مواقع الرأسمال الأميركي والأوروبي في الخليج العربي (صراع اليورو – دولار)

مواقع الرأسمال الأميركي والأوروبي في الخليج العربي (صراع اليورو – دولار)
إعداد: د. محمد مراد
باحث وأستاذ جامعي

تقديم

يمثل الخليج أهمية خاصة من منظور المصالح الاستراتيجية للرأسماليتين الأميركية والأوروبية، لا بل تكاد أهميته أن تكون عالمية بفعل امتلاكه مخزونًا احتياطيًا للطاقة هو الأهمّ في العالم، والذي سيبقى لآماد طويلة قادمة، سلعة استراتيجية تدخل في صلب الاحتياجات الصناعية، وفي تعزيز الحراك الرأسمالي التراكمي سواء من خلال الإيداعات المالية كاحتياطات بالعملات الصعبة من جهة، أم من خلال التوظيفات الاستثمارية والتنموية من جهة أخرى.

وإذا كانت الرأسمالية الأميركية قد صعدت إلى قمة الهرم الرأسمالي العالمي في أعقاب الحرب العالمية الثانية، فإنّ الرأسماليات الأوروبية التي استنزفتها الحروب المدمرة اقتصاديًا وعمرانيًا وبشريًا لم تكن قد انسحبت من مواقعها الرأسمالية التي عرفتها لعقود عديدة سابقة على الحرب، وإنما راحت تتجاوز الصراعات الأوروبية البينية لتدخل في تجربة نوعية جديدة من التوحّد والاندماج هي تجربة الاتحاد الأوروبي الذي بات يضم في عضويته حتى مطلع العام 2007 (27) دولة أوروبية، وهو مرشح لضمّ العديد من الدول الأخرى. كل ذلك في محاولة أوروبية جادة تقوم على تعزيز التكامل البيني الاقتصادي والسياسي وتطويره وصولًا إلى قيام القطبية الأوروبية على الصعيد الدولي.

ولمَّا كانت أوروبا قد مثلت عنصر التوازن بين القطبيتين الأميركية والسوفياتية في مرحلة الحرب الباردة، فإن انتهاء هذه الحرب بسقوط الاتحاد السوفياتي في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، جعلت من أوروبا قوة تقاطب دولي راحت تنافس القطبية الأميركية الساعية إلى تثبيت زعامتها الأحادية على العالم.

من هنا تبرز المنافسة الأوروبية - الأميركية للاستئثار بموقع متميز في السوق الخليجية بحكم أنَّ هذه الأخيرة تمثل مصدرًا حيويًا للطاقة ولفائض مالي هو الأهمّ على صعيد الكتل المالية في العالم. هذه الكتلة باتت، في الوقت الراهن أكثر من أي وقت مضى، من أولويات أجندة الاهتمامات الأميركية والأوروبية، من حيث أنها قد تكون أحد أهمّ العوامل المساعدة على تصحيح أداء النظام الرأسمالي، لا سيّما في مواقع تركّزه في البلدان الغربية، ومساعدته على تجاوز أزمته الراهنة المتمثلة بحالة ضاغطة من الركود والانكماش على المستويين الاقتصادي والمالي.

 

تحاول هذه الدراسة إعطاء صورة وافية عن طبيعة شبكة المصالح والترابطات بين الدول الخليجية الست (دول مجلس التعاون الخليجي) وحجمها من جهة، وكلٍ من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى. وبشأن المصالح الأكثر بروزًا في العلاقات البينية الخليجية - الأميركية والخليجية - الأوروبية، ستتوقف الدراسة عند محاور ستة أساسية، وهي:

1. الخليج من منظور الأمن الاستراتيجي الأميركي والأوروبي.

2. أمن الطاقة.

3. عسكرة الخليج وتحويله إلى سوق حيوية للأسلحة الأميركية والأوروبية.

4. الاستثمارات المتبادلة بين دول مجلس التعاون وكلٍ من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي.

5. المبادلات السوقية بين دول مجلس التعاون وكل من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي.

6. بين البترودولار والبترويورو.

 

أولًا: الخليج من منظور الأمن الاستراتيجي الأميركي والأوروبي

تتوزّع الجغرافية الخليجية تسع دول: ست منها تؤلف منذ العام 1981 مجلس التعاون الخليجي وهي: المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، قطر، عُمان، الكويت والبحرين، و دولتان عربيتان هما العراق واليمن، ودولة غير عربية هي إيران.

أما الجغرافية البحرية للخليج فهي عبارة عن بحر شبه مغلق، يمتد بمساحة مائية سطحية تقدر بحوالى 250 ألف كيلومتر مربع، وبطول 800 كيلومتر، وعرض 470 كيلومترًا، وعمق يراوح بين 100 متر في حده الأعلى و30 مترًا في حده الأدنى[1].

تنتشر في الخليج سلسلة من الجزر يصل عددها إلى حوالى 130 جزيرة، يحتفظ بعضها بموقع استراتيجي متميِّز من حيث أنها تشكل حاجزًا طبيعيًا للسيطرة على الممرات الملاحية للسفن التجارية وخصوصًا لناقلات النفط من المرافئ الخليجية إلى أوروبا وأميركا وسائر العالم. وهنا تبرز أهمية المضائق في الخليج وفي مقدمها مضيق هرمز الذي يعتبر بمنزلة البوابة البحرية للتبادل التجاري والطريق الاستراتيجي لنقل النفط حيث يمر عبره يوميًا أكثر من 50 ناقلة نفط، أي بمعدل ناقلة واحدة كل 19 دقيقة[2]، وبمعدل حمولة تزيد عن 17 مليون برميل أي ما يقرب من 2.3 مليون طن، وهو ما يشكل نحو 20 % من إجمالي الامدادات العالمية[3].

منذ مطالع النصف الثاني من القرن العشرين، بدأ المجال الجيوسياسي الخليجي يشكل، بفعل النفط، المجال الأكثر تركزًا للثروة من جهة، والأكثر جذبًا للاهتمامات الدولية، لا بل إلى مسرح هو الأكثر تسجيلًا للأحداث والأزمات المتلاحقة من جهة أخرى.

 

تلازم الاهتمام الدولي بالمنطقة الخليجية مع جملة من التطورات الهامة التي حكمت، إلى حدٍ بعيد، مسار العلاقات الدولية خلال النصف الثاني من القرن الفائت (القرن العشرين). أبرز هذه التطورات كانت أربعة:

الأول، صعود الولايات المتحدة إلى قمة الهرم الرأسمالي، إذ راحت تتبوأ مركز الزعامة الامبريالية بعد أن سجَّلت سبقًا في هذا المجال على الامبريالية القديمة الأنكلو - فرنسية التي شهدت انحسارًا في مواقعها الرأسمالية بفعل الأعباء المكلفة للحروب التي خاضتها، لا سيما الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945).

الثاني، دخول النفط العربي الأكثر تمركزًا في بلدان الخليج العربية، مرحلة الإنتاج العالي والتسويق إلى البلدان الصناعية، وبشكل خاص إلى أوروبا والولايات المتحدة واليابان وسواها.

الثالث، التنافس القطبي الأميركي - السوفياتي على تقاسم النفوذ الدولي في ظل تصاعد وتائر الحرب الباردة. فقد كان الهدف الأميركي طوال هذه المرحلة الحؤول دون دخول الاتحاد السوفياتي إلى الخليج، خوفًا من أن يؤدي هذا الدخول إلى فتح طريق الشيوعية إلى الشرق الأوسط ومجاله الحيوي المتمثل بالوطن العربي من جهة، وإلى وسط آسيا وجنوبها، حيث يقوم تكتل شيوعي آسيوي واسع من شأنه أن يهدد دول المركز الرأسمالي في أميركا وغرب أوروبا من جهة أخرى. لذلك كان التعامل الأميركي مع المنطقة الخليجية على ضوء متطلبات الحرب الباردة الأميركية - السوفياتية، "فهذه المنطقة تعتبر جزءًا من الجناح الجنوبي للحزام الأمني الشمالي الذي كانت الولايات المتحدة تحاول أن تصنعه لاحتواء الاتحاد السوفياتي"[4].

الرابع، التنافس الأوروبي-الأميركي، لا سيما بعد الفراغ القطبي الذي ولَّده السقوط السوفياتي ومعه منظومة الدول الإشتراكية في شرق أوروبا، إذ ليس من الصدفة أن يكون الإعلان عن ولادة الاتحاد الأوروبي إثر التوقيع على معاهدة "ماستريخت" في هولندا في 7 شباط/فبراير 1992، قد أتى متزامنًا مع انفراط عقد الاتحاد السوفياتي العام 1991. فالاتحاد الأوروبي جاء تتويجًا لمسار تكاملي بدأته الدول الأوروبية منذ مطالع النصف الثاني من القرن العشرين[5]، وهو مسار عبَّر عن نفسه بإنجاز المزيد من خطوات الاندماج والتوحّد الاقتصادي والسياسي وصولًا إلى قيام كتلة الاتحاد الذي بات يضم 27 دولة أوروبية حتى مطلع كانون الثاني/يناير 2007، وإلى ظهور العملة الأوروبية الموحدة "اليورو" العام 1999، والتي باتت عملة قطبية منافسة للدولار الأميركي اعتبارًا من مطلع العام 2002 [6].

 

لقد كان من الطبيعي يأن يتصدَّر المجال الجيو - استراتيجي والجيوبترولي للمنطقة الخليجية مركز الصدارة بين السياسات الخارجية لدول الاتحاد الأوروبي وللولايات المتحدة الأميركية. فارتكازًا إلى نظرية "ماكيندر" (Mackinder)، يمكن الاستنتاج أنَّ روسيا الأوروبية احتلت قلب المجابهة الدولية للسيطرة على العالم، ولكن الأهمية المتزايدة للمجال الجيوسياسي الخليجي حوّلت المجابهة الدولية نحو المناطق المحيطية (Rim lands)[7]، حيث تعتمد الولايات المتحدة استراتيجية خاصة تقضي بإقصاء القوى البحرية غير الحليفة، والسعي إلى التفرُّد بالسيطرة على الخليج وثرواته، والتحكم بالأمن البحري والمحيطي المتصل به. وإذا كانت المنافسة الأميركية مع القطبية السوفياتية قد انتهت بعد تفكك الاتحاد السوفياتي وانهياره، فإن الولايات المتحدة رسمت، مع وصول المحافظين الجدد إلى سدة السلطة الحاكمة في البيت الأبيض، استراتيجية البقاء كأحادية قطبية عالمية من دون منافس على مدى القرن الحادي والعشرين الحالي الذي خُطِّط له أن يكون قرنًا أميركيًا بامتياز. في ضوء هذه الاستراتيجية، وفي ظل الدعاية الضخمة للحرب على الإرهاب، راحت الولايات المتحدة تسعى للإمساك بمخزون الطاقة في منطقتي الخليج العربي وبحر قزوين، الأمر الذي يمكنها، إذ ذاك، من فرض سياستها على العالم ووضع معالم جديدة لنظام دولي يقوم على أساس تطويق الدول النووية في آسيا (الصين – باكستان – الهند – روسيا)، وتحجيم الدول الحليفة (الأوروبية)، "ما يضع السياسات الأوروبية في المنطقة العربية بشكل عام وفي الخليج العربي بشكل خاص، أمام تحديات جديدة تتطلّب توحيد السياسات الخارجية لدول الاتحاد الأوروبي من أجل المحافظة على موقعها المهم في منطقة الخليج، واستمرار حصولها على ما تحتاج إليه من النفط"[8].

 

عرفت الاستراتيجية الأميركية تجاه دول الخليج العربي سياسة المراحل المتدرِّجة وهي عبارة عن أربع أساسية:

الأولى، مرحلة الاعتماد على الحلفاء المحليين عملًا بـ"مبدأ نيكسون": وقد بدأت مع انسحاب بريطانيا النهائي من المنطقة الخليجية العام 1971، فلجأت الولايات المتحدة إلى تأمين مصالحها من خلال الاعتماد على حلفاء محليين:

- إيران، في عهد الشاه، التي مارست دور شرطي الخليج والحارس الإقليمي للمصالح الأميركية. فقد توطَّدت العلاقات الأميركية - الإيرانية مع الانحياز الأميركي للأسرة البهلوية التي نُصِّبت على عرش إيران في أعقاب الانقلاب الذي أطاح بحكومة مصدقي (1953)، والذي كان للولايات المتحدة اليد الطولى في تدبيره، محققة لنفسها مكسبين استراتيجيين: احتواء النظام السياسي الحاكم (نظام الشاه) من جهة، والسيطرة الكاملة على البترول الإيراني من جهة أخرى[9].

- المملكة العربية السعودية التي عرفت توطيدًا في علاقاتها السياسية والدبلوماسية مع الولايات المتحدة، إلى درجة استطاعت معها هذه الأخيرة إبرام اتفاق مع المملكة في حزيران/يونيو (1951)، يقضي بإنشاء قاعدة عسكرية أميركية في مدينة الظهران[10] الساحلية – أحد أهم المرافئ الخليجية لتصدير النفط.

الثانية، مرحلة ما بعد الثورة الإيرانية (شباط/فبراير 1979) عبر الأخذ بـ"مبدأ كارتر"، الذي التزمت بموجبه الولايات المتحدة حماية دول الخليج دبلوماسيًا وأمنيًا: دبلوماسيًا من خلال النفوذ الأميركي الوازن دوليًا، وأمنيًا من خلال الدعم اللوجستي والعسكري لإنشاء "درع الجزيرة" الذي اعتبر بمنزلة النواة الأولية لقيام جيش خليجي يتولى أمن المنطقة في المستقبل. استمرت هذه المرحلة قرابة العقد من الزمن (عقد الثمانينيات من القرن العشرين)، وهي لم تشهد حضورًا عسكريًا أميركيًا يذكر على أرض المنطقة الخليجية، بل ظلّ في أعالي البحار أو ما يسمى "فوق الأفق"[11].

الثالثة، مرحلة دخول طلائع البحرية الأميركية إلى مياه الخليج، بحجة تأمين الحماية العسكرية للسفن الكويتية، لا سيما لناقلات النفط، من هجمات القوارب الإيرانية التي نشطت في إبان الفصول الأخيرة من الحرب العراقية الإيرانية (1980 - 1988)، وقد أطلق على هذه الفترة اسم "حرب الناقلات"[12].

الرابعة، مرحلة الدخول العسكري الأميركي المباشر والمكثَّف إلى الخليج، وهو الذي وجد مبرراته في الأزمة الكويتية - العراقية، التي تطورت إلى اجتياح القوات العراقية للكويت في الثاني من آب/أغسطس 1990، ولم يكد يمضي ستة أشهر على هذا الاجتياح إلا وكان حجم التحشيد العسكري الأميركي قد تجاوز الخمسمائة ألف جندي استعدادًا لخوض حرب الخليج الثانية (حرب عاصفة الصحراء) التي تحالف فيها أكثر من ثلاثين دولة بقيادة أميركية من أجل إجبار القوات العراقية على الخروج من الكويت. هنا، اعتمدت الولايات المتحدة "مبدأ بوش الأب" الذي يقوم على وجود عسكري مكثف للدفاع عن البلدان الخليجية. أما الترجمة العملية لهذا المبدأ فكانت تتم وفق خطين متوازيين: الأول، إبرام معاهدات أمنية دفاعية بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي الست[13]، وهي معاهدات تنص على وجود عسكري أميركي دائم، وعلى منح أميركا قواعد عسكرية في غير دولة خليجية. الثاني، استنزاف عسكري للجيش العراقي عبر فرض منطقتي حظر في جنوب العراق وشماله تمهيدًا لوصول بوش الإبن إلى سدة البيت الأبيض، وهو كان مصممًا سلفًا على احتلال العراق وإسقاطه كدولة مركزية وكنظام سياسي، وهذا ما حدث بالفعل في نيسان/أبريل 2003.

أما الموقف الأوروبي بشأن السياسات الأميركية الرامية إلى أمركة الخليج فلم يصل، من حيث الحضور الأمني والعسكري، إلى مستوى المنافسة المتكافئة مع الولايات المتحدة. فقد كان هناك عنصران أساسيان يدفعان أوروبا إلى الاهتمام بالأمن الملاحي في الخليج العربي[14]: العنصر الأول، اقتصادي يتعلق باعتماد أوروبا شبه الكامل على نفط الخليج الذي يتم نقله بواسطة حاملات النفط. والعنصر الثاني ملاحي وفني، حيث يمر يوميًا في مضيق هرمز أكثر من 50 ناقلة نفط، أي بمعدل ناقلة كل 19 دقيقة. وهذا ما يؤكد الأهمية الجيو - اقتصادية الكبرى والجيو - سياسية والأمنية للخليج العربي في حياة الدول الصناعية.

 

ثانيًا: الخليج وأمن الطاقة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي

ارتدت الطاقة (النفط والغاز) لا سيما بعد دخولها مرحلة الإنتاج العالي والتسويق في أعقاب الحرب العالمية الثانية، أهمية مزدوجة: الأولى، اقتصادية، من حيث تحولها إلى عصب الصناعة لا سيما في بلدان المركز الصناعي الرأسمالي والاشتراكي على السواء، والثانية، تحولها إلى سلعة جيوسياسية محورية في العلاقات الدولية من حيث الصراعات الساخنة والباردة من جهة، أم من حيث هيكلة النظام الدولي وصوغ الاستراتيجيات الدولية من جهة أخرى.

على قاعدة هذه الأهمية للطاقة، لم تلبث هذه الأخيرة أن شهدت تلازمًا في طابعها الاقتصادي كسلعة استراتيجية، وطابعها السياسي في تعيين اتجاهات السياسة الدولية، وطابعها الأمني-العسكري أي استخدام الوسائل العسكرية لضمان أمن الطاقة في مناطق إنتاجها الرئيسة ومنها منطقة الخليج بوجه خاص بوصفها المنطقة الأكثر إنتاجًا من ناحية، والأكثر مخزونًا احتياطيًا من ناحية أخرى.

إنَّ عسكرة الطاقة، أي إعطاءها طابعًا عسكريًا لجهة استخدام الجيوش لضمان أمن المناطق المنتجة للنفط والغاز، وكذلك أمن طرق النقل والإمدادات إلى الأسواق العالمية، باتت ظاهرة بارزة في الشؤون الدولية منذ مطالع الخمسينيات من القرن الفائت، وتصاعدت بروزًا مع مطالع القرن الحالي. يقدم "مبدأ كارتر" الذي يعود إلى العام 1980، مثالًا صارخًا على "أمن الطاقة"، وذلك في ردّه على الاجتياح السوفياتي لأفغانستان العام 1979، حيث صرَّح "بأن الولايات المتحدة ستستخدم "أي وسيلة ضرورية"، بما في ذلك القوة العسكرية في الدفاع عن مصالحها الحيوية في الخليج، بما في ذلك تدفق النفط"[15]. وإذا كان من تفسير لحَربَيْ الولايات المتحدة على العراق (حرب عاصفة الصحراء 1991، وحرب احتلال العراق 2003)، فإنهما تحملان من بين الأسباب التي تحملانها، سببًا رئيسًا يتمثل بعسكرة النفط الخليجي اي بربط أمنه الإقليمي بأمن الحاجة الأميركية إلى الطاقة.

ولمَّا كان العراق في سلوكه السياسي والنفطي قد مثَّل مسلكًا عصيًا على التطويع الأميركي منذ العام 1968 أي مع تولي حزب البعث السلطة ولجوئه إلى تأميم النفط في حزيران/يونيو 1972، فإن الاحتلال الأميركي لهذا البلد في نيسان/أبريل 2003، كان يهدف من بين جملة الأهداف المرسومة أميركيًا، إلى إيجاد عراق جديد صديق للغرب يشكل لبنة البناء الأولى لشرق أوسط أميركي، ويساعد على ضمان حصول الدول الغربية على مصادر الطاقة في المنطقة[16].

حاليًا، تتركز المنافسة الدولية حول المناطق ذات المخزونات الاحتياطية الاستراتيجية من الطاقة (النفط والغاز)، وهي مناطق الخليج، أي دول مجلس التعاون الخليجي الست، إضافة إلى العراق وإيران، ومنطقة بحر الصين الجنوبي في جنوب آسيا، ومنطقة بحر قزوين في وسط آسيا. هذا "المثلث الاستراتيجي" يختزن أكبر احتياطيات الطاقة في العالم، وهو مرشح في المديين القريب والمتوسط لأن يكون المسرح الأكثر ازدحاماً بالأحداث في العالم سواء بين مصالح الدول القطبية الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين وروسيا الاتحادية من جهة، أو بين مصالح الدول الإقليمية ذات المصالح القومية المتضاربة من جهة أخرى.

هكذا، يبرز النفط، في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، ليمثل أحد أهمّ مقومات تدشين معالم النظام العالمي، وذلك من خلال الحرب الصامتة والخفية التي تهدف إلى الاستئثار والتفرّد بالسيطرة على المخزونات النفطية الاستراتيجية، والتي تعتبر منطقة الخليج العربي الأوفر مخزونًا على هذا الصعيد. فالاحتياطي الخليجي من النفط كان وسيبقى إلى آماد بعيدة من القرن الحادي والعشرين، سلعة استراتيجية تؤدي دورًا مهمًا في توجيه دفة السياسات الخارجية للولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وللعديد من القوى الدولية الأخرى[17].

الوزن النفطي لدول مجلس التعاون الخليجي، وبالمقابل، حجم الطلب الاستهلاكي لكلٍ من الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي، يقدمان صورة جلية عن مركزية أمن الطاقة في الاستراتيجيتين الأميركية والأوروبية من جهة، وعن حجم المنافسة بين المواقع الرأسمالية تحت ضغط المصالح المتزايدة لكلٍ منهما في المنطقة الخليجية من جهة أخرى.

 

الوزن النفطي لدول مجلس التعاون

سجَّل الإنتاج اليومي من النفط الخام في دول مجلس التعاون الخليجي، كمعدل وسطي، حوالى 17.7 % من الإنتاج العالمي للعام 1990، ارتفع إلى 22 % للعام 1995، في حين عاد ليسجل 20.8 % للعام 2001 و19.8 % للعام 2002 [18].

وثمة إحصاءات تشير إلى أن متوسط إنتاج أربع دول خليجية هي الدول النفطية الوازنة بين دول مجلس التعاون (المملكة العربية السعودية، الكويت، الإمارات العربية المتحدة وقطر)، إزداد من 12.7 مليون برميل يوميًا العام 1973 إلى حوالى 15.5 مليون برميل يوميًا العام 2008. وبلغ الإنتاج التراكمي لهذه الدول الأربع منذ بدء الإنتاج في كلٍ منها حتى نهاية العام 2007، حوالى 185 مليار برميل من النفط[19]. ولعلّ الجدول الآتي يوضح تطور الإنتاج التراكمي في الدول المشار إليها وفق ما يأتي:

الإنتاج التراكمي في دول الخليج النفطية[20]

الدولة

بداية سنة الإنتاج

الانتاج التراكمي (مليار برميل) حتى نهاية 2007

السعودية

1938

113.054

الكويت

1946

37.899

الإمارات

1962

25.658

قطر

1949

7.875

الإجمالي

-

184.486

 

يتضح من الجدول أنَّ حصة المملكة العربية السعودية من الإنتاج النفطي التراكمي تصل إلى أكثر من 61 % من إجمالي دول مجلس التعاون. وبذلك تحتل المرتبة الأولى عالميًا على صعيد إنتاج النفط. فالعام 2008 قُدر إنتاجها بنحو 12.8 % من الإنتاج العالمي، مقارنة بإنتاج الإمارات 3.6 %، والكويت 3.2 %، وقطر 1.5 %. وعليه يكون إجمالي الإنتاج اليومي للدول الخليجية الأربع نحو 21.1 % من الإنتاج العالمي، كما أنها مسؤولة عن أكثر من 25 % من الصادرات.

في حزيران/يونيو 2008 قررت السعودية رفع إنتاجها من النفط بمعدل 200 ألف برميل يوميًا، ليرتفع حجم إنتاجها اليومي إلى 9.650 ملايين برميل. هذا مع العلم أن المملكة كانت رفعت إنتاجها اليومي من أيار/مايو إلى حزيران/يونيو 2008 بمقدار 300 ألف برميل في أعقاب زيارة الرئيس الأميركي جورج بوش الابن إلى الرياض في نيسان/أبريل. هذا، وسبق لمصادر سعودية رسمية أن أكدت عزم المملكة على زيادة إنتاجها من النفط زهاء 500 ألف برميل، ليصل إلى 10 ملايين برميل يوميًا، وهو معدل إنتاج غير مسبوق في تاريخها كما أنه الأعلى في العالم[21].

أما على صعيد المخزون الاحتياطي المؤكد من النفط الخام في دول مجلس التعاون الخليجي الست فقد ارتفع من 271.2 مليار برميل العام 1982 إلى 476.9 مليار برميل العام 2002، أي أنَّ نسبة الزيادة وصلت إلى أكثر من 175 % في عشرين سنة[22]. وثمة تقديرات للاحتياطي النفطي في الدول الخليجية الأربع بلغت نحو 478.720 مليار برميل حتى نهاية العام 2007 كما يوضح الجدول الآتي[23]:

 

تطور الاحتياطيات النفطية في دول الخليج

بين 1985 - 2007 (مليار برميل)

الدولة

1985

1988

2007

السعودية

171.490

254.989

264.210

الكويت

92.464

94.525

101.500

الإمارات

32.990

98.105

97.800

قطر

4.500

4.500

15.210

الإجمالي

301.444

452.119

478.720

 

مقارنةً بين دول مجلس التعاون والولايات المتحدة يمكن تسجيل الآتي:

 

أولًا: على صعيد الإنتاج

إنتاج دول مجلس التعاون والولايات المتحدة كنسبة مئوية من الإنتاج العالمي بين العامين 1990 و2002 [24]

العام

1990

2002

دول مجلس التعاون

17.7 %

19.8 %

الولايات المتحدة

13.6 %

10.4 %

 

يتضح من الجدول أنّ الإنتاج النفطي الخليجي يكاد أن يكون ضعفي إنتاج الولايات المتحدة للعام 2002.

 

ثانيًا: على صعيد الاحتياطي النفطي

الاحتياطي المؤكد من النفط في دول مجلس التعاون والولايات المتحدة كنسبة مئوية من إجمالي الإحتياطي العالمي بين 1982 و2002 [25].

العام

1982

2002

دول مجلس التعاون

40 %

45.5 %

الولايات المتحدة

5.2 %

2.9 %

 

يتضح من الجدول أن النفط الأميركي يتجه بسرعة نحو النضوب إذ تشير التقديرات إلى أن العمر النفطي المتوقع للولايات المتحدة لا يزيد عن 11 سنة في ظل الوتيرة الحالية للاستهلاك (عمر النفط = نسبة الاحتياطي إلى الانتاج السنوي). أما في بلدان مجلس التعاون فإن الاحتياطي المؤكد فيها للعام 2002 يزيد بأكثر من 15 مرة الاحتياطي الأميركي، إضافة إلى أن عمر النفط الخليجي يصل إلى أكثر من مئة سنة في الإمارات والكويت، وإلى 86 سنة في السعودية وإلى 58 سنة في قطر.

أما المقارنة بين دول مجلس التعاون ودول الاتحاد الأوروبي فهي تظهر فجوة رقمية كبيرة، ذلك أنَّ هذه الأخيرة لا تعتبر من الدول المنتجة للنفط أو من الدول التي تختزن احتياطيات نفطية.

وتتضح أهمية النفط الخليجي أميركيًا وأوروبيًا إذا ما عرفنا حجمي الطلب الأميركي والأوروبي على النفط مقارنة بأحجام الطلب العالمي للعام 1999.

 

أحجام الطلب العالمي على النفط العام 1999 [26]

البلد

النسبة المئوية من حجم الطلب العالمي

الولايات المتحدة

25 %

أوروبا

23.7

اليابان

13

بقية دول آسيا واستراليا

15

سائر دول العالم الأخرى

23.3

 

تظهر النسب الواردة في الجدول أن الولايات المتحدة تحتل المرتبة الأولى عالميًا على صعيد حجم طلبها النفطي، تأتي أوروبا في المرتبة الثانية وبحجم طلب لا يقل كثيرًا عن الطلب الأميركي.

أما ترتيب الدول العالمية المستهلكة للنفط الخليجي فقد جاء العام 1999 وفق ما يأتي:

 

الدول الأكثر استهلاكًا لنفط دول مجلس التعاون لعام 1999 [27].

 

البلد

النسبة المئوية من حجم الطلب العالمي

الولايات المتحدة

25 %

أوروبا

23.7

اليابان

13

بقية دول آسيا واستراليا

15

سائر دول العالم الأخرى

23.3

 

يتضح من ترتيب الدول المستهلكة لنفط دول مجلس التعاون أن اليابان هي الدولة الأولى في العالم من حيث حجم استهلاكها بنسبة 18 % من نفط الدول الخليجية، في حين كانت حصتا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي متقاربة 12 % و11 % على التوالي؛ لكن هذا الحجم الاستهلاكي سوف يتصاعد في ظل تصاعد العجز في الميزان النفطي الأميركي والأوروبي على السواء منذ مطالع القرن الحالي.

وهذه صورة توضح تفاقم العجز في ميزان النفط الأميركي بين العامين 1971 و2030.

 

تطور العجز في ميزان النفط الأميركي (1971 - 2030)[28].

العام

1971

1975

1980

1985

2004

2015

2030

نسبة العجز

26 %

37 %

43 %

58 %

64 %

69 %

74 %

 

 

هكذا، يتضح أن العجز النفطي الأميركي بات يقترب من 70 % في غضون السنوات الخمس القادمة (حتى 2015) وسوف يرتفع اعتماده على استهلاك النفط من الخارج إلى قرابة ثلاثة أرباع حاجاته الاستهلاكية؛ الأمر الذي يفسر الدوافع العميقة للحرب الاستباقية التي اعتمدتها الاستراتيجية الأميركية منذ مطالع القرن الحالي أي مع لحظة صعود المحافظين الجدد إلى سدة السلطة في البيت الأبيض، حيث دشَّن الرئيس الأميركي جورج بوش الابن عهده بشن حربين متتاليتين الأولى على أفغانستان العام 2001 والتي كان من بين أهدافها الخفية الوصول إلى المخزون النفطي الهائل في بحر قزوين، والثانية على العراق واحتلاله العام 2003، والتي كان من بين أهدافها السيطرة الشركاتية الأميركية على نفط العراق، حيث تشير التقديرات إلى أنه يختزن أكثر من 400 مليار برميل كاحتياطي مؤكد من النفط وبعمر نفطي قد يفوق 500 سنة.

وبالمقابل، فإن دول الاتحاد الأوروبي تواجه عجزًا في موازينها النفطية تسعى لتعويضه بزيادة مستورداتها من الطاقة من الخارج. العام 2000 سجل العجز في ميزان النفط في الاتحاد الأوروبي 50 %، ارتفع إلى 70 % العام 2010 ومن المتوقع أن يرتفع إلى حوالى 90 % العام 2020 [29].

 

ولمَّا كان الاتحاد الأوروبي قد أعار اهتمامًا زائدًا تأمين إمداداته النفطية، فقد بذل جهودًا غير عادية لاستمرار هذه الإمدادات طرقًا وأسعارًا. ففي 29 تشرين الثاني/نوفمبر العام 2000 تقدمت المفوضية الأوروبية بمشروع يستهدف صوغ "استراتيجية لتأمين عرض الطاقة" يتضمن عدة عناصر أساسية أهمها[30]:

1. التحكم في معدلات نمو الطلب.

2. اعتماد آليات قوية لبناء مخزون استراتيجي حده الأدنى بين 90 - 120 يومًا.

3. بحث الوسائل اللازمة لزيادة نسبة مساهمة الطاقة النووية في المعروض من الطاقة.

 

هكذا، بات يتضح، في ظل مؤشرات العجز المتفاقم في موازين النفط الأميركي والأوروبي، أنَّ أمن النفط الخليجي هو حاجة أميركية بقدر ما هو حاجة أوروبية في ذات الوقت. أما أمن النفط فهو أمن مزدوج: الأول، أمن الطرق، أي تأمين تدفق النفط من منابعه الإنتاجية وخطوط مروره البحرية وصولًا إلى أسواقه الاستهلاكية في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان وغيرها. والثاني، أمن الأسعار، أي المحافظة على أسعار تحت السيطرة تلتزمها الدول المنتجة والدول المستهلكة على السواء. وقد برزت مسألة أمن الأسعار في إبان الحظر النفطي العربي الذي اعتمدته الدول العربية المنتجة للنفط في أعقاب حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، حين قطعت الإمدادات النفطية عن الدول المساعدة والمؤيدة لإسرائيل وفي طليعتها الولايات المتحدة الأميركية ودول غرب أوروبا. إلا أن النتائج التي تركها الحظر النفطي العربي جعلت من العامل النفطي يتقدم سائر العوامل الأخرى في العلاقات الغربية الخليجية، لا سيما أنَّ الحاجة إلى النفط أخذت بالتزايد وبأسعار ارتفعت قياسيًا في أعقاب الحظر، الأمر الذي ترك تداعيات سلبية على حركة المراكمة الرأسمالية في بلدان رأسمالية المركز الأميركي والأوروبي. لذلك أصبحت أهمية المنطقة بعد العام 1973 تنبع من الاقتصاد كأولوية وفي ضوء إعادة ترتيب الأولويات في استراتيجيتي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تجاه الخليج وسائر المنطقة العربية.

 

ثالثًا: عسكرة الخليج وتحويله إلى سوق حيوية للأسلحة الأميركية والأوروبية

كانت منطقة الخليج العربي أكثر مناطق العالم لجهة اللاإستقرارية التي عرفتها سواء بتحولها إلى ساحة مركزية للصراع الدولي بين القوى الكبرى اللاهثة وراء النفط والمواقع الجيو - استراتيجية من جهة، أم بالحروب الثلاث التي جرت على أرضها في أقل من ربع قرن بين العامين 1980 و2003 وهي الحروب الأكثر وقعًا في العالم بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية من جهة أخرى. أما الحروب الثلاث فكانت: حرب الخليج الأولى أو الحرب العراقية - الإيرانية (1980 - 1988)، وحرب الخليج الثانية أو حرب "عاصفة الصحراء" التي اشتركت فيها ثلاثون دولة أجنبية وعربية بقيادة الولايات المتحدة لإخراج القوات العراقية من الكويت (كانون الثاني/يناير – آذار/مارس 1991)، وحرب الخليج الثالثة (20 آذار- 9 نيسان 2003) التي انتهت باحتلال أميركا للعراق.

تركت الحروب المشار إليها فجوات عميقة من اللاإستقرارية الأمنية والسياسية والاقتصادية ما زالت المنطقة الخليجية ومعها المنطقة العربية برمتها تعيش تداعياتها الضاغطة والتي قد تدفع ببروز العديد من الأزمات الإقليمية والدولية.

أما الولايات المتحدة فقد وجدت في اللاإستقرارية العربية، والخليجية خصوصًا، ما يستجيب لسياستها الرامية إلى توفير مظلة أمنية مباشرة للنفط الخليجي من جهة، وإلى عسكرة البلدان الخليجية عن طريق دفع أنظمة الحكم القائمة فيها إلى اعتماد سياسة دفاعية تقوم على تزوُّد الأسلحة الحديثة وخصوصًا الأميركية منها، وعلى تخصيص موازنات إنفاق دفاعي بمبالغ طائلة، الأمر الذي جعل من منطقة الخليج تتحول إلى أهم سوق حيوي للسلاح الأميركي، وكذلك الوجود العسكري الأميركي الأكثر تكثيفًا في العالم.

كانت حرب الخليج الثانية (1991) علامة تحوُّل بارزة في الوجود العسكري الأميركي في هذه المنطقة، ولا سيما أنه انتقل إلى مرحلة التمركز في قواعد عسكرية دائمة، إذ من المعروف أنَّ الولايات المتحدة كانت قد وجدت صعوبات كثيرة قبيل شن تلك الحرب على العراق، حيث اضطرت إلى استخدام كل إمكاناتها العسكرية والمدنية خلال ستة أشهر، لنقل نحو 370 ألف جندي أميركي[31] لضمان الفوز بالحرب. لذلك، قررت أميركا أن تستقر في الخليج بشكل دائم، الأمر الذي يكشف عن نوايا مبيَّتة بشأن الإعداد لعمليات عسكرية لاحقة في المنطقة، وهذا ما حصل فعليًا في الحرب التي شنَّتها الولايات المتحدة على العراق والتي انتهت إلى احتلاله بالكامل في نيسان/أبريل 2003، ومن دون الاستناد إلى أي تفويض دولي بذلك.

 

لقد تحول شكل الوجود العسكري الأميركي في الخليج بعد العام 1991 من "تسهيلات عسكرية روتينية" إلى قواعد عسكرية ثابتة أبرزها خمس قواعد رئيسة "تتمتع باستقلالية نسبية، وقدرة عامة على دعم عمليات قتال جوية أو برية أو بحرية"، وتتمركز في هذه القواعد قوات أميركية، وتدار من قبلها "بموجب اتفاقات عسكرية مع الدول المضيفة"[32].

أما القواعد االخمس فهي[33]:

1. قاعدة "الجفير" في البحرين.

2. قاعدة "خور العديد" في قطر.

3. قاعدة "علي سالم" ومعسكر "أريفجان" في الكويت.

4. قاعدة "مصيرة" في عُمان.

 

أما السعودية، وهي الدولة الأكبر وزنًا بين دول مجلس التعاون الخليجي، فلم تمنح الولايات المتحدة قبل العام 2003، حق إنشاء قواعد عسكرية ومخازن أسلحة ومعدات على أراضيها. لكن المملكة التزمت، بالمقابل، معاهدة دفاعية مع الولايات المتحدة تعهدت بموجبها هذه الأخيرة بإقامة نظام دفاعي جوي حديث، إضافة إلى إعدادها للسعودية جيشًا وطنيًا من 90 ألف جندي خلال خمس سنوات (1991 - 1996) لم يلبث أن ارتفع العام 2001 إلى 126500 جندي بالإضافة إلى 75 ألفًا هو عديد الحرس الوطني السعودي، إلى جانب 7500 عسكري يشكلون ما يُسمى "قوات درع الجزيرة" وهي تتكوَّن من "لواء مشاة" جميع عناصره من دول مجلس التعاون الخليجي الست[34].

ومن دول الاتحاد الأوروبي ذات الحضور العسكري في السعودية هناك فرنسا التي تحتفظ بـ170 عسكريًا وبخمس طائرات من نوع ميراج C2000، وبست طائرات نقل وتموين. أما بريطانيا فإن وجودها العسكري في السعودية كان يقتصر على 200 عسكري و6 طائرات مقاتلة من نوع تورنادو (1A-GR)[35].

لكن عشية الحرب على العراق (آذار/مارس 2003)، طغى الوجود العسكري الأميركي في دول مجلس التعاون الخليجي على ما عداه من سائر الدول الأوروبية. ففي 21 آذار/مارس 2003، أي في بداية الحرب على العراق، نشرت جريدة "لوموند" (Le Monde) الفرنسية، تحديدًا للقواعد والتسهيلات المنتشرة (للقوات الأميركية) في أقطار مجلس التعاون على الشكل الآتي[36]:

في الكويت:

- معسكر لسلاح البر مع مخازن معدّة سلفًا في كل من قاعدتي "علي سالم" و"اريفجان".

- قاعدة لوجستية في الأحمدي.

- قاعدة جوية في معسكر لسلاح البر في "الغديري".

في المملكة العربية السعودية:

- قاعدة جوية ولوجستية في "جدة".

- قاعدة لوجستية في "العقبة".

- قاعدة لسلاحي الجو والبر في "مدينة الملك العسكرية".

- قاعدة جوية في "الظهران".

- قاعدة جوية ولوجستية في "قاعدة الأمير سلطان".

 

في قطر:

- قاعدة جوية ولوجستية في "العُديد".

- معسكر "السيلية" القيادي.

- مخازن معدَّة سلفًا في "الدوحة".

 

في البحرين:

- قاعدة جوية ولوجستية في "المنامة".

في الإمارات العربية المتحدة:

- قاعدة جوية في "الظافر".

- قاعدة لوجستية في كل من: "ميناء زايد"، و"جبل علي"، و"جبي" و"الفجيرة".

 

في عُمان:

- قاعدة لسلاحي الجو والبر، مع مخازن معدَّة سلفًا في "ثمريت".

- قاعدة جوية، مع مخازن معدَّة سلفًا، في "مصيرة".

- قاعدة لسلاحي الجو والبر، مع قاعدة لوجستية ومخازن معدَّة سلفًا في "السيب" و"مسقط".

- قاعدة جوية ولوجستية في "المثنى".

 

هكذا، يتضح من خارطة الانتشار العسكري الأميركي في الخليج، بأنَّ أمركة الأمن الخليجي باتت ثابتًا استراتيجيًا في السياسة الأميركية الخارجية في حين أن الوجود الأوروبي ظلَّ وجودًا صوريًا ومقتصرًا على كلٍ من بريطانيا التي شكَّلت خروجًا على دول الاتحاد الأوروبي بشأن تحالفها الحربي مع الولايات المتحدة واحتلال العراق العام 2003، وفرنسا التي لم يطرأ تطور ذو شأن على حضورها العسكري في الخليج، فهي "كانت مستبعدة وممنوعة من الالتفات إلى الرمال المذَّهبة في الجزيرة والخليج"، لكنها، مع وصول الرئيس ساركوزي إلى سدة الجمهورية، نالت ترخيصًا أميركيًا بإقامة قاعدة عسكرية دائمة في "أبو ظبي"[37] في دولة الإمارات العربية المتحدة، بمعزل عن الرأي السيادي لهذه الأخيرة.

كان على دول مجلس التعاون الخليجي أن تدفع قسمًا مهمًا من عائداتها النفطية بدل تكلفة الوجود العسكري الأجنبي وبشكل خاص الأميركي الموجود على أراضيها. والأمر الملفت هنا، أنه في أعقاب كل طفرة سعرية للنفط كانت تأتي حرب إقليمية تتطلب مزيدًا من الإنفاق، الأمر الذي يذهب بالقسم الأعظم من العائدات التي سبق وتجمعت بفعل ارتفاع الأسعار. فالطفرة السعرية الأولى (1974 - 1979) أعقبتها الحرب العراقية - الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات متواصلة، والطفرة الثانية (1986 - 1989) أعقبتها حرب الخليج الثانية حرب عاصفة الصحراء (1991)، التي انتهت إلى وجود عسكري أميركي مكثَّف في سائر الدول الخليجية الست، والطفرة الثالثة (2003 - 2008) تزامنت مع حربي أفغانستان والعراق اللتين ما زالت تداعياتهما متواصلة حتى الآن.

تطور الإنفاق العسكري الخليجي بعد اندلاع الحرب العراقية - الإيرانية في أيلول/سبتمبر 1980، وذلك لسببين رئيسين: الأول، تخوُّف الدول الخليجية من اتساع دائرة الحرب بحكم التماس الجغرافي بين دول المنطقة، والثاني، دعم دول مجلس التعاون للعراق ماليًا وعسكريًا من أجل تمكينه من مواصلة الحرب، وتسجيله نصرًا حاسمًا على إيران مانعًا عليها تصدير شعاراتها الثورية إلى الخليج وباقي المنطقة العربية. فالعام 1985 سجَّل الإنفاق العسكري السعودي 19.6 % من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة؛ وفي عمان 20.8 % والكويت 9.1 %، والإمارات العربية المتحدة 7.6 %، وقطر 6 % والبحرين 3.5 %[38].

عاد الإنفاق العسكري الخليجي ليرتفع بوتائر متسارعة في أعقاب الاجتياح العراقي للكويت (2 آب/أغسطس 1990) والذي تطوَّر إلى حرب أميركية أطلسية على العراق (1991)، ومن ثم فرض الحصار العسكري والاقتصادي عليه قرابة الثلاث عشرة سنة وصولًا إلى احتلاله بالكامل في نيسان/أبريل 2003. ولعلّ الجدول الآتي يوضح أحجام الإنفاق العسكري في دول مجلس التعاون خلال عشر سنوات (1998 - 2007) وفق ما يأتي[39]:

 

تطوُّر الإنفاق العسكري لدول مجلس التعاون الخليجي

بين 1998 - 2007 (مليون دولار أميركي)

العام

الدولة

1998

1999

2000

2001

2002

2003

2004

2005

2006

2007

البحرين

207

340

337

355

357

491

491

486

528

543

الكويت

2735

2958

3082

3029

3126

3369

3679

3909

3909

4400

عُمان

1774

1769

2439

2488

2562

2695

3030

3652

3905

3813

قطر

-

-

-

-

-

-

-

-

-

-

العربية السعودية

20513

18260

20125

21434

18817

18956

21074

25393

28926

33793

الإمارات العربية

2986

2950

2876

2836

2862

2807

2585

2559

-

-

المجموع

28215

25997

28559

30142

27724

28318

30859

35999

37268

42549

 

ملاحظة: الأرقام بالأسعار الثابتة للعام 2005 بينما العام 2007 هناك أرقام بالأسعار الجارية على الشكل الآتي: البحرين 570، الكويت 4801، عُمان 4101، السعودية 35484، مجموع الدول الأربع: 49956 مليون دولار[40].

يمكن أن نسجل بشأن الجدول الإستنتاجات الآتية:

1. إنَّ الإنفاق العسكري الخليجي في خمس دول (باستثناء قطر) بلغ 28.215 مليار دولار أميركي العام 1998 إرتفع إلى 42.549 مليارًا العام 2007 بالأسعار الثابتة أو 49.956 مليارًا بالأسعار الجارية.

2. الإنفاق العسكري التراكمي للدول الخمس المشار إليها في الجدول بلغ، في غضون عشر سنوات (1998 - 2007) ما جملته 315.610 مليار دولار، هذا مع العلم أنَّ الإنفاق في دولة قطر والإمارات العربية المتحدة لم يُسجل في عداد الإنفاق الخليجي العام للعامين 2006 و2007.

3. كان الإنفاق العسكري السعودي هو الأعلى، حيث سجل قرابة 35 مليار دولار أميركي العام 2007 أي بزيادة وصلت إلى حوالى 17 % عمَّا كان عليه الإنفاق للعام 2006. هذا، وهناك صفقة أسلحة وقعتها الحكومة السعودية مع الحكومة البريطانية في أيلول/سبتمبر 2007، وهي تتعلق بشراء السعودية 72 طائرة قتال من طراز يوروفايتر تايفون وهي الصفقة السعودية - البريطانية الأكبر منذ صفقة الأسلحة المسماة "اليمامة" العام 1985، وثمة صفقات أخرى جرى التفاوض بشأنها مع كلٍ من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا[41].

 

أما أحجام الإنفاق العسكري في الدول الخليجية مقارنة بحجم الناتج المحلي الإجمالي في كلٍ منها، فقد سجَّل بين 1998 و2006 النسب المئوية الآتية[42]:

العام

الدولة

1998

1999

2000

2001

2002

2003

2004

2005

2006

البحرين

4.8

4.9

4

4.2

4

4.8

4.3

3.6

3.5

الكويت

8.8

7.6

7.2

7.7

7.2

6.5

5.9

4.7

4

عُمان

12.5

11.4

10.6

12.2

12.3

12.1

12

11.8

11.2

قطر

-

-

-

-

-

-

-

-

-

السعودية

14.3

11.4

10.6

11.5

9.8

8.7

8.4

8

8.5

الإمارات

5.1

4.3

3.4

3.4

3.3

2.8

2.3

1.9

-

 

يتضح من أرقام الجدول أنَّ الإنفاق العسكري الخليجي كان عبئًا على الاقتصاد المحلي، لا سيما في دولة عُمان والمملكة العربية السعودية. ففي عُمان بلغ الإنفاق حوالى 12.5 % من إجمالي الناتج المحلي العام 1998، وقد حافظ على النسبة ذاتها تقريبًا على مدى السنوات ما بين 1998 و2006. أما السعودية فبعد أن كانت نسبة الإنفاق 14.3 % من إجمالي ناتجها المحلي العام 1998 عادت لتسجل 8.5 % من هذا الناتج العام 2006، لكن ينبغي الأخذ بالاعتبار أن هذه النسبة الأخيرة لا تعني تراجعًا في معدلات الإنفاق العسكري، لا سيما إذا ما عرفنا أنَّ صعودًا خطيًا كان قد شهده تطور الناتج المحلي الإجمالي فيها بسبب الطفرة السعرية التي شهدها سوق النفط بعد العام 2003، والتي وصل فيها سعر البرميل الواحد إلى حوالى 150 دولارًا في أواسط العام 2008. لقد شكَّل إنفاق السعودية حوالى 39 % من المجموع الإقليمي للإنفاق العسكري في الشرق الأوسط العام 2007 [43]، وعليه احتلَّت السعودية المرتبة الثامنة في العالم وكانت ضمن الخمس عشرة دولة الأولى عالميًا التي استأثرت بالإنفاق الأعلى في العالم وسجَّلت ما نسبته 83 % من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي للعام 2007 [44].

كان القسم الأعظم من الإنفاق العسكري الخليجي يذهب إلى إعداد الجيوش الوطنية وتجهيزها من جهة، وعلى تزود الأسلحة المتطورة وخصوصًا من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى.

على صعيد إعداد الجيوش الوطنية فقد زادت الدول الخليجية من تعداد جيوشها من 174800 جندي العام 1990 إلى 217000 جندي العام 2000 أي بزيادة بلغت 42200 جندي أي ما يعادل قرابة الربع (25 %) خلال عشر سنوات[45].

 

ولمَّا كان حجم القوات المسلحة في دول المجلس الست لا يساوي أكثر من 42 % من حجم القوات الإيرانية، وحوالى نصف القوات المسلحة العراقية قبل احتلال العراق في نيسان/أبريل 2003، فإنَّ هذا الأمر كان الدافع الأقوى للبلدان الخليجية إلى الاعتماد على ما يمكن تسميته بـ "الوازن الخارجي" الذي يستطيع توفير الأمن لهذه الدول ويحميها من مخاطر اندلاع مواجهات إقليمية في المنطقة. "وفي الأمد القريب يبدو أن هناك تطابقًا بين وجهات النظر الرسمية في البلدان الخليجية وبين صانعي القرار الأميركي من حيث أن الولايات المتحدة هي الحامية الوحيدة لمنطقة الخليج العربي"[46]. ومن ناحية عملية هناك اجتماعات دورية تعقد بين مسؤولي دول مجلس التعاون ووزير الخارجية الأميركي مرتين في العام، الأولى على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر من كل عام، والأخرى في ربيع العام التالي. كما يقوم إما وزير الخارجية الأميركي أو وزير الدفاع بزيارات دورية لمنطقة الخليج لاستشفاف آراء الزعماء الخليجيين في ما يسميه الأميركيون "بالتهديدات الموجَّهة" لدول مجلس التعاون.

أما على صعيد التسلح فقد شكَّلت السوق الخليجية مركز الاهتمام الأول للدول المصدرة للأسلحة وفي مقدمها الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي. فالعام 2006 أبرمت دول مجلس التعاون الخليجي صفقات تسلح وصلت قيمتها إلى 35 مليار دولار توزَّعت كالآتي: 13 مليارًا للشركات البريطانية، 12 مليارًا للشركات الأميركية و10 مليارات للشركات الفرنسية[47].

وإذا كان الخليج قد بات مصدرًا استراتيجيًا لأمن الطاقة الأميركية والأوروبية نظرًا إلى مركزيته النفطية في العالم، فإنه من جهة أخرى بات سوقًا استراتيجية لاستيعاب الأسلحة العالية التكنولوجية والمصنَّعة في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، لا سيما الكبرى منها بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، إسبانيا وسواها..

بعد النفط والغاز، دخلت المنافسة الأميركية - الأوروبية على تسويق السلاح إلى البلدان الخليجية لتضيف إشكالية أخرى إلى العلاقات الأميركية - الأوروبية بشأن تغاير وجهات النظر في تحديد العلاقة بين حكم القانون والأمن الدوليين. وقد برز هذا الخلاف إلى السطح في إبان حرب الخليج الثانية (1991) بظهور اعتراض فرنسي على الحرب، وفي حرب الخليج الثالثة (حرب احتلال العراق 2003) برز موقف فرنسي - ألماني واضح داخل مجلس الأمن بعدم التصويت على قرار يمنح الولايات المتحدة غطاءً دوليًا لشنّ الحرب على العراق واحتلاله.

رابعًا: الاستثمارات المتبادلة بين دول مجلس التعاون وكلٍ من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي

اتخذت حركة الاستثمارات بين دول مجلس التعاون الخليجي وكلٍ من الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي، اتجاهًا بينيًا قائمًا على التبادلية في التوظيفات المتنوعة لرؤوس الأموال والأصول المستثمرة.

ولما كان النشاط الاستثماري الخليجي في الخارج وثيق الارتباط بالمستوى السعري للنفط، فإنَّ الطفرات السعرية التي عرفتها أسواق النفط، ومنها السوق الخليجية، بين العامين 1974 و2008، أسهمت في تكوين فائض مالي تراكمي توزع بين رفد الموازنات الحكومية من جهة، والتوظيفات الاستثمارية في الخارج من جهة أخرى.

بين العامين 2003 و2008 عرفت سوق النفط الطفرة السعرية الثالثة، حيث تصاعد فيها السعر من حوالى 24 دولارًا للبرميل العام 2002 إلى حوالى 147 دولارًا في تموز/يوليو 2008 ليعود فينكسر إلى أقل من 40 دولارًا في مطلع العام 2009 [48]. أما السبب الأبرز في التصاعد غير المسبوق للأسعار النفطية في الفترة المشار إليها فيعود إلى حربي الولايات المتحدة على أفغانستان والعراق واحتلالهما بين العامين 2001 و2003.

لقد ارتفعت قيمة الصادرات الخليجية من النفط والغاز الطبيعي المسال (LNG)، من 123.4 مليار دولار العام 2002 إلى 421.10 مليارًا العام 2007. والعام 2008 سجَّلت ما قيمته 614 مليارًا على الرغم من التراجع الحاد في أسعار النفط في الربع الأخير من العام نفسه، والذي كان بسبب تداعيات الأزمة المالية العالمية التي انفجرت بحدة في أيلول/سبتمبر 2008. وبذلك، فإن صادرات دول مجلس التعاون تكون قد ارتفعت حوالى ثلاثة أضعاف ونصف العام 2007 عن مستواها العام 2002، هذا مع الإشارة إلى أن قيمة الصادرات الخليجية في الأشهر السبعة الأولى من العام 2008 قاربت المستوى الذي بلغته العام 2007 بكامله[49].

ولمزيد من توضيح انعكاس الطفرة الثالثة على تراكم الأصول الخارجية لبلدان مجلس التعاون الخليجي نورد الجدول الآتي:

الصافي التراكمي للأصول الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي

 

حتى العام 2007 (بمليارات الدولارات)[50]

البلد

العربية السعودية

الإمارات العربية

الكويت

قطر

البحرين

عُمان

المجموع

الصافي التراكمي

540

850

280

85

15

25

1795

 

هناك توقعات بازدياد حجم هذه الاستثمارات خلال النسوات الخمس القادمة إلى ما بين 3 - 5 تريليونات من الدولارات. أما التوزيع الجغرافي لهذه الاستثمارات فهو وفق الجدول الآتي:

التوزيع الجغرافي لأصول بلدان مجلس التعاون الخليجي

 

حتى العام 2007 (نسبة مئوية)[51].

البلد

النسبة %

الولايات المتحدة

56.6

الاتحاد الأوروبي

18.9

البلدان العربية

11.3

بلدان آسيوية

11.32

مناطق أخرى

1.9

 

 

تشير أرقام الجدول إلى أن الولايات المتحدة تستأثر بالحصة الأكبر من حجم الاستثمارات والأصول الخليجية، بحيث أنّ حصتها قاربت الثلاثة أضعاف حصة الاتحاد الأوروبي، إلا أن ثمة إحصاءات أخرى تقدر حجم الاستثمارات الخليجية لدى دول الاتحاد الأوروبي بين 150 - 200 مليار دولار[52]، وهي تشكل حوالى 40 % من إجمالي الاستثمارات الخليجية في العالم[53].

لقد تنوعت الاستثمارات الخليجية في الخارج بين استثمارات خاصة وأخرى رسمية، وهي إما في صورة موجودات عينية أو أسهم استثمارات في سندات حكومية[54]. وهناك دراسة أوضحت أنَّ الحصة الخليجية في سندات الدين الحكومي الأميركي قصير الأمد، ارتفعت من 1.4 % العام 2001 إلى 7.9 % العام 2006، بينما ارتفعت الحصة في السندات الطويلة الأجل من 14 % إلى 20 % خلال الفترة نفسها[55].

وإذا كانت الاستثمارات الخليجية في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي قد بلغت أرقامًا مليارية كانت ترفدها باستمرار مراكمات الفوائض النفطية، فإن حجم التوظيفات الاستثمارية، بالمقابل، لكلٍ من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي سجَّلت حوالى 200 مليار دولار حتى العام 2007، وأنَّ المملكة العربية السعودية استأثرت وحدها بنحو 85 مليارًا منها العام 2007 بعد أن كانت 38 مليارًا العام 2006 [56].

أسهمت الإيداعات الخليجية في تمكين الرأسماليات الغربية، لا سيما رأسمالية المركز الأميركي، من تنشيط حِراكها التراكمي وتحريك دورة الاقتصاد الأميركي عن طريق فتح مجالات جديدة للوظائف مقابل الخفض في معدلات البطالة، ذلك أن كل مليار دولار يدخل أميركا كودائع أو استثمارات، بإمكانه خلق 20 ألف وظيفة عمل في الولايات المتحدة[57] فكيف إذا كانت الودائع الخليجية مليارية أو تريليونية سنويًا؟

إنَّ القسم الأعظم من الأرصدة الخليجية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي هي مستثمرة في أدوات مالية عائدها منخفض ومخاطرها متزايدة خصوصًا في ظل الأزمة الراهنة التي تعصف بالنظام الرأسمالي وتنذر بسقوطه التاريخي وخاصة في مكان تركّزه المكثف أي في الولايات المتحدة التي باتت تعاني منذ فترة عجزًا كبيرًا في ميزانها التجاري؛ الأمر الذي سيكون له نتائج مدمرة على قيمة الدولار بوصفه عملة عالمية، ما قد يؤدي إلى ظهور عملات قطبية منافسة من بينها اليورو الأوروبي والين الياباني.

من هنا، على دول مجلس التعاون الخليجي أن تعيد النظر في توظيف عوائدها النفطية خليجيًا وعربيًا وعالميًا، وأن تخرج من علاقتها القدرية بالرأسمال الأميركي وأن تفك ارتباطها بالدولار عن طريق تنويع العملات الأجنبية. كل ذلك يتطلب إعادة النظر في التوزيع الجغرافي للاستثمارات والأصول المالية وفي فتح مجالات استثمارية جديدة على قاعدة التكافؤ والانتفاع المتبادل.

 

خامسًا: المبادلات السوقية بين دول مجلس التعاون وكلٍ من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي

لمَّا كانت دول مجلس التعاون الخليجي تعتمد على مركزية النفط في بنيانها الاقتصادي العام، ولما كان النفط، وسيبقى إلى آماد بعيدة، يمثل عصب الصناعة، لا سيما في البلدان الأكثر تقدمًا مثل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي واليابان وسواها، فإنه كان من الطبيعي أن تنشأ علاقات سوقية متميزة بين البلدان الخليجية من جهة، وسائر دول العالم سواء الصناعية المتقدمة أم النامية من جهة أخرى.

لقد زاد الاقتصاد النفطي الخليجي بوصفه اقتصادًا يكاد يكون أحادي التصدير إلى الأسواق العالمية، من درجات الانفتاح التجاري لدول مجلس التعاون واندماجها في الاقتصاد العالمي. بين العامين 1998 و2005 سجل مؤشر اندماج الاقتصاد الخليجي، وهو ما يقاس بنسبة التجارة الخارجية (صادرات + واردات) إلى الناتج المحلي الإجمالي، الأرقام الآتية:

 

درجات الانفتاح التجاري لدول مجلس التعاون الخليجي

بين (1998 - 2005)[58]

الدولة

الإمارات

البحرين

السعودية

عُمان

قطر

الكويت

متوسط 1998 - 2001

1.22

1.29

0.51

0.79

0.81

0.69

متوسط 2002 - 2005

1.28

1.27

0.65

0.86

0.84

0.73

 

توضح مؤشرات الجدول أن دولة الإمارات العربية المتحدة هي الأعلى في درجة اندماجها الاقتصادي (128 %) بين الدول الخليجية الأخرى كمتوسط بين العامين 2002 - 2005، تليها البحرين (127 %)، عُمان (86 %)، قطر (84 %) والكويت (73 %). والعام 2007 وصلت درجة الاندماج الخليجي إلى أكثر من 113 %، وهذه نسبة تعتبر مرتفعة بالمقاييس الدولية إذ في الدول الصناعية لا تزيد درجة الاندماج عن 40 %، وأكثر من ذلك قليلًا في بعض الدول النامية. وما يفسِّر هذا الارتفاع في مؤشرات الاندماج الخليجي في الاقتصاد العالمي هو اعتمادها على النفط كمصدر رئيس للتصدير إلى أسواق العالم من جهة، وفي توظيف عائداته في شراء كل حاجاتها من السلع الاستهلاكية، والسلع الصناعية الجاهزة، وفي استخدام العمالة الوافدة، إلى جانب استثمار فوائضه التراكمية في أسواق المال العالمية[59].

تركزت مبادلات دول مجلس التعاون الخليجي باتجاه الكتل السوقية الوازنة عالميًا وفي مقدمها دول الاتحاد الأوروبي، واليابان، وبلدان جنوب شرق آسيا، والولايات المتحدة الأميركية إلى جانب دول عديدة أخرى عربية وعالمية.

العام 1990 توزَّعت الأهمية النسبية لمبادلات مجلس التعاون الخليجي مع الأسواق الرئيسة في العالم وفق الجدول الآتي:

الأهمية النسبية لمبادلات دول مجلس التعاون الخليجي مع الأسواق العالمية الرئيسة العام 1990 [60].

السوق

مبادلات مجلس التعاون ( %)

الاتحاد الأوروبي

26

اليابان

22

بلدان جنوب شرق آسيا

17.5

الولايات المتحدة الأميركية

14

بقية دول العالم

20.5

المجموع

100

 

 

يتضح من الجدول أن الاتحاد الأوروبي احتل المرتبة الأولى بين الأسواق العالمية من حيث مبادلات التجارة الخارجية مع دول مجلس التعاون الخليجي الست، في حين أنَّ الولايات المتحدة تأتي في المرتبة الرابعة على هذا الصعيد بعد الاتحاد الأوروبي واليابان وبلدان جنوب شرق آسيا. إلا أنَّ الشراكة التجارية الخليجية - الأوروبية لم تكن متكافئة، فالعام 1990 احتلت اليابان المرتبة الأولى في حجم مستورداتها من دول مجلس التعاون (27 %)، في حين جاء الاتحاد الأوروبي في المرتبة الرابعة ولم تزد مستورداته من دول المجلس عن 17 % مقابل 20 % لدول جنوب شرق آسيا التي جاءت في المرتبة الثانية[61].

وهذا بيان بحركة تطور المبادلات التجارية بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون بين العامين 1995 - 2001:

تطور حجم التبادل التجاري للاتحاد الأوروبي مع دول مجلس

التعاون الخليجي بين 1995-2001 (مليار دولار)[62].

السنة

صادرات الاتحاد

واردات الاتحاد

إجمالي التجارة

الفائض

1995

25.42

10.92

36.40

+ 14.79

1996

42.50

11.96

36.46

+ 12.54

1997

25.24

12.23

37.48

+ 13.00

1998

26.79

8.20

34.89

+ 18.50

1999

26.13

10.95

37.08

+ 15.17

2000

39.60

17.10

56.70

+ 22.50

2001

36.20

11.50

47.70

+ 15.50

 

تظهر أرقام الجدول أنَّ الاتحاد الأوروبي يعتبر شريكًا تجاريًا وازنًا مع مجلس التعاون الخليجي، ليس فحسب بالنظر إلى مقياس حجم الصادرات والواردات، ولكن أيضًا إلى مقياس حجم الفائض الربحي الذي يحققه الاتحاد. فالعام 1995 سجل هذا الفائض حوالى 15 مليار دولار ارتفع العام 2000 إلى 22.5 مليارًا ثم عاد إلى 15.50 مليارًا العام 2001، إلا أن الملفت في هذا الأمر هو أنه فائض دائم لصالح الاتحاد، من هنا، فالاتحاد الأوروبي ظلّ وما زال، يمثل الشريك الأول والأهمّ ليس إلى الدول الخليجية وحسب، وإنما أيضًا إلى المنطقة العربية برمتها. فالعام 2001 زاد حجم التجارة العربية غير النفطية مع أوروبا على 100 مليار دولار؛ في حين بقي دون 60 مليارًا مع الولايات المتحدة، وهذا الحجم مؤهل للزيادة نظرًا إلى الاهتمام الكبير الذي يوليه الاتحاد الأوروبي للمنطقة العربية، نتيجة التنافس الرأسمالي بينه وبين الولايات المتحدة للاستحواذ على أسواقها. وبشأن دول الخليج فهي، عدا عن كونها تمثل مركز الثقل النفطي في العالم، تحتل موقعًا جغرافيًا استراتيجيًا يوفر له خاصية تجارية متميزة بسوقها الواسعة المستقبلة للمنتجات الأوروبية، حيث يعتبر الاتحاد الأوروبي بمنزلة الشريك التجاري الأكبر لدول الخليج بقيمة مبادلات تجارية إجمالية وصلت إلى نحو 50 مليار يورو العام 2001، وهو ما يعادل حوالى 50 % من حجم تجارة الاتحاد مع الوطن العربي[63].

وإذا كان الميزان التجاري الأوروبي قد سجَّل فائضًا ربحيًا مستمرًا من جرَّاء مبادلاته مع دول مجلس التعاون الخليجي، فإنه، بالمقابل، كانت هناك إشكالية حالت، وما زالت تحول حتى الآن، دون قيام علاقات مبادلات متكافئة بين الطرفين، تعود هذه الإشكالية إلى المساعي المستمرة من قبل الدول الخليجية لتنويع مصادر إيراداتها في محاولة منها لتجاوز أحادية المورد الريعي النفطي، وذلك عبر تطوير مصادر إنتاجية صناعية وزراعية.

في ضوء هذا التوجه في السياسات الاقتصادية الخليجية تمكنت الدول المعنية، وخصوصًا السعودية، من تطوير نوعي لصناعاتها البتروكيميائية، بحيث بلغت مستويات عالية كمًا ونوعًا، وأيضًا من حيث القدرة الإنتاجية المتوافرة. فالعام 1990 سجل حجم الصناعة البتروكيميائية في دول مجلس التعاون 6.920 مليون طن ارتفع إلى 13.480 مليون طن العام 1995؛ في حين أنتجت السوق الأوروبية 64.695 مليون طن و75.385 مليون طن العامين 1990 و1995 على الترتيب. وبذلك تكون المقارنة النسبية بين مجلس التعاون والسوق الأوروبية المشتركة على الصعيد الإنتاجي من الصناعة البتروكيميائية 11 % و 18 % على التوالي للعامين 1990 و1995 [64].

هكذا، برزت إشكالية الصناعات البتروكيميائية بين الجانبين، وقد وصل الأمر باللوبي البتروكيميائي الأوروبي، وهو لوبي له أصوات عديدة في البرلمان الأوروبي وفي المفوضية الأوروبية وفي جمعية المنتجين البتروكيميائيين في أوروبا (APPE)، إلى أن برز كأحد أهم الأصوات المطالبة بحماية الصناعات البتروكيميائية، وهي الصناعات التي قُدر حجم أعمالها بأكثر من 200 مليار دولار، تصبح، على الرغم من ضخامتها، هشة وسريعة العطب إذا ما تعرضت لمنافسة مفتوحة من قبل صادرات مجلس التعاون الخليجي[65].

وفي مسعى مشترك لتبديد المخاوف التي كانت تقلق البتروكيميائيين الخليجيين والأوروبيين، توصل الطرفان إلى إبرام "اتفاق تعاون" تمَّ التوقيع عليه بالأحرف الأولى في 24 آذار/مارس 1988، وتمَّ إقراره بصيغته النهائية في بروكسل في 15 حزيران/يونيو، ودخل حيّز التنفيذ اعتبارًا من الأول من كانون الثاني/يناير 1990. وقد أعقب هذا الاتفاق انعقاد عدة مؤتمرات لتطويره وإيجاد آليات عمل لترجمته على أرض الواقع[66].

وقد نجحت الجهود المبذولة من الطرفين إلى تحقيق نتائج باهرة على صعيد تطوير التبادل التجاري بعد التوصل الى تسوية مرضية بشأن الصناعات البتروكيميائية. أما بشأن التعرفة الجمركية على الصادرات الخليجية إلى الأسواق الأوروبية، فقد أسفرت المباحثات التي تولتها منظمة التجارة الدولية مع دول الاتحاد الأوروبي وكذلك مع الولايات المتحدة واليابان، عن تخفيضات في التعرفة على صادرات الخليج البتروكيميائية بمقدار النصف تقريبًا، بحيث تقلَّصت من حدود 14 % إلى حدود 6.5 %[67].

 

مع الطفرة السعرية التي شهدتها السوق النفطية (2003 - 2008)، عاد الاهتمام الأوروبي ليجدد الحديث عن قيام منطقة تجارة حرة بين الجانبين. وقد برز على هذا الصعيد مقترحان رئيسان[68]:

الأول: أن تربط اتفاقية التجارة الحرة الخليجية - الأوروبية بمنطقة التجارة الحرة الأوروبية - المتوسطية المزمع إقامتها العام الحالي (2010). أما النتائج التي يتوخاها الاتحاد الأوروبي من هذا الربط فتكمن بالآتي:

-1 تمهّد لتطبيع العلاقات العربية - الاسرائيلية بحكم أنَّ إسرائيل هي "دولة" متوسطية، وبذلك يبدأ التطبيع اقتصاديًا ليتحول إلى تطبيع سياسي في ما بعد.

-2 تربط الإتفاقية الدول الخليجية باقتصاديات منطقة اليورو الأمر الذي سيكون له نتائج مهمة على الجانبين الأوروبي والخليجي. أوروبيًا يتسع فضاء منطقة اليورو عالميًا، لا سيما في منطقة تركّز الثروة، أي المنطقة الخليجية بحيث تتحوّل من موقعها المالي البترودولاري إلى موقع بترويوري (نسبة إلى اليورو) جديد، وهذا ما سيساعد على تعزيز عالمية اليورو ويمنحه القوة في معركة المنافسة القطبية مع الدولار الأميركي.

-3 التلازم بين اتفاقيتي التجارة الحرة الأوروبية - الخليجية والأوروبية - المتوسطية، يساعد الدول العربية غير النفطية وهي دول فقيرة إجمالًا، على التخفيف من درجة اعتمادها على المعونات الخارجية الأوروبية والأميركية.

الثاني: اقتراح بقيام منطقة تجارة حرة مستقلة خليجية - أوروبية، تنص على تقليص العوائق التجارية بين الجانبين، وتفضي إلى تنشيط التعاون في مجال الاستثمار، خصوصًا في استثمارات الطاقة والغاز في كلٍ من المملكة العربية السعودية وقطر. هذا الاقتراح ما زال قيد التفاوض بين الجانبين على الرغم من إصرار الجانب الأوروبي على توقيع اتفاق اتحاد جمركي بين دول مجلس التعاون الخليجي الست وتنفيذه، قبل الشروع بترجمة أي اتفاق مماثل مع دول الاتحاد الأوروبي، معنى ذلك أنَّ المنظور الأوروبي للتعاون الاقتصادي مع الدول الخليجية يقوم على أساس تكامل السوق الخليجية، الأمر الذي يسهل التفاعل في إطار سوق موحدة اقتصاديًا بدل أن يكون مع كل دولة على حدة.

أما المنظور الأميركي الاقتصادي والسياسي لدول الخليج العربية فهو ينطلق من اعتبارات استراتيجية في إبقاء هذه الدول مجرد ملحقات مواد أولية لرأسمالية المركز الغربي. لذلك راحت الولايات المتحدة تشجع إنشاء عدد من الفروع الصناعية[69] في بلدان الخليج، في إطار نظام رؤوس الأموال الخاصة، التي تقوم بإدارتها شركات ما فوق قومية.

إنَّ التخطيط الاقتصادي في دول مجلس التعاون يقوم على ارتباط وثيق باستيراد وسائل الإنتاج والتكنولوجيا من الولايات المتحدة والبلدان الصناعية المتقدمة الأخرى الأمر الذي يجعل الاقتصاد الخليجي عاجزًا عن المنافسة من جهة، ومستخدمًا لدى الولايات المتحدة وغيرها من الدول الرأسمالية المتطورة، كعامل تحفيزي لنظامها الرأسمالي من جهة أخرى. في ضوء هذه التبعية قامت العلاقة غير المتكافئة بين الخليج وأميركا على قاعدة المقايضة في التبادل: النفط بشروط أميركية مقابل تقديم السلع والتكنولوجيا بأكلاف خليجية باهظة[70].

أرست المقايضة المشار إليها آليات متشعبة من التبعية الخليجية لرأسمالية المركز الأميركي، التي ربطت، إلى حدٍ بعيد، بين استمرارها في المراكمة كشرط لتطورها وإعادة إنتاجها، وبين قدرتها على امتصاص الفائض النفطي الخليجي، وحجم تدخلها السوقي كبائع للتكنولوجيا إلى زبائن من أثرياء النفط سواء كان هؤلاء الزبائن عبارة عن دول حاكمة أم مؤسسات اقتصادية في القطاعين العام والخاص.

 

سادسًا: الخليج بين البترودولار والبترويورو

يمثل الخليج العربي أهمية خاصة من منظور المصالح الاستراتيجية للرأسماليتين الأميركية والأوروبية ممثلة بالاتحاد الأوروبي الذي بات يضم في عضويته 27 دولة حتى مطلع كانون الثاني/يناير 2007، وهو مرشح لضمّ العديد من الدول الأخرى في محاولة أوروبية جادة تقوم على تعزيز مشروع الاندماج والتكامل البيني وتطويره وصولًا إلى قيام القطبية الأوروبية على الصعيد الدولي.

من هنا، تبرز المنافسة الأوروبية - الأميركية للإستئثار بموقع متميِّز في السوق الخليجية بحكم أن هذه الأخيرة تمثل مصدرًا حيويًا للطاقة ولفائض مالي هو الأهم على صعيد الكتل المالية في العالم. هذه الكتلة باتت في صلب الاهتمامات الأميركية والأوروبية، من حيث أنها قد تكون أحد أهم العوامل المساعدة على تصحيح أداء النظام الرأسمالي، لا سيما في مواقع تركّزه في البلدان الغربية، ومساعدته على تجاوز أزمته الراهنة المتمثلة بحالة ضاغطة من الركود والإنكماش على المستويين الاقتصادي والمالي.

في الواقع، كان النظام الدولي يشهد مع توقيع معاهدة ماستريخت في هولندا (1992)، ميلاد قطبية جديدة هي القطبية الأوروبية التي لم يكن ظهورها الذي ترافق مع سقوط القطبية السوفياتية، محض صدفة، وإنما كان يعكس حضورًا أوروبيًا يسعى إلى نقل أوروبا من موقع التوازن القطبي بين العملاقين الأميركي والسوفياتي في ظل الحرب الباردة، إلى موقع التقاطب الدولي بعد هذه الحرب، بمعنى دخول أوروبا نادي القطبية الدولية المتعددة.

الهدف من وراء إنشاء الاتحاد الأوروبي يكمن في إثبات حضور أوروبا بخصوصيتها الحضارية ونفوذها التاريخي في الساحة الدولية، كما يهدف أيضًا إلى انتهاج سياسة أوروبية جديدة تعيد الانتشار الأوروبي كلاعب أساسي على المسرح الدولي. هذا التطور في مسيرة التكامل والاندماج والتوحد الأوروبي كان يحمل مؤشرات تنافس أوروبي-أميركي خفي في مناطق عديدة من العالم، لا سيما في المنطقة الخليجية منها، بحيث اختلفت السياسة الأميركية مع السياسة الأوروبية في المنطقة، وبخاصة مع فرنسا وألمانيا اللتين برزتا أكثر معارضةً للحرب الأميركية على العراق العامين 1991 و2003.

إلا أنَّ ثمة مسألة أساسية تستدعي التوقف بشأن مشروع أوروبا التكاملي التوحيدي وصولًا إلى قيام الكتلة الأوروبية الوازنة على الصعيد الدولي. وهي تتمثَّل بجملة من التحديات الضاغطة التي ما زالت تشكل حالة اعتراضية لمسيرة الاتحاد الأوروبي في إنجازه خطوات متقدمة على طريق التكامل والتوحيد. هناك تحديات سياسية وسكانية وثقافية وقومية وإيديولوجية سأكتفي بالتوقف عند التحدي الاقتصادي وهو يندرج في تحديين إثنينن:

التحدي الأول: الاقتصاد الرأسمالي، ويتمثَّل بالطبيعة الرأسمالية للاقتصاد الأوروبي، وهي طبيعة لا تخرج عن البنية العامة للنظام الرأسمالي، على العكس فإنَّ الاقتصادات الأوروبية تحتل موقعًا متقدمًا في سلَّم الرأسمالية العالمية، وهي على تماس مباشر مع رأسمالية المركز في الولايات المتحدة الأميركية. أما مسألة المنافسة السوقية بين الرأسماليتين الأميركية والأوروبية، وبالتالي ظهور العملة الأوروبية الموحَّدة (اليورو) كوحدة نقدية مُزاحمة للدولار الأميركي في الساحة النقدية العالمية، فهي مسألة لا تخرج أبدًا عن القوانين التي حكمت تاريخيًا الطبيعة التطورية للرأسمالية في حركتها التراكمية الدائمة. من هنا، سادت مقولة في أعقاب الحرب العالمية الثانية وما زالت سائدة حتى اليوم مفادها بأنه "عندما تعطس أميركا يصاب العالم بالزكام"[71]، وهذا ما يظهر جليًا من خلال تداعيات الأزمة المالية التي عصفت بالاقتصاد الأميركي في خريف 2008 ثم أنسحبت على كل مستويات الهرم الرأسمالي العالمي بدءًا من قمته الأميركية نزولًا إلى سائر الدول الرأسمالية الأخرى ومنها دول الاتحاد الأوروبي.

جاء في وصف الرئيس الأسبق للبنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي "آلان غرينسبان" للأزمة المالية الراهنة بأنها "هي الأخطر منذ قرن، ولم تنته بعد، وستستغرق مزيدًا من الوقت، وأتوقع أنهيار العديد من المؤسسات المالية الكبرى بسبب القسوة الاستثنائية لهذه الأزمة"[72].

 

أبرز الترابطات بين الاقتصادين الأميركي والاوروبي كانت الآتية:

1. الطبيعة العالمية للاقتصاد الأميركي، فهناك أكثر من 70 % من الشركات الأوروبية، واليابانية تعرض سلعها في السوق الأميركية.

2. قيام معظم دول أوروبا، لا سيما تلك المنضوية في عضوية الاتحاد الأوروبي، باستثمار احتياطاتها المالية في شراء السندات من الخزانة الأميركية.

3. شبكات الترابط بين الأسواق الأميركية والأوربية سواء على صعيد المبادلات التجارية أم على صعيد الاستثمارات وانتقال رؤوس الأموال والتوظيفات المختلفة.

4. الترابط بين الدولار واليورو بوصفهما عملتين ذات فضاء عالمي، فالترابط قائم بالضرورة على صعيد أسعار الصرف والتحويل من دولار إلى يورو أو العكس.

5. في ضوء هذا التشابك الاقتصادي والمالي بين الاقتصادين الأميركي والاوروبي، كان من الطبيعي أن تنسحب تداعيات الأزمة الأكثر تركزًا في الولايات المتحدة الأميركية على سائر اقتصاديات دول الاتحاد الأوروبي، أبرز التداعيات كانت على مستويين: الأول، على مستوى العملة الأوروبية الموحَّدة (اليورو)، الثاني، على مستوى دول العجز داخل الاتحاد الأوروبي والتي تمثل الأزمة اليونانية الأخيرة أحد أهم نماذجها.

 

أولًا: تأرجح قيمة اليورو:

خلال الفترة ما بين 1999 و2010 أي منذ دخول العملة الأوروبية (اليورو) في سوق التداولات النقدية وحتى اليوم، تطورت أسعار صرف هذه العملة مقابل الدولار الأميركي وفق البيان الآتي[73]:

العام

اليورو مقابل الدولار

تأرجح القمية السعرية أرتفاعًا أو هبوطًا ( %)

1999

اليورو يعادل 0.93 دولار

قيمة اليورو أقل بـ 7 % من قيمة الدولار

2002

التسعير الرسمي لليورو

اليورو يعادل 1.17 دولار

قيمة اليورو أعلى بـ 17 % من قيمة الدولار

2005

واحد يورو يعادل 1.30 دولار

ارتفاع في قمية اليورو 11.1 % عن تسعيرة العام 2002 مقارنة بالدولار

2009

واحد يورو يعادل 1.52 دولار

ارتفاع في قيمة اليورو 23 % عن تسعيرة العام 2002 مقارنة بالدولار.

2010

(حتى شهر ايار)

واحد يورو يعادل 1.20 دولار

ارتفاع في قيمة اليورو 0.1 % عن تسعيرة العام 2002 مقارنة بالدولار.

 

 

تظهر أرقام الجدول أنَّ ثمة تأرجحًا في القمية السعرية لليورو مقارنة بالدولار الأميركي، فالعام 1999 أي عام الإعلان عن العملة الأوروبية الموحَّدة للإتحاد الأوروبي صُرف اليورو بأقل من 7 % من قيمة الدولار، والعام 2002 عندما بات اليورو العملة البديلة الوحيدة لدول الاتحاد الأوروبي (بإستثناء انكلترا) وُضعت التسعيرة الرسمية له 1.17 دولار أميركي أي بزيادة قدرها 17 % أعلى من قيمة الدولار، والعام 2009 سجَّل اليورو أعلى قيمة له مقابل الدولار بحيث وصل إلى 1.52 دولار أي بنسبة ارتفاع 23 % عن تسعيرته الرسمية العام 2002 لكنه في الاشهر الخمسة الأولى من العام الحالي 2010 عاد اليورو ليسجل تراجعًا مقابل الدولار، حيث وصل في أواخر شهر أيار إلى 1.20 دولار أي بنسبة زيادة لا تتعدى 0.1 % عن تسعيرته الرسمية لعام 2002. إن هذا التأرجح في سعر صرف اليورو إن دلَّ على شيء فإنما يدل على تداعيات الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد الأوروبي من جهة، وعلى اختلالات اقصادية بين دول الاتحاد الأوربي نفسه بين دول القوة (بريطانيا، المانيا، إيطاليا، بلجيكا،...) ودول العجز (اليونان، البرتغال، إسبانيا، دول شرق أوروبا الإشتراكية السابقة، دول البلطيق...) من جهة أخرى. تجلت أزمة اليورو في العديد من المظاهر الاقتصادية دلَّت عليها المؤشرات الرقمية الآتية[74]:

1. تراجع نسب النمو في منطقة اليورو بمعدل 0.5 % العام 2009 عن العام السابق أي 2008، في وقت سجل التراجع في الولايات المتحدة أكثر من 1.1 % وفي اليابان 0.1 %.

2. دخول منطقة اليورو، لأول مرة منذ قيامها العام 1999، مرحلة ركود فعلي، بينما أعلنت كل من إيطاليا والمانيا الدخول في مرحلة ركود رسمي.

3. أرتفاع معدل إفلاس الشركات والمؤسسات في بلجيكا بنسبة 18 % العام 2009 عن معدل العام السابق أي العام 2008.

4. بلوغ معدل البطالة في الاتحاد الأوروبي 7 %. وقد كشف استطلاع للرأي شمل 15 قطاعًا اقتصاديًا حيويًا في المانيا أنَّ نحو 215000 وظيفة مهددة بالإلغاء خلال العام 2009. وفي بريطانيا - الدولة العضو في الإتحاد الأوروبي إلا أنها خارج منطقة اليورو- أرتفع معدل البطالة من 2.5 % العام 2008 إلى 5.7 % العام 2009، الأمر الذي كان سببًا إضافيًا مهمًا وراء إطاحة حزب العَّمال في الانتخابات البرلمانية الأخيرة ووصول حزب المحافظين إلى السلطة بعد غياب لأكثر من أربعة عقود سابقة. هذا، وهناك توقعات في تفاقم التدهور في سوق العمل في بلدان اليورو وغيرها من البلدان المتقدمة ليصل معدل البطاقة إلى 7.9 % في الربع الأول من العام الحالي 2010.

5. إفلاس العديد من الشركات الأوروبية، وخصوصًا الصناعية منها التي تعتمد بنسبة تفوق 70 % على ترويج منتجاتها داخل السوق الأميركية.

6. تفاقم الخسارة في فرص العمل في غير مدينة أوروبية، ففي مدينة بروكسل- العاصمة البلجيكية - سجلت خسارة أكثر من 14000 فرصة عمل في مدينة واحدة العام 2009.

التحدي الثاني: تفاوت في المواقع الاقتصادية بين دول القوة في الإتحاد ودول العجز. بين العامين 1992 و2007، بات الاتحاد الأوروبي يضم 27 دولة متباينة من حيث مستوياتها ومعدلات نموها الاقتصادي. لذلك، وجد الاتحاد الأوروبي نفسه، بعد تفجَّر الأزمة المالية العالمية في أيلول/سبتمبر 2008، محاصرًا بين المشاكل الداخلية الناجمة عن زيادة أعضائه والتوسع في جغرافيته السياسية من ناحية، وبين الانعكاسات السلبية لانكماش الطلب على سائر دول المنظومة الرأسمالية ومنها دول الاتحاد الأوربي من ناحية أخرى.

تقدم الأزمة اليونانية دليلًا كافيًا على وجود حالات تعثر اقتصادي بين دول العجز في الاتحاد الأوربي. أما أسباب هذه الأزمة فأبرزها ثلاثة:

1) عدم التزام عدد من دول الاتحاد الأوروبي ومن بينها اليونان، أحكام معاهدة ماستريخت التي قضت بإنشاء الاتحاد الأوروبي العام 1992، وذلك لجهة عدم تجاوز السقوف أو الحد الأقصى للعجز المالي والمديونية العامة للحكومات الراغبة في الإنضمام إلى الاتحاد. فقد تفجَّرت الأزمة اليونانية مع إعلان الحكومة الجديدة التي تشكلت في أعقاب الانتخابات البرلمانية الأخيرة، بأنَّ حجم العجز المالي يعادل نسبة 12.7 % من إجمالي الناتج المحلي للعام 2009، وأنَّ الحكومات السابقة عمدت إلى التضليل وتزييف الاحصاءات، وساعدها في ذلك أجهزة جمع البيانات الاحصائية التابعة للإتحاد الأوروبي نفسه[75].

2) سجَّل الدين العام في اليونان حتى نهاية العام 2009 أكثر من 300 مليار يورو، الأمر الذي يضع الدولة اليونانية في دائرة الإفلاس ويهدد بالتالي بإلقاء سلبيات كثيرة على منطقة اليورو وعلى مستقبل الاتحاد الأوروبي اقتصاديًا وسياسيًا[76].

3) لم تبادر دول القوة الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي وفي مقدمها المانيا إلى تقديم خطة إنقاذ اقتصادية للدول المتعثرة مثل اليونان، هذا، في وقت شهد ارتفاعًا في حدة الانتقادات إلى الدول - الأقطاب في الاتحاد بوصفها دولًا وظَّفت السوق الأوربية الموحدة لخدمة مصالحها الاقتصادية. وهنا، تقدم المانيا نموذجًا على تحقيق مكاسب مهمة لاقتصادها من جرَّاء زيادة صادراتها إلى أسواق الاتحاد، الأمر الذي أدى إلى تعاظم فائضها التجاري على حساب انكماش القدرة التنافسية للدول الأعضاء في منطقة اليورو، وبالتالي، وقوعها تحت عجز مالي متراكم ومديونية عامة عالية كما حصل تمامًا مع اليونان، والمرشح الحصول مع كل من البرتغال وأسبانيا، وربما مع دول أخرى في الاتحاد مثل البلطيق، ودول أوروبا الشرقية الخارجية من التجربة الاشتراكية في الحقبة السوفياتية السابقة، وهي دول فقيرة إجمالًا وتبحث عن سند اقتصادي لها داخل الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو.

 

فتحت الأزمة اليونانية مجالًا ساخنًا بين الدول الأعضاء لا سيما بين قطبي الاتحاد المانيا وفرنسا، بشأن كيفية انقاذ الاقتصادات المتدهورة، وإذا كان وزراء مالية دول منطقة اليورو قد اتفقوا على الخطوط الأساسية لآليات تقديم مساعدات مالية لليونان للخروج من أزمتها، فإنَّ الإجراءات التي يتطلبها تنفيذ هذه المساعدات تجعلها أقرب إلى الدعم المعنوي منها إلى تقديم القروض الفعلية التي تقدر بين 20-25 مليار يورو[77].

أثارت الأزمة اليونانية مخاوف على الصعيد الإقليمي الأوروبي، وبخاصة في البرتغال وإسبانيا، وأشاعت جوًا من الحذر داخل فرنسا. يضاف إلى ذلك التوتر الاقتصادي ذي الأبعاد السياسية الذي شهدته العلاقات الإيسلندية مع كل من بريطانيا وهولندا، كل هذه الأمور كانت بمنزلة جهاز إنذار للعديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والأخرى المتطلعة إلى الإنضمام لمنطقة اليورو، لإعادة التفكير في ما إذا كانت تريد تحمل تبعات العملة الأوروبية الموحدة ومسؤولياتها في ظل تصاعد موجات الاحتجاج والتظاهر والاضرابات التي عمت المدن اليونانية. وقد تردَّدت أصداء هذه المخاوف في دول البلطيق (ليتوانيا، لاتفيا، استونيا)، والتي من المقرر انضمامها إلى الاتحاد النقدي على مدى الفترة من 2011 إلى 2014.

وعلى الرغم من الركود الذي أصاب منطقة اليورو (عدد دولها حاليا 16 دولة من مجموع 27 دولة منضوية في الاتحاد الأوروبي)، وعلى الرغم من التراجع التنازلي الذي شهده سعر صرف العملة الأوروبية الموحَّدة، إلا أنَّ ثمة توقعات اقتصادية ترجح أن يتحول اليورو إلى قوة نقدية مزاحمة على تبوء المرتبة الأولى عالميًا خلال العقدين القادمين.

ومع أنَّ صادرات العالم ما زال 50 % منها بالدولار الأميركي، مقابل 35 % فقط باليورو، إلا أنَّ الولايات المتحدة تخشى أن تنقلب المعادلة لصالح اليورو، لاسيما بعد أن سجَّل هذا الأخير نجاحات يُعتدّ بها في مزاحمته الدولار الأميركي في التجارة العالمية. وهناك توقعات تشير إلى أنَّ نصيب اليورو من الودائع في العالم سوف ترتفع إلى 30 % بدلًا من 14 % الموجودة حاليًا[78].

من هنا، تقوم سياسة الولايات المتحدة الاقتصادية على الحدّ من فضاء اليورو والحؤول دون تحوله إلى قوة نقدية عالمية منافسة. فقد عمدت الإدارة الأميركية إلى إنشاء تكتل أميركي – كندي- مكسيكي مشترك (النافتا) للتصدي لتزايد نفوذ اليورو والاقتصاد الأوروبي. وفي استطلاع للرأي العام داخل دول الاتحاد، أجاب 65.5 % من الذين شملهم الاستطلاع عند سؤالهم عن احتمالات أن تصبح أوروبا قوة اقتصادية مسيطرة في العقد التالي، بأنَّ تلك الإمكانية عالية وممكنة، بينما قال 27.5 % بأنها متدنية وضعيفة التحقق[79].

وإذا كان للأزمة المالية من تداعيات سلبية على منظومة الاقتصاد الرأسمالي العالمي ومن ضمنها منظومة الاتحاد الأوروبي، فإنَّ ثمة حوافز إيجابية سوف تنشأ عن الأزمة المذكورة، وهي حوافز ستكون دافعة لتقويم الاختلالات البنيوية والهيكلية للإتحاد الأوروبي ليس فحسب من أجل مواجهة التداعيات السلبية للأزمة الاقتصادية العالمية، وإنما أيضًا من أجل تحقيق الأهداف البعيدة لمشروع التوحد والاندماج الأوروبي وصولًا إلى قيام الكتلة القطبية الأوروبية ككتلة لها حضورها الوازن على الصعيد الدولي.

إنَّ تجربة الاتحاد الأوربي هي من أبرز نماذج التعاون بين الدول من حيث صياغة العلاقات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، ومن حيث إحداث التحولات النوعية في الجغرافية السياسية لأوروبا. فالاتحاد الأوروبي مؤهل لتشكيل تكتل إقليمي مشترك ومنظومة أوروبية موحَّدة قادرة أن تؤكد حضورها على مسرح المنافسة بين القطبيات والتكتلات الدولية الاخرى.

إنَّ صراع اليورو - دولار على غير منطقة عالمية ومنها المنطقة الخليجية هو صراع اقتصادي سياسي يعكس طبيعة الأنظمة الرأسمالية التي قامت استراتيجيتها تاريخيًا على توفير كل الشروط المساعدة على إعادة إنتاج دورتها في المراكمة الرأسمالية. من هنا، جاء قيام الاتحاد الأوروبي العام 1992، وكذلك، قيام العملة الأوروبية الموحَّدة "اليورو" العام 1999 ليعكسا طبيعة الواقع الأوروبي لجهة إدراك أهمية عنصر القوة الاقتصادية المتلازم مع الاندماج والتوحد السياسي من أجل ضمان الموازنة في المواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية.

 

[1]-     Raoul Delcarde: "La Sécurité et la Stratégie dans le Golfe Arabo-Persique", actuels, Paris, Sycomore, 198 3, p. 10

 

[2]-     علي الحاج، سياسات دول الاتحاد الأوروبي في المنطقة العربية بعد الحرب الباردة، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، طبعة أولى، 2005، ص 284.

 

[3]-     كاميلا روننسكي، التسلح ونزع السلاح والأمن الدولي، معهد (سيبري)، الكتاب السنوي 2007، ترجمة وإصدار مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2007، ص 343.

 

[4]-     تركي الحمد (معقب)، في: [إدمون غريب وآخرون]، في: "الوطن العربي في السياسة الأميركية"، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، طبعة أولى، 2002، ص 117.

 

[5]-     بدأت النواة الأولى للاتحاد الأوروبي بست دول ظهرت تحت اسم "الجماعة الأوروبية للفحم والصلب"، في 18 نيسان/أبريل 1951.

        للمزيد من التفصيل أنظر كتابنا: أوروبا من الثورة الفرنسية إلى العولمة: الاقتصاد، الأيديولوجيا، الأزمات، دار المنهل اللبناني للنشر، بيروت، طبعة أولى، 2010، ص 239-240.

 

[6]-     بشأن كرونولوجيا الأحداث الممهدة لظهور الاتحاد الأوروبي وللعملة الاوروبية الموحّدة (اليورو)، أنظر، كتابنا، المرجع السابق، ص 284 - 286.

 

[7]-     ورد في: علي الحاج، سياسات دول الاتحاد الأوروبي في المنطقة العربية بعد الحرب الباردة، مرجع سابق، ص 282، نقلًا عن:

Halford Mackinder, "The Geographical Pivot of History", George Journal, vol. 23 (1904), pp. 10-33.

 

[8]-     علي الحاج، سياسات دول الاتحاد الأوروبي...، مرجع سابق، ص 283.

 

[9]-     محمد حسنين هيكل، حرب الخليج: أوهام القوة والنصر، مركز الأهرام للترجمة والنشر، القاهرة، 1993، ص 98.

 

[10]-    للمزيد من التفاصيل حول إنشاء الولايات المتحدة لقاعدة الظهران العسكرية في العام 1951، ولتطور إنشاء القواعد العسكرية الأميركية في المملكة بعد ذلك التاريخ، راجع: المركز العربي للمعلومات "الوجود العسكري الأميركي"، العدد 51، شباط/فبرايرٍ، 2008، ص 19-20.

 

[11]-    صالح بن عبد الرحمن المانع، العلاقات العالمية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، ص 2 - 3، انظر البحث على شبكة الإنترنت:

                http://docs.ksu.edu.sa/doc/ articles19/article/90647.doc.

 

[12]-    المرجع نفسه.

 

[13]-    المركز العربي للمعلومات، الوجود العسكري الأميركي، العدد 51، شباط (فبرايرٍ) 2008، ص 21.

 

[14]-    علي الحاج، سياسات دول الاتحاد الأوروبي في المنطقة العربية بعد الحرب الباردة، مرجع سابق، ص 284.

 

[15]-    كاميلا روننسكي في: التسلح ونزع السلاح والأمن الدولي، معهد "سيبري"، الكتاب السنوي، 2007، ترجمة وإصدار مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2007، ص 343.

 

[16]-    المرجع نفسه، ص 343.

 

[17]-    Ken Matthew: "The Gulf conflict international relations", London; New York: Rutledge, 1993, p.69

 

[18]-    أنظر: الملف الإحصائي (ملف الطاقة) في: المستقبل العربي، العدد 297، تشرين الثاني/نوفمبر 2003، ص 192-193.

 

[19]-    عبد الرزاق الفارس، الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية للطفرة النفطية على أقطار مجلس التعاون، في: إبراهيم شريف السيد و[آخرون] في: الطفرة النفطية الثاثة وانعكاسات الأزمة المالية العالمية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، طبعة أولى، 2009، ص 283.

 

[20]-    عبد الرزاق الفارس، المرجع نفسه، ص 297، نقلًا عن:

            Organization of the Petroleum Exporting Countries (OPEC), Annual Statistical Bulletin, 2007, (Vienna: Opec, 2007).

 

[21]-    صحيفة الحياة، بيروت، 27 تموز/يوليو 2008.

 

[22]-    الملف الإحصائي (ملف الطاقة)، المستقبل العربي، العدد 297، تشرين الثاني/نوفمبر 2003، ص 194 - 195.

 

[23]-    ورد في عبد الرزاق الفارس، الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية للطفرة النفطية...، مرجع سابق، ص 298، نقلًا عن:

        OPEC, Annual Statistical Bulletin, 2007.

 

[24]-    محمد مراد، السياسة الأميركية تجاه الوطن العربي بين الثابت الاستراتيجي والمتغير الظرفي، دار المنهل اللبناني للنشر، بيروت، طبعة أولى، 2009، ص 297 - 298.

 

[25]-    المرجع نفسه، ص 299-300.

 

[26]-    صالح بن عبد الرحمن، العلاقات العالمية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، مرجع سابق، ص 13.

 

[27]-    المرجع نفسه، ص 10.

 

[28]-    حسين عبد الله، المخاطر المحيطة بنفط الخليج، السياسة الدولية، السنة 244، العدد 171، يناير 2008، ص 36.

 

[29]-    حسن نافعة، الاتحاد الأوروبي والدروس المستفادة عربيًا، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، طبعة أولى، 2004، ص 520.

 

[30]-    المرجع نفسه، ص 520.

 

[31]-    القوات الأميركية (والأجنبية) الموجودة في الخليج حتى العام 2003، معلومات، يصدرها المركز العربي للمعلومات بالتعاون مع جريدة السفير اللبنانية، العدد 51، شباط/فبراير 2008، ص 24.

 

[32]-    المرجع نفسه، ص 24.

 

[33]-    المرجع نفسه، ص 24.

 

[34]-    المرجع نفسه، ص 24-25.

 

[35]-    المرجع نفسه، ص 25.

 

[36]-    المرجع نفسه، ص 27. أنظر أيضًا: ياسين سويد، الوجود العسكري الأجنبي في الخليج، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، طبعة أولى، 2004، ص 116.

 

[37]-    السفير، تاريخ 16/1/2008.

[38]-    الملف الإحصائي، المستقبل العربي، العدد 194، نيسان/ابريل 1995، ص 164.

 

[39]-    التسلح ونزع السلاح الأمن الدولي، معهد سيبري (Sipri) الكتاب السنوي، 2008، إشراف وتحرير مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، طبعة أولى، 2008، ص 358-359.

 

[40]-    المرجع نفسه، ص 347.

 

[41]-    المرجع نفسه، ص 321.

 

[42]-    المرجع نفسه، ص 371-372.

 

[43]-    المرجع نفسه، ص 319-320.

 

[44]-    المرجع نفسه، ص 284.

 

[45]-    صالح بن عبد الرحمن المانع، العلاقات العالمية لمجلس التعاون، مرجع سابق، ص 5.

 

[46]-    المرجع نفسه، ص 5.

 

[47]-    شحاتة محمد ناصر، الخليج والطفرة النفطية الثانية: أولويات الإنفاق، السياسة الدولية، العدد 171، يناير (كانون الثاني) 2008، ص 64.

 

[48]-    علي خليفة الكواري، الطفرة النفطية الثالثة: قراءة أولية في دواعي وحجم الطفرة (حالة أقطار مجلس التعاون)، في: إبراهيم شريف السيد و[آخرون]، الطفرة النفطية الثالثة وانعكاسات الأزمة المالية العالمية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، طبعة أولى، 2009، ص 64-68.

 

[49]-    المرجع نفسه، ص 77-79.

 

[50]-      Institute of international finance "Summary Appraisal", gulf cooperation council countries. 21 December 2007, pp. 8-9.

 

[51]-    Ibid, pp. 8-9.

 

[52]-    حسن نافعة، الاتحاد الأوروبي والدروس المستفادة عربيًا، مرجع سابق، ص 520.

 

[53]-    علي الحاج، سياسات دول الاتحاد الأوروبي...، مرجع سابق، ص 239.

 

[54]-    حنان رجائي عبد اللطيف، الاقتصادات الخليجية وتداعيات الأزمة المالية، السياسة الدولية، السنة الخامسة والأربعون، العدد 175 يناير (كانون الثاني)، 2009، ص 177.

 

[55]-    محمد سعد أبو عامود، الخليج والاندماج في الاقتصاد العالمي: قطر والبحرين نموذجًا، السياسة الدولية، العدد 171، يناير 2008، ص 54.

 

[56]-    حنان رجائي عبد اللطيف، الاقتصادات الخليجية...، مرجع سابق، ص 177.

 

[57]-    خليل جهشان، العلاقات الخليجية-الأميركية في: أدمون غريب و[آخرون]، الوطن العربي في السياسة الأميركية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، طبعة أولى، 2002، ص 121.

 

[58]-    أحمد صدَّام عبد الصاحب الشبيبي، واقع واتجاه التجارة الخارجية السلعية في دول مجلس التعاون الخليجي، بحوث اقتصادية عربية، السنة الخامسة عشرة، العددان 43 - 44، صيف - خريف 2008، ص 74.

 

[59]-    يوسف خليفة اليوسف، الإمارات العربية المتحدة: منظمة التجارة العالمية وتحرير القطاع الزراعي، بحوث اقتصادية عربية، السنة السادسة عشرة، العدد 45، شتاء 2009، ص 75.

 

[60]-    بشارة خضر، أوروبا وبلدان الخليج العربية: الشركاء الأباعد، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، طبعة ثانية، 1997، ص 149.

 

[61]-    المرجع نفسه، ص 519.

 

[62]-    حسن نافعة، الاتحاد الأوروبي والدروس المستفادة عربيًا، مرجع سابق، ص 519.

 

[63]-    شريط عابد: أثر ظهور اليورو على الاقتصادات الدولية والعربية، بحوث اقتصادية، السنة الرابعة عشرة، العدد 38، ربيع 2007، ص 62-63.

 

[64]-    بشارة خضر، أوروبا وبلدان الخليج العربية...، مرجع سابق، ص 239.

 

[65]-    من وقائع حلقة دراسية عُقدت في بروكسل في 15 كانون الأول (ديسمبر) 1988، أنظر عرضًا لها في:

        Le Pétrole et Gaz Arabes (1 janvier 1989), pp. 35 - 36.

        ورد في: بشارة خضر، أوروبا وبلدان الخليج العربية...، مرجع سابق، ص 144-145.

[66]-    أهم هذه المؤتمرات:

         مؤتمر غرناطة 15-22 شباط/فبراير 1990.

         مؤتمر مسقط 17 آذار/مارس 1990.

        مؤتمر الدوحة/قطر تشرين الأول/أكتوبر 1992.

        للمزيد من التفاصيل أنظر: بشارة خضر، المرجع نفسه، ص 146 - 147، وكذلك مجيد هادي مسعود، المؤتمر الثاني للصناعيين بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ونظرائهم الأوروبيين، المستقبل العربي، السنة الخامسة عشرة، العدد 169، آذار/مارس 1993، ص 157 - 165.

 

[67]-    صالح بن عبد الرحمن المانع، العلاقات العالمية لمجلس التعاون...، مرجع سابق، ص 8.

 

[68]-    المرجع نفسه، ص 8.

 

[69]-    جماعة من الاختصاصيين السوفيات، خصائص ومميزات التطور الاجتماعي والسياسي للبلدان العربية في الخمسينيات - السبعينيات، ترجمة إخلاص علي، دار الفارابي، بيروت، 1986، ص 37.

 

[70]-    المرجع نفسه، ص 37-38.

 

[71]-    عَلَّة مراد، الأزمة المالية العالمية... تأمل ومراجعة، بحوث إقتصادية عربية، السنتان 16-17، العددان 48 - 49، خريف 2009 - شتاء 2010، ص،8.

 

[72]-    ورد في المرجع نفسه، ص،8.

 

[73]-    محمد مراد، أوروبا من الثورة الفرنسية إلى العولمة: الأقتصاد، الإيديولوجيا، الأزمات، دار المنهل اللبناني للنشر والتوزيع، بيروت، طبعة أولى، 2010، ص 270.

 

[74]-    علَّة مراد، الآزمة المالية العالمية، بحوث اقتصادية عربية، العددان 48 - 49 خريف 2009 - شتاء 2010، ص،17 - 18، أنظر أيضًا، تفاقم البطالة في العالم أولى نتائج الأزمة المالية، الجزيرة. نت (الاقتصاد والأعمال) تاريخ 23 تشرين الثاني ،(نوفمبر 2008).

 

[75]-    نزيرة الأفندي، الاقتصاد الدولي بين التأرجح الأوروبي والاقتصادات الصاعدة، السياسة الدولية، السنة السادسة والأربعون، العدد 180 ، أبريل/نيسان 2010، ص،52.

 

[76]-    المرجع نفسه، ص، 52.

 

[77]-    المرجع نفسه، ص، 51.

 

[78]-    أحمد سعيد نوفل، متحدون في التنوّع: الاتحاد الأوربي بين القدرات والتحديات، المجلة العربية للعلوم السياسية، العدد 26، ربيع 2010، ص،144.

 

[79]-    المرجع نفسه، ص، 140-141.

 

Center of gravity of the US and the EU capitals in the Arab Gulf (the Euro – Dollar conflict)

 

The Arab Gulf holds a special importance from the perspective of strategic interests to both American and European capitalisms, it rather holds an international interest by reason of storing a power stockpile considered as the most important power reserve in the world. This reserve will remain until many coming decades a strategic commodity playing the central role in industrial needs and in strengthening the accumulative capitalist turnover either through financial deposits as reserves in hard currencies on one hand or through investments in the development field on the other hand.
If the US capitalism reached the peak of the capitalist world pyramid following World War II, European capitalisms which were drained by economically and humanitarianly destructive wars did not retire from their capitalist positions. However, the European countries began overcoming European internal conflicts to embark upon a new distinguished experiment of unity and integration that is the experiment of the European Union which included until 27 European countries until 2007 and it is nominated to join another number of countries. This comes in a series of serious European attempts aimed at consolidating internal political and economic integration and developing it in hope of the emergence of the European Economic polarity on the international level.
And since Europe represented the factor of balance between the American and Soviet polarities during the Cold War era, thereupon, the end of this war with the fall of the Soviet Union in the beginning of the nineties turned Europe into an international polarity power which competed with the American polarity that aimed to establish its leadership over the world.
Based on these facts, the European – American competition stand out to take hold of a distinguished location in the Gulf market based on the notion that this market represents a vital source of power and a financial surplus considered as the most important financial blocs in the world. The bloc has currently become more than ever the top priority on the agendas of European and American interests since it could be one of the most crucial factors in rectifying the performance of the capitalist system especially in western countries where it is most concentrated in addition to assisting it in overcoming its current crisis represented by a pressing state of recession on the economic and financial levels.
This study attempts to give a sufficient image concerning the nature of the network of interests between the six Gulf States on one hand and the United States and the European Union on the other hand. With regard to the most notable bilateral relations between the Gulf States and the United States and between the Gulf States and the European Union the study will tackle six main axes:
1 – the Gulf from the perspective of European and American Strategic Security
2 – the security of power
3 – Transforming the Gulf into a military zone and turning it into a vital market for American and European arms trade
4 – mutual investments between the Gulf States and both the European Union and the United States
5 – The market interactions between the Gulf States and the European Union and the United States
6 – Between the notion of Petrodollar and Eurodollar

Centre de gravité des États-Unis et des capitales de l’UE dans les pays arabes du Golfe (Le conflit de l’Euro - Dollar)


Les pays arabes du Golfe ont une importance particulière du point de vue des intérêts stratégiques pour les capitalismes américain et européen puisqu’ils  détiennent un puissant stock considérée comme la réserve la plus importante dans le monde. Cette réserve restera, pour de nombreuses décennies à venir, un produit stratégique qui joue le rôle central des besoins industriels et qui renforce le chiffre d’affaires cumulé capitaliste, soit par des dépôts financiers tels que les réserves en devises fortes, d’une part ou par des investissements dans le domaine du développement d’autre part.
Si le capitalisme américain a atteint le sommet de la pyramide suivante : monde capitaliste de la Seconde Guerre mondiale, les capitalismes européens ont été vidés par les plans économique et humanitaire destructeurs des guerres. Toutefois, les pays européens ont commencé à surmonter les conflits internes et à se lancer dans une nouvelle expérience unique de l’unité et de l’intégration qui est l’expérience de l’Union européenne qui comprenait 27 pays européens jusqu’en 2007 et ce chiffre a augmenté après quelques temps. Cela provient d’une série de graves tentatives européennes visant à consolider l’intégration interne politique et économique et son développement dans l’espoir de l’émergence de la polarité économique européenne sur le plan international.
Et puisque l’Europe représente le facteur d’équilibre entre les polarités américaine et soviétique pendant la guerre froide, alors, la fin de cette guerre avec la chute de l’Union soviétique au début des années nonante fait de l’Europe une puissance internationale dont la polarité est en concurrence avec la polarité américaine qui visait à établir son leadership dans le monde entier.
Sur la base de ces faits, l’Union européenne – Amérique tente de gagner un emplacement prestigieux dans les marchés du Golfe, reposant sur l’idée que ce marché représente une source essentielle du pouvoir et un excédent financier considéré comme le plus important des blocs dans le monde . Le bloc est actuellement devenu plus que jamais la priorité sur les agendas des intérêts européens et américains, car il pourrait être l’un des facteurs les plus déterminants dans la rectification de la performance du système capitaliste en particulier dans les pays occidentaux où elle est la plus concentrée en plus de l’aider  à surmonter sa crise actuelle représentée par un état de récession aux niveaux économique et financier.
Cette étude tente de donner une image suffisamment  claire et precise sur la nature du réseau d’intérêts entre les six Etats du Golfe, d’une part et les États-Unis et l’Union européenne d’autre part. En ce qui concerne les relations les plus notables bilatéraux entre les États du Golfe et les États-Unis et entre les États du Golfe et l’Union européenne l’étude abordera six axes principaux:
1-    le golfe du point de vue européen et américain de la sécurité stratégique
2-    la sécurité de l’alimentation
3-    transformer le Golfe en une zone militaire et en un marché vital pour les armes américaines et européennes de commerce
4-    les investissements mutuels entre les Etats du Golfe et à la fois l’Union européenne et les États-Unis
5-    Les interactions de marché entre les Etats du Golfe et l’Union européenne et les États-Unis
6-    entre la notion de pétrodollars et des eurodollars