وجهة نظر

مواجهات في الداخل... والخارج أم «مشاركة الأعباء»
إعداد: جورج علم

أميركا أولًا

 

قالت الديموقراطيّة الأميركيّة كلِمتها، فاز رجل المال والأعمال، ودخل الرئيس دونالد ترامب البيت الأبيض على صَدح الحناجر الرافضة المعترضة في الولايات الأميركيّة احتجاجًا، أو تخوّفًا من الغد الآتي المسكون بالقلق من أن تأخذ الشعارات الانتخابيّة الصادمة طريقها نحو التنفيذ.
لم يعد «أميركا أولًا»، مجرّد شعار، إنّه عنوان نحو المستقبل، الذي يريده الرئيس على قياس طموحاته، وهو المسكون بديناميّة جريئة، طموحة، لا تعرف المهادنة، ولا تحتاج إلى قفّازات حرير، بل إلى إرادة ممتثلة لتنفيذ الأوامر، وتحقيق الرغبات بعيدًا من ضجيج المساءلة، والكوابح القانونيّة التي يرى في عينيها حَوَلًا، أو غشاوة من البيروقراطيّة الزائدة.
فتح معارك على عدّة جبهات في الداخل والخارج، قرار بوقف استقبال رعايا سبع دول عربيّة، وإسلاميّة، وطرد المهاجرين أصحاب السوابق، الملاحقين قضائيًا، وإنذار برسم طهران، وحائط فاصل مع المكسيك، وانتقاد للاتحاد الأوروبي، وتهديد بالانسحاب من الحلف الأطلسي، ومواجهات مفتوحة في الداخل مع الكونغرس والقضاء، وتمرّد العديد من حكّام الولايات... والحبل على الجرّار.


قيادة العالم
تفيد صحيفة «واشنطن بوست» أنّ انتخاب ترامب رئيسًا للولايات المتحدة سينهي، على الأرجح، قيادة أميركا للعالم، والتي بدأت في العام 1945.
وتضيف: إنّه من غير المستبعد أن يتخلّى ترامب عن التحالفات التي بنتها أميركا عقب الحرب العالمية الثانية، وكانت أساسًا لقوّة الولايات المتحدة، مشيرة إلى أنّ أميركا الجديدة البديلة التي سيبنيها ستكون منكفئة على نفسها، تجري وراء مصالحها الذاتية، ومستعدّة لاستخدام الأسوار والحظر والاغتيالات، والتعذيب لتحقيق أهدافها، وعقد شراكات مع النُظم التي تشبهها مثل روسيا.
وتشير الصحيفة إلى أنّ العالم سيكون بالنسبة إلى الذين يؤمنون بالقيّم الليبرالية الأميركيّة أشدّ برودة، وأكثر خطرًا.
وهي تؤكّد أنّ رئيس أميركا يتمتّع بسلطات في مجال الأمن القومي أوسع من سلطاته في أيّ مجالٍ آخر، فباستطاعته شنّ الحروب، وتنفيذ عمليات أمنية، وعقد صفقات مع الحكومات الأجنبيّة بأقلّ الاعتراضات مـن السلطتـين القضائيـة والتشريعيّــة في البلاد.
وتورد الـ«واشنطن بوست» أمثلة كثيرة لِما يستطيع ترامب أن ينفّذه من دون اعتراض معطّل من جهةٍ أخرى، فتقول إنّ بإمكانه الاستيلاء على نفط العراق أو سوريا، كما اقترح مراتٍ عدّة. وبإمكانه أن ينفّذ عمليات مراقبة – من دون إبلاغ الكونغرس - على الأجانب، أو إلغاء تقييد أوباما لعمليات الاغتيال التي تنفّذها الطائرات المسيّرة، أو إغلاق قواعد أميركيّة في الخارج، أو سحب قوات أميركيّة من اليابان، أو كوريا الجنوبيّة، أو أوروبا.
وتضيف الصحيفة: إنّ الأعمال التي يتوقّع أن ينفّذها ترامب تخضع للتخمين، لكن الثابت عنه أنّه لا يحترم التحالفات التقليديّة للولايات المتحدة، من المكسيك إلى حلف شمال الأطلسي، إلى اليابان. والأمر الثاني الثابت عنه، أنّه يتمتّع بعلاقات قويّة وغامضة بعض الشيء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وتمضي إلى القول: إنّ الأمر لا يتطلّب من ترامب اتخاذ أيّ خطوة رسميّة لتدمير «الناتو» الذي ظلّ أساسًا للأمن الغربي منذ العام 1949، فإذا كررّ كرئيس ما كان يردّده وهو مرشح، عن أنّ أميركا ربما لا تقوم بالدفاع عن دول أوروبا الوسطى والشرقيّة التي تتعرّض للتهديد الروسي، فإنّ تلك الدول ستهرع إلى القيام بترتيبات مختلفة، بما فيها عقد صفقات خاصة مع موسكو.

 

لعبة كيسنجر
كتب الصحافي الأميركي جون بومفريت مقالًا استعرض فيه العلاقات الأميركيّة – الروسيّة – الصينيّة التي شهدتها العقود الماضية. ومما كتبه: قبل 45 عامًا، قام الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون بمحاولة تغيير تشكيلة «المثلّث» (الإتحاد السوفياتي – الولايات المتحدة – الصين)، حيث راهن على القيام باختراقٍ على صعيد تطوير العلاقات مع بكين. وفي 4 شباط من العام 1972 أجرى نيكسون لقاءً مع مستشاره لشؤون الأمن القومي آنذاك، هنري كيسنجر بغية بحث زيارته إلى الصين. قال كيسنجر للرئيس نيكسون خلال هذا اللقاء: «إنّ الصينييّن خطرون مثل الروس على حدّ سواء، وحتى أنّهم من المنظور التاريخي أكثر خطورةً من الروس. وأضاف مخاطبًا الرئيس نيكسون، بعد 20 سنة، إذا كان الرئيس الأميركي القادم حكيمًا مثلكم، فهو سيعتمد على الروس في سياسته ضد الصينييّن؟!».
يذكر أنّ كيسنجر كان قد اقترح على نيكسون استخدام «لعبة توازن القوى» واستغلال التناقضات القائمة بين موسكو وبكين في ذلك الزمان.
وأشار بومفريت إلى أنّ سلوك الرئيس ترامب يفيد بأنه يدرس إمكان إعادة النظر في السياسة الأميركيّة حيال الصين. فهو دعا إلى اعتماد سياسة قاسية إزاءها (تصريحاته ومكالماته الهاتفيّة)، وأجرى اتصالًا مع رئيسة تايوان، وذلك للمرة الأولى منذ عقود، وقد أثارت هذه المكالمة حفيظة بكين. وفي وقت لاحق أعرب ترامب خلال مقابلة مع قناة «فوكس نيوز» الأميركيّة عن شكوكه في صوابية تمسّك واشنطن بمبادىء سياسة «الصين الواحدة»، والتي مارستها الولايات المتّحدة منذ الزيارة التاريخيّة للرئيس نيكسون إلى الصين، متّهمًا الصين بارتكاب مكائد تجاريّة.
ولفت بومفريت أنّ الصين لم تعد حاليًا ذلك «المستنقع الفقير» الذي كانت عليه في العام 1872، فبكين أرسلت طائرة قاذفة إلى بحر الصين الجنوبي ردًا على مكالمة ترامب مع رئيسة تايوان. أما روسيا، فيترأسها الشخص (فلاديمير بوتين) الذي يريد إعادة نفوذ بلاده إلى المستوى الذي كان عليه قبل انهيار الاتحاد السوفياتي.
واختتم بومفريت بالقول: إنّ رغبة دونالد ترامب في اللعب بـ«لعبة كيسنجر» في ظروف التوازن الحالي، تعني أنّ العالم الراهن لا يمكن التنبّـوء به.

 

التمييز ضدّ السود
وتساءل الكاتب نيكولاس كريستوف (مقال في صحيفة «نيويورك تايمز»: هل ترامب عنصري؟ وقال إنّه عاد إلى الملفات القديمة ليجد أن وزارة العدل كانت قد قاضت ترامب ووالده فريد ترامب بسبب تمييزهما ضدّ السود في إيجارات المنازل.
وأوضح أنّه استعرض أوراق القضيّة التي تزيد عن ألف من الوثائق، وأنّ الحكومة كانت قد جمعت أدلّة تثبت أنّ الشركة العقاريّة التي كان يديرها دونالد ترامب كانت تمارس تمييزًا ضد السود، بما في ذلك أولئك الذين يعملون في الجيش.
كما انتقد الكاتب فرانك بروني في الصحيفة عينها تصريحات ترامب، وقال إنّه مستعد للتخلّي عن القيم التي تجعل من الولايات المتحدة بلدًا عظيمًا، وعن التحالفات التي تجعل البلاد أكثر أمنًا. وأشار إلى أنّ ترامب قال إنّ بلاده قد لا تهبّ للدفاع عن دولة في حلف شمال الأطلسي (الناتو) إذا ما غزاها بوتين.
وذكّر الكاتب غاري كاسبروف في مقال نشرته الـ«واشنطن بوست» بخطاب ترامب في مؤتمر الحزب الجمهوري بمدينة كليفلاند (ولاية أوهايو) الذي امتدّ لأكثر من ساعة، بأنّه كان مظلمًا ومخيفًا، ويبعث على الكراهية. وأشار إلى أنّ ترامب رسم بخطابه صورة قاتمة للأوضاع داخل الولايات المتحدة وخارجها، معتبرًا أنّه جاء في فترة يهيمن فيها الفقر والعنف في بلاده، والحروب والدمار في العالم، وأنّه يريد أن يغيّر، ولكن كيف، وبأي ثمن؟!

 

الشرق الأوسط
يتتبع زعماء الشرق الأوسط خطى سياسة الحاكم سعيدًا في البيت الأبيض بشغفٍ واهتمام، للوقوف على كلّ جديدٍ وطارىء، والنظر بخلفياته وأبعاده وانعكاساته على دول المنطقة.
وترى الـ«واشنطن بوست» أنّ بعضًا من أهداف ترامب في الشرق الأوسط لا يختلف كثيرًا عن أهداف باراك أوباما، المتمثّلة بدعم روسيا، والتعاون معها لمحاربة الجماعات الإرهابيّة، وأيضًا دعم الدول العربية لمحاربة تلك الجماعات، مع أنّ معظم تلك الأهداف التي سعى إليها أوباما لم يتحقّق.
وتنقل الصحيفة عن تيودور كاراسك، المحلّل السياسي المتخصّص، توقّعه بأن تعتمد سياسة ترامب الخارجية في محاربة «تنظيم الدولة الإسلاميّة» على تعزيز التعاون مع روسيا، ومع الدول العربية أيضًا، مشيرًا إلى أنّ هذا الأمر قد يُسهم في إعادة ترتيب الدول لدى الإدارة الأميركيّة.
ويشير كاراسك إلى أنّ العديد من الدول في الشرق الأوسط، كانت علاقاتها مشحونة مع إدارة أوباما، إلاّ أنّ وصول ترامب إلى الرئاسة لقي ترحيبًا من دول مثل تركيا ومصر، حيث اعتبر وصوله فرصة لإعادة النظر بالعلاقات المتوتّرة مع واشنطن.
وتفيد الصحيفة بأنّ الباحث أندرو تابلر من معهد واشنطن، أبدى استغرابه حول كيفية جَمع ترامب بين مقاتلة تنظيم «داعش»، وتقليص نفوذ إيران، فيما يعرف جيدًا أنّ إيران موجودة على الأرض فعليًا، وهي تقوم بمحاربة الجماعات الإرهابيّة.
يبدو أنّ الجمع بين كل تلك المتناقضات في الشرق الأوسط والتوفيق بينها، سيكون مهمة عسيرة أمام إدارة ترامب، إلاّ أنّها لا تبدو مستحيلة.
ويتحدّث الصحافي إريك شميث في صحيفة «نيويورك تايمز» عن نظرة العديد من الدول العربيّة إلى الرئيس ترامب، معتبرًا أنّ الناس في الخليج يشعرون بموجات الصدمة السياسية من نتائج الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة، حيث يقول الدبلوماسيّون والقادة العسكريّون وسائر القيادات، إنّهم خائفون ويتساءلون، أيّ وجه لترامب سيظهر بعد أن أصبح رئيسًا، هل سيكون الرئيس الذي وعد بأن يوقف العون الأميركي لمجموعات الثوار السوريين، التي تدعمها الكثير من دول المنطقة؟ أم الرئيس ترامب الذي يعِد بأن يكون حازمًا مع بعض دول الإقليم؟ وهل سيعزّز ترامب، بصِفته قائدًا عامًا للقوات المسلحة، الوجود العسكري الأميركي في الخليج، أم أنّه سيتجنّب إنفاق المزيد من ثروة أميركا في منطقة رأى أنّ أهلها لا يدفعون حصّتهم العادلة من تكاليف أمنهم؟
وتنقل الصحيفة عن الباحث آميل هوكاييم من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجيّة، في مكتب الشرق الأوسط في البحرين قوله: «إما أن يميل ترامب إلى التدخّل بالحدّ الأدنى مع غياب الرؤية الشاملة أو فهم التعقيدات في الشرق الأوسط، أو أن يخاطر بأن يكون استفزازيًا، ويتصرّف بقسوة في أزمة يجب أن تتم إدارتها جيدًا، أو يعمل على تهدئتها؛ ويبدو ترامب عرضة لقول شيء فظيع ثم محاولة التراجع عنه، وإنّه بهذا يسبّب الضرر لمكانة أميركا وصدقيتها وعلاقاتها مع الناس في الشرق الأوسط».
كذلك، تنقل الصحيفة عن نائب الأدميرال كيفين دونيغان الذي يقود الأسطول الخامس وقاعدته في البحرين، قوله: «الناس في المنطقة هنا ينتظرون ليروا ماذا سيحصل... وهم قلقون ليَروا ما إذا كان سيحصل التغيير في بعض الجوانب».
وتضيف الصحيفة، إن كان ترامب يثير القلق والشّك، فإنّ اختياراته للمناصب الكبيرة في الأمن القومي تثير الكثير من علامات الاستفهام. فقد تضمّنت الفريق المتقاعد فيتران مايكل فلين مستشارًا للأمن القومي (استقال في 13 شباط)، ولواء البحرية المتقاعد ورئيس القيادة المركزيّة للبنتاغون جيمس ماتيس وزيرًا للدفاع، والرئيس التنفيذي لشركة «إكسون موبيل» ريكس تيلرسون، وزيرًا للخارجيّة. وبحسب الصحيفة، فإنّ تيلرسون سيكون مِثل رئيسه، يسعى إلى تحقيق صفقات أكثر من السعي إلى شنّ الحملات ضد انتهاكات حقوق الإنسان. وهي تشير إلى أنّ شركة «إكسون موبيل» لها علاقة قوية مع الشركة الوطنية للنفط في قطر، وقد شاركت القطريين في بناء محطة الغاز المسال في خليج المكسيك، وهي مصمّمة لاستيراد الغاز، ولتصديره أيضًا.
وتفيد كذلك، بأنّ الجنرال ماتيس حصل على مدح الدبلوماسيين والقادة العسكرييّن ومسؤولي المخابرات في المنطقة، كونه تعامل «بصقوريّة» مع إحدى دول الإقليم، حتى أنّ البيت الأبيض اختصر رئاسته للقيادة العامة العام 2013. مع ذلك، فهو ليس مشعلًا للحروب، لأنّه قاد أكثر المعارك دموية في كلٍ من العراق وأفغانستان، ويعرف جيدًا التكلفة البشرية للصراع. كما يعرف أنّ إلغاء الاتفاق النووي مع إيران – إذا ما تمّ – من شأنه إلحاق الضرر بأميركا.
وتؤكّد الصحيفة بأنّ ترامب يُقلق الإيرانيين، إلاّ أنّ وزير الدفاع الإيراني حسين ديغان يؤكّد بأنّ أيّ مواجهة مع أميركا ستنتهي بكارثة للدول العربية الصغيرة وإسرائيل. مضيفًا: «بالنظر إلى شخصية ترامب، وكونه يقيس التكاليف بالدولار، فإنّه ليس من المحتمل أن يقوم بأيّ عملٍ قويّ ضدّ بلدنا».
وتختم «نيويورك تايمز» تقريرها بالإشارة إلى قول وزير الخارجية المصري السابق نبيل فهمي: «ترامب سيكون ترامب.. تمّ انتخابه بصفته مرشحًا يسعى للتغيير، وسينعكس هذا في أنّ سياساته وتحالفاته ستكون أكثر تجارية، وتقوم على مشاركة الأعباء».