أرقام وحقائق

موازنة 2019: ماذا عن حقوق العسكريين المالية؟
إعداد: تريز منصور

في كل مرّة تريد الدولة إصلاح وضعها المالي تُطرح مسألة الضمائم العسكرية الخاصة بالعسكريين، ومنها التدبير رقم 3. وفيما يتمّ التغاضي عن التضحيات الجسام التي يقدّمها العسكري خلال خدمته الفعلية، وطبيعة وظيفته الصعبة ودوام عمله الطويل، وعدد سنوات خدمته القليل مقارنة بالوظائف الأخرى، يتركّز الجدل على ما يتقاضاه العسكريون وصولًا إلى حدّ تصوير رواتبهم وتعويضاتهم كسببٍ لإفلاس خزينة الدولة.

 

لا يتوانى الجيش، عن تقديم التضحيات في سبيل المصلحة العامة، ومنذ اللحظة الأولى لبدء النقاش حول الموازنة، أبدى استعداده الكامل ليكون جزءًا من عملية الإصلاح في الدولة، شرط أن يتساوى مع باقي الإدارات. وأبدت القيادة انفتاحًا كبيرًا على بعض التخفيضات التي حصلت في مشروع موازنة 2019 في أثناء درسها في لجنة المال والموازنة، والتي اعتُبرت استثنائية ولا يمكن تكرارها في الأعوام المقبلة، فيما عُلّقت قضية التسريح المبكّر للضباط وكذلك الضريبة على الرواتب التقاعدية.
ومن ناحية أخرى، لم تبخل المؤســسة العسكرية بالتضحية من أجل التوفير على خزينة الدولة، من خلال قبولها بوقف التطوّع لهذا العام ولو أنّها تعتبر ذلك ولأكثر من عام بالأمر الخطير، لأنّ من شأنه التأثير على هيكلية الجيش وتركيبته على المدى البعيد، وتحويله إلى جيش هرمٍ فضلًا عن حرمانه من الكفاءات عالية المستوى، وتشجيع العسكريين على مخالفة القوانين بإشغال وظيفة ثانية لتأمين موارد كافية لإعالة من هم على عاتقهم.
جدير بالذكر في هذا السياق، أنّ قيادة الجيش التي تعتمد الشفافية المطلقة، كانت الوحيدة التي أعادت أموالًا فائضة إلى خزينة الدولة في أواخر العام 2018، فيما أنفقت سائر الوزارات كل اعتماداتها.

 

خصوصية الوظيفة العسكرية...
لا تشبه الوظيفة العسكرية أي وظيفة أخرى، فهي تتميّز بخصوصيةٍ سواء لجهة الصعوبات والمخاطر التي تحيط بتأدية العسكريين لمهماتهم، أو لجهة دوامات عملهم، وعدد سنوات الخدمة. وهذه الأمور رعتها القوانين المتعلقة بحقوق العسكريين منذ إنشاء الجيش وقيام الدولة في لبنان، علمًا أنّ رواتب العسكريين في معظم الدول العربية هي الأعلى مقارنة بسائر الوظائف في القطاع العام، بخلاف ما هي الحال عليه في لبنان.
فضلًا عن المخاطر التي يواجهها العسكريون، فإنّهم يؤدون مهماتهم في دوام عمل طويل (ليلاً نهارًا، غياب طويل عن العائلة ومع ما يرافقه من معاناة)، من دون أن يتقاضوا تعويضًا عن الأعمال الإضافية أسوة بالموظفين المدنيين في إدارات الدولة.
وبمقارنةٍ بسيطة نجد أنّ العسكري في الوحدات الميدانية يعمل نحو 680 ساعة شهريًا (بعد الأخذ بالاعتبار قانون العمل لجهة مضاعفة ساعات العمل ليلًا وفي العطل الرسمية)، فيما يراوح عدد ساعات الموظف المدني بين 50 و 150 ساعة شهريًا. فلو تقاضى العسكري بدل ساعاته الإضافية بشكلٍ فوري لحصل على عشرة أضعاف التعويضات التي يتقاضاها في نهاية الخدمة، نتيجة تآكل القدرة الشرائية.
ومع ذلك يعلو الضجيج من وقتٍ إلى آخر وتُطرح الأسئلة حول موجبات حصول العسكري على تعويض نهاية الخدمة وعلى راتب تقاعدي.

 

سن التقاعد للعسكريين
بناءً على خصوصية الوظيفة وحفاظًا على حقوق العسكريين وكرامتهم، كرّس قانون الدفاع الوطني والمرسوم الاشتراعي رقم 5397 /82 حقّهم بالتعويض وبالراتب التقاعدي عند نهاية الخدمة.
لكن لا بدّ من الإشارة في هذا السياق، إلى أنّ القانون يحدّد سن التقاعد للموظّف المدني بـ 64 عامًا، في حين يحدّد قانون الدفاع سن التقاعد للعسكريين في عمرٍ لا يتجاوز الـ58 سنة للضباط والـ52 سنة للرتباء والأفراد، وذلك لعدّة اعتبارات، أبرزها أنّ طبيعة العمل القاسية والتدريبات التي يخضع لها العسكري تُنهك جسَده وتَستنزفُ طاقاته وقدراته البدنية، وبالتالي لا بد لقيادة الجيش من رفد عديدها بالعناصر الشابة بشكلٍ مستمر، لأنّ الجيوش لا يمكن أن تكون هَرِمة بل فتيّة وشابة، لتستطيع تأدية واجبها.

 

الفرق بين موازنة 2018 و 2019

موازنة 2018

موازنة 2019

2900٫388٫910٫000

2870٫825٫628٫000

 

الحوافز
لعدّة اعتبارات عسكرية ووظيفية، منح قانون الدفاع الضباط حق اختيار سن التقاعد، إذ يمكنهم تقديم طلب تسريحهم قبل بلوغهم السن القانونية وبعد عدد معين من سنوات الخدمة (٢٠ سنة للضباط عمومًا و١٥ سنة للضباط الاختصاصيين). وقد لحظ القانون عددًا من الحوافز في هذا المجال تُمنح وفق شروط محدّدة.
نظرًا للمبالغ التي تترتّب على هذه الحوافز أثير جدل حولها خلال مناقشة مشروع قانون موازنة 2019، فبالنسبة إلى قيادة الجيش، تطبيق المادة المتعلقة بهذا الموضوع من قانون الدفاع ضروري، نظرًا للتخمة في أعداد العمداء، إذ يصعب عليها إيجاد وظائف لائقة بهم، إضافة إلى أنّ عدم تطبيق هذه المادة يسلبها حق تطبيق القانون العسكري في حال ارتكب أي ضابط مخالفة كبرى توجب تسريحه قبل سنّ التقاعد.

 

الرواتب والتعويضات
تحدّد الرواتب والأجور في الجيش بموجب قوانين، بينما تحدّد التعويضات بموجب مراسيم اشتراعية، كما يحدّد المرسوم أصحاب الحق من الاستنفار والذي ينتج عنه أمران:
تعويض الضمائم الحربية، وتعويض الانتقال داخل البلاد (لا يتقاضى العسكريون بدل نقل لذلك يدخل هذا التعويض ضمن مستحقات نهاية الخدمة).
نصّ قانون التقاعد والصرف على الضمائم الحربية، وحدّد كيفية احتساب المعاش التقاعدي وتعويض الصرف (نهاية الخدمة) للعسكريين والذي يرتبط بتدابير الاستنفار الثلاثة التي على أساسها يُمنح العسكري المتقاعد حقه وفق الآتي:
- التدبير رقم 1: يمنح الحق بتعويض الانتقال رقم 1 نصف مدة الخدمة الفعلية، وكان هذا التدبير يُطبق قبل الأحداث اللبنانية، إذ يتوزّع العسكريون في ثكنات بعيدة عن مناطقهم. ولأسباب تتعلق بـ«مأذونياتهم» التي لا تتعدى الستين ساعة، كانوا يضطرون إلى استئجار منازل قريبة من الثكنة، ليتمّ استدعاؤهم في حالة الاستنفار.
- التدبير رقم 2: يمنح العسكري الحق بتعويض الانتقال رقم 2 وضمائم حربية، توازي نصف مدّة الخدمة أو ضعفها. ولا بدّ من الإشارة هنا إلى ضرورة التمييز بين الضعف والضعفين، فإعطاء الضعف يعني مدة الخدمة مضافًا إليها مبلغ مماثل فيما يوازي الضعفان مدة الخدمة مضروبة بإثنين. تستفيد من هذا التدبير حالات الخدمة على الحدود والتي لا تكون في موضع قتالي أو في حالة طوارئ، مثلًا العسكري المتأهل الذي يغيب عن منزله للمبيت في مركز خدمته لأكثر من يوم، يتمّ احتساب يوم خدمته بيومين.
التدبير رقم 3: يمنح هذا التدبير العسكري حق تعويض الانتقال اليومي داخل البلاد، إضافة إلى ضمائم حربية تراوح بين ضعف مدة الخدمة أو ضعفيها. وبتفسيرٍ أوضح يحصل العسكريون على تعويضات شهرية، وعلى تعويض نهاية الخدمة ثلاث سنوات عن كل سنة خدمة فعلية في حالتي الحرب وحفظ الأمن.
ويُحمّل التدبير رقم 3 اليوم الكثير من التفسيرات، لكنّه حق من الحقوق الأصلية للعسكريين وتسعى الحكومة جاهدة إلى تعديله. وبناءً على المرسوم 5397/82، وإنفاذًا للمراسيم التي ترعى تطبيق هذا التدبير في أوضاع يكون فيها الجيش مسؤولًا مباشرة ًعن عملية حفظ الأمن ما يستدعي من العسكريين البقاء في حالة جهوزية على مدار الساعة.
من ناحية أخرى، لا بدّ من القول إنّ الجيش يعتمد الشفافية الكاملة وتعويضات عسكرييه مُعلنة بوضوحٍ، بينما نجد أنّ الأمر ليس كذلك في إداراتٍ ومؤسـسات عامة أخرى. وبمقارنةٍ بسيطة نجد أنّ ثمة موظفين يتقاضون مكافآت تعادل أساس راتبهم في السنة، إضافة إلى الساعات الإضافية بمعدل الـ 35 ساعة شهريًا، أي ما يعادل 13 شهرًا سنويًا، ناهيك عن بدل لجان، بمعدل 500 - 600 ألف عن كل لجنة...

 

صندوق التقاعد
كرّس القانون منذ عهد الرئيس فؤاد شهاب إنشاء صندوق للتقاعد خاص بموظفي الدولة ومن ضمنهم العسكريون، ولكن هذا الصندوق لم يُنشأ لغاية اليوم. وتذهب الأموال التي يسدّدها الجيش (6% من أساس راتب العسكري) لهذا الصندوق مباشرة إلى خزينة الدولة، كذلك الأمر بالنسبة إلى ضريبة الدخل، والتي تبلغ سنويًا 88 مليار ليرة.
والسؤال المهم الذي يُطرح اليوم، إذا استُثمرت أموال التقاعد (6%) والتي تبلغ قيمتها سنويًا نحو 61 مليار ليرة من خلال وضعها في إحدى المصارف بفائدةٍ مركّبة (فائدة على الفائدة) بنسبة 12 في المئة، فهي تُصبح بعد 30 سنة 1766٫5 مليار ليرة (وفق تقديرات الجهاز المختص في وزارة الدفاع الوطني).
ومن المفيد الإشارة في هذا السياق إلى أنّه ثمّة «صندوق تعاضد للعسكريين» تُديره المؤسـسة العسكرية، وهو اختياري يتمّ بموجبه حسم مبلغ مالي من رواتبهم، يهدف إلى تأمين قروض خاصة وبفوائد متدنّية للعسكريين الراغبين بذلك، وعندما يتقاعدون يحصلون على تعويض من هذا الصندوق. فلماذا حُفظ هذا الصندوق في المؤسـسة العسكرية وفي وزارة المال لم يحفظ؟

 

حقوق قُضِمت
بخلاف جميع الموظّفين في الدولة، لم يحصل العسكريون على درجات إضافية في سلسلة الرتب والرواتب للعام 2017.
وفي مقارنة أجراها أحد العمداء المتقاعدين، يتبّين أنّ معدل نسبة الزيادة على رواتب العسكريين بنتيجة هذه السلسلة بلغ نحو 20%، فيما راوحت هذه النسبة لدى القطاعات الوظيفية الأخرى ما بين 100% و160%. وقد بلغ مجموع تكلفة سلسلة الجيش نحو 360 مليار ليرة من أصل نحو 3000 مليار ليرة مجموع كلفتها، وهذا خير برهان على هزالة السلسلة المعطاة للعسكريين. وعلى سبيل المثال: زاد أساس راتب الملازم بفعل السلسلة 200 ألف ليرة وأساس راتب الجندي 120 ألف ليرة، أي ما يعادل 60% على الأكثر من أساس راتب من يوازيهما في القطاعات الأخرى.
وقد وافقت اللجنة المُكلّفة من قبل قيادة الجيش في حينه على هذه الزيادة الهزيلة بعد أن تعهّدت اللجنة النيابية المكلّفة إعداد مشروع السلسلة بالإبقاء على تدبير الاستنفار رقم (3) للعسكريين كتعويضٍ عن الخلل الحاصل كائنة ما كانت الظروف.
ولا بد من الإشارة في هذا السياق إلى أنّ نسبة موازنة وزارة الدفاع الوطني في لبنان من الموازنة العامة هي النسبة الأقل بين مثيلاتها في الدول العربية، حيث ينال العسكريون في هذه الدول الراتب الأعلى بين جميع الموظفين.


التخفيض الذي طاول بنودًا حيوية
طاول تخفيض أرقام موازنة وزارة الدفاع الوطني بنودًا تعتبر حيوية جدًا للجيش، إذ شمل: المحروقات، التغذية، النفقات السرية، النفقات الاجتماعية، التجهيزات، الإنشاءات، المكافآت، فضلًا عن بنود أخرى كما يبيّن الجدول أدناه:

 

النبذة

قيمة الحسم

محروقات

27%

تغذية

15%

تعويضات (حوافز إضافية)

47%

تجهيزات

50%

إنشاءات

65%

نفقات اجتماعية

40%

نفقات سرية

20%

مكافآت

50%

دورات خارج البلاد

20 %

صيانة طفيفة

(تجهيزات مكتبية وإنشاءات)

20 %

 

تسريح الضباط وسنوات خدمتهم

الرتبة

حدّ السن القانونية

حدّ الخدمة الفعلية

ملازم

50

34 سنة

ملازم أول

51

35 سنة

نقيب

52

36 سنة

رائد

53

37 سنة

مقدم

54

38 سنة

عقيد

56

40 سنة

عميد

58

42 سنة

لواء

59

43 سنة

عماد

60

44 سنة

 

 

تسريح الرتباء والأفراد
بالنسبة للرتباء والأفراد ينصّ القانون على تقاعد المتطوّع حكمًا عن عمر يناهز الـ45 سنة للرتب: جندي، جندي أول، عريف وعريف أول وعن عمر 48 للرتب: رقيب، رقيب أول، معاون، معاون أول، مؤهّل ومؤهل أول، كما يحقّ له التقاعد اختياريًا عندما تبلغ خدماته الـ18 سنة.

 

إذا ألغي التدبير رقم 3
وفق حسابات جهاز مختصّ، فإنّ تعويض التقاعد الذي يتقاضاه العسكري (مؤهل أول درجة 12) بعد 23 سنة خدمة سيصبح 32 مليون ليرة لبنانية إذا ألغي التدبير رقم 3.