض الأعمال المنزلية، شرط أن تطلب منه ذلك بلطفٍ ورقّة، لأن الرجل بطبيعته لا يحب أن تفرض عليه الواجبات أو المسؤوليات. ويجب أن تحرص الزوجة أيضًا على أن تكون طلباتها معقولة ومنطقيّة كي تلقى آذانًا صاغية، ومتى حصلت على المساعدة المرجوّة، يجب أن لا تنسى تقديم الثناء والشكر لزوجها لأنّ ذلك يعطيه حافزًا لتكرار التعاون برضى وإيجابيّة. وعلى المرأة أن تتذكّر دائمًا أن الرجل هو طفلٌ كبير، تأسره الرقّة ويجذبه الحنان، لذلك يجب أن يتميّز خطابها معه باللطف والاحترام والإكثار من استخدام «العبارات السحرية» (من فضلك، لو سمحت، شكرًا...) وسوف تجد حينها نتائج تسرّها وترضيها.
في مقابل احترام المرأة زوجها، على الرجل مراعاة ظروف زوجته في مرحلة ما بعد الولادة، فيتفهّم أنها قد تقصّر بعض الشيء في واجباتها المنزليّة، لأن العناية بالطفل تأخذ الكثير من وقتها، فلا بأس إذا تأخرّت عن كيّ القميص أو تلميع الزجاج، فهي بالكاد قادرة على استيعاب التغيير المفاجىء. كما أن وجود الطفل يحتاج إلى تلبية طلباته بصورة فوريّة كي لا يجهش بالبكاء والصراخ. وعلى الرجل أيضًا أن يعاون زوجته في العناية بالطفل، فذلك يساعده أولًا في بناء علاقة أبويّة معه، ويجعله من جهة أخرى يشعر بالحمل الملقى على كاهل زوجته فيصبح أكثر تفهّمًا لوضعها وأكثر تعاطفًا معها. يجدر بالإشارة هنا أن بعض النساء يعتبرن أن الرجل غير ملم بأمور الأطفال، فيوجّهن إليه النقد حول طريقة إطعام الطفل أو حمله، ما يدفع بالرجل إلى النفور وعدم الرغبة في تقديم يد المساعدة مرّة أخرى. لذلك ننصح أولئك النساء بأن يأخذن بعين الاعتبار الجهود التي يبذلها أزواجهنّ للمساعدة، ما يفرض عليهن أن يقدّمن لهم الملاحظات بأسلوب لطيف ورقيق، لا سيما أن الهدف هو الإصلاح لا التجريح.

 

التوتّر الناتج عن التعب والإرهاق
في الأشهر الأولى التي تلي ولادة الطفل، تعاني الأم التعب والإرهاق نتيجة الحرمان من النوم الذي يفرضه برنامج نوم الطفل المتقلّب. غالبًا ما يؤدي ذلك إلى حالة من التوتّر وإلى تقلبات مزاجية حادّة، تنعكس على طريقة تعاملها مع زوجها. لذلك يفترض بالرجل أن يقدّم لها بعض الدعم، فإذا ما استيقظت الزوجة مرّةً في الليل لإطعام الطفل، لا مانع من أن يستيقظ الرجل في المرّة الثانية لتحضير قنينة الحليب ومنح زوجته بعض الراحة. هذه التضحية البسيطة تشعر الزوجة بالأمان، وبأنّ زوجها ما زال يحبّها ويهتم بها.

 

الخلاف على أسلوب التربية
هل نحمل الطفل عندما يبكي أو نتركه في سريره؟ هل نسمح للأهل والأصدقاء أن يحملوه ويلاعبوه أم لا؟ هل يصحّ الخروج بالطفل في أثناء الطقس البارد؟ أسئلة بسيطة لكنها قد تخلق جدلًا طويلًا بين الزوجين لاختلاف وجهات النظر بينهما واقتناع كل منهما بصحّة رأيه. لذلك عليهما أن يضعا أسسًا واضحة ترضي الطرفين حول كيفية تربية الطفل منذ ولادته. ومن الضروري اختيار الوقت المناسب للتواصل ومناقشة الآراء، وتأجيل البحث في أمور الطفل والمنزل إذا كان أحد الطرفين متعبًا كي لا يؤثّر ذلك سلبًا على سير النقاش.

 

الخروج مع الأصحاب
تنشأ أحيانًا الخلافات بسبب عادات كانت مقبولة سابقًا فأصبحت تثير حفيظة الطرف الآخر بعد ولادة الطفل. المثل على ذلك الخروج مع الأصحاب.فالمرأة التي تجد نفسها وحيدة مع طفلها طوال النهار، تشعر بالغبن عند خروج زوجها مع أصدقائه في المساء. وهنا ننصح الرجل بأن يحاول العودة من عمله باكرًا، وأن يظهر لزوجته وطفله الاهتمام والحب فور دخوله عتبة المنزل كي تشعر المرأة بالأمان وبأنها ما زالت محط اهتمامه، وعندها ستشعر هي أيضًا بحاجته إلى متنفّسٍ من ضغوطات الحياة اليوميّة من خلال خروجه مع الأصدقاء بين الحين والآخر. يذكر في الإطار نفسه، أنه من المفيد أن يستعين الزوجان بالأهل من وقت إلى آخر للبقاء قليلًا مع الطفل، فيتمكنا عندئذٍ من الخروج في نزهة معًا ولو لوقت قصير لكسر الروتين اليومي وتجديد طاقتهما ونشاطهما.

 

الحفاظ على الرومانسية ما بعد الولادة
مما لا شك فيه أن ولادة الطفل وما يرافقها من تغييرات فيزيولوجية ونفسيّة لدى المرأة، تؤدي إلى تراجع العلاقة الحميمة بين الزوجين. خلال هذه الفترة يفترض بالزوجين التعويض عن النقص في العلاقة الجنسية من خلال الاتصال العاطفي والذي يتمثّل في الكلام المعسول والغزل الرقيق، والعناق والقبل. ويفترض بهمــا أيضًــا أن يخصّصا وقتًا للتواصــل اليومــي على أن يتنــاول الحوار بينهما أمـــورًا لا علاقــة لهــا بشــؤون المنــزل والطفــل.
الجدير بالذكر في هذا الإطار، أنه نتيجة انشغال الزوجة بالمولود الحديث قد يشعر الرجل بأنه مهمل ومتروك. لذلك يفترض بالمرأة أن تسعى شيئًا فشيئًــا إلى إعــادة الرومانسيّــة إلى علاقتهمــا من خلال عدة خطــوات، من بينهــا أن تأخــذ زمــام المبــادرة بـين الحين والآخــر في علاقتهمــا الحميمــة، لأن ذلــك يشعــر الرجــل بأنــه ما زال أولويــة في حياتهــا. عليهــا أيضًــا أن تعيــد الاهتمــام بمظهرهــا الخارجــي لتستعيــد مظهــر الأنثــى الجذّابــة بعد أسابيــع من الإهمــال الذي تلا فترة الولادة. وقد يكون من المفيد هنــا اعتمــاد عنصــر المفاجأة حيث يمكنها أن تغيّر في أسلوب لباسها أو تسريحة شعرها، كما يمكنها استخدام عطرٍ مثير يعيد إليها سحر الأيام الخوالي الذي تراجع في الأشهر السابقة لصالح المرأة - الأم.