إعلام تواصلي

مواقع التواصل هل هي لاعب أساسي في الانتخابات؟!
إعداد: تريز منصور

شاركت مواقع التواصل الاجتماعي أو ما يعرف بالـ Social Media (فيسبوك وتويتر وغيرهما) في الانتخابات النيابية. وظهرت هذه المواقع كأحد روافد الإعلام الإلكتروني، وسعت إلى الـتأثير في الرأي العام، والحشد عبر المجموعات أو الصفحات.
لكن ما هي فاعلية هذه المواقع على صعيد التأثير في الرأي العام الانتخابي اللبناني؟ وكيف يتمّ ذلك؟ أساتذة متخصّصون في كلّية الإعلام- الجامعة اللبنانية، يقدّمون إجاباتهم في ما يلي.

 

أخلاقيات التخاطب مع الجمهور
أثّرت مواقع التواصل الاجتماعي في مسار الانتخابات في الدول الأوروبية والأميركية بشكل واضح. في لبنان، يستخدم معظم المرشحين حساباتهم على موقع فيسبوك للترويج الانتخابي، محاولين الـتأثير في جمهورهم وحشده لتأييد مشاريعهم وآرائهم...
ووفق مدير كلية الإعلام - الفرع الأول الدكتور عماد بشير (منسّق الفرقة البحثية لعلوم الإعلام والاتصال في المعهد العالي للدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية) أنّ استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في العملية الانتخابية يتمّ من خلال شقّين:
الأول: مخاطبة المرشحين لجمهورهم، وممارسة الإعلام الانتخابي.
الثاني: استخدام مواقع التواصل في الدعاية والإعلان الانتخابيين.
ويضيف الدكتور بشير: يستخدم المرشحون هذه المواقع للتواصل مع جماهيرهم وعرض برامجهم وطروحاتهم بهدف التجييش ورفع نسبة الأصوات المؤيّدة. لكن لا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذه العملية يجب أن تبقى ضمن ما تفرضه أخلاقيات التخاطب مع الجمهور، والابتعاد عن الإساءة للمرشحين الآخرين. فاستخدام ما يسمّى بخطاب الكراهية الذي يتضمّن التشهير، الذمّ أو القدح، أو نشر معلومات مضلّلة عن مرشّح آخر، يعرّض المرتكب إلى الملاحقة القانونية وفق القوانين المرعيّة الإجراء.


تكافؤ في فرص الإعلام الانتخابي
يلفت الدكتور بشير إلى أنّ مواقع التواصل الاجتماعي ليست بوسائل إعلام، وهي ترسي قاعدة تكافؤ الفرص بين المرشحين ومناصريهم لناحية الإعلام الانتخابي. فهي مكّنت كل مرشح من خلق بيئة إلكترونية للتواصل مع الجمهور.
في ما يخصّ الإنفاق الإعلاني للمرشّحين عبر منصّات مواقع التواصل الاجتماعي، يستطيع المرشّح اللجوء إلى الإعلانات الانتخابية المدفوعة عبر هذه المواقع، على أن يصرّح لهيئة الإشراف عن حجم إنفاقه الانتخابي، وفي حال امتنع عن ذلك، يكون قد ارتكب مخالفة قانونية تعرّض نتيجته للطعن حسب قانون الانتخاب.
أما في ما يتعلق بتأثير الحملات الانتخابية عبر مواقع التواصل الاجتماعي على اتجاهات الرأي العام وقدرتها على تغيير أراء الناخبين أو المقترعين، فيعتبر الدكتور بشير أنه من الصعب التنبّؤ بالنتائج من دون دراسات علمية، مشيرًا إلى أنّ النظام الطائفي في لبنان يتحكّم بمسار العملية الانتخابية. وبالتالي فإنّ الحملات عبر مواقع التواصل الاجتماعي لا يمكن أن تُسهم في تغيير آراء الناخبين بسهولة، لكن الأكيد أنها شكلّت فرصة أمام المرشّحين لعرض برامجهم الانتخابية والتواصل مع ناخبيهم.


حجم التأثير في ظلّ الخيارات الطائفية والعائلية
في السياق عينه يوضح المدير السابق لمركز علوم اللغة والتواصل الدكتور غسان مراد (أستاذ الألسنية والمعلوماتية والإعلام الرقمي في كلّية الإعلام)، أنّه يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي عبر ما تتضمّنه من حملات واقتراحات التأثير على الناس وتشكيل الرأي العام في الدول الديموقراطية، حيث خيارات الناخبين ليست طائفية أو عائلية... أما بالنسبة إلى المواطن اللبناني، فمن المستحيل أن يتأثر بالشعارات أو الحملات الانتخابية، لأن الثقة غير موجودة، والرأي العام مبعثر... ولكنّه اعتبر أنّ وسائل التواصل الاجتماعي تؤدي دورًا في خدمة بعض المرشحين ذوي الإمكانات المادية المتواضعة، بحيث يتمكنون عبرها من الإعلان عن برامجهم بأسعار منخفضة ومخاطبة نحو 58 في المئة من الجمهور في العالم العربي.

 

• هل يعني ذلك أن وسائل التواصل الاجتماعي بتوفيرها الفرص للمرشحين ذوي الإمكانيات المحدودة، يمكن أن تؤثّر في نتائج الانتخابات؟
يجيب الدكتور مراد بالنفي، معتبرًا أنّ هذا الأمر لن يؤثر في النتائج الانتخابية، وإنما يزيد من عدد المنتخبين المؤيدين للأحزاب الكبيرة، كما يوضح أن فيسبوك وتويتر هما وسائل للتواصل والاتصال وليستا وسائل إعلامية تقدم المحتوى، وقد تكونان وسيلة لزيادة الناخبين ولتجييش الجماهير، لكنّهما حتمًا لن يغيّرا النتائج.
وردًا على سؤال حول شراء عدد من المؤيّدين (like)، أو عدد المشاركين للمحتوى على منصّات مواقع التواصل الاجتماعي، أشار إلى أنّ هذه العملية تُعرف بالنشر الذكي، على اعتبار أنها من أقوى الطرق التسويقية للخدمات والمنتجات وأكثرها فاعلية، وهي توفّر للمرشحين طريقة سهلة للوصول إلى الناخبين، كما أنها توفّر لهم تقارير تفصيلية عن حملاتهم وتأثيرها Feedback.
ولفت الدكتور مراد أخيرًا إلى أن فيسبوك هو وسيلة التواصل الأكثر استقطابًا، فعلى موقع تويتر لا تتجاوز التغريدة 280 حرفًا، وهو يستخدم عادة لمواقف محدّدة.


سيف ذو حدّين
توضح رئيسة الرابطة العربية للبحث العلمي وعلوم الاتصال الدكتورة  مي العبد الله (أستاذة باحثة في كلّية الإعلام – الجامعة اللبنانية) أنّ الحملات الانتخابية في الغرب ركّزت كثيرًا على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تؤدي دورًا كبيرًا في تشكيل الرأي العام، وهذا ما حصل خصوصًا في الانتخابات الرئاسية الأميركية والفرنسية السابقتين (أوباما وساركوزي)، وهي تؤكد خلافًا لرأي زميليها أنّ استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للترويج الانتخابي في لبنان، لا بدّ أن يكون مؤثّرًا، وذلك من خلال:
- تعرّف الناخبين إلى المرشّحين والتواصل معهم مباشرة والحصول على معلومات خاصة عن حياتهم من خلال مواقعهم الإلكترونية.
- تفاعل المرشحين مع الناخبين والتأثير فيهم.

- إنشاء تكتلات عبر المواقع التواصلية والمعلوماتية ( غروب مرشح...).
وفيما اعتبرت أنّ هذه الحركة قد تؤثر بشكل كبير على الناس سلبًا أو إيجابًا، أكدت أنّ الدعاية الانتخابية تؤثر بشكل كبير على الناس الذين لا يملكون قناعات انتخابية ثابتة، أما بالنسبة إلى الملتزمين بإيديولوجية سياسية وطائفية ثابتة، فالأمر صعب جدًا.
ومع الإشارة إلى تفاؤلها حيال الدور الإيجابي الذي يمكن أن تؤدّيه مواقع التواصل الاجتماعي على صعيد التغيير بفضل ما توفّره من مساحات للتفاعل، تشير إلى أن الأنظمة مهما كانت ثابتة وجامدة فهي سوف تهتزّ أمام هذا التفاعل، لكن هذه المواقع سيف ذو حدّين بسبب عجز السلطات الرقابية عن ضبط حركتها. فمن جهة هناك أمل بتعزيز الديموقراطية، ومن جهة أخرى هناك مجال للمزيد من السيطرة ومن التلاعب بالعقول والتضليل عبرها.
وأكدت أخيرًا أن الوسائل الإعلامية تؤدي دورًا مهمًا في المجتمع، ولكن هذا الدور يرتبط بالنظام الاجتماعي السياسـي العام، وبنسبة الوعي لدى الناس.