مهلاً للعولمة

مهلاً للعولمة
إعداد: العميد الركن صالح حاج سليمان
مديـر التوجيـه

لعل في أذهان البعض من الكبار في العالم، أن حضارة الكرة الأرضية تدور على نفسها، خلال تطورها وتقدمها، كما تدور الأرض، بحيث أننا لو انطلقنا من معلومة ما، أو قيمة، أو إبداع ثقافي، أو نظام سياسي، وسلمنا أمرنا للحركة الدائرية، لأدركنا في النهاية أننا وصلنا من جديد إلى تلك المعلومة أو القيمة أو الإبداع الثقافي أو النظام السياسي. بذلك يظن البعض المذكور أن نظام المشاعية الذي عرفه الانسان في بداياته، حين لم تكن هناك حدود وأوطان ودول وتنوعات حضارية، عاد ليطل بأذنيه في مشاعية جديدة تلغي الأوطان وتمحو الدول وتزيل الحضارات الصغيرة عن سطح المعمورة، ومن جوفها على السواء.

يأتي ذلك كله في سياق ما اتفق على وصفه بتحويل العالم الكبير الى قرية كونية     ( والقرية بأي حال كيان صغير جميل، ولم تكن في أي وقت كبيرة)، وما اتفق على تسميته بالعولمة ( أي استعارة "شريعة البحار" من أعماق المحيطات وتطبيقها على البشر ترويجاً لطعم بعضهم بين أنياب البعض الآخر).

أين نذهب بالتنوع المناخي إن أراد هؤلاء أن يخلطوا بين الحابل والنابل في كل مكان؟ هل رأيتم حزمة من القمح والذرة والعدس والشعير يذهب بها الفلاح مجتمعة إلى البيدر؟ وهل  من الطبيعي ان نرى مجتمعاً زراعياً في الصحراء، أو منشآت نفطية في أعالي القمم؟ وهل من الواقعي ان نسمع شاعراً ينفخ في قصبته أمام مصنع للحديد، أو حسناء هيفاء ترقص فوق شريط شائك؟ ثمّ، هل صادفتم جندياً من البرازيل يستميت في الدفاع عن الأرجنتين ( كما جاء في إحدى مسرحياتنا الشعبية)؟ وهل يستطيع " الإنترنت"  ان يمحو الدبكة اللبنانية والرقصة الأفريقية ورقصة أهل الدانوب، وهل كل طقوس الهند إلى زوال، وحالات الوجد والتصوف في كل تكيّة؟ وفي الختام، هل أن كلمة " فولكلور"، أو فن شعبي، إلى زوال؟

لا لقضاء حضارة على أخرى وإلاّ بطلت عنها صفت الحضارة، ولا لتوحيد العادات والمبادئ والقيم بالقوة وإلاّ زالت عنها صفات الوحدة والتعاون. ثمّ، على الأقل، لا للاكتفاء بوجبة غذائية مشتركة، وإلاّ أضحى الطعام عادة تملأ الجوف، لا طعماً تهفو إليه الأذواق.