نوافذ مفتوحة

مهرجان النار
إعداد: باسكال معوض بو مارون

انتهت الأيام المقدّسة... فلتحرق السفينة!


في منتصف فصل الشتاء ومع نهاية موسم الأعياد، يحيي سكّان جزر شيتلاند الاسكتلنديّة في الثلاثاء الأخير من كانون الثاني، ذكرى محاربي الفايكينغ بمسيرة طويلة تُتوّج بقذف نحو ألف رجل مشاعلهم باتجاه سفينة بارتفاع 32 قدمًا شبيهة بسفن الفايكينغ: إنه «أب هيلي» العيد الذي يعلن نهاية الأيّام المقدسة.


حلّ هذا الاحتفال بدلاً من التقاليد القديمة في زمن الميلاد ورأس السنة الجديدة؛ حيث كانت فرق الشبّان «تجرجر» براميل القطران المشتعل على زلّاجات تجوب المدينة معيثة فيها الفوضى. العام 1876 أُلغي هذا التقليد واستُبدل بموكب المشاعل.
سنة بعد سنة تطوّر الاحتفال وأضفت عليه مدينة ليرويك الطابع المؤسّساتي، خصوصًا بعد زيارة دوق إدنبره إلى المدينة لحضور هذا الاحتفال، الذي تحتفل به أيضًا عشرة مواقع أخرى في أنحاء جزر شيتلاند.
التحضير للاحتفال يستمرّ عدة أشهر، وتنتخب اللجنة المنظّمة للحفل ما يسمى يارل (Jarl) وهو الشخصيّة الرئيسة التي تدير الاحتفال. يأخذ الـ«يارل» اسم شخصيّة من الأسطورة الاسكندنافيّة ويكوِّن جمهورًا من الـGuizers الذين يبنون نسخة طبق الأصل عن سفينة الفايكنغ.
يضمّ المهرجان موكبًا يصل إلى ألف guizers في ليرويك وأقل من ذلك في مهرجانات المناطق الريفيّة؛ يجتمع الفريق بعد تناول الإفطار صباح العيد في الثامنة والنصف، ويبدأ المشاركون مسيرة حاملين سفينة الفايكينغ يجوبون بها الشوارع. ويتوقّف الموكب في عدّة محطات أوّلها فرع الفيلق البريطاني في ليرويك ثم يمشون بموازاة المنتزه الكبير، وبعد أن يتوقّف الـ«يارل» وفرقته في سوق الصليب حيث ينشدون أغاني اسكندنافيّة قديمة، يكملون مسيرتهم على طول الشارع التجاري الرئيس وصولاً إلى محطة العبّارة، حيث يتوقفون لأخذ الصورة الرسميّة يواكبهم جمهورٌ كبير في جميع المحطات، يضمّ خصوصًا طلّاب المدارس والجامعات.
بعدها يحضر الـGuizers مع قائدهم حفل استقبال في قاعة مبنى البلدية، فيتبادلون الأنخاب ويقدّم رئيس البلديّة لـلـ»يارل» مفتاح المدينة لمدّة 24 ساعة. ثم يكمل الموكب طريقه مرورًا بالمدرستين الإبتدائيّتين في ليرويك والمستشفى ودور العجزة، ومتحف شيتلاند الأثري.
في السابعة والنصف مساءً تُعطى إشارة الإشعال فيضيئ حوالى ألف شخص مشاعلهم، ويسير الموكب باتجاه موقع الحدث في ملعب الملك جورج الخامس، حيث يشكّل حاملو الشعلة دائرة مستديرة حول السفينة ويبدأون بإنشاد أغانٍ تقليديّة.
تضرم النار في السفينة بعد الإنتهاء من آخر أغنية، ويرمي الرجال مشاعلهم باتجاه السفينة التي تصبح لوحة ناريّة ضخمة.
عندما تحترق السفينة كليًا وتهدأ النيران، تنشد الفرق أغنية تقليديّة تدعى «بيت الإسكندنافي»، قبل أن تجتمع وتعيد تنظيم نفسها للشروع بـ11 ساعة متواصلة من الإحتفالات والزيارات والعروض: تفتح قاعات المدينة كلّها للترحيب بالـguizers كضيوف، وفي كل قاعة يقدّمون استعراضهم (مسرحيّة صغيرة، اسكتش مضحك، غناء، رقص) ويدعو كلّ منهم سيّدة للرقص في القاعة قبل أن يشكرها ويتمنّى لها ليلة سعيدة، ثم يغادرون لتكرار الأمر نفسه في قاعة أخرى، وهذا يستغرق أكثر من ليلة ويمتدّ حتى صباح اليوم التالي.

 

محاربو الفايكينغ
شيتلاند مجموعة جزر تزيد على المائة، تقع على بعد 160 كلم إلى الشمال الشرقي من الأراضي الاسكتلنديّة. ظلّت جزر شيتلاند جزءًا من النروج حتى العام 1469، وبقيت فيها الكثير من الأسماء والعادات النروجيّة بما في ذلك مهرجان النار. وقد أصبحت شيتلاند تحت الحكم الاسكتلندي عندما تزوّج ملك اسكتلندا جيمس الثالث أميرة النروج مارغريت.
أما الفايكينغ فهم ملّاحو السفن والتجّار والمحاربون الذين نشأوا في المناطق الاسكندنافيّة (السويد والدانمارك والنروج وإيسلندا وفنلندا وجزر فارو) وهاجموا السواحل البريطانيّة والفرنسيّة وأجزاء أخرى من أوروبا بين أواخر القرن الثامن والقرن الحادي عشر. كان الفايكينغ من أمهر بناة السفن، إذ إنهم حسّنوا بناءها وأعطوها شكلها المميّز، وطوّعوها لتكون صالحة للإبحار معتمدين في ذلك على الأشرعة والرياح.