أسماء لامعة

مهندس الليطاني الذي رحل حين بدأ تنفيذ مشروعه
إعداد: تريز منصور

إبراهيم عبد العال رجل المشاريع الرؤيوية


أدرك المطامع الإسرائيلية بمياه لبنان فحمل هذه القضية في قلبه ووجدانه.
صمّم مشروع نهر الليطاني وهندسه بمجهوده الشخصي، ليستفيد لبنان من مياهه المهدورة. وبحسّـه الوطنـي وبصيرتـه النافـذة شعـر (أبـو الليطانـي) المهنـدس إبراهيـم عبـد العـال، أن وطنـه لن يكـون في مستـوى الأوطـان المتقدمـة، إلا إذا كـان أبنـاؤه فـي مستـوى أبنـاء تلـك الأوطـان. وكـان من بيـن قلة من الرجـال، الذيـن خدمـوا لبنان والعالم العربي في ميادين العلم والتنمية العمرانية والاقتصادية والكهربائية.

 

إبن بيروت
في مدينة بيروت ولد المهندس إبراهيم عبد العال العام 1908 من أم تركية (كاملة الخوجا) وأب لبناني (خليل عبد العال)، وهو الإبن البكر لعائلة مؤلفة من ستة أولاد.   
ترعرع في بيروت التي عشقها وسار على طرقاتها حالمًا بمستقبل ناجح. ومع بدء الحرب العالمية الأولى العام 1914، انتقل عبد العال مع عائلته إلى دمشق، ومن ثم عادت العائلة إلى بيروت.
تلقى علومه الابتدائية في مدرسة البروتستانت الألمانية في باب إدريس، ثم في المدرسة البطريركية حيث نال الشهادة الثانوية العام 1925.
وبعد ذلك التحق بجامعة القديس يوسف ونال فيها دبلومًا في الهندسة العام 1928. ثم ما لبث أن التحق العام نفسه بالمعهد العالي للكهرباء (SUPELEC) في باريس – فرنسا ليتخصص في مجال الكهرباء، ويتابع العام التالي الدراسة في مجال المجاري المائية، بعدها انتقل إلى غرينبول حيث تابع البحث والدراسة.
العام 1932 عاد إلى لبنان وعيّن مهندسًا في المؤسسة المشتركة للماء والكهرباء التي أسسها الانتداب الفرنسي. ولم يمضِ وقت طويل على تخرّجه حتى بدأ رحلة إنشاء وإدارة كل ما يتعلق بمصالح المياه في لبنان، كما تولّى إعداد البحوث المائية، خصوصًا حول الأنهر في دول المشرق الواقعة تحت الانتداب الفرنسي. ومن ثم استقال من هذه المؤسسـة، وعيّن رئيسًا لقسم الأبحاث المائية في مصلحة المياه في وزارة الأشغال العامة العام 1936، والعام 1944 أصبح مديرًا عامًا لهذه الوزارة. كما أسندت إليه مهمات إضافية فكان مديرًا عامًا لمراقبة الامتيازات، ورئيس مجلس إدارة في  مصلحة مياه بيروت، ومؤسسـات عامة أخرى.
العام 1955 قسّمت مديرية الأشغال العامة إلى مديرتين عامتين: واحدة تختص بالطرق والمباني، والثانية بالمياه والكهرباء. وقد تولى بناء على طلبه مسؤولية المديرية العامة للشؤون المائية والكهربائية ومراقبة الامتيازات. كما انتخب رئيسًا لمؤتمر المهندسين العرب السادس في القاهرة العام 1958.

 

«أبو الليطاني»
حين نتحدث عن حياة المهندس عبد العال لا يمكننا إلا أن نلقي الضوء على إنجازه الكبير المعروف بمشروع الليطاني. وأول دراسة أعدّها عبد العال عن الليطاني تّم نشرها العام 1943 في النشرة العلمية الصادرة عن جامعة القديس يوسف، وكانت دراسة مبدئية، في ما بعد تمّ تطويرها ووضع تفاصيلها (العام 1948) آنذاك الوزير السابق المهندس محمد غزيري تلميذ عبد العال، وقد تولى مساعدته في وضع العديد من الرسومات البيانية لهذه الدراسة.
يشكّل الليطاني ثروة مائية ضخمة يمكن استثمارها لإنتاج الكهرباء وتأمين مياه الري ومياه الشرب، وهذا ما سعى عبد العال إلى تحقيقه. وقد بدأ دراساته حول النهر إنطلاقًا من انحداره الخفيف حيث تتشكل مستنقعات عند هطول الأمطار، مما يضرّ بالمزروعات.
 كان عبد العال أول من حمل لواء تقويم مجرى الليطاني جزءًا بجزء، مما ساعد في تجفيف سهل البقاع لاحقًا، كما تمّ تحويل المجرى ليصب في نهر الأولي.
وكما ذكر سابقًا، فقد تعمّق عبد العال في دراساته حول المياه والتي شملت تساقط  الأمطار وتسرّب المياه، وسيرها على سطح الأرض، وعمليات التبخّر... كما عمل على اختراع آلة رصد المياه التي أسهمت لاحقًا في تنفيذ العديد من الدراسات. لم يكتفِ بالاستكشافات ودراسة الواقع على الأرض، بل تخطى ذلك مقدمًا نظرة رؤيوية، وكان هاجسه الابتعاد عن المشاريع المجتزأة واعتماد مشاريع متكاملة، مشددًا على ضرورة استفادة  لبنان بكل مناطقه من الموارد الطبيعية، من هنا كان اهتمامه وشغفه بمشروع الليطاني.
 أكد عبد العال أن مشروع الليطاني بإمكانه تأمين ثلث حاجة لبنان من الطاقة الكهربائية، إذا نفّذ بالكامل باعتباره وحدة متكاملة.  وكان يردد دائمًا: إذا نفّذ المشروع على مراحل فقد تطول مدة إنجازه إلى ما لا نهاية.  فعلى  الرغم من أن إطلاقه تمّ العام 1956، فقد طرأ في أوائل الستينيات تعديل على التصاميم التفصيلية للمشروع، ومنها السدود التي شيدت من الصخر بدل الباطون، وأحداث العام 1958.
اهتم المهندس عبد العال بالمشاريع العامة التي تحقق التطور الاقتصادي والاجتماعي على المستوى الوطني، ورأى أن استفادة لبنان من موارده الطبيعية، تحسّن المستوى المعيشي لأبنائه في ظل التزايد السكاني، وتحقق التنمية في الأطراف والمناطق النائية.  ولو تحقق ما كان يطمح إليه، لكانت المناطق المحرومة، قد أخذت حقها من الإنماء والتنمية الاجتماعية، وهذا ما شهد له الشيخ موريس الجميل في حفل تأبين عبد العال عندما قال:
«قال هيرودوت، مصر هبة النيل،
وقال عبد العال، الليطاني هبة لبنان،
وأنا أقول، الليطاني هبة عبد العال وعبد العال هبة لبنان...

 

الوجه الآخر
إلى جانب كفاءته وخبرته في مجال المياه والكهرباء، كان عبدالعال يعتبر التعليم رسالة مهمة، فدرّس الرياضيات في المقاصد، وكذلك العلوم المائية للزراعة وللخدمات المدنية في معهد الهندسة العالي في جامعة القديس يوسف منذ العام 1945 وحتى وفاته.
وكان إبراهيم عبد العال يتمتع بكفاءة أدبية عالية ويجيد عدة لغات باتقان كالعربية والفرنسية والإنكليزية والألمانية، ويقال أنه كتب في شبابه مسرحية بعنوان «الحجاج»، إضافة إلى موهبته في التصوير وتظهير الصور.
ولقد حوّل منزله إلى ما يشبه المتحف الحضاري: غرفة للحضارة الأندلسية، وثانية للبابلية، وثالثة أرابيسك، ورابعة فسيفساء عربية وخامسة فارسية، وسادسة إسلامية، وكانت الصالونات من نصيب الحضارة المصرية.           
تزوج عبد العال السيدة محاسن صبّاغ العام 1944، وله منها أربع بنات: الهام، نسرين، إيمان وبسمات، وقد ورثن عن الأب حب الوطن والمصلحة العامة.
كتب وحاضر في الجامعات اللبنانية، مناقشًا ومقدمًا الحلول والتصاميم العديدة لإنشاء سدود، وبناء محطات توليد كهربائية، وتطوير الزراعة اللبنانية، بهدف ترسيخ وزيادة عدد المزارع في لبنان من دون اللجوء إلى الملوثات (فيول) أو تكبد التكاليف الباهظة.
توفي العام 1959 ولم يكن قد تخطى الواحدة والخمسين. وفاته حصلت في إحدى مستشفيات بيروت بصورة غامضة وبالتزامن مع البدء بتنفيذ مشروع نهر الليطاني.
إبراهيم عبد العال مهندس أعظم المشاريع المائية والكهربائية في لبنان، نفّذ البعض من مشاريعه، وبفضله وصلت مياه الشفة إلى مختلف أرجاء لبنان، وأقيمت السدود والعديد من المشاريع المائية، لكن القدر لم يتح له رؤية حلمه الأكبر يتحقق.  
إشارة إلى انه العام 1992، خلال إحياء العائلة ذكراه، تمّ تخصيص جائزة بإسمه وأنشئت جمعية «أصدقاء إبراهيم عبد العال»، التي تهدف إلى نشر أفكاره واستمرارية نهجه الوطني.


من أقوال ابراهيم عبد العال

• إن استجرار المياه للشرب والاستعمالات المنزلية يؤدي إلى النهوض بمناطق عديدة مختلفة، على مثال جبل عامل وقضاء راشيا الوادي.
• ان التوسع في الري الزراعي يؤدي إلى استصلاح الأراضي وإلى زيادة انتاجها وعائداتها.
• استعمال مساقط المياه لتوليد الكهرباء، يمكّن من تعميم النور والقوى المحركة في الأرياف والقرى وتنمية الحرف الصغيرة المهنية والمحلية.
• في الاستغلال الكامل للثروة التي تمثلها المياه تحوّل شامل لوجه لبنان.

 

الأوسمة
حاز المهندس عبد العال العديد من الأوسمة تقديرًا لعطاءاته وإنجازاته ومنها:
• وسام الإستحقاق اللبناني المذهّب.
• وسام الأرز من رتبة كومندور.
• وسام جوقة الشرف الفرنسي من رتبة فارس.
• وسام المعارف اللبناني.


من دراساته
له دراسات ومؤلّفات عديدة أهمّها دراسته الهيدرولوجية عن نهر الليطاني العام 1948 التي استغرقت 15 عامًا، وقد قام بها بمبادرة شخصية لإدراكه أهمية هذا النهر السياسية والإستراتيجية.
عمل على وضع النشرة الدورية المناخية لتسهيل عمل الطيران المدني، وتجهيز محطات عديدة لرصد المياه في أماكن مختلفة على مجاري المياه اللبنانية. ونفّذ مسحًا جيولوجيًا للأراضي اللبنانية ما زال حتى اليوم المرجع الأساسي الذي يلجأ إليه المصممون.