بإختصار

كوكبة جديدة من رجالنا الأبطال، انضمّت بالأمس القريب إلى قافلة شهداء الجيش، نتيجة تعدّيات مجموعات مسلّحة على بعض مراكزه في الشمال والبقاع، في محاولة واضحة لعرقلة مهماته، وثنيه عن أداء واجبه الوطني، وصولًا إلى زج لبنان في أتون الصراعات الجارية خلف الحدود، وإعادة عقارب الساعة اللبنانية إلى الوراء. ويبدو أن تلك المجموعات ومن يقف خلفها غير عابئين بحجم الضرر الذي قد يصيب الوطن من جراء أعمالهم العبثية، وغير مدركين أن هذا الضرر سيطال الجميع وربّما هم في الدرجة الأولى.
صحيح أن رسالة الجندي، منذ الخطوات الأولى التي يخطوها في الحياة العسكرية، محفوفة بالأخطار، ومحوطة بالمصاعب، وتستدعي التضحيات المتواصلة، لكنّ ذلك كان وسيبقى، في المقام الأول، مطروحًا في مواجهة تعديات العدو الإسرائيلي، والتصدي لأطماعه وأهدافه الخبيثة، فهناك تتم الدوريات وتنشأ التحصينات والتّحضيرات لمقارعة هذا العدو الخطر، أما الآن فقد أضيفت إلى هذا التحدي تحديات جديدة، تتمثل بما يخطط له البعض في الدّاخل والخارج، لاستهداف الجيش، معنويًا وجسديًا، وبالتالي استهداف الوطن بأسره، بوحدته وسيادته وصيغة العيش المشترك بين أبنائه، لكنّ الجيش أثبت كعادته، رسوخ عقيدته العسكرية، وصلابة مناعته في مواجهة التجارب القاسية، ونجاحه في إعادة الأمن والأمان إلى المناطق المتوترة، كما حصل في مدينة طرابلس مؤخرًا، وأكثر من ذلك، أثبت مدى حرصه على أرواح المواطنين وممتلكاتهم، ولو كان ذلك على حساب تضحيات جنوده وقدرتهم على حسم الأمور بسرعة، مؤكدًا أنه على مسافة واحدة من الجميع، فهو لكل اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم الطائفية وتوجّهاتهم السياسية، ويرفض تعميم أي خطأ ترتكبه مجموعة تنتمي إلى فئة معينة على هذه الفئة بكاملها.
جنودنا ينتشرون على امتداد مساحة الوطن، وتتوزع مهماتهم بين الدفاع عن الحدود، وضبط الاستقرار في الداخل وملاحقة عصابات الإرهاب والجرائم المنظمة، فضلًا عن البقاء إلى جانب المواطنين وتقديم يد العون لهم في المجالات الإنمائية كافة، وهم في سبيل ذلك يدفعون الأثمان الباهظة: السهر والعرق والدم، ويتقبلون هذه الأعباء والمسؤوليات برحابة صدر، لكنّ ما يؤلمهم هو قيام بعض الحاقدين أو المغرر بهم في الداخل، على تصنيف أنفسهم طوعًا في خانة الأعداء، من خلال تغليب مصالح الآخرين على مصالح شعبهم ووطنهم.
إن الجندي يقف في المواجهة كعلم بلاده، شامخًا واضحًا، في نور النّهار وظلام الليل على السواء، وإذا أمكن لمسلّح أن يتسلل متخفيًا ويطلق النّار عليه، ثم يفرّ هاربًا، ربما يسقط الجندي شهيدًا أو جريحًا، لكنّ مركزه العسكري يبقى حيث هو، ويسرع رفاقه للحلول مكانه، رافعين العلم أكثر وأكثر فوق السارية، لكي يظهر جليًّا أمام الجميع، فتنفيذ المهمات الوطنية لا بدّ أن يتمّ على رؤوس الأشهاد.